بقلم الباحث: د. محي الدين حداد، الجزائر
28 نوفمبر 2022، CSRGULF
ملخص بحثي : تسعى إسرائيل لترسيخ نوع جديد من التطبيع مع الدول العربية عبر تعزيز الديبلوماسية الأكاديمية مستفيدة من صعود لافت لمراكز البحث والفكر والدراسات التي باتت تؤثر في صناعة القرار الإسرائيلي. حيث تراهن على زيادة تنظيم مؤتمرات علمية وبحثية بالمشاركة مع مؤسسات عربية. ويكمن الهدف في استمالة النخب العربية الفكرية لمشروع توسيع دائرة التطبيع.
وحسب ورقة بحثية بعنوان “حروب الظل: كيف تساهم مراكز الأبحاث الإسرائيلية في حوكمة صناعة القرار السياسي؟” Shadow Wars:How Israeli think tanks contribute to the governance of political decision-making، قد زاد عدد مراكز الدراسات والأبحاث الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. هذه الطفرة استفادت من دعم حكومي إسرائيلي متنامي للبحث العلمي متفوقا على حجم ما تنفقه بقية الدول العربية في هذا المجال الحيوي. حيث بات مراكز الفكر تؤثر في صناعة القرار الإسرائيلي في شتى المجالات وخاصة تجاه القضية الفلسطينية والهيمنة في المنطقة والتطبيع مع الدول العربية. لكن اللافت في نهضة مراكز الفكر الإسرائيلية هيمنة منتسبي الجيش عليها.
وقد طفت للسطح ظاهرة عملية “عسكرة مراكز الأبحاث الإسرائيلية”، وتعتبر خاصية تنفرد بها إسرائيل، فجلها يترأسها أفراد غير مدنيين خدموا في الجيش الإسرائيلي أو الأجهزة الأمنية أو الاستخبارية المختلفة، ومنه فالطابع الأمني أو العسكري هو السمة الغالبة على مراكز الدراسات.
ومن خلال تعزز انفتاح مراكز الفكر الإسرائيلية على الشراكات مع دول العالم بينها الدول العربية، تنصب مجهودات الخبراء والباحثين في اتجاه تقوية الموقف الإسرائيلي، من خلال التعبئة المجتمعية والدفاع عن الوجود الإسرائيلي من خلال مقترب “حرب الأفكار Ideas War” التي تخوضها هذه المراكز، في إطار خرائط ذهنية مدروسة بعناية في بناء السيناريوهات والتنبؤ، ويظهر ذلك جلياً ضمن مخرجات السياسات العامة الإسرائيلية، مثل برامج معاداة السامية الجديدة، عمليات التطبيع الواسعة مع الدول العربية، الانفتاح على القوى الإقليمية وتقوية علاقاتها كالهند وروسيا، وكل هذه المسائل والقضايا الحيوية في حقيقة الأمر أجندات بحثية لمراكز أبحاث متخصصة على غرار المشاركة في النشاطات العلمية الدولية بهدف الترويج لمخططات إسرائيل السياسية والأمنية والعسكرية، واستقبال كبار خبراء مراكز الفكر الأجانب عبر عقد المؤتمرات والحلقات الدراسية وتنشيط الندوات والملتقيات، ونشر سلسلة من أوراق العمل وتأليف الكتب، وحوارات ذات بعد استراتيجي مثل هنري كيسنجر ونعوم تشو مسكي وغيرهم من لهم خبرة طويلة في أزمات منطقة الشرق الأوسط. وبذلك، فان ممارسة الدبلوماسية الأكاديمية تفتح آفاق أوسع لحشد الرأي العام العالمي في سبيل تبرير سياساتها التوسعية والاستيطانية في فلسطين المحتلة.
وعلى عكس دول العربية، تراهن إسرائيل على منح أهمية بالغة للبحث العلمي عموماً ومراكز الدراسات والتفكير خصوصاً، اذ باتت تمثل “خيارا استراتيجيا” من شأنه دعم الأجندات الحكومية في شتى المجلات السياسية والأمنية والعسكرية والمجتمعية، خاصة تلك المراكز البحثية القريبة من صناع القرار ضمن الهيكل الحكومي.
وعموما تهدف مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية لتحقيق التفوق النوعي في المنطقة من خلال، ضبط البوصلة الجيوستراتجية وحسابات الربح والخسارة، بناء المدركات وتوفير المعلومات والتحليلات اللازمة، المرونة في الاستجابة للتحديات والرهانات القائمة أو المحتملة، حوكمة القرار السياسي وترشيده، وبذلك فهذه الأخيرة، تشكل دعامة محورية وحيوية في بناء منظومة منسجمة ومتكاملة في المشهد الإسرائيلي العام.
أستاذ محاضر، جامعة سطيف2-الجزائر
العنوان الالكتروني: sph007713@gmail.com