الكويت، 7 نوفمير 2021 (csrgulf): من غير المستبعد أن تتغير معايير التوظيف في القطاع الحكومي في الكويت خلال السنوات المقبلة بدفع من ضغوط التقشف وترشيد الموارد وتعميم سياسات توطين الوظائف والتركيز على استقطاب المهارات ودعم اختبارات المهارة كشرط للقبول في الوظيفة الحكومية. وحسب بحث لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) حول سياسات التوظيف في الكويت في مرحلة ما بعد جائحة كورونا والتراجع المحتمل لأسعار النفط، من المرجح أن يعتمد الجهاز الحكومي سياسات انتقائية أكثر صرامة في توظيف القوى العاملة المهرة من أجل رفع القيمة المضافة للعمل الحكومي وتنمية دوره في خلق وتنويع إيرادات الدولة وترشيد فاتورة الأجور المرتفعة.
وحسب تفاصيل البحث، من المرجح أن استيعاب الجهات الحكومية تضاعف إلى ما يفوق نحو 4 أضعاف الحاجة الفعلية خلال السنوات الأخيرة رغم إجراءات تقليص القوى العاملة الأجنبية وتعزيز توطين الوظائف الحكومية، ما يعزز البطالة المقنعة بنسبة 80 في القطاع الحكومي، ويؤكد انحراف سياسات التوظيف في المؤسسات الحكومية عن أهداف التنمية وترشيد استغلال الموارد، فضلا عن استمرار الاعتماد على اليد العاملة غير الكويتية في مجالات مختلفة.
في المقابل تبرز دعوات إصلاحية لسياسات التوظيف كزيادة ربط التوظيف في القطاع الحكومي باختبارات المهارة ومنح استقلالية أكبر لعمل ديوان الخدمة المدنية وحوكمة عمله وإصلاح معايير ندبه للمترشحين وإدارة شؤون القوى العاملة والتركيز أكثر على تعزيز مهارات الموظفين وتدريبهم وتحفيز ثقافة العمل المتخصص بزيادة الربط مع المؤسسات الجامعية والتدريبية والمهنية قد يكون خيارا حتمياً لنجاح مسار اصلاح الوظيفة الحكومية والقطاع العام الكويتي ككل مستقبلاً. هذا القطاع بات يواجه تحديات ضخمة ومتراكمة خاصة فيما يتعلق بتضخم الإنفاق على الرواتب مقابل محدودية النجاعة والأداء وتراكم مديونية المؤسسات الحكومية. وقد يكون إصلاح بروتكول التوظيف في الجهات الحكومية أهم معضلة في علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية في المدى القريب بالنظر لعوامل متداخلة وتدخلات سياسية في سياسات التوظيف في الجهاز الحكومي.
ورغم محاولات إعادة إحياء مشروع البديل الاستراتيجي لتعديل سلّم الرواتب كأولوية لإصلاح مصروفات الميزانية خاصة على الأجور لمقاومة التضخم والبطالة، الا ان هذه المحاولات فشلت في تضخم كلفة فاتورة الأجور التي تلتهم نحو ثلثي ميزانية الدولة في مقابل محدودية القيمة المضافة.
وتعتمد الكويت منذ سنوات من أجل تخفيف ضغوط التوظيف في القطاع الحكومي على خيار وحيد يتمثل في تقليص القوى العاملة الأجنبية كخيار مسييس من أجل الحد من فاتورة الانفاق على الأجور ودعم توظيف الكويتيين بدلا من غير الكويتيين، الا أن مثل هذه الحلول لم تثبت نجاعتها في وقف نمو تضخم كلفة الأجور، حيث أنها لم تعد الحل الأمثل بقدر اصلاح معايير التوظيف وربطها بمعايير تنافسية كالأداء والقيمة المضافة المترتبة عن العمل سواء للكويتيين أو لغير الكويتيين.
