الكويت، 20 مارس 2023 (csrgulf): يواجه النظام الديمقراطي الكويتي أكبر اختبار لفعّاليته وصلابته ونزاهته منذ سنّ الدستور في 1962. فبعد تكرر ابطال مجلس الأمة (البرلمان) وحلّه لأكثر من مرة خلال عقد واحد، تواجه البلاد أكثر من أي وقت مضى مخاطر هدر المال العام وخسارة فرص تنموية بسبب تداعيات اظطراب العمل الحكومي و تعثر التشريعات في مواكبة التحديات السريعة التي يواجهها سكان الكويت أسوة بنظارئهم الخليجيين.
ومن المرجح أن يرسخ عدم استقرار المؤسسة التشريعية لحالة عزوف شعبي عن المشاركة في العمليات الانتخابية مستقبلاً على المدى القريب، وذلك في ظل زيادة مشاعر احباط شعبي خاصة فئة الشباب من عدم استقرار العمل السياسي والنيابي طيلة العقد الماضي، مع احتمال تشكل قناعة بين بعض الناخبين بعدم امكانية تصحيح المسار التنموي عبر مجلس الأمة، فضلا عن هواجس يتشاركها البعض باحتمال وجود مقاومة حكومية شديدة لتقبل فكرة نفوذ المعارضة.
تكرار الحل للمجالس التشريعية الكويتية كشف عن محدودية فعّالية المنظومة الديمقراطية، حيث أثرت تداعيات اضطراب العمل النيابي والحكومي سلباً في زيادة تشتت واضطراب اتجاهات وأولويات التنمية وتخلف الكويت عن ركب دول نفطية مجاورة في رفع التحديات التي تواجه شعبها وأجيال المستقبل.
حسب رصد لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) أتى مجلس الأمة الكويتي خلال العقد الأخير بمثابة البرلمان الأقل استقرارا بين المؤسسات التشريعية عالمياً وعربياً. فالمؤسسة التشريعية لم تستطع خلال أكثر من عقد استيفاء سوى مدة نيابية واحدة مقابل 5 انتخابات مبكرة. فعدم الاستقرار النيابي في الكويت لا يعكس ترسيخاً للممارسة الديمقراطية بقدر ما يؤسس لفكرة الصراع بين السلطات وتراجع الثقة الشعبية في القدرة على فرض التغيير المنشود.
وحسب بحث في التجارب النيابية الأخيرة في الكويت وأسباب توقفها أو تعطلها أو محدودية نتائجه وفعاليتها وضعف قدرتها على تلبية اهداف الناخبين، اتضحت معالم مخاطر حقيقية من تعثر مستمر للتجربة التشريعية وتتمثل في احتمال قوي قد يرسخه تكرار حل مجلس الأمة أو ابطاله وتعدد الانتخابات التشريعية المبكرة في فترات وجيزة. هذا الاحتمال الذي تبين من خلال رصد محتوى تفاعل الكويتيين مع قرار ابطال المجلس 2022 يتمثل في تداول نموذج عشوائي من عدد من المستخدمين الكويتيين لمواقع التواصل الاجتماعي “تويتر” لتعليقات تشير على الإحباط من عدم الاستقرار النيابي والحكومي، ما يدفع للتشاؤم حول استقرار الثقة الشعبية في العملية الانتخابية مستقبلا على المدى القريب ان حدثت، فوق ذلك هناك توقعات بارتفاع مخاطر العزوف عن الانتخابات المقبلة وتشكل قناعة شعبية بعدم إمكانية فرض الشعب لتطلعات التغيير بسبب مقاومة شديدة للنخب للإصلاح الجذري وتصحيح مسار السلطة التشاركية في البلاد بين مجلس الوزراء والأمة مع تجنب مخاطر استيعاب الحكومة للمجلس وترويضه ومحاولة السيطرة على المعارضة وتقييد مطالبها.
