– فيروسات الأسماك: تهديد صامت لصحة البشرية مستقبلاً
– زيادة تغير المناخ وارتفاع نسبة التلوث ترفع خطر الإصابة بعدوى البكتيريا البحرية
– ليس هناك أي ضمانات مستقبلاً حول تحور البكتيريا البحرية وعدوانيتها وانتقالها للبشر
الكويت، 20 ابريل 2022 (csrgulf): تحديات متسارعة تنمو في الخفاء وقد تهدد سكان العالم في المستقبل القريب، وقد تستوجب تدخلاً وتنسيقا دولياً عاجلاً لإنقاذ مستقبل البشرية من مصادر مخاطر مؤكدة متأتية من البحر وليس من البر. فكائنات بحرية قد تكون متسببة في نقل أمراض خطيرة للبشرية في المستقبل إذا استمرت وتيرة ارتفاع مستويات التسمم البحري التي تسببت بشكل واسع فاقت التوقعات في زيادة نسبة نفوق ملايين من الأسماك في العالم وانقراض بعضها. وتبقى المخاطر قائمة من إمكانية تحورات قد تحصل مستقبلاً في الفيروسات التي يمكن أن يسببها التلوث الذي تتعرض له الكائنات البحرية كالأسماك وإمكانية انتقال آثاره الى البشر من خلال المأكولات البحرية.
ليس سراً أن محيطاتنا وممراتنا المائية تغرق في النفايات[1]. فحسب ملخص تقرير بحثي لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF حمل عنوان “تحديات تلوث البيئة البحرية وآثارها على مستقبل البشرية: الكويت نموذجاً”، في جزئه الأول معتمداً على مصادر بحثية علمية دولية، فان زيادة تغير المناخ وارتفاع نسبة التلوث ترفع خطر الإصابة بعدوى ضمّات بكتيريا الكوليرا (البكتيريا البحرية) التي تسبب أمراض الجهاز الهضمي والتهابات الجروح العميقة.[2] وهو تشخيص أولي لنوع من أمراض معدية مصدرها فيروسات بحرية. لكن وان كانت مَضرّة هذه الفيروسات على الانسان محدودة اليوم لكن ليس هناك أي ضمانات مستقبلاً حول تحورها وعدوانيتها وانتقالها للبشر وتحولها لوباء فيروسي محتمل. وقد تم اكتشاف أنواع كثيرة من الفيروسات وأنواع أخرى غير معروفة قد يزيد ظهورها مع مرور الوقت وبالتوازي مع نمو نسبة حالة التلوث والتسمم في المياه البحرية والتي تصيب الأسماك قبل كل شيء حيث بات نفوقها جماعياً مرصودا أكثر من أي وقت مضى.
ويصدر الملخص البحثي الذي جاء استجابة للتطورات المقلقة لتداعيات التلوث البحري في جزئين تناولاً بالدراسة بالاعتماد على مصادر بحثية علمية مختلفة: أولاً: واقع التلوث البحري في العالم وإمكانية تحوله لمصدر فيروسات قاتلة، وثانياً: تداعيات زيادة التلوث البحري على البيئة والاقتصاد والسكان في دولة الكويت.
وكشفت نتائج البحث أن ارتفاع تركز المدن السكانية بالمناطق الساحلية يسبب زيادة تسرب التلوث البشري الى البحار جراء الجريان السطحي وكذلك تصريف المياه العادمة ومياه الأمطار، وكثير منها غير معالج بشكل كافٍ. وتتمثل العواقب في زيادة وفرة البكتيريا المسببة للأمراض، والفيروسات، والطفيليات، وزيادة تواتر وشدة تكاثر الطحالب الضارة، حيث أن بعضها ينتج سمومًا قوية مسببة للأمراض[3] المعدية التي قد تنتقل الى البشرية مستقبلاً في حال حدوث تحورات على هذه الفيروسات لتصبح أكثر عدوانية في حال تحورها في “حاضن بحري” كالأسماك، ولعل الاحتمال الأكثر خطورة يتمثل في إمكانية تطور فيروسات ضارة في أنواع من الأسماك الأكثر استهلاكاً في الأسواق وإمكانية نقلها لفيروسات الى الانسان. ويبقى هذا الاحتمال واردا في المستقبل وان كان ضعيفاً أو نادراً في الوقت الحاضر.
تنشأ المشاكل الصحية المرتبطة بالأسماك نتيجة عوامل مختلفة. حيث تعتبر طفيليات الأسماك الناجمة عن التلوث بين مسببات الأمراض الخطرة المنقولة للإنسان ومع ذلك، فإن الأمراض الجرثومية والفيروسية التي تنتقل عن طريق الأسماك للإنسان ليست شائعة لكن هذا لا ينفي زيادة احتمال تطورها مستقبلاً في ظل التلوث المستمر للبحار. وقد يمثل تراكم المواد السامة والمعادن والمبيدات الحشرية المستخدمة في البيئات المائية المحتضنة للأسماك خطراً على صحة المستهلك.[4]
وهناك مجموعات مختلفة من الفيروسات القاتلة والمعدية المتأتية من الأسماك لكن الى الان لا يتم البت علميا في احتمالات انتقالها الى الانسان، الا انها اليوم تنتشر في بعض المناطق المائية وتسبب قتلاً جماعياً لعدة كائنات بحرية[5]. ومع زيادة نشاط ظاهرة المد الأحمر المتمثلة في افراز العوالق للسموم التي تسبب نضوب الأكسجين المذاب في الماء مما يؤدي إلى نفوق الكائنات البحرية، زاد أيضا رصد الطحالب الضارة والسامة الناجمة عن ارتفاع نسبة تسرب الملوثات الكيميائية والبلاستيكية واصابتها للكائنات البحرية خاصة بالمحيطات.
وتحتفظ المحيطات بنسبة 97٪ من مياه العالم، وتعتمد الأرصاد الدولية عليها لتنظيم مسارات توقعات المناخ كما تعتبر عاملا حيوياً لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وهي المصدر الأول للبروتين لأكثر من مليار شخص. الا أن غالبية المحيطات تتعرض لخطر تلوث غير مسبوق يؤثر على خصائصها مستقبلاً، حيث يبلغ معدل تلوث المحيط بنحو 12.7 مليون طن من البلاستيك سنويًا، ويقدر اليوم عدد المواد البلاستيكية في البحر بأعلى من عدد الأسماك، حيث أن 1 من كل 3 أسماك يتم صيدها للاستهلاك الآدمي تحتوي على مخلفات بلاستيك[6].
وحسب أحدث تقييم للبنك الدولي عن حالة إدارة النفايات البلدية الصلبة عالميًا فان المواد البلاستيكية تشكل 50٪ من محتويات “القمامة”[7]. وعلى الأرجح أن التغيرات السلوكية استجابة لوباء COVID-19 العالمي قد ضاعفت من توليد النفايات البلاستيكية وتكوينها. ونتيجة لذللك يموت أكثر من مليون طائر بحري ومائة ألف حيوان بحري من التلوث البلاستيكي كل عام.
اعتمادا على تقييم دولي، يعادل الحجم الضخم للنفايات البلاستيكية التي تدخل المحيطات كل عام قيمة شاحنة واحدة من البلاستيك تُلقى في محيطاتنا كل دقيقة. علاوة على ذلك، هناك تقديرات مخيفة تفيد أنه بحلول عام 2050، هناك احتمالات بأن تتجاوز نفايات البلاستيك من حيث الوزن اجمالي حجم الأسماك في المحيطات. وقد تسجل نتائج مأساوية جراء ذلك، حيث قد يزيد تناول الحيتان والأسماك والطيور البحرية والسلاحف والعديد من الحيوانات الأخرى لمخلفات البلاستيك وقد تموت بشكل جماعي مستقبلاً. وفي هذا الصدد، هناك عديد من الدراسات قيد الانتهاء لاستكشاف العلاقة بين مشاكل صحة الإنسان واستهلاك الأسماك التي تحتوي على جزيئات بلاستيكية.
وتتعرض النظم البيئية للمحيطات حول العالم للدمار بسبب النفايات البلاستيكية. كما يتسبب وباء COVID-19 في مضاعفة مخاطر النفايات التي قد تلوث السواحل البحرية حيث قفز حجم استخدام سكان العالم للأقنعة الى نحو 129 مليار قناع للوجه و65 مليار قفاز بلاستيكي كل شهر.[8]ومع استمرار زيادة عدد سكان العالم وتوسع الأنشطة الصناعية وزيادة حجم النفايات، يواجه قطاع إنتاج المأكولات البحرية أزمة مستقبلية. ففي حين توفر مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية 15-20٪ من إمدادات البروتين العالمية لسكان العالم، ترتفع في المقابل درجة تأثر إنتاج الأسماك بشدة بالأمراض بالنظر إلى التسمم الفيروسي الذي يمكن أن يكون أحد أكثر الأمراض الفيروسية المدمرة للأسماك في جميع أنحاء العالم[9].
ويشكل ظهور مسببات الأمراض المائية الجديدة، وخاصة الفيروسات، تهديدًا مستمرًا. ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن تنوع ووفرة وتطور فيروسات الأسماك. والجدير بالذكر أن سمك القرش يحتوي على أكبر عدد من الفيروسات. لكن بالنظر الى نتائج دراسات ميدانية لأنواع الأسماك التي تُباع عادةً في السوق كغذاء، فقد تحتوي على مجموعة واسعة من فيروسات (كثير منها غير معروف)، الا أن الاختلافات الرئيسية حول معرفة بيولوجيا الفيروس تعني أنه لا يشكل على الأرجح أي خطر لانتقاله إلى البشر[10] لكن لا يمكن حسم ذلك بالنظر الى إمكانيات أن تشهد فيروسات الأسماك الأكثر خطورة وفتكا تحورات مستقبلية تجعلها تنتقل الى البشر وترتقي الى صنف الأوبئة العالمية المحتملة.
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Global marine pollution, Turtles and plastic, Case study, The world’s largest plastic pollution survey, 3 June 2020, https://www.csiro.au/en/Research/OandA/Areas/Marine-resources-and-industries/Marine-debris/Global-marine-pollution
[2] Authors: Philip J. Landrigan , John J. Stegeman, Lora E. Fleming, Denis Allemand, Donald M. Anderson, Lorraine C. Backer, Françoise Brucker-Davis, Nicolas Chevalier, Lilian Corra, Dorota Czerucka, Marie-Yasmine Dechraoui Bottein, Barbara Demeneix, Michael Depledge, Dimitri D. Deheyn, Charles J. Dorman, Patrick Fénichel, Samantha Fisher, Françoise Gaill, François Galgani, William H. Gaze, Laura Giuliano, Philippe Grandjean, Mark E. Hahn, Amro Hamdoun, Philipp Hess, Bret Judson, Amalia Laborde, Jacqueline McGlade, Jenna Mu, Adetoun Mustapha, Maria Neira, Rachel T. Noble, Maria Luiza Pedrotti, Christopher Reddy, Joacim Rocklöv, Ursula M. Scharler, Hariharan Shanmugam, Gabriella Taghian, Jeroen A. J. M. van de Water, Luigi Vezzulli, Pál Weihe, Ariana Zeka, Hervé Raps, Patrick Rampal, Human Health and Ocean Pollution, Resarch, Landrigan PJ, et al. Human Health and Ocean Pollution, Annals of Global Health. 2020; 86(1): 151, 1–64.
DOI: https://doi.org/10.5334/aogh.2831, Boston College,file:///C:/Users/IMED/Downloads/2831-11147-2-PB.pdf
[3] Authors: Philip J. Landrigan , John J. Stegeman, Lora E. Fleming, Denis Allemand, Donald M. Anderson, Lorraine C. Backer, Françoise Brucker-Davis, Nicolas Chevalier, Lilian Corra, Dorota Czerucka, Marie-Yasmine Dechraoui Bottein, Barbara Demeneix, Michael Depledge, Dimitri D. Deheyn, Charles J. Dorman, Patrick Fénichel, Samantha Fisher, Françoise Gaill, François Galgani, William H. Gaze, Laura Giuliano, Philippe Grandjean, Mark E. Hahn, Amro Hamdoun, Philipp Hess, Bret Judson, Amalia Laborde, Jacqueline McGlade, Jenna Mu, Adetoun Mustapha, Maria Neira, Rachel T. Noble, Maria Luiza Pedrotti, Christopher Reddy, Joacim Rocklöv, Ursula M. Scharler, Hariharan Shanmugam, Gabriella Taghian, Jeroen A. J. M. van de Water, Luigi Vezzulli, Pál Weihe, Ariana Zeka, Hervé Raps, Patrick Rampal, Human Health and Ocean Pollution, Resarch, Landrigan PJ, et al. Human Health and Ocean Pollution, Annals of Global Health. 2020; 86(1): 151, 1–64.
DOI: https://doi.org/10.5334/aogh.2831, Boston College,file:///C:/Users/IMED/Downloads/2831-11147-2-PB.pdf
[4] P A Aloo, Health problems associated with consumption of fish and the role of aquatic environments in the transmission of human diseases, Afr J Health Sci. Jul-Dec 2000;7(3-4):107-13, 2018, https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/17650035/
[5] FAO/ASTF Project: GCP/RAF/510/MUL: Enhancing capacity/risk reduction of emerging Tilapia Lake Virus (TiLV) to African tilapia aquaculture: Intensive Training Course on TiLV 4-13 December 2018. Kisumu, Kenya
in cooperation with Kenya Marine Fisheries Research Institute (KMFRI) and Kenya Fisheries Service (KeFS), http://www.fao.org/fi/static-media/MeetingDocuments/TiLV/dec2018/p9.pdf
[6] Jambeck, J. R., et al. “Plastic Waste Inputs from Land into the Ocean.” Science, vol. 347, no. 6223, 13 Feb. 2015, pp. 768–771., doi:10.1126/science.1260352, Plastic in the Ocean Statistics 2020, (Source: https://www.condorferries.co.uk/plastic-in-the-ocean-statistics)
[7] Kara Lavender Law, Natalie Starr, Theodore R. Siegler, Jenna R. Jambeck, Nicholas J. Mallos andGeorge H. Leonard, The United States’ contribution of plastic waste to land and ocean, Science Advances 30 Oct 2020: Vol. 6, no. 44, eabd0288, DOI: 10.1126/sciadv.abd0288, https://advances.sciencemag.org/content/6/44/eabd0288
[8] Dave Fordm, COVID-19 Has Worsened the Ocean Plastic Pollution Problem, A drastic increase in use of masks and gloves, plus a decline in recycling programs, is threatening the health of the seas, August 17, 2020, https://www.scientificamerican.com/article/covid-19-has-worsened-the-ocean-plastic-pollution-problem/
[9] Luis E. Escobar, Joaquin Escobar-Dodero & Nicholas B. D. Phelps, Infectious disease in fish: global risk of viral hemorrhagic septicemia virus, Research Paper, Reviews in Fish Biology and Fisheries volume 28, pages637–655(2018), https://link.springer.com/article/10.1007/s11160-018-9524-3
[10] Jemma L Geoghegan, Francesca Di Giallonardo, Kate Cousins, Mang Shi, Jane E Williamson, and Edward C Holmes, Hidden diversity and evolution of viruses in market fish, Virus Evol. 2018 Jul; 4(2): vey031.
Published online 2018 Oct 31. doi: 10.1093/ve/vey031, PMCID: PMC6208713, PMID: 30397510, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6208713/