- تونس ترسخ صدارتها عربيا في مؤشر الديمقراطية
- تونس تقفز بنحو عشرين مرتبة في مؤشر تراجع الجريمة والعنف بفضل استباب الامن والالتزام بالقانون
- تحسن تدريجي لمؤشرات الادارة والحكومة وتعزز قوي للمحاسبة وانفاذ القانون والتقاضي
- تونس قد تستقبل مزيدا من الاستثمار بعد تحسن بيئة الاعمال وزيادة الشفافية وتقلص مدركات الفساد
- طريقة تواصل الرئيس قيس سعيد مع الشعب والادارة والتزامه باوليات الشعب ورفض التدخل الخارجي تعزز مؤشري الثقة الشعبية في الدولة والانتماء الوطني
الكويت، 3 مارس 2024 (csrgulf): نجحت تونس رغم التحديات في كسب جولة أولى مهمة ومفصلية نحو تغيير ملهم. فبفضل عوامل كثيرة كتحسن أداء الدولة، تحسن في المقابل مؤشر الثقة الشعبية في الحكومة، كما تعزز مؤشر الانتماء الوطني بشكل لافت، حسب استنتاج لاستطلاع لشريحة عشوائية من اراء مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي.
وخالفت النتائج التونسية أغلب توقعات المؤسسات الدولية أو مراكز الأبحاث والتي كانت ترجح تعثر البلاد اقتصاديا وسياسيا، ونجحت بخلاف هذه التوقعات، بشكل مذهل في كسب التحديات خلال الجولة الأول لعملية التغيير التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد. تمسك بخيار وطني للإصلاح والبناء فرض احتراما دوليا لخيارات تونس ورئيسها الذي يستلهم هذه الخيارات من شعار حالم، ظل متمسكاً به منذ انتخابه، وهو “الشعب يريد”. وبفضل التزامه بالخيار الوطني وعدم قبول التاثير الخارجي، وانفتاحه على العلاقات الندية، تعززت القوة الناعمة لتونس وأصبحت ديبلوماسيتها تحظى بتقدير أكبر.
وأكثر تطور لافت هو أداء الرئيس وسياسته التواصلية مع الشعب وأيضا مع الإدارة، حيث رسّخ سياسة القرب بين المسؤول والمواطن، كما رسّخ سياسة الحرص على ممارسة دور الرقابة المباشرة على أداء المؤسسات العمومية وتحسين خدماتها للمواطن وتقليص روتينها البيرقراطي وتحسين معايير الخدمات.
وهذا ما عزز بشكل تصاعدي تحسن مؤشري الثقة والانتماء. وبفضل هذا التحسن، من المنتظر ان يضطلع كل من المجتمع والأفراد والمؤسسات مستقبلاً وبشكل طواعي بدور أكبر في مسار الانخراط في عملية التغيير والبناء التي دعا لها رئيس البلاد قيس سعيد منذ انتخابه في 2019 وظل ملتزما باهم شعار لفلسفة التغيير التي يؤمن بها وهي الشعب يريد. وبفضل ذلك، تحسن التمثيل الشعبي في عملية صنع القرار. وعلى ان يكون القرار سياديا تونسيا خالصا مستقلا عن كل الضغوط والتأثيرات الخارجية مهما كان مصدرها او ثقلها. وهو ماركم الشعور بالاعتزاز بالوطنية لدى التونسيين واحساسهم بالمسؤولية في صنع تاريخ جديد لبلادهم.
وبفضل سلمية مسار الانتقال الديمقراطي والالتزام بترسيخ دولة القانون والمؤسسات، تبقى تونس في صدارة دول العالم العربي في مؤشر الديمقراطية[1]. على صعيد آخر، فان الالتزام الحكومي بتطبيق القانون وعلويته والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب والمساواة امام العدالة، دعم تحسن مؤشر الالتزام باحترام القانون. احدى ثمار هذا المسار، تقلص مذهل لمؤشرات العنف والجريمة في تونس بين 2024 مقارنة 2021. حيث قفزت تونس من مرتبة 73 في 2021 الى 81 في 2024، حيث تحتل اندورا المرتبة الأولى عالميا (146) والامارات المرتبة الثانية عالميا (145)[2]. وهذا التحسن الملموس في الأمن، يعتبر إنجاز ويعكس مدى التزام المواطنين بالقانون وتجنب العنف.
وجاءت تونس في المرتبة الثالثة عربياً في 2022[3] في مؤشر انفاذ القوانين ويمكن أن تتصدر المؤشر عربياً اذا استمر العمل على تحفيز نفاذ القانون. وخلال 2022 و2023 تحسنت مؤشرات أداء الانفاق الحكومي ونجاعة التقاضي والاندماج والانسجام الحكومي وحرية العمل لكن تبقى حرية الاستثمار والتجارة بحاجة للتحسين[4]. وبدورها ممارسة قيم العدالة والشفافية والحرية شهدت تحسناً تدريجيا وهو ما انعكس إيجابا في النهاية على زيادة اشعاع سمعة تونس كوجهة آمنة.
استقرار أغلب المؤشرات مسار مطمئن
على صعيد آخر، حافظت الحكومة على استقرار أغلب مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية رغم التحديات والتي تفاقمت تباعا منذ بداية وباء كورونا مرورا بالحرب الأوكرانية ووصولا الى العدوان على غزة، وكلها أحداث رفعت من مستويات التضخم العالمي خاصة لأسعار الطاقة، وتأثرت تونس بذلك كبقية دول العالم، لكنها نجحت في كبح جماح موجات التضخم، وأيضاً التزمت بسياسات دعم المواد الأساسية ولم ترفع من أسعار المواد البترولية، في سعي لدعم القدرة الشرائية للفئات الهشة. وهو ما انعكس على عدم زيادة الفقر وتراجع معدلاته[5] مقارنة بعام 2020 حين انتشرت الجائحة واضرت بالاقتصاد بسبب الاغلاق.
لكن اللافت في تجربة تونس والفريد من نوعه، انه في الوقت الذي عاشت دول كثيرة اضطرابات بسبب الازمات الاقتصادية المتلاحقة، صمدت الحكومة التونسية، رغم الديون المتراكمة، التي خلفتها سياسات الحكومات السابقة بعد ثورة الياسمين، في فرض منوال وطني للتنمية لا يخضع لشروط المؤسسات المالية او الحكومات الغربية.
فتونس راهنت على تقدير المنتج الوطني وإعادة تقييمه وترويجه بشكل جيد مقابل تقليص الاعتماد على الواردات في بعض القطاعات. وكان قطاع الصحة الاستشفائية نموذج نجاح في تحسين جودة وقيمة الخدمات ما حفز اقبالا عالميا على تونس من اجل الخدمات الاستشفائية.
استقرار سياسة الدعم
ورغم المديونية، نجحت تونس في الحفاظ على استقرار سياسات الدعم، ومتانة صرف العملة، في المقابل تجنبت التعثر او التخلف في سداد الديون. وكان هذا بداية رصد مؤشر التعافي التدريجي للحكومة من وطأة أزمات كبرى.
ويمكن النظر الى استئناف تحسن مستويات التصدير والاستثمار، مع توقعات إيجابية بأرقام قوية لانتعاشة السياحة هذا الموسم مع عدم استبعاد زيادة تحويلات التونسيين بالخارج ونمو تدفق الاستثمار الأجنبي. فكل عوامل الاستقرار باتت مقنعة للشركات او المستثمرين للإيمان بجدوى الاستثمار في تونس بعد التركيز الحكومي على خفض كلفة الفساد وتقليص مدركاته وتحسين شفافية بيئة الأعمال وتسريع الإجراءات وخفض البيروقراطية من خلال تحفيز سرعة اتخاذ القرارات وتقلص التداخل بين الاقتصادي والسياسي وتحرر الإدارة نحو تحفيز سهولة الاعمال وسرعة الإجراءات.
ويدعم تحسن مؤشرات تونس التفاؤل على المدى القريب بتحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي بفضل تعزز عامل الاستقرار ومتانة دور الدولة رغم الازمات العميقة التي تطلب اصلاحا عميقا وتظافر الجهود. كما ان السياسات المراهنة على تعزيز صنع تونس للثروة في كل القطاعات قد يحفز أكثر الصادرات التونسية ذات القيمة المضافة ويعزز سرعة تعافي دورة الإنتاج والتوزيع وزيادة التوظيف وتقلص البطالة وتدني مؤشرات الفقر.
احترام دولي
نجحت تونس في فرض الاحترام الدولي لخياراتها خاصة الاقتصادية. فبعد نجاحها في عدم التخلف عن سداد الديون ونجاح بدائل الحكومة في معالجة الازمة المالية كالتعويل على البنك المركزي والاقتراض الداخلي، وبعد ثبات سعر صرف العملة والتي تعد بين اقوى العملات الافريقية اليوم، أشاد صندوق النقد الدولي أخيرا سواء عبر السيدة كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة للصندوق او جهاد ازعور مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بنجاح تونس في الإيفاء بالتزاماتها، واحترام خياراتها الوطنية ومقدراتها الذاتية.
اعتراف دولي أخير ينضاف اليه نجاح تونس في استقرار مؤشرات مكافحة الفساد وتعزز جهود الدولة في تحسين مناخ الشفافية لبيئة الاعمال وزيادة المحاسبة وتطهير الإدارة، وتحسين كفاءة مواردها البشرية، ورفض تخصيص مؤسساتها الرابحة والرهان على تأهيلها للعودة للربحية، فضلا عن تحسين نجاعة السياسات الجبائية ومقاومة الاقتصاد الموازي، وتعزيز شروط التفاوض من اجل الشراكات الاقتصادية او الحصول على القروض، كل هذه النجاحات دعمت قوة تموقع تونس سواء في المشهدين الاقتصادي او السياسي.
حيث على عكس ما تروج له بعض وسائل الاعلام، سمحت خيارات تونس في فرض رؤيتها الإصلاحية والتنموية احترام العالم. حيث تحسنت سمعة تونس على عكس ما يتم ترويجه، فرئيس الحكومة الفرنسي المعين حديثا غبريال عطال لم يمضي في منصبه أسبوعا حتى وجه دعوة لنظيره التونسي لزيارة باريس بهدف النظر في تعزيز الشراكة بين البلدين. أيضا كان لكل من رئيسة وزراء إيطاليا وبقية زعماء أوروبا مواقف تعكس احترام خيارات تونس والالتزام بالتعاون معها.
كما أشادت حتى القوى العظمة كأميركا وروسيا والصين بأهمية الدور الذي تلعبه تونس في الانتصار لمسار انتقال الى مصاف الدول القوية المعولة على قدراتها والطامحة للتنافس الندي.
ومن خلال ترشيد الانفاق الحكومي، وتقلص الحاجة للتداين تدريجيا، تحررت تونس من ضغوط الرضوخ للمؤسسات والحكومات العالمية من اجل الحصول على القروض. وان استمر تشبث تونس بالمسار التصحيحي للإدارة والسياسات التنظيمية ومكافحة الفساد والرهان على المقدرات التونسية والثروة البشرية، فقد تكون تونس قصة نجاح ملهمة لجل العرب في المستقبل القريب.
2024 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Democracy index, https://www.protothema.gr/files/2024-02-15/Democracy-Index-2023-Final-report.pdf
[2] Crime index numbeo 2024, https://www.numbeo.com/crime/rankings_by_country.jsp?title=2024
[3] Rule of law index, https://worldjusticeproject.org/rule-of-law-index/global/2023/historical
[4] Index of Economic Freedom, https://www.heritage.org/index/pages/all-country-scores
[5] Poverty tunisia, https://www.statista.com/statistics/1218681/poverty-headcount-ratio-in-tunisia/#:~:text=In%202024%2C%20the%20poverty%20rate,the%20poverty%20rate%20in%202020.