الكويت، 15 يونيو 2023 (csrgulf): عادت مخاطر الفساد والرشوة في الكويت الى الارتفاع مجددا[1] بعد أن شهدت انخفاضاً منذ سنوات قليلة، وذلك بوجود محتمل لثغرات مستترة في منظومة الشفافية التي تهدف الحكومة لترسيخها في القطاع العام والخاص والمعاملات. وأثر عدم الاستقرار السياسي وتكرر حل وابطال مجلس الأمة في مدة وجيزة على عدم انتظام العمل الحكومي والذي أثر سلباً على زخم جهود الرقابة ومكافحة الفساد.
وقد تراجعت كفاءة ونجاعة مكافحة الفساد في الكويت خلال 2022، وذلك بانخفاض رصيد البلاد في مؤشر الشفافية الدولية مقارنة بعام 2021[2]. هذا التراجع يعزى للجمود السياسي وعدم انتظام العمل الحكومي والرقابي والتشريعي.
اللافت رصد زيادة كلفة مكافحة الفساد في الكويت بالنظر لخيار الحكومة الانفاق على انشاء مؤسسات خاصة برصد الفساد وذلك بدل تعزيز صلاحيات ديوان المحاسبة وزيادة انفاذ القوانين المتعلقة بجرائم الفساد. وتستمر المحسوبية والتدخل السياسي في الإدارة والشأن الاقتصادي من أبرز عوائق نجاعة الحرب ضد الفساد لأن الكثير من الناس في الكويت يعرفون بعضهم البعض نظرًا للقرب الوثيق والهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترابطة بفضل المكون القبلي.
كما انخفضت نجاعة انفاذ القانون[3] مقارنة بعام 2020. وقد تراجعت جهود الدولة في مكافحة مخاطر الرشوة التي ارتفعت مقارنة بعام 2020. حيث تأخر ترتيب الكويت في محاربة ظاهرة الرشوة من مرتبة 83 دوليا[4] في 2020 الى المرتبة 111 في 2022[5].
حصيلة جهود مراقبة الفساد تراجعت بدورها في 2021 مقارنة بعام 2020[6]. وتجدر الإشارة الى أن نجاعة مراقبة الفساد كانت أقوى بكثير قبل عقدين من اليوم في بداية الألفية الثانية منذ 2002 وحتى قبل انشاء هيئة رقابية لمكافحة الفساد المتمثلة في هيئة نزاهة، حيث كانت فعّالية انفاذ القانون والتشريعات كافية لتقليص مناخ الفساد. الى ذلك ارتبطت زيادة مظاهر الفساد بتداخل السياسة بالاقتصاد وتضارب المصالح.
وبخلاف الكويت، حققت دول خليجية أخرى طيلة الفترة نفسها (2003-2023) إنجازا كبير في مراقبة ومكافحة الفساد حتى دون اللجوء الى انشاء هيئات مراقبة خاصة، وذلك عبر الاكتفاء بتعزيز التشريع وانفاذ القانون وتعزيز صلاحيات مؤسسات المحاسبة وتعزيز التنسيق بين المؤسسات مع وزارة العدل. وتعتبر النرويج[7] وسويسرا[8] وألمانيا واستونيا بين التجارب الناجحة في خفض مخاطر الفساد بشكل كبير خلال العقد الأخير دون انشاء مؤسسة خاصة لمكافحة الفساد، حيث هناك توصيات بالتنصيص على الوقاية والتوعية أكثر من رصد المخالفات. وأثبتت تجربة دول أوروبية انه بسن التشريعات وضمان استقلالية المؤسسات وشفافية الرقابة والمحاسبة يمكن تقليص الفساد دون احداث مؤسسات لمكافحتها حيث يمثل هدرا للمال دون نتائج فعالة على المدى الطويل.
عربياً، مثلت تجربتا قطر[9] والامارات[10] بين أفضل التجارب العربية في تقليص مخاطر الفساد وتعزيز مؤشرات النزاهة والشفافية. قطر أقرت قوانين لمكافحة الفساد وترسيخ الشفافية تتفق وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وأقرت هيئة للرقابة الإدارية والشفافية ركزت بشكل أكبر على جانب الوقاية، مع التركيز على المساهمة في تحقيق أعلى مؤشرات النزاهة والشفافية في مجال الوظيفة العامة ومكافحة الفساد. لكن الامارات الأولى عربيا في مكافحة الفساد، لم تخصص هيئة خاصة واختارت تعزيز الشفافية بأقل التكاليف عبر زيادة الحرص على حوكمة المؤسسات الحكومية وانفاذ القوانين والعدالة وزيادة الاعتماد على رقمنة الحكومة والمعاملات. كما راهنت الامارات على خفض دور المحسوبية في المجال الاقتصادي وتقليص التدخل السياسي المباشر في الرؤى التنموية وربطها بمؤسسات مستقلة.
الكويت رغم تأكيد مسؤوليها مرار عن القيام بإصلاحات من أجل زيادة الشفافية ونزاهة المعاملات في القطاع العام والخاص، الا أن تفعيل هذه الإصلاحات في الواقع يبقى انتقائياً ومحدودا وغير منتظم ومرتبط بإرادة غير راسخة بسبب عدم الاستقرار السياسي. ورغم البنية التحتية المتطورة في القطاع الحكومي، يبقى تفعيل رقمنة المعاملات ونسبة تقدم استخدام الحكومة الالكترونية ضعيفاً مقارنة ببعض الدول التي نجحت في تحسين كفاءة الرقابة الادارية وتعزيز شفافيتها ونجاعتها من خلال الحلول المحاسبة والرقابة الرقمية.
واكتفت بعض الدول الناجحة في خفض مخاطر الفساد بتعزيز صلاحيات وتدخلات ديوان المحاسبة والنيابة العامة وزيادة انفاذ القانون والعدالة وإصلاح الوظيفة العمومية حسب الكفاءة لتتقلص مدركات الفساد الإداري والمالي تدريجياً.
وهذا يعني أن إقامة مؤسسات خاصة لمحاربة الفساد قد لا تكفي بتحسين مؤشرات النزاهة وتقليص مدركات الفساد، حيث تبقى الإرادة السياسية وانفاذ القانون والعدالة وزيادة الوعي من أهم مقومات خفض مؤشرات الفساد وتعزيز ثقافة وسلوك النزاهة. ويستوجب تعزيز عمل المؤسسات الرقابية بتفعيل إصلاحات إدارية وتقليص المحسوبية أو التدخل السياسي في الإدارة وربط نجاعتها بمؤشر الكفاءة فقط. فقط على الحكومة تعزيز أو توسيع صلاحيات بعض المؤسسات الرقابية وتجنبيها التأثر بالسجال السياسي أو المحسوبية.
فوق ذلك فان تقليص تضارب المصالح والحد من التدخل السياسي في الشأن الاقتصادي والتنموي واسنادها لأهل الكفاءات والاختصاص من شانه أيضا الحد من شبهات الفساد كتضارب المصالح أو التربح من المناصب أو الرشوة.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] The Global Corruption Index (GCI) 2022, https://risk-indexes.com/global-corruption-index/
[2] CORRUPTION PERCEPTIONS INDEX, Tunisia, 2021-2022, https://www.transparency.org/en/cpi/2022/index/kwt
[3] World bank, Rule of law, Kuwait, 2021-2022, http://info.worldbank.org/governance/wgi/
[4] The TRACE Bribery Risk Matrix (TRACE Matrix), 2020, https://www.traceinternational.org/trace-matrix?year=2020
[5] The TRACE Bribery Risk Matrix (TRACE Matrix), 2022, https://www.traceinternational.org/trace-matrix?
[6] World bank, Control of corruption, Kuwait, 2021-2022, http://info.worldbank.org/governance/wgi/
[7] Norway risk report, 2020, https://ganintegrity.com/country-profiles/norway/
[8] UNDOC, Switzerland’s experience and best practice in the fight against corruption and illicit acquisition of assets by politically exposed persons, https://www.unodc.org/documents/corruption/Best%20Practices/Switzerland,%20corrected,.pdf
[9] World bank, Control of corruption, Qatar, 2021-2022, http://info.worldbank.org/governance/wgi/
[10] World bank, Control of corruption, UAE, 2021-2022, http://info.worldbank.org/governance/wgi/