الكويت، 31 أكتوبر 2021 (csrgulf): بعد رفعها سمة التحفظ، تسعى الكويت الى رفع مستوى علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية مع دول المغرب العربي والقفز بها الى مرحلة تعاون تفاضلي متقدم.
وفي حين تشهد منطقة المغرب العربي تحولات مصيرية خاصة على مستوى إعادة مراجعة سياساتها وتحالفاتها الخارجية، اتضحت مساعي الكويت على غرار دول عربية أخرى لزيادة الانفتاح على التعاون وإيجاد فرص واعدة في منطقة المغرب العربي التي قد تشهد تطورا إيجابياً على المدى المتوسط رغم مخاطر عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي على المدى القريب.
وفي حين تشير تحركات الخارجية الكويتية الى احتمال قيادة الكويت لجهود ديبلوماسية لتحقيق مصالحة في المغرب العربي ودعم استقراره، بدا جلياً أن السياسة الخارجية الكويتية رفعت سمة التحفظ على الاهتمام بشؤون المنطقة المغاربية، حيث عرف تاريخ العلاقات الكويتية مع دول المغرب العربي نوعاً من التعاون الباهت والمتحفظ خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وذلك بسبب تراكمات تصدع العلاقات المشتركة ابّان الغزو على خلفية مواقف بعض دول المغرب العربي غير المؤيدة آنذاك لتدخل عسكري ضد نظام صدام حسين الذي تدخل عسكرياً في الكويت في عام 1990.
وخلال السنوات الأخيرة، نجحت بعض مبادرات الانفتاح على التعاون مع دول المغرب العربي خلال السنوات الأخيرة في تعزيز مناخ الثقة واذابة ثليج تراكمات برود العلاقات بين الكويت وبعض دول منطقة المغرب العربي.
وبعد نجاح الديبلوماسية الكويتية في تنسيق جهود حلّ الأزمة الخليجية بالتعاون مع السعودية العام الماضي، شهد نشاط وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح توسعاً على الخارطة العربية وخاصة في المنطقة المغاربية، حيث زار أكثر من مرة دول المغرب العربي بوازع تعزيز التعاون الإنساني وتنسيق الجهود السلام واستكشاف فرص جديدة لرفع مستويات التعاون بين الكويت وعدد من الدول المغربية في مقدمتها تونس وليبيا والجزائر والمغرب.
وحسب تصريحات المحمد، يبدو أن الوزير يسعى لتطوير أداء الديبلوماسية الكويتية وتحقيق أهداف أكبر خاصة فيما يتعلق بتعزيز المصالح الكويتية مع أكثر عدد ممكن من الدول العربية والافريقية، حيث كان الرهان السابق على تعزيز التقارب الكويتي مع دول آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. وفي حين كان التعاون الديبلوماسي الكويتي مع الدول العربية انتقائياً، بات اليوم حسب قراءة نشاط تطور السياسة الخارجية شمولياً يتبع مسار زيادة احداث تقارب بين الكويت وجلّ الدول العربية من أجل تحقيق مصالح تنموية مشتركة حسب سياسة “رابح رابح”.
وتراهن الكويت على جني مصالح استراتيجية تنموية من خلال زيادة تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية عربياً ودولياً. هذا الرهان يهدف لإحداث نقلة نوعية في العلاقات الكويتية والمغاربية وفتح بوابة فرص لتعزيز الاستثمار المشترك، خاصة مع زيادة تأكد وجود افاق ازدهار في منطقة المغرب العربي وافريقيا ككل.
لذلك بادرت الكويت الى خلق فرص تحسين مناخ العلاقات، وتراهن على دفع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بين الحكومة الكويتية وحكومات الدول المغاربية. كذلك، التحقت الكويت بركب السباق الخليجي في السعي للعب دور ديبلوماسي لترسيخ السلام في منطقة تعيش ظروف توتر وتقلبات خطيرة والتي يصفها البعض بأنها على حافة خطر عدم الاستقرار الأمني أو السياسي.
الكويت تقود جهود ديبلوماسية لإحداث مصالحة في المغرب العربي
تسعى الكويت الى دعم صوت العقل والحكمة وخيار السلم بدل الصراعات والأزمات. وقد سمحت التعددية السياسية في الداخل بسياسة خارجية مستقلة وتعددية في الخارج. ويعكس نشاط الخارجية الكويتية رغبة ملحة لترجمة قوة الديبلوماسية الناعمة للكويت في ترسيخ السلام والاستقرار الإقليميين. وفي هذا الصدد، اهتمت الكويت بدفع مسار عملية السلام والحوار السياسي في ليبيا، وأيضا درست احتمالات تهدئة التوتر بين الجزائر والمغرب، فضلا عن دعم السلم الداخلي في تونس.
وقد زار وزير الخارجية مرتين ليبيا في ظرف عام واحد وتهدف هذه الزيارات لتعزيز حضور الكويت في جهود دعم استقرار ليبيا. وقد زار أيضا تونس مرتين ناقلاً رسالة أمير الكويت في تعزيز مقاربة التعاون والسلام في المنطقة والعالم العربي. وهذا ما حسّن من نظرة التفاؤل للعلاقات الكويتية التونسية التي عرفت لمدة طويلة وتيرة تعاون متعثر منذ الغزو.
وتسعى الكويت للتوسط في حلّ الخلاف التاريخي بين المغرب والجزائر والذي تطور الى حد اعلان القطيعة الديبلوماسية ووقف حركة التنقل. وترغب الكويت في تكرار سيناريو نجاح دورها في التوسط لحل الازمة الخليجية على أن يتكلل بمصالحة قد تواجهها عقبات كثيرة نتيجة تراكمات الخلافات.
وقد زار المحمد المغرب خلال هذا العام محاولاً دفع عملية التشاور والبحث من أجل رفع مستوى التعاون الكويتي المغربي، وأيضاً من أجل استكشاف أرضية موحدة لبناء عملية سلام بين المغرب والجزائر تكون الكويت وسيطا فيها خاصة انها تقف على مسافة واحدة مع الجانبين.
وكانت الكويت جددت التأكيد أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، على دعمها للوحدة الترابية للمغرب وسيادة المملكة وتأييدها للمبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في الصحراء.
لكن أكد ممثل الديبلوماسية الكويتية في الأمم المتحدة دعم جهود الأمم المتحدة للتفاوض والحوار السلمي لحلّ النزاع على الصحراء الغربية بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا و”البوليساريو”.
وضمن مساعي إيجاد خارطة طريق لحل يرضي جميع الأطراف، زار المحمد أيضا الجزائر هذا العام في مساعي لتأكيد اهتمام قيادة الكويت بتعزيز التعاون المشترك، وأيضاً من أجل رأب الصدع بين الجزائر والمغرب والعمل على دفع عملية السلام المغربية وتحقيق تكامل في المنطقة. ومن غير المستبعد أن تتوفر للكويت فرص في ظل ديناميكية الديبلوماسية الحالية في تحقيق بوادر مصالحة قد تنهي أطول خلاف بين دولتين عربيتين دام نحو أربعة عقود ويستمر.
وتخلّلت زيارات مسؤول الديبلوماسية الكويتية الى دول المغرب العربي اتصالات هاتفية بين الوزير ونظرائه في المغرب العربي. وهو ما يعكس تنامي الاهتمام الكويتي بالتقارب مع دول المنطقة المغاربية والمشاركة في استقرار دولها.
ويمثل تعزيز استقرار دول المغرب العربي مدخلاً مهماً لانعاش عمل الديبلوماسية الكويتية في المنطقة، حيث اهتمت الكويت بتوفير فرص دعم مصالحة مغاربية ورأب الصدع بين دول الاتحاد المغاربي، وهو مسار جسدته زيارات وزير الخارجية الكويتي لأكثر من مرة لعدد من بلدان المغرب العربي هذا العام، حيث مثل الوساطة في إيجاد حل للأزمة المتصاعدة بين الجزائر والمغرب أهمية استراتيجية على المدى البعيد بالنسبة للكويت وذلك من أجل تعزيز العمق الاستراتيجي الخليجي العربي المبني على تشارك المصالح واحترام سيادة الدول واحياء هدف التكامل العربي.
وقد يكتب للكويت ان تسهم في ظرف وجيز تحقيق سلام في منطقة عربية تشهد نوعا من الاستقرار الهش خاصة على مستوى العلاقات البينية التي أسهمت التحالفات المضادة مع القوى الأجنبية في تعميق الانشقاق بين سياساتها ومنعت توحدها.
اهتمام بتنمية دور الديبلوماسية الاقتصادية
منذ تولي أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم وتكليف وزير الخارجية السابق الشيخ صباح الخالد برئاسة الوزراء، كسبت السياسة الخارجة هامشاً أكبر من الاستقلالية والحركية، حيث أسهم وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح في تطوير نشاط وكفاءة الