الكويت، 1 أغسطس 2022 (csrgulf): قبيل الانتخابات التشريعية المقبلة في الكويت، من المرجح أن يزيد خطاب مقاومة فساد النخب بما في ذلك الحكومة بين أكثر الشعارات استخداما لدى أغلب المرشحين. لكن يبقى هناك قلق حول مدى استمرارية تهميش المتنافسين على مقاعد مجلس الأمة لخطاب مقاومة الفساد الصغير الذي تحفزه وعود المرشحين بمنح قواعدهم الانتخابية لامتيازات وخدمات قد لا تحترم مبادئ المساواة أمام القانون والشفافيةوالمنافسة المشروعة والعدالة بين المواطنين وتشجع بدلا عن ذلك على استمرار ثقافة الواسطة والمحسوبية والولاء القبلي.
وقد اتضح أنه هناك خلط لدى طبقة شعبية كبيرة بين مفاهيم الفساد ومدركاته. وان تحسنت مقاومة الفساد على مستوى التشريع والقوانين والإجراءات الحكومية الرادعة، لكن بقيت مكافحة هذه الظاهرة على المستوى توعية المواطنين وخاصة الموظفين في القطاع العام والخاص محدودة، وبشكل خاص فيما يتعلق بترسيخ سلوكيات الشفافية، توجه ما يزال يواجه تعثرات كثيرة.
استنتج بحث لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) صدر ضمن سلسلة من التقارير الخاصة عن مدركات الفساد في الكويت، أن العلاقة بين المؤسسات الرقابية والمجتمع المدني والمواطن لا تبدو راسخة ومتينة بالشكل المثالي. اذ يوجد انفتاح محدود للمؤسسات الحكومية الرقابية على التعاون مع المجتمع المدني كشريك فاعل وحقيقي لمكافحة الفساد. ورغم وجود توصيات بذلك، لكن هناك مشكلات في تفعيل إرادة حقيقية لرفع مستوى التعاون الحكومي البرلماني والمجتمعي لترسيخ ثقافة الردع الذاتي لمدركات الفساد.
وبذلك تبرز حاجة ماسة لزيادة تفعيل التواصل والتعاون من أجل التشارك بين جلّ مكونات المجتمع الكويتي لتبني سلوكيات جديدة لمقاومة ظاهرة الفساد. حيث ما يزال جزء من الكويتيين يخلطون بين مقاصد الحصول على خدمات شرعية بدافع التميز وذلك من خلال التمسك بالواسطة والمحسوبية والولاء وبين مقاصد المنافسة غير الشرعية والتربح والحصول على ميزات بشكل غير قانوني وهو ما قد يورط البعض في مدركات الفساد تدريجيا. حيث يتم رصد بعض العادات السلوكية اليومية التي تشجع على ثقافة الفساد كالواسطة والمحسوبية وما يفاقم المشكلة محدودية التوعية بمخاطر هذه السلوكيات. وتبرز الحاجة للتحسيس بضرورة التعريف بأهمية مساواة المواطنين امام القانون وعدم اللجوء الى عادات الامتنان والكرم ورد الجميل من اجل تجاوز القانون او الحصول على خدمات بطرق غير شرعية. حيث هناك مشكلات متوارثة في توظيف البعض لشبكة العلاقات العائلية والقبلية للحصول على خدمات في بعض الأحيان لا تحترم مقاصد قانون المنافسة والمساواة والعدالة. هذه الممارسات يتورط فيها بعض النواب خاصة اثناء الحملات الانتخابية من اجل الحصول على الدعم الشعبي، وهو ما يرسخ ثقافة إمكانية تجاوز القانون والافلات من العقاب. وتبقى مشكلة الواسطة والمحسوبية[1] من أهم معوقات الشفافية والتنافس العادل، حيث تعتبر من احدى مدركات الفساد.
ويبقى التحسيس محدودا بجريمة الفساد والردع الاستباقي لها من خلال ثقافة رادعة بين الموظفين والموطنين بهدف تقليص المعاملات المتجاوزة للوائح والقانون. ويبدو الرهان على توعية الشباب أكثر عبر التواصل والتفاعل الالكتروني مسارا ضروريا في المستقبل، لكن متعثرا الى اليوم.
على صعيد آخر، لفت التقرير الى أهمية تدارك محدودية اطلاع المواطن على البيانات الحكومية والصادرة عن المؤسسات الرقابية، ويوصي بتفادي نقص التدريب والتوعية للموظفين في القطاعين العام والخاص، ومعالجة نقائص التفاعل الالكتروني مع الجمهور وزيادة انفتاح المؤسسات الرقابية على التفاعل المباشر أو الافتراضي مع الجمهور لتمتين الصلة وتشريك المواطن في حماية البلاد من ظاهرة الفساد.
الهيئات الرقابية ودورها في حماية المال العام
يشرف ديوان المحاسبة كجهة مسؤولة على المصاريف والإيرادات العامة على العمل من أجل منع أي سوء استخدام أو تلاعب بالأموال العامة. توزع الحكومة تقارير ديوان المحاسبة سنوياً على الأمير ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمة ووزير المالية. لكن لم تتح للشعب آليات النفاذ الى المعلومات في هذه التقارير.
