الكويت، 2 ديسمبر 2021 (csrgulf): عادت المعارضة لتعزز صفوفها برموزها التاريخية وارتفع سقف المطالب. وباتت الكويت تواجه سيناريوهات سياسية ثلاث. اما حكومة مقبلة بمشاركة كبيرة لعناصر المعارضة حتى يستمر تعاون المجلس ومجلس الوزراء، أو حكومة مؤيدة للسلطة وغير متوافقة مع المعارضة لتدخل بسرعة مرحلة التصعيد والاستجوابات وإمكانية تعطيل التعاون وسحب الثقة، واما سيناريو المرور لحلّ مجلس الأمة، وهذا الاحتمال قد يقلق السلطة أيضاً لأنه ليس في صالحها بقدر ما سيكون في صالح المعارضين، حيث أن أي انتخابات تشريعية مبكرة في الكويت قد تفرز أغلبية ساحقة للمعارضة.
وحسب رصد المركز (csrgulf) للتوقعات المحتملة للحكومة الكويتية الجديدة واحتمالات التعاون بين السلطتين بعد عودة عناصر المعارضة، فثمة احتمالات مختلفة. فمنذ إقرار العفو الخاص على عدد من المعارضين السياسيين بينهم نواب سابقون كانوا لاجئين في الخارج خاصة المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة في 2011، ثمّن أغلب المعارضين العائدين للكويت هذا العفو واعتبروه مصالحة تاريخية تعكس صفحة جديدة للعمل السياسي في عهد الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح. كما ارتفع مؤشر التفاؤل والسلم الاجتماعي في الكويت والتضامن مع القيادة السياسية والاشادة ببيئة التسامح والتعددية والتشبث بالديمقراطية.
الا أن رموز المعارضة العائدة سرعان ما تفاعلت مع أنصارها معلنة ثباتها على مبادئها المنحازة للشعب وأفكارها المنتقدة للسلطة وخياراتها وسياساتها وأولوياتها. لكن تم رصد زيادة شعبوية الخطاب وارتفاع نبرة التحدي في توقع لتصادم محتوم بين السلطتين ان لم يتم تداركه، الأمر الذي لاق تفاعلاً وتعاطفاً شعبياً قد يربك السلطة خاصة على مستوى طريقة التعاطي مع المتغيرات الجديدة. حيث زاد التعاطف الشعبي مع رموز المعارضة التي باتت قوة اقتراح حلول رافضة في الوقت نفسه الحلول الحكومية الجاهزة بمبرر عدم شعبيتها وانحيازها لطبقات معينة. وبذلك دخلت المعارضة في منعرج تحدي جديد للحكومة الجديدة التي لم تشكل بعد بقيادة الشيخ صباح الخالد، تزامن ذلك مع زيادة تضامن نيابي مع إعلان عدم التعاون مع الطبقة السياسية التوافقية التي يقودها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم. حيث تصرّ المعارضة على استبعاد الغانم من المشهد ورئاسة المجلس.
وضمن تكتيكات السلطة لاستيعاب المعارضة في الكويت، والتي عادة ما استخدمت طرق مختلفة لتهدئة التصعيد مع المعارضين تارة ومحاولة شق صفوفهم تارة أخرى عبر الاستقطاب أو دفعهم لقضايا خلافية جانبية، برزت فرضيات قد تعتمدها السلطة عبر الاستفادة من المصالحة السياسية مع المعارضة لمحاولة ترويضها ومحاولة استيعابها وتحقيق حد أدنى من الانسجام لصالح التعاون في المستقبل وأيضاً من أجل عدم الاضطرار لحلّ المجلس وتجنب قدوم برلمان جديد بغالبية ساحقة من المعارضين رغم نظام الصوت الواحد. من بين هذه الفرضيات عدم استبعاد إمكانية تشريك الحكومة لبعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة سواء من النواب أو من خارج المجلس. وقد تكون فرصة تاريخية قد تمنح لأول مرة للمعارضة السياسية في الكويت للتأثير في رؤى الحكومة وقيادة مرحلة قد لا تكون المعارضة نفسها توقعت يوما ما إدارتها في فترة دقيقة تستدعي الاستقرار وليس التصادم. الا أن هذا الاحتمال وان تعتبر واقعيته محدودة، وطموحاً غير قابل للتحقق بالنسبة للكثيرين، الا أنه يبقى خيارا تكتيكاً واردا لاختبار واقعية حلول المعارضة في إدارة الشأن العام والتحديات الضخمة التي تواجه البلاد خاصة في ظل زيادة تذبذب مصير أسعار النفط وعودة العجز للتفاقم وتحمّل تبعات الجائحة التي لم تحسم نهايتها بعد في ظل تعمق الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي حال فشل المعارضة في اختبار إدارة السلطة التنفيذية ورفع التحديات الجاثمة الكبرى وتحقيق تطلعات المواطنين، فقد تراهن حينها السلطة كما حصل في أكثر من تجربة في دول عربية خاصة في المغرب العربي، على تعزز شعبية التوافقيين والمستقلين والتكنوقراط، وهو مسار قد تطمح له السلطة من أجل تحقيق أهداف استراتيجية ملحة تستوجب الاستقرار السياسي ومرتبطة بتحقيق توازنات عاجلة كرفع نسبة الموارد غير النفطية والنهوض باقتصاد البلاد وتحسين مستويات الخدمات المقدمة خاصة التعليم والصحة ولا يمكن أن يتحقق ذلك الا من خلال الإصلاح ومحاربة الفساد وانفاذ القانون.
ويبدو أن الكويت في المرحلة المقبلة قد تمر بمرحلة اختبار صمود المعارضة في إدارة التحديات وقدرة الاستجابة للمتغيرات وتحقيق التطلعات بواقعية دون شعبوية. ومن غير المستبعد أن تؤيد الطبقة السياسية فكرة عدم تسييس الحكومة واعتماد حكومة كفاءات وطنية ان لم تشرك المعارضة في صفوفها.
لكن ان مرت الحكومة الجديدة مباشرة لحكومة كفاءات دون تشريك المعارضة فقد تواجه تحديات ضخمة أبرزها زيادة الضغوط ومطالب المعارضة لتحقيق إصلاحات كثيرة سياسية واقتصادية وقد تكون هذه الضغوط مرهقة للحكومة ومربكة لأولياتها في مواجهة مرحلة ما بعد الجائحة في ظل عدم اليقين حول مصير أسعار الطاقة خاصة بعد تسارع وتيرة التحول نحو الطاقة الكهربائية.
أما في حال اعتمدت الكويت سيناريو تشكيل حكومي بعناصر سياسية بغلبة من المعارضين وأثبت المعارضة فعاليتها ونجاحها في تقديم حلول عاجلة لمشاكل البلاد واختلالات الموازنة وادارة الشأن الداخلي وتعزيز الحقوق والحريات والاستجابة للتحديات الراهنة، فعند اذن ستطرح اشكاليتان أولهما الخوف من ارتفاع سقف طموحات المعارضة السياسية، وثانيا قد تزيد تحديات التصادم بين المعارضة وقوى المصالح المتداخلة والتي قد ترى في نجاح المعارضة احتمالا مقلقا قد يهدد تموقعها داخل البلاد.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF