- هل تخسر إيران ولاء الشباب الشيعي في العراق ولبنان والمنطقة؟
الكويت، 8 أغسطس 2023 (csrgulf): لم يتبقى لإيران ذريعة قوية الا نشوب صراع مباشر مع إسرائيل في المنطقة من أجل استعادة القدرة على كسب ثقة جزء كبير من الشباب الشيعي داخل إيران أو استقطاب متعاطفين وموالين للولي الفقيه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي في مناطق نفوذ النظام في دول الجوار كالعراق ولبنان وسوريا وبعض دول الخليج. حيث فقد النظام الإيراني مساحات نفوذ واسعة خاصة في شارع الشباب الشيعي. العراق ولبنان أبرز مثال على ذلك.
في ظل زيادة معدلات البطالة والفقر والتهميش في كل من العراق ولبنان وسوريا، يزيد تذمر جزء كبير من الشباب في هذه المناطق من فشل السياسات الحكومية المراهنة على العلاقات والشراكة التفاضلية مع إيران في خلق فرص تنمية واستقرار. حيث اقتصر أغلب الدعم الإيراني لهذه الدول على المساعدات غير المحفزة للتنمية بقدر ارتباط حجم كبير منها بالدعم العسكري والاستخباراتي ودعم الميليشيات الموالية للنظام الايراني[1].
واستنتج رصد قام به المركز أن أغلب الدعم الإيراني للدول المجاورة والحليفة لها لم يدعم التنمية والاستقرار في هذه الدول بقدر ما خلق حالة من الفوضى وواقع استقطاب طائفي وسياسي كبير. فضلا عن اختلالات اقتصادية واجتماعية ومزيد من العزلة الإقليمية والدولية. كما تبين أن جزء كبير من الدعم الإيراني لجيران الجمهورية الاسلامية ذهب لصالح الميليشيات التابعة لها في هذه المناطق. ويمثل استمرار مثل هذا الدعم مخاطرة كبرى بسبب صحوة الشباب في هذه المناطق ومطالبتهم بتقليص مساحات النفوذ الإيراني داخل دولهم والتي أثبتت عدم جدواها في خلق بيئة ازدهار وانسجام مجتمعي.
في العراق، زادت نسبة التذمر من التدخل الإيراني في الشأن العراقي مع تصاعد خطاب الرفض لوصاية إيران على مصير العراق وتبين ذلك في شعارات العراقيين المحتجين الشباب في أكثر من مناسبة[2]. بعض القوى السياسية والشعبية الشيعية الوازنة في العراق في مقدمتهما التيار الصدري عبرت عن رفضها في أكثر من مناسبة للتدخل الخارجي في الشأن العراقي ومناهضة توسع النفوذ الايراني في العراق. كما لم تخفي الحكومة العراقية بدورها في عهد رئيسها السابق مصطفي الكاظمي رغم القيود والضغوط دعمها مسار تقليص النفوذ الإيراني المتجذر والذي تضمنه شبكة موالين واسعة لإيران داخل النخب الفاعلة السياسية والدينية والاقتصادية.
ومثلما فقدت إيران زخم التأييد اللامتناهي في العراق، شهد أيضا الولاء لسياسات النظام الايراني تصدعا خاصة بين فئة الشباب في بقية الدول التي توالي نخبها الحاكمة نظام المرشد كلبنان. فبقدر تعمق مشاكل البطالة والفقر والتهميش زاد الامتعاض والتذمر بين الشباب من عدم جدوى التقارب مع إيران في ظل زيادة الشكوى من شبهات فساد تلاحق نخب المصالح النافذة ورجال الدين الموالين للنظام الإيراني[3].
في حين أن أموال العراقيين، التي تضخ شهرياً بنحو مليار دولار في السوق الإيرانية كقيمة مشتريات منتجات مختلفة، تساعد على انتعاش الاقتصاد الايراني وخلق فرص مشاريع وتوظيف يستفيد منها الايرانيون، تزداد في المقابل، قيمة خسارة العراق اقتصادياً جراء علاقة تجارية سلبية آخذة في التصاعد، ليس مع إيران فقط، بل مع أغلب دول الجوار، حيث تعمّقت معدلات العجز التجاري للحكومة العراقية مع إيران والدول المجاورة. وهو ما انعكس سلباً على انخفاض معدلات الاستثمار في العراق واستمرار ارتفاع معدلات الفقر والبطالة[4].
رغم نمو العجز التجاري مع إيران، لم تسعى الحكومة العراقية لتدارك هذا الاختلال بزيادة تنويع الصادرات وتقليص الواردات، بل استمر نمو قيمة الواردات العراقية من إيران لتبلغ نحو 10 مليارات دولار[5] في 2022. مقابل قيمة متدنية جدا للصادرات العراقية نحو السوق الإيرانية والتي بلغت في 2018 نحو 60 مليون دولار وقفزت بنحو 800 في المئة في 2021 بشكل استثنائي عقب نهاية جائحة كورونا الى نحو 1.2 مليار دولار مع نمو حاجة السوق الإيرانية المؤقتة. في المقابل قفزت مشتريات العراق شهريا من ايران الى نحو 800 مليون دولار[6]. وبسبب العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الإيراني، زاد التركيز على غزو السوق العراقية.
وبالنظر لاختلال التبادل التجاري بين البلدين، يمكن القول بأن إيران تنظر الى العراق كسوق استهلاكية بامتياز لمنتجاتها ومحفز لاقتصادها القائم على التصدير، حيث تخطط لمضاعفة قيمة صادراتها الى السوق العراقية الى نحو 20 مليار دولار[7]. ويمثل نمو الواردات من دول الجوار عامل مقيد لتحفيز تنويع الإنتاج العراقي وزيادة نسبة الصادرات. حيث تعاني الصناعة العراقية من مشاكل هيكلية على مستوى البنية التحتية وتحديات الاستجابة لمواصفات الجودة العالمية.
التعويل المفرط الآخذ في النمو على الواردات الإيرانية لا يأتي من فراغ، بل هو مسار مدفوع بضغوط نمو شبكة المصالح الإيرانية في العراق فضلاً عن قوة تأثير النفوذ الايراني في أوساط النخب العراقية الحاكمة.
يسهم استمرار انفتاح السوق العراقية امام البضائع الإيرانية في اضعاف القدرة التنافسية للسلع العراقية خاصة في بعض المنتجات التي يمكن للعراق انتاجها كالمنتجات الغذائية.
وفي حين تعتبر العراق كمنقذ للاقتصاد الإيراني لا يسهم الأخير بأي قيمة مضافة للتنمية العراقية. وهو ما يعزز وصف العلاقات التجارية العراقية الإيرانية بالعلاقة السلبية لصالح إيران، وهو ما يمكن أيضا وصفه بالنفوذ الإيراني السلبي داخل العراق والمستفيد من نفوذه السياسي والديني.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] MICHAEL KNIGHTS, The Evolution of Iran’s Special Groups in Iraq
NOVEMBER 2010, VOLUME 3, ISSUE 11, https://ctc.westpoint.edu/the-evolution-of-irans-special-groups-in-iraq/; AMATZIA BARAM, Breaking away from Iran (Part 1): Lebanon, 2022, https://www.gisreportsonline.com/r/lebanon-hezbollah/; Iran Prevailing in Iraq and Lebanon, DECEMBER 24, 2019, https://thesoufancenter.org/iran-prevailing-in-iraq-and-lebanon/
[2] SHAYAN TALABANY, Youth-Led Movements Are the Ones to Watch in Lebanon and Iraq, 25TH MAY 2022, https://www.institute.global/insights/geopolitics-and-security/youth-led-movements-are-ones-watch-lebanon-and-iraq
[3] BESSMA MOMANI, A New Arab Spring Is Unfolding in Iraq and Lebanon. But Things Could Get Bloody If Iran Gets Its Way, NOVEMBER 7, 2019, Time, https://time.com/5721115/lebanon-iraq-protests-iran/
[4] The situation of Iraqi youth and unemployment, 2021, https://www.bayancenter.org/en/2021/10/2821/
[5] Tasnim news Agency, Iran Gas Exports to Iraq in 2022 Valued at $4 Billion: IRICA, May 2023, https://www.tasnimnews.com/en/news/2023/05/17/2896165/iran-gas-exports-to-iraq-in-2022-valued-at-4-billion-irica#:~:text=The%20total%20volume%20of%20trade,in%20this%20timespan%2C%20it%20said.
[6] Iran exports $800m of goods to Iraq in a month, 2020, https://kohantextilejournal.com/iran-exports-800m-of-goods-to-iraq-in-a-month/
[7] Xinhua, Iran, Iraq to increase trade to 20 bln USD annually: Iranian official, 2021, http://www.news.cn/english/2021-01/12/c_139662428.htm