الكويت، 23 نوفمبر 2021 (csrgulf): بات مؤشر السلام العالمي[1] يرتبط باتجاهات الأمن الغذائي، حيث بات نقص الغذاء ومحدودية الوصول اليه في بعض الدول يؤجج تحركات شعبية تحت شعار مقاومة الفقر وتحسين أوضاع المعيشة. وبسبب أزمة نقص غذاء خانقة في عدد من الدول والتي تتطور بشكل سريع بسبب تراجع الإنتاج وتضخم الأسعار، قد تصبح عدد من الحكومات العربية عاجزة عن توفير الغذاء الكافي لمواطنيها في السنوات المقبلة. وهو ما قد يدفع لتوقع ردة فعل مجتمعية غاضبة من السياسات الحكومية خاصة إذا تراجع مستوى دعم أسعار السلع وضمان توفرها وتحسن القدرة الشرائية. في أسوء السيناريوهات المحتملة، قد تتمثل ردة الفعل المجتمعية المتوقعة خاصة في الدول محدودة الدخل في انتفاضات شعبية ضد الأنظمة تحت شعار رفض الجوع والفقر، الأمر الذي قد يهدد السلم الاجتماعي وعلاقات الشعوب بالأنظمة وعلاقات الدول ببعضها بالنظر لاضطراب متوقع في الواردات الغذائية على مستوى العالم.
وضمن دراسة حول التطور المقلق لمؤشر الجوع والفقر في العالم العربي وارتباطه بالأمن والاستقرار أعدها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)، فإن زيادة الفقر المدقع وتراجع القدرة الشرائية تولد تذمرا شعبيا بصدد التراكم مع عدم استبعاده تحوله لغضب عارم. حيث مثل أحد الدوافع الأساسية لاندلاع انتفاضات الربيع العربي 2011، كما كان تردي أوضاع الكثير من العرب خاصة الشباب ومطالب التغيير والمحاسبة محرك الموجة الأحدث من الاحتجاجات التي اندلعت في 2019 في لبنان والعراق والجزائر، إلى جانب حلقات محدودة من الاضطرابات العمالية في مصر والأردن وتونس. وتنذر حالة نقص الغذاء وارتفاع أسعاره ومحدودية القدرة الشرائية بزيادة رصد مؤشرات قوية على الغضب والقلق الذي يشعر به ملايين الناس في جميع أنحاء العالم العربي الذين سئموا الحكومات التي تمكّن الفساد، وتفشل في توفير الأمن الاقتصادي أو الحراك الاجتماعي، وتعرقل المحاسبة، وتقصر في الاستجابة لتطلعات المواطنين وتعالج مطالبهم بحلول أمنية قمعية[2].
وقد يكون وصول الوباء في مارس 2020 قد قمع مؤقتًا حركات الاحتجاج التي امتدت إلى الشوارع في عام 2019، لكن الغضب الذي حركها لا يزال حاضرًا ملموسًا في جميع أنحاء المنطقة، متضخمًا مع المشقة الطاحنة التي صاحبت انتشار فيروس COVID-19.
على صعيد آخر، زادت النظرة المقلقة للأمن الغذائي مع ارتفاع معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية في عدد من الدول العربية محدودة الدخل. حيث يفاقم الفقر أزمة الغذاء في عدد من البلدان، كما قد ينذر بزيادة الاحتجاجات الشعبية بسبب تردي أوضاع العيش ونقص الغذاء[3]. الى ذلك فان سياسات الدول خاصة على مستوى مراجعة رفع الدعم عن السلع الأساسية خاصة الغذائية بهدف التقشف وتحرير الاقتصاد قد ينذر باختلالات كبيرة على مستوى زيادة عدم المساواة بين المواطنين في المقدرة الشرائية وعدم تكافؤ الفرص في تأمين الغذاء في ظل توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الغذاء في السنوات القليلة المقبلة[4].
لذلك فان الخطر الداهم على الدول العربية يتمثل في تأمين الغذاء لمواطنيها، حيث أن إشكالية تفاقم أزمة محدودية الحصول على الغذاء قد يدفع الى توقع اضطرابات اجتماعية تؤثر على الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية. وعلى الأرجح أن الدول الأكثر تسجيلاً لعدم الاستقرار السياس والأمني والأكثر اجهادا في مصادر مياهها والأكثر فقراً والأكثر تعرضاً للتغيرات المناخية قد تواجه شبح مجاعة جزئية ومتفاوتة مع حلول العقد المقبل.
وفي ظل تراجع التعاون والشراكة بين الدول العربية وفي ظل استمرار الانقسامات والحروب على النفوذ مقابل انخفاض معدلات التنمية وزيادة التفاوت الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في المجتمعات العربية، قد تنشأ اختلالات كبيرة في الدول العربية إذا لم تعالج مسبباتها من اليوم، وخروجها عن السيطرة قد يسبب تصدعات في السلم الاجتماعي وشبح صراعات طبقية في دول كثيرة.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] 2021 Global Peace Index, Overall GPI Score, https://www.visionofhumanity.org/maps/#/
[2] Steven Heydemann, In the Middle East, poverty is down but economic grievance is up. Why?, Brookings, March 2, 2021, https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2021/03/02/in-the-middle-east-poverty-is-down-but-economic-grievance-is-up-why/[3] Thomas Tree, Food Insecurity and Unrest in the Arab Spring, sep 2014, https://www.e-ir.info/2014/09/07/food-insecurity-and-unrest-in-the-arab-spring/
[4] Alastair Smith, Global food prices are at a level not seen for most of modern history – this is why, 01 Oct 2021, https://www.weforum.org/agenda/2021/10/global-food-prices-global-food-price-index/