الكويت، 7 أكتوبر 2023 (csrgulf): لا يبدو أن فرضية التطبيع بين السعودية وإسرائيل قد تكون حدثاً عادياً يمر مرور الكرام مثل ما شهدته الامارات والبحرين والمغرب والسودان وقبلها مصر والأردن. تدرك المملكة جيداً أن القبول الشعبي لفكرة التطبيع مع اسرائيل يشترط إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وهو أمر ترفضه تل آبيب بشدة. وما عدى ذلك، فتحقق هذه الفرضية دون حل القضية الفلسطينية قد يعارضها السواد الأعظم من السعوديين والشعوب العربية، وتداعيتها قد تقلب موازين الشرق الأوسط، وقد تجمد نسق التقارب مع إيران، كما قد تؤثر على الرمزية الدينية للمملكة ومصالحها مع عدد من الدول التي ترفض علاقات مباشرة مع إسرائيل مهما كانت المبررات.
حسب الجزء الثالث من الدراسة عن فرضيات نجاح مسار التطبيع الذي تقوده الرياض مع كل من طهران وتل ابيب بوساطة أمريكية، الانفتاح على فكرة التواصل المباشر مع إسرائيل وان سيحقق فائدة اقتصادية كبرى للمملكة، الا أن تقبله شعبياً قد تطلب سنوات بل جيلا آخر، وهذا المسار قد يدفع السعودية الى ضرورة احداث تغيير جذري في وعي المجتمع المعادي تاريخيا للكيان الصهيوني وإعادة تشكيل وعي بديل جديد براغماتي يقوم على إعادة تعريف الخصوم والأصدقاء على أساس المصالح وليس على أساس الأيديولوجيا.
وخلال السنوات الأخيرة بدعوى الانفتاح، تعمل المملكة على دعم تحقيق درجات أكبر للتسامح والتعايش في المجتمع السعودي لتقبل التحولات الضخمة التي بصدد التحقق. لكن ضيق الحيز الزمني لإحداث تحول شامل في الثقافة والوعي السعودي قد لا يكفي لتقبل كل مشاريع الانفتاح الآخذة في التوسع والتنوع خاصة فيما يتعلق بالانفتاح على علاقة مباشرة مع الدولة العبرية.
فرضية تحقق اتفاق تطبيع سعودي مع الإسرائيليين قد لا تكون واقعية على المدى القريب لتقيدها بعراقيل كثيرة. احتمال تحقق الخطوات الأولى من التطبيع ولو تدريجياً قد لا يكون له أي أثر على الأرض، وقد ينحو مسار بقية اتفاقيات التطبيع السابقة التي أبرمتها دول عربية مع إسرائيل، حيث من المتوقع أن يقتصر أي احتمال للتطبيع على العلاقات والمصالح الرسمية بين الحكومات والمؤسسات، رغم أن تجربة التطبيع مع بعض الدول العربية تجاوزت ذلك في حالة الاتفاق مع المغرب والامارات والتي استقبلت كل منهما سياحاً إسرائيليين في ظل مبدأ التشجيع على السياحة ضمن مبدأ التعايش والتسامح.
عموماً، فان التطبيع السعودي أو الخليجي أو العربي، حسب بعض التقارير، لا يمكنه أن يخرج مساره عن الدوائر الرسمية الضيقة على المدى القريب، حيث يعارضه السواد الأعظم من الشعوب العربية التي تتبنى بقوة ثقافة المقاومة وعداء إسرائيل من منطلق ديني وأيضا بسبب استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. كما ينظر للتطبيع شعبياً على أنه جريمة خيانة عظمى في عدد من الدول العربية والمسلمة.
كما أنه من غير المحتمل والمستبعد أيضاً قيام الجهات الرسمية أو المجتمع المدني بالترويج في الأوساط الشعبية أو الاعلام المحلي السعودي للتطبيع أو التصالح مع الإسرائيليين، حيث قد يلاقي ذلك رفضاً وغضباً شعبياً. وبذلك تبقى مسارات التطبيع تسلك الممرات الحكومية فقط. ولا يمكن فرضها على الشعوب في المدى القريب.
تشير بعض التقديرات الى أنه إذا نجح منوال التطبيع المزدوج الذي تسعى اليه المملكة، فقد تكون حققت انجازا تاريخياً، لكنه محفوف بالمخاطر العالية. يكفي تصور سياح إيرانيين واسرائيليين يتجولون سوياً في السعودية بكل حرية في ظل تسامح وتعايش مثالي. هذه الفرضية ان حدثت قد تحدث تغييرا في قناعات الجيل القادم في الشرق الأوسط لكنها قد تكون بمثابة الصدمة للجيل الحالي.
ويكفي تصور استهلاك البضائع الإسرائيلية علناً في الأسواق الخليجية والعربية، ويكفي أيضا تصور قيام العرب بالعمل تحت قيادة إداريين إسرائيليين كما يحدث ذلك في أوروبا والولايات المتحدة. هذه الفرضيات ان تحققت، تفترض بدورها ثورة في الوعي وصدمة في القناعات السائدة حول علاقة العداوة مع الإسرائيليين تاريخياً. لكن لا يبدو أن المجتمع الخليجي والعربي والإسلامي لديه استعداد كافي لتقبل تحقق مثل هذه الفرضيات. فمصر والأردن على سبيل المثال، رغم انهما طبعتا مع اسرائيل منذ عقود، ما تزال شعوبها ترفض مسار التطبيع.
وتبرز مخاطر على الرمزية الدينية للمملكة وقيادتها للعالم السني بتطبيع علاقاتها المباشرة مع إسرائيل إذا استمر الاحتلال واعتماد القدس عاصمة إسرائيلية. وهو ما قد لا يتقبله الشارع العربي بشكل سلس. حيث لا تظهر إسرائيل أي استعداد للتخلي عن القدس كعاصمة لها.
وفي ظل اعلان احتمال التقارب بين السعودية وكل من إسرائيل وإيران في الآن نفسه، فان فرضية قرب إسرائيل من إيران قد تحتّم عدم استبعاد فرضيتين اما التصادم أو التطبيع بين طهران وتل ابيب.
لكن على أرض الواقع، لا يمكن توقع استمرار مشروعية النظام الإيراني إذا استغنى عن ايدولوجية عداء إسرائيل والولايات المتحدة، حيث لطالما مثّل هذا العداء التاريخي للأمريكان والإسرائيليين من قيام الثورة الايرانية، الشرعية الأساسية لاستمرار توهّج النظام الإيراني، الذي يصدّر نفسه للعالم الإسلامي كدولة محافظة تتبنى نهج المقاومة ورفض هيمنة الغرب ومقاومة الصهيونية. وبالتالي في ظل محافظة النظام الإيراني على ثوابته، لا يمكن توقع استمرار التوافق السعودي الإيراني إذا أقدمت المملكة على التطبيع رسمياً مع إسرائيل.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF