الكويت، 7 أكتوبر 2023 (csrgulf): رغم تسارع وتيرة الزيارات والمباحثات بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين برعاية أمريكية لتذليل عقبات اتفاق التطبيع، لا يزال التطبيع الدبلوماسي الكامل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يواجه عقبات كبيرة. فمع أن الملف الفلسطيني والنقاش حول وضع القدس فقدا جزءًا من الأهمية الإقليمية والدولية، لا يزالان يشكلان شرطين أساسيين في أي اتفاق سلام محتمل بين السعودية وإسرائيل.
ضمن الجزء الثاني من الدراسة حول عن فرضيات نجاح مسار التطبيع الذي تقوده الرياض مع كل من طهران وتل ابيب بوساطة أمريكية، خلص البحث الى أي اتفاق للتطبيع السعودي والإسرائيلي يفترض حلاً للقضية الفلسطينية الإسرائيلية المستمرة منذ عقود، والتي لم يتم حلها حتى الآن. صفقة من المفترض أن تتضمن شكلاً من أشكال الدولة الفلسطينية أو الاستقلال. ويفترض البحث أن اي اتفاق يستبعد حل القضية الفلسطينية قد يعزز مشروعية المقاومة التي قد تلاقي دعما من ايران الرافضة بشكل مطلق التقارب مع اسرائيل.
فرضية تهميش القضية الفلسطينية قد تؤجج غضباً شعبياً فلسطينياً وعربياً، وقد يعزز تقارب الإيرانيين مع الفلسطينيين لدعمهم بالسلاح وتحفيز المقاومة المسلحة والهجمات العسكرية ضد إسرائيل ما يفترض ردة فعل إسرائيلية قد تهدم كل شرعية لمسار التطبيع المنشود.
وباستطلاع الرأي العام السعودي، يصرّ السواد الأعظم من السعوديين، على منح أهمية كبيرة لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، حيث إن استطلاعًا للرأي أجراه معهد واشنطن في شهري يوليو وأغسطس 2022 أفاد أن 76 في المائة من المستطلَعين السعوديين ينظرون بشكل سلبي إلى “اتفاقيات أبراهام.” وبما أن الرياض هي المصممة الرئيسية لمبادرة السلام العربية لعام 2002، قد يكون من الصعب عليها تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إذا لم يحقق اتفاق السلام تغيرات ملموسة للفلسطينيين.
الى ذلك تربط المملكة مقبولية أي اتفاق مع إسرائيل في الداخل السعودي أو الشارع العربي والإسلامي بحل القضية الفلسطينية، والذي ان تم بشكله العادل، سيمثل نصرا ديبلوماسيا تاريخيا يحسب للقيادة السعودية ويدعم زعامتها للعالم العربي والإسلامي دون منازع.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد اعترف في حواز تلفزيوني مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية في سبتمبر 2023، بوجود مفاوضات مستمرة من أجل عقد اتفاق تاريخي مع إسرائيل مشددا على أن حل القضية الفلسطينية مهم عند الحديث عن العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، وقال: “إذا نجحت إدارة بايدن، فيما أعتقد أنه سيكون أكبر اتفاق تاريخي منذ الحرب الباردة، فسوف نبدأ العلاقة بعد ذلك، وتلك العلاقة ستكون مستمرة بغض النظر عمن يدير إسرائيل، وإذا حققنا تقدماً في التوصل إلى اتفاق يمنح الفلسطينيين احتياجاتهم ويجعل المنطقة هادئة، فسنعمل مع أي شخص يكون موجوداً في إسرائيل”[1].
وصحيح أنه من المستبعد أن تحقق هذه المفاوضات الجارية بين السعوديين والأمريكيين والاسرائيليين إنجازات كبيرة على المدى القصير، إلا أنها تدل على نية متبادلة للتغلب على خطوط الصدع الآنية والتركيز على التخفيف من حدة التوتر وتوسيع مجالات التعاون في الوقت نفسه. ولكن معظم هواجس المملكة الأمنية العميقة بشأن الطموحات الإيرانية بقيت من دون حلّ. وهو ما حث المملكة على استباق المخاطر ورأب الصدع مع إيران لاحتواء التهديدات المحتملة.
على صعيد آخر، حسب الإسرائيليين، يعكس الاستعداد للعمل جنبًا إلى جنب مع اسرائيل تصورًا متزايدًا داخل المملكة العربية السعودية بأن إيران تشكل تهديدًا أكبر من الدولة العبرية. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي داخل المملكة العربية السعودية أن 53% من السعوديين يعتقدون أن إيران هي خصمهم الرئيسي، مقارنة بـ 18% فقط يعتقدون نفس الشيء بالنسبة لإسرائيل[2].
الا أن 85% من السعوديين يدعمون مبادرة السلام العربية فقط التي تقودها السعودية ولا يؤيدون مبادرة صفقة القرن بالشروط الاسرائيلية، وفقًا لوكالة أسوشييتد برس. ومن شأن هذه المبادرة السعودية التي تعود الى عام 2002 أن تؤدي حسب الراي السائد في المملكة إلى السلام بين إسرائيل وكل دولة عربية مقابل العودة إلى حدود فلسطين ما قبل عام 1967. في مقابل ذلك، اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الاكتفاء باتفاقية دفاعية أمريكية سعودية كجزء من اتفاق التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية لمعالجة المخاوف الإقليمية بشأن إيران[3].
في المقابل، انخرطت الولايات المتحدة بنشاط في تصور علاقات طبيعية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تقود لتطبيع تدريجي بينهما. ومع ذلك، فإن الوضع لم يتطور كما تصورته الولايات المتحدة. والسبب هو أن السعودية تصر على حل القضية الفلسطينية قبل التفاوض على العلاقات الثنائية، بينما تقول إسرائيل إن التطور المستقبلي للعلاقات بينهما لا علاقة له بشؤون الضفة الغربية وأنها لن تقدم أي تنازلات بشأن القضية الفلسطينية.
وقد أدت تصريحات الجانبين إلى خفض الحماس الأمريكي وهو ما يعكس أن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية لا يزال معوقًا وطويل الأمد رغم التصريحات الأخيرة بجدية تقدم المفاوضات سواء من الجانب السعودي أو الاسرائيلي.
وكانت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية شهدت توترات في السنوات الأخيرة بسبب عدم حسم القضية الفلسطينية. وفي عام 2020، وقعت إسرائيل على اتفاقيات إبراهام لإقامة علاقات طبيعية مع البحرين والإمارات العربية المتحدة، مما مثل مؤشرا جديدا في العلاقة السياسية العربية الإسرائيلية وتحولا إيجابيا في ديناميكيات العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] foxnews, Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman provides insight on his relationship with the U.S. and Israel on ‘Special Report, sep 2023, https://www.foxnews.com/video/6337519179112
[2] Jeremy Bender, Iran is turning Israel and Saudi Arabia into allies, Jun 18, 2015, https://www.businessinsider.com/iranian-nuclear-deal-uniting-israel-and-saudi-arabia-2015-6
[3] Israeli FM proposes anti-Iran defence pact with US as part of Saudi normalisation, august 2023, https://www.newarab.com/news/israeli-fm-proposes-anti-iran-pact-part-saudi-deal#:~:text=Israeli%20FM%20proposes%20anti-Iran%20defence%20pact%20with,as%20part%20of%20Saudi%20normalisation&text=Israeli%20Foreign%20Minister%20Eli%20Cohen,address%20regional%20concerns%20over%20Iran.