وقد أعلنت لجنة حماية الأموال العامة في البرلمان مرارًا عن تحقيقاتها في الاشتباه في إساءة استخدام الأموال العامة. وقد أحيل عدد كبير من المسؤولين الحكوميين الى القضاء بتهمة التعدي على الأموال العامة واختلاسها. على صعيد آخر، كشفت تحقيقات سابقة، عن استخدام واسع النطاق لشهادات علمية أكاديمية مزورة من قبل مواطنين ومقيمين أجانب في القطاعين العام والخاص[2]، مما كشف عن الافتقار إلى الشفافية في تعيين المسؤولين وترقيتهم.
ورغم اقرار مجلس الأمة قانون تضارب المصالح لتعزيز الشفافية في القطاع العام والذي ألغته المحكمة الدستورية، فضلا عن تغليظ العقوبات، استمر الإعلان عن حالات فساد واسع النطاق مرتبط بتأشيرات العمل، مثل بيع التأشيرات أو تزويرها على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية. واصلت منظمات المجتمع المدني انتقاد الحكومة لفشلها في كبح جماح تجارة التأشيرات غير المشروعة[3].
على مستوى الإفصاح المالي تتولى هيئة مكافحة الفساد تلقي الشكاوى وتحليلها وإحالة الشكاوى إلى السلطات المختصة إما لمكتب المدعي العام أو الشرطة لمزيد من التحقيق أو اتخاذ الإجراءات. ومنذ سبتمبر 2021 حتى يناير 2022، كانت هيئة مكافحة الفساد قد تلقت 285 بلاغاً عن الفساد[4]، منها تقارير مخالفات إدارية، ومخالفات مالية مع احالات إلى النيابة العامة. الا أن المثير للاهتمام ان قطاع الصحة أكثر القطاعات التي صدرت منها بلاغات فساد، في حين مثل القطاع النفطي أكبر قطاع في البلاد نسبة قليلة جدا من البلاغات. وهو ما قد يرجع لمحدودية النفاذ الى المعلومات. وقد تلقت النيابة العامة مئات البلاغات قدمتها الهيئة العامة لمكافحة الفساد ضد مسؤولين فشلوا في تقديم بياناتهم المالية في الوقت المحدد[5].
الهيئة العامة لمكافحة الفساد وتأثيرها على مقاومة الظاهرة المنتقدة شعبياً
الفساد منتشر الى حد ما في الكويت رغم جهود مكافحته، ولكن على عكس دول أخرى في المنطقة، تناقش الكويت الفساد بشكل علني. تهيمن مزاعم الفساد على الخطاب العام وتشكل التعبئة المجتمعية ضدها الركيزة الأساسية لخلق ثقافة محاسبة ومساءلة ذاتية.
منذ عام 2016، قامت الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) بالتحقيق في ممارسات الفساد ووضعت استراتيجية الكويت للنزاهة ومكافحة الفساد. ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه تقييم فعالية نزاهة الفعلية. حتى الآن، كانت إنجازات المنظمة محدودة، وهو ما يفسر أيضًا سبب وضع استراتيجية جديدة للنزاهة ومكافحة الفساد، تمتد من 2019 إلى 2024[6].
تشير الدراسات الاستقصائية السنوية لمؤشرات الحوكمة العالمية التي يقوم بها البنك الدولي إلى نقاط الضعف فيما يتعلق بالأطر التنظيمية والقانونية بالإضافة إلى مستوى كبير من الفساد المتصور. فيما يتعلق بالاستدامة البيئية، سجلت الكويت درجات سيئة بسبب عدم وجود إنتاج كهرباء متجددة، وارتفاع مستوى الإجهاد المائي ومعدل إعادة التدوير المنخفض للغاية. وبشكل عام، تحتل الكويت المرتبة 149 من أصل 210 اقتصادًا في مؤشر الاستدامة البيئية[7].
وتراجع تصنيف الكويت للمرتبة 73[8] في مؤشر مدركات الفساد في 2021 مقارنة بمرتبة 78 في 2020، لكن هناك قلق من إمكانية عدم تغير تصنيف البلاد حول مدركات الفساد هذا العام خاصة في ظل تراخي حكومي ملحوظ في استعجال استكمال تنفيذ برامج الإصلاح الشاملة وتفعيل آليات أكثر ابتكارا لمحاربة الفساد. هذا التراخي قد يكون مدفوعا بتقلص الضغوط على الحكومة في ظل تحسن الموارد تحت تأثير انتعاش أسعار النفط، اذ أن هناك احتمال ان كلما تحقق الدولة فوائض نفطية كلما تباطأت سياسات الإصلاح ومحاربة الفساد بمبرر وفرة مؤقتة وغير مستقرة للإيرادات النفطية التي تمثل أكثر من 90 في المئة من عوائد صادرات البلاد.
تشير بعض الدراسات الى أن وفرة الموارد بدون إدارة فعّالة يمكن أن تتحول الى مصدر للصراع وعدم الاستقرار السياسي والفساد وضعف المؤسسات وفشل السياسات[9]. وحسب الدراسة فان وفرة إيرادات النفط تؤثر على الخطاب السياسي وأولويات البرلمان والحكومة، حيث تغيب الضرورة لاستعجال إصلاحات ماتزال فئة من المعارضة السياسية تصفها بغير شعبية خاصة تلك المتعلقة ببرامج الخصخصة وإصلاح الوظيفة، وتحمل الحكومة أي انتكاسة للإيرادات، في ظل ممانعة للتخلي عن اقتصاد الريع والتحول للاقتصاد القائم على الإنتاج والضريبة.
رقمنة المعاملات الحل الأنجع لمحاربة الفساد الصغير والكبير
في حين ثبت أن رقمنة المعاملات وزيادة الاعتماد على الحكومة الإلكترونية من بين مقومات تقليص مدركات الفساد، تفتقر الكويت لتفعيل مثالي وناجع لمنظومة الحكومة الالكترونية رغم تمتعها ببنية تحتية متطورة للغاية مثل الامارات. اذ أن النهضة الشاملة للحكومة الإلكترونية تعوقها المستويات المنخفضة نسبيًا لتنمية الموارد البشرية[10].
كان تطوير الحكومة الإلكترونية الكويتية وتنفيذها من أهم مظاهر التطور الاداري وأكثرها صلة بهدف تحسين نجاعة الإدارة. في السنوات الأخيرة، بذلت الحكومة جهودًا لزيادة انفتاحها وشفافيتها، لكن يبقى الانفتاح محدودا وغير فعّال بالشكل الأمثل. وتُستخدم الحكومة الإلكترونية، باعتبارها وسيلة فعّالة لتحسين الشفافية والحد من الفساد. وقد أثبتت تجارب أوروبية أن التغييرات في استخدام تكنولوجيا المعلومات مرتبطة بالتغيرات في مستوى الفساد. حيث أكدت بعض التجارب أن زيادة استخدام الحكومة الإلكترونية يحد من الفساد. على وجه التحديد، تشير النماذج المعتمدة في دول أوروبية إلى أن زيادة 1٪ في مؤشر الحكومة الإلكترونية يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في الفساد بنسبة 6.7٪[11].
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Abrar Abdulsalam Al-Enzi,The Influence of Wasta on Employees and Organisations in Kuwait, A Doctoral Thesis Submitted in Partial Fulfilment of the Requirements for the Award of Doctor of Philosophy of Loughborough University, 2017, file:///C:/Users/IMED/Downloads/Thesis-2017-AlEnzi.pdf
[2] Kuwait- MP warns forgery corrupts society, july 2018, https://menafn.com/1097190312/Kuwait-MP-warns-forgery-corrupts-society
[3] 2018 Country Reports on Human Rights Practices: Kuwait, US department of state, https://www.state.gov/reports/2018-country-reports-on-human-rights-practices/kuwait/
[4] احصائية البلاغات، الهيئة العامة لمكافحة الفساد الكويتية، من سبتمبر ٢٠٢١ الى يناير ٢٠٢٢، https://www.nazaha.gov.kw/ar/pages/Corruption
_Statistic.aspx
[5] 2018 Country Reports on Human Rights Practices: Kuwait, US department of state, https://www.state.gov/reports/2018-country-reports-on-human-rights-practices/kuwait/
[6] Slow recovery but strong fundamentals, Euler Hermes, aug 2021, https://www.eulerhermes.com/en_global/economic-research/country-reports/Kuwait.html
[7] Slow recovery but strong fundamentals, Euler Hermes, aug 2021, https://www.eulerhermes.com/en_global/economic-research/country-reports/Kuwait.html
[8] Corruption Perceptions Indexة https://www.transparency.org/en/countries/kuwait
[9] Michael Sturm, François Gurtner and Juan Gonzalez Alegre, FISCAL POLICY CHALLENGES IN OIL-EXPORTING COUNTRIES A REVIEW OF KEY ISSUES, Occasional Paper series, No 104 / june 2009, https://www.ecb.europa.eu/pub/pdf/scpops/ecbocp104.pdf
[10] E-Government Survey 2020 Digital Government in the Decade of Action for Sustainable Development With addendum on COVID-19 Response, UNITED NATIONS E-GOVERNMENT SURVEY 2020 Department of Economic and Social Affairs DIGITAL GOVERNMENT IN THE DECADE OF ACTION FOR SUSTAINABLE DEVELOPMENT, https://publicadministration.un.org/egovkb/Portals/egovkb/Documents/un/2020-Survey/2020%20UN%20E-Government%20Survey%20(Full%20Report).pdf
[11] Dan Lupua, Corina Georgiana Lazărb, Influence of e-government on the Level of Corruption in some EU and Non-EU States, Procedia Economics and Finance, Volume 20, 2015, Pages 365-371, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2212567115000854