بعد ابطال المحكمة الدستورية لمجلس عام 2022، تبرز فرضيتان. فرضية استكمال مجلس 2020 المنحل والعائد بقوة حكم المحكمة الدستورية لمدته النيابية. وفرضية أخرى ترجح تنظيم انتخابات جديدة ان لم ينجح مجلس 2020 في الاستمرار والتعاون المثمر وتحقيق تطلعات شعبية حارقة. في ظل الفرضية الثانية، قد تكون الانتخابات التشريعية السابعة منذ 2010، منها 6 انتخابات مبكرة بمتوسط مدة نيابية تصل لنحو سنة ونصف فقط لكل مجلس تشريعي. كما لم يتعدى عمر مجلسين اثنين على غرار المجلس الأخير المبطل 2022 نحو 7 أشهر فقط ومجلس فيفري 2012 المبطل نحو 11 شهرا. وكان الابطال بمقتضى أحكام قضائية صادرة عن المحكمة الدستورية استجابة لطعون مقدمة وتصحيحا لإجراءات حل باطلة وفق رأي الدستورية. ونظرا لتكرر الابطال في عقد واحد للأسباب نفسها هناك استفهام حول أسباب الوقوع في الخطأ نفسه خاصة على مستوى الاستشارة والإجراءات القانونية التي استندت اليها مراسيم الحل والدعوة للانتخابات أكثر من مرة. وهذا ما يربك تماماً عملية التغيير وتصحيح مسار الاصلاح الذي ينشده الكويتيون خاصة الأجيال الشابة والمعارضة بالأخص، حيث رفع عدة كويتيين هذه الشعارات خلال الانتخابات السابقة في سبتمبر 2022.
وشهدت الكويت 6 انتخابات تشريعية خلال عقد واحد بينها 5 انتخابات مبكرة او سابقة لأوانها وذلك بسبب مراسيم الحل على خلفية تأزم التعاون بين السلطتين أو أحكام بالإبطال صادرة من المحكمة الدستورية لمخالفة اجراءات الحل.
وحسب دراسة مقارنة التجارب الديمقراطية البرلمانية الناشئة فان كثرة الانتخابات المبكرة في وقت وجيز مؤشر سلبي على عدم وضوح الرؤية ودافع محتمل لتوقع ارتفاع نسبة العزوف في الانتخابات المقبلة بسبب عدم اليقين بقدرة المؤسسة التشريعية على تحقيق الاستقرار وتحقيق التطلعات الشعبية في ظل عدم توافق حكومي ونيابي وإصرار حكومي على استيعاب المجلس بدل توافق حقيقي معه.
ومقارنة بالتجارب النيابية الأخرى في العالم، مثلت وتيرة تكرار حل مجلس الأمة الكويتي الأعلى بين المجالس التشريعية في العالم. وعكست استقرار سلبياً وصراعات على السلطة وليس على السياسات والممارسات والخطط التنموية.
وحسب دراسة مقارنة للتجارب النيابية الأقل استقرارا في دول العالم، وذلك منذ 2010 الى 2022، تجاوزت الكويت إسرائيل التي شهدت 5 انتخابات في العقد الأخير مع عدم استقرار نيابي بسبب الفشل في تشكيل ائتلاف حاكم، لكن مع تحسن كفاءة المؤسسات الحكومية وتعزز النمو بخلاف الكويت التي تأثرت قطاعاتها بعدم التوافق النيابي الحكومي وكثرة الاستقالات الحكومية. حيث شهدت البلاد 14 حكومة منذ 2010 بمتوسط حكومة واحدة في أقل من عام، ما أثر في استقرار ومتابعة الأهداف والرؤى الحكومية التنموية.
كما اتضح أنه من بين الدول التي شهدت عدم استقرار نيابي، برزت بريطانيا، حيث عرف مجلس عمومها (البرلمان) تنظيم 4 انتخابات متتالية منذ 2010، منها عمليتين انتخابيتين مبكرتين علما أن المدة النيابية لكل مجلس 5 سنوات. كما شهدت إيطاليا أيضا تنظيم انتخابات مبكرة وحيدة منذ 2010. لكن وان عرفت هذه الدول والمعروفة بديمقراطيتها العريقة عدم استقرار سياسي ونيابي، فان ذلك يصنف ضمن التغيير الإيجابي وليس السلبي مع محافظة المؤسسات على دورها التنموي والتي تعتبر محصنة ضد التجاذبات السياسية ولا تتأثر بشكل كبير بعلاقة البرلمان والحكومة.
عربياً، الأردن عرف تنظيم 4 انتخابات بينها اثنتين مبكرتين منذ 2010، علماً أن المدة النيابية لكل مجلس 4 سنوات. العراق بدوره شهد 4 انتخابات منذ 2010، مع تسجيل دورة انتخابية واحدة مبكرة. كما شهدت الجزائر 3 انتخابات بينها دورة انتخابية واحدة مبكرة علما أن مدة النيابية 5 سنوات. تونس كذلك عرفت 3 انتخابات منها انتخابات مبكرة واحدة. المغرب كذلك شهد 3 انتخابات تشريعية منها انتخابات واحدة مبكرة وذلك منذ 2010. في حين عرف لبنان أكثر من دعوة لانتخابات مبكرة على خلفية أزمات متكررة، الا أن شهد عمليتين انتخابيتين فقط بسبب تمديد للمجلس منذ 2010.
الانتخابات التشريعية المبكرة التي شهدتها بعض الدول العربية خلافا للكويت منذ 2010 كانت تحت ضغوط أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية خانقة. لكن في الكويت الأكثر تنظيما لانتخابات مبكرة منذ 2010 في العالم العربي، كانت الأزمات مختلفة وتتلخص في صراعات على السلطة وقضايا فساد وعدم توافق الرؤى على تصحيح المسار التنموي والاقتصادي والسياسي. حيث أظهرت المؤسستين التنفيذية والتشريعية مقاومة شديدة للإصلاح الجذري وتقبل الآخر والتأقلم مع التحديات الجديدة التي تفرض توافقا وليس تصادما.
كما أن شخصنة السلطة وعدم مأسستها وتغير ادارتها مع تغير الأشخاص، وعدم تقبل نفوذ المعارضة في المشهد السياسي، يدفع مرارا وتكرار لتجدد الصراعات بين النواب وأعضاء الحكومة. حيث أن المؤسسة التشريعية تواجه مشاكل في تحويل الممارسة الديمقراطية (مقترحات وأفكار النواب) الى أعمال وقوانين مؤسسة للاستقرار ومنسجمة مع أولويات الحكومة التي تعاني بدورها من ضبابية الرؤية. حيث أثبتت التجربة البرلمانية في الكويت منذ 2010 مقاومة الحكومة لفكرة السلطة التشاركية مع المجلس.
وبسبب شخصنة ممارسة السلطة تقلصت نسب التوافق بين أعضاء الحكومة والبرلمان، حيث نشأت صراعات جانبية أعاقت إمكانية تطوير التعاون بين السلطتين لخدمات التطلعات العاجلة للشعب.
لم يشهد برلمان في العالم الديمقراطي وخاصة في الدول النامية خلال العقد الأخير ما شهده مجلس الأمة الكويتي من تكرار حله وابطاله في مدة وجيزة. وهو مسار مربك ينذر باحتمال تشكل حالة من العزوف الشعبي عن أي عملية انتخابية مستقبلاً. هذا التكرر في الحل والابطال لا ينذر باستقرار الرغبة بين الناخبين للتعبير عن آرائهم في ظل مخاوف من وجود حالة احباط من عدم تأثير أصواتهم في احداث التغيير الحقيقي والإصلاح المنشود. ولعل شعارات محاربة الفساد قد تفقد معناها وجدواها في الحملات الانتخابية المقبلة. حيث أن تقليص مدركات الفساد مرتبط بقوة استقرار الإدارة والنأي بها تماما عن التجاذبات السياسية.
الديمقراطية الكويتية تعيش اليوم أكبر أزمة داخلية على مستوى سلامة الانتخابات ومعايير القانون الانتخابي ومخرجاته. فتكرر عدم استقرار المجلس يضر بالمنظومة الديمقراطية الكويتية برمتها، ما يجعل الكويت في المستقبل القريب في حرج أمام خيارات الاستقرار السياسي وتوحيد الرؤى النيابية والحكومية لمستقبل باتت تهدده ضعف الإنجاز الحكومي المتأثر بكثرة التغيير الحكومي في القيادات.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث Csrgulf