يعرض المركز (csrgulf) تحليلاً مقتضباً لأهم تحديات اصلاح نظام التوظيف في القطاع العام الكويتي ومدى الحاجة لحكومة القطاع وتطوير وتكييف دور ديوان الخدمة المدنية المنظم الأول للقوى العاملة في الكويت. وقد تم ملاحظة محدودية تنسيق الديوان بين مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية وفرص العمل المتاحة في الجهات الحكومية، حيث تشكو مؤسسات حكومية كثيرة حسب تقارير مختلفة من محدودية أداء وتخصص المنتدبين من ديوان الخدمة في العقود الماضية، حيث انتشرت بين بعض الموظفين ثقافة “الحضور الشكلي” في المؤسسة الحكومية دون الالتزام بتقديم قيمة مضافة في العمل. وهو ما أثر خلال العقود الماضية على ضعف المساهمة التنموية للإدارة فضلاً عن التسبب في استشراء الفساد الإداري بسبب رواج ثقافة الإفلات من العقاب والواسطة والمحسوبية.
ويعتبر ديوان الخدمة المدنية أكثر المؤسسات المشمولة بحاجة إصلاح القطاع العام وتحسين أدائه وحكومة التوظيف فيه من أجل ترشيد كلفة الأجور، وذلك بالنظر لدوره المحوري في الاستجابة لتحديات سوق العمل الكويتي. وقد تمت ملاحظة ضعف دور تطوير الديوان لسياسات انسجام القوى العاملة مع التحديات الداخلية والخارجية للمؤسسات الحكومية والبلاد بشكل عام، خاصة بالنظر لأهمية تحفيز القدرات الإبداعية للقوى العاملة وتأهيلهم للتعامل مع التحول الرقمي الذي شمل الإدارة والعمل الحكومي.
ورغم عراقيل اصلاح التوظيف في القطاع الحكومي الذي يمثل أكبر بند في المسار الإصلاحي الشامل في ظل التحولات ما بعد مرحلة كورونا، يبقى دور ديوان الخدمة حيوياُ ولا يمكن الاستغناء عنه حتى في ظل استشراف العصر الرقمي للمعاملات وإدارة شؤون القوى العاملة.
وبذلك قد لا تستغني المؤسسات الحكومية في الكويت يوماً ما عن ديوان الخدمة المدنية كجسم حكومي وسيط في توفير الموظفين. لكن بالتوازي مع ذلك قد تزيد أهمية دعم مسار اعتماد التوظيف المباشر عبر تعميم آلية الامتحانات التنافسية الوطنية وتعزيز الانتداب التخصصي حسب مؤهل الكفاءة والقدرة على الابتكار والإنتاجية وزيادة الربط بين الجامعات والمعاهد ومؤسسات التدريب مع الهيئات الحكومية.
اصلاح ديوان الخدمة بات ضرورة ملحة والتدخل السياسي يؤخر اصلاح التوظيف في القطاع الحكومي
رغم أن وتيرتها تسارعت بفعل تداعيات جائحة فيروس كورونا التي فرضت خيارات التقشف، أسفرت سياسات التوطين والاحلال والاستغناء عن اليد العاملة الأجنبية التي وضعتها دول الخليج جميعها عن نتائج هامشية. وعلى سبيل المثال في الكويت، يعاني القطاع العام الموظف الرئيسي للقوى العاملة الوطنية تحديات ضخمة جراء ضعف في نجاعة إدارة الموارد البشرية ناجم عن سياسات توظيف خاطئة لا تستهدف بالدرجة الأولى انتداب المهارات المتخصصة بقدر إيفاء الحكومة بالتزام التوظيف لمواطنيها.
واتضح أن سياسات نواب مجلس الأمة خاصة الشعبويين والمعارضين منهم تشجع تأخير اصلاح الوظيفة في القطاع العام واستمرار ارتباطها بالمنحة والولاء أكثر من الفاعلية والأداء. ونتيجة ضغوط نيابية يخفي جزء من سياسات الانتداب الحكومي مسار توظيف وهمي مقابل منح أجر من الدولة. هذا الأجر ما يزال ينظر اليه كحق مكتسب للمواطن ومنحة عن ثروة النفط، وهو حق ينصّ عليه الدستور.
في معظم حالات “التوظيف الوهمي”، يتقاضى الموظفون رواتب مقابل عمل أو ما يعرف بـ(الدوام) سواء كان ذا إنتاجية أم لا، ما يعكس حقيقة ظاهرة “بطالة مقنعة” في جزء من القطاعات الحكومية المترهلة. هذه الظاهرة تشجع على استشراء الفساد والتي حاولت منذ سنوات السلطات التقليص منها من خلال زيادة الرقابة على عمل الموظفين الحكوميين وتقييم أدائهم وحضورهم، الا أن هذه المساعي لم تكبح استمرار الظاهرة التي ترهق تكلفة الانفاق الحكومي المرتفع على الأجور مقابل مردودية محدودة.
لكن هذه الظاهرة لا تنسحب على جميع الموظفين، حيث تعزز التشجيع على اعتماد سياسات تحفيز وتدريب مهارات الموظفين واختيار المتفوقين لمناصب قيادية، الا أن هذه السياسات تتقدم ببطء، في حين أن الثقافة الوظيفية محتاجة للمراجعة بشكل جذري من أجل تعزيز التخصص ومعيار الكفاءة. ولا يمكن أن تسهم أي نوايا إصلاحية للوظيفة في القطاع العام في الوصول الى النتائج المرجوة الا عبر القطع مع التدخل السياسي والقبلي والنيابي في سياسات التوظيف في القطاع الحكومي ودعم مسارات تعميم الامتحانات التنافسية للمترشحين للوظيفة الحكومية، وتعديل معايير ترشيح ديوان الخدمة المدنية للمنتدبين في العمل الحكومي. ويعتبر اصلاح هيكلية الديوان أولوية قصوى لا يمكن تجاوزها من اجلال اصلاح منظومة العمل الحكومي وتعزيز أدائه ودوره التنموي.
ويعتمد ديوان الخدمة المدنية في الكويت منذ انشائه عام 1979 على آلية محدودة الفاعلية لترشيح وندب الموظفين في القطاع الحكومي الكويتي. ورغم دعوات إعادة النظر في آليات عمل ديوان الخدمة أكثر المؤسسات الحكومية حاجة للإصلاح، الا أن جزءا من معايير فرز وتقييم الديوان للمترشحين ما يزال مرتبطاً بإدارة الكم وليس النوع. حيث تتضخم أزمة تخصصات المرشحين للوظيفة الحكومية وعدم انسجامها مع المؤهلات المطلوبة لإحداث القيمة المضافة في الوظائف الشاغرة.
ومثل هذا المسار لم تدعمه المعارضة بقدر ما دعمت رفع نسبة توظيف الكويتيين في القطاع العام بغض النظر عن التخصص. وتستمر الفوارق في الميزات الوظيفية بين القطاع العام والخاص في تحفيز اقبال الشباب على طلب التوظيف في المؤسسات الحكومية أكثر من الخاصة وهو ما يحتاج زيادة التعديل وإقرار نوع من المنافسة العادلة.
اصلاح ثقافة التوظيف والأجور قد يضمن وجود منافسة بين الكويتيين ممن لديهم نفس المؤهلات والخبرات وذلك بالتركيز على تنمية الموارد البشرية واسناد الوظائف والترقيات بناء على المزايا والمؤهلات. كما أصبحت ضرورة ملحة تدريب الموظفين خاصة الشباب على آليات حسن ادارة مواردهم المالية ونفقاتهم وقروضهم من أجل رفع كفاءة سبل عيشهم، حيث يعتبر هذا المسار الأمل الحقيقي الوحيد لازدهار مستقبل البلاد بعد النفط[1]. ومثل هذا التوجه قد يكون صمام الأمان لمستقبل جيل الموظفين وتأمين مصدر دخلهم. حيث تبرز تحديات كبيرة لطالبي العمل من الكويتيين في المرحلة المقبلة خاصة المهتمين بالتوظيف في القطاع الحكومي الذي قد يفقد القدرة على الانتداب بالوتيرة نفسها في السنوات الماضية في ظل تضخم العمالة أكثر من القدرة الحقيقية للاستيعاب. وهو ما ينذر بتأخر محتمل لمدة الانتداب في السنوات المقبلة ما يدفع بالآلاف نحو القطاع الخاص الذي قد يفرض حد أدنى من التدريب والكفاءة والإنتاجية.
الا أن عدم التحول الجذري في ثقافة التوظيف والتحفيز على تبني ميزة الإنتاجية والابتكار كسبيل للانتداب سواء في القطاعين العام أو الخاص قد تنذر بأزمة بطالة وقتية بغض النظر عن وتيرة سياسات الاحلال والتوطين والاستغناء عن الوافدين. كما أن احتمالات زيادة الضغوط على الامتيازات الوظيفية للموظفين في المستقبل قد تقلص من مواردهم المالية في ظل زيادة نفقات الأسر والافراد وهو ما قد ينذر باختلالات مالية أكبر قد تزيد من توسيع دائرة الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.
الصراع بين الحكومة والمعارضة على المحافظة على الرفاه وعدم تضاربه مع اصلاح مسارات التوظيف
رغم استمرار الدولة كضامن للخدمات والدخل للأفراد وفق اقتصاد الريع، على الأرجح أن تزيد على المدى المتوسط ضغوط التقشف والتنافس الوظيفي ومحدودية فرص العمل في القطاع الحكومي من تدهور القدرة الشرائية في ظل محدودية الاستعداد الشعبي في الوقت الراهن للتخلي عن ثقافة الانفاق والميزات الاجتماعية المرتبطة بحياة الرفاه التي يتمسك بها السواد الأعظم من الشعب الكويتي بغض النظر عن ارتفاع كلفة الرفاهية التي تتحمل الجزء الأكبر منها الدولة، والتي في ظلّ توقع تراجع إيراداتها النفطية بحلول نهاية العقد[2] قد تنعكس سلباً على الحد من قدرتها على تحمل مثل هذه الكلفة واحتمال الاضطرار للتفريط في بعض الامتيازات الممنوحة، وهو احتمال ترفضه بشدة المعارضة الكويتية.
وفي حين تحمّل المعارضة الحكومة المسؤولية عن ضمان حياة رفاه الجيل الحالي والقادم، تبقى نظريات الإصلاح للإبقاء على نمط الرفاهية تثير أساس الخلاف الجوهري بين المعارضة الشعبية والحكومات المستقبلية. حيث ما يزال التغيير المطلوب في ثقافة وسلوك المواطن في علاقته بالدولة والوظيفة متعثراً، كما أن هدف احداث تحول جذري في ثقافة العمل لدى جزء كبير من المواطنين بالتعويل على القطاع الخاص أكثر من القطاع العام من أجل الوظيفة وخلق الثروة يبقى غير قابل للتحقيق بسبب تراخي سياسات الدولة في الاستعداد لسيناريوهات تراجع إيرادات النفط شريان حياة الاقتصاد الكويتي ما جعل شريحة واسعة من المواطنين تدعو لعدم تحمل فشل الحكومة في التكيف المالي مع الظروف والمتغيرات وترفض تحميل المواطن ضعف رؤية الحكومة الاستشرافية لضمان الموارد وضمان حياة رفاه المواطن بدون اللجوء الى التقشف الموجع والاضطراري.
المعارضة وان تصرّ على الانحياز الى الشعب والحفاظ على مكاسب الرفاه التي ورثتها الأجيال بفضل الثروة النفطية والتي باتت حقاً اقتصاديا واجتماعياً تلتزم به الدولة أمام مواطنيها، الا أنها في الوقت نفسه لا تدرس تصورات بديلة لموارد الرفاه في حال توديع عصر النفط بفعل الضغوط الدولية للتخلي عن الصناعات الكربونية والتي قد تخفض الطلب على النفط بحلول العقد الجديد. في هذا الصدد، فان احتمال التعايش مع اقتصاد غير نفطي لا يندرج ضمن أجندة وتصورات المعارضة التقليدية أو الجديدة في الوقت الراهن، والتي تنكر أغلبها عبر تياراتها السياسية ورموزها الى اليوم إمكانية حصول فرضية التخلي عن النفط، وتنتقد بشدة متبني الإصلاح الجذري والمقلص لدور الدولة الريعية وعادة ما تبرر مثل هذا الإصلاح بغير الواقعي او من ضمن نظريات المؤامرة ضد مصلحة الشعوب.
لكن هذه الفرضية رغم عودة انتعاش أسعار النفط تندرج ضمن مخططات اصلاح الضرورة، حيث تبدو الحكومة مضطرة لها بدفع من توصيات مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي[3] والبنك الدولي ووكالات التنصيف العالمية، وهذه المؤسسات تعتقد أن الكويت لا تسير بالتناقضات الحاصلة على منهج دول نفطية أخرى سارعت الى تغيير منظومة عملها وربطها بموارد غير نفطية وروجت بين مواطنيها لثقافة التعايش مع مرحلة ما بعد النفط وأهمية العمل والابداع والابتكار كشرط للنجاح الوظيفي والترقي المهني.
الإصلاح والحاجة الى معارضة سياسية مسؤولة ومستشرقة للتحديات
تحقيق مراحل الإصلاح المشروط بتراجع مركزية الدولة المانحة ما يزال تقدمه بطيئاً حيث تعرقله شعارات جزء من أطياف المعارضة الشعبوية التي تدعو الى محورية الدولة في حياة المواطن والحد من توجهات ساعية للخصخصة بمبرر منع ابتزاز المواطن وتبرر ذلك بمخاوف من احتمالات تحكم الطبقات البورجوازية في تقرير مصير المواطن مستقبلاً. حيث يبقى هناك ميل قوي للنظام الريعي والدولة المانحة.
وتستمر المعارضة الكويتية في تحميل الحكومة مسؤولية استمرار حياة الرفاه والتوظيف والامتيازات واستمرار الدعم، وترفض بشدة المساس بأي من هذه الامتيازات بدعوى الإصلاح، وهو ما يغذي التأزيم المستمر، اذ لا تلوح في الأفق أي رؤية للمعارضة في دعم تنمية القطاع الخاص كقطاع بديل وآمن وضامن لمصادر دخل الكويتيين في المستقبل، حيث تستمر ثقافة منظومة الريع التي تدافع عنها المعارضة بشدة ولا تثق بالإصلاح الذي يتحمل كلفته المواطن ولو تدريجياً، فهي رافضة في أطروحاتها حتى على المدى البعيد التحولات الحتمية التي تحث المؤسسات المالية الدولية الكويت على الاستعداد لها لضمان الازدهار لأجيال المستقبل.
ورغم تأثيرات تداعيات جائحة فيروس كورونا التي لم تنتهي بعد أي استعدادات للرأي العام الشعبي الكويتي لتقبل أي تقليص على المدى القريب من الامتيازات التي توفرها الدولة، حيث يبقى التوجه للقطاع الخاص والتعويل على المبادرة الخاصة خيارا ثانوياً بالنسبة لقطاعات شعبية واسعة ومصدرا إضافياً للدخل ليس الا، اذ يربط السواد الأعظم من الكويتيين مصدر دخلهم الأول بالقطاع الحكومي.
ويغلب الى اليوم الاعتقاد الراسخ بحق المواطن في الثروة النفطية كمنحة مستحقة مع عدم رصد أي مؤشر للتنازل عن هذا المبدأ على المدى القريب. ورغم التوقعات المعلنة باستشراف قرب نهاية عصر النفط وتحذيرات المؤسسات المالية والوكالات الدولية للتصنيف بضرورة اصلاح جذري قبل موعد تراجع الطلب عليه وانخفاض قيمته الى أكثر من النصف بعد عقدين من اليوم، رغم ذلك لا يستوعب أغلب الكويتيين حتى من جيل الشباب دعوات الاستعداد لتبني ثقافة وسلوك جديد يرتقي لخصوصية مرحلة ما بعد جائحة كورونا في علاقة بالخدمات والدعم والأجور والمنح التي توفرها الدولة وهي مجالات قد تصبح بوابة التقشف الموجع من خلال دعوات لترشيده الانفاق عليها مقابل زيادة تمويل الاستثمار الوطني ودعم الشراكة مع القطاع الخاص لتنويع موارد البلاد بأقل تكلفة على المواطنين، وهو ما قد يؤثر على الحد من دور الدولة ولو تدريجياً في ضمان حياة الرفاه بالمنح مقابل زيادة ربطها بالعمل والانتاج. فقد تتعثر الدولة على المدى المتوسط في ضمان الموارد الكافية للإنفاق على الخدمات والأجور بنفس وتيرة اليوم.
وعلى امتداد السنوات الأخيرة تحمل بعض عناصر المعارضة هيمنة عدد من العائلات التجارية المتداخلة مع السلطة على القطاع الخاص مسؤولية احتكار النشاط الاقتصادي غير النفطي خاصة التجاري وحرمان نسبة من الشباب من حق المنافسة ضمن مشروعات مبتكرة، ما أدى حسب زعم أطروحات المعارضة على اختلاف تياراتها الى اضعاف تنافسية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مقابل المؤسسات العائلية التجارية الكبرى، حيث تُحمّل بعض رؤى المعارضة سبب تعثر تجارب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الى سياسة الاحتكار التي تمارسها بعض المؤسسات العائلية. وعلى صعيد متصل، تعارض بعض أقطاب المعارضة بشدة مشاريع الخصخصة بدعوى منع تغوّل بعض التجار واحتكارهم للنشاط الاقتصادي وبسط سيطرتهم على مصادر الثروة العامة. ولعلّ هذه المخاوف هي التي تبرر معارضة تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد الكويتي.
ومع ذلك، وفقًا للدستور الكويتي، فإن الدولة ملزمة بتوظيف المواطنين[4]، مما يضخم التحدي المتمثل في احتواء نمو التوظيف في القطاع العام، هذا النمو يعتبر المتسبب الرئيسي في الضغوط المالية على ميزانية الدولة في الكويت حيث قفزت نسبة الانفاق على الأجور أكثر من 4 مرات منذ 2010 حتى باتت اليوم تستحوذ مع كلفة الدعم على ثلثي ميزانية الدولة[5]، ما يدعو الى ظهور أولوية أساسية للتكيف المالي مع التحديات متوسطة المدى والتي قد تظهر بعد عودة انخفاض أسعار النفط خلال السنوات المقبلة. حيث ان الارتفاع الجاري في أسعار المحروقات محدود ومبرراته غير مستقرة. وهذا ما يجعل دور القطاع الخاص حاسمًا في ضمان موارد بديلة عن إيرادات النفط من أجل استيعاب معظم المواطنين الكويتيين البالغ عددهم نحو 100 ألف طالب عمل[6] بنهاية 2025.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] Geoffrey Martin, Borrowing Time: Structural Challenges to Kuwait’s Economy after COVID-19, December 15, 2020, https://gulfif.org/borrowing-time-structural-challenges-to-kuwaits-economy-after-covid-19/
[2] Ron Bousso, Oil to hit $40 by 2030 if climate goals are met -consultancy, Reuters, 2021, https://www.reuters.com/business/energy/oil-hit-40-by-2030-if-climate-goals-are-met-consultancy-2021-04-15/#:~:text=LONDON%2C%20April%2015%20(Reuters),energy%20consultancy%20said%20on%20Thursday.
[3] IMF, Kuwait: Staff Concluding Statement of the 2021 Article IV Mission, October 20, 2021, https://www.imf.org/en/News/Articles/2021/10/20/mcs102021-kuwait-staff-concluding-statement-of-the-2021-article-iv-mission
[4] أنظر المادة 41 من الدستور الكويتي، http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=2024
[5] Reuters, Kuwait’s 2020-21 budget deficit increases 175% to record 10.8 bln dinars, august 2021, https://www.reuters.com/world/middle-east/kuwaits-2020-21-budget-deficit-increases-175-108-bln-dinars-2021-08-07/
[6] حجم العمالة وتوزيعاتها على مختلف الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات الملحقة والمستقلة، والشركات المملوكة للدولة ملكية كاملة، نظام معلومات سوق العمل، العاملين بالقـــطاع الحكـــومي وفقا للحالــة 2019/6/30، الادارة العامة للإحصاء، الكويت، file:///C:/Users/IMED/Downloads/%D8%A5%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D9%89_%D9%88%D9%81%D9%82%D8%A7_%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%80%D9%80%D8%A9__%D9%81%D9%8A.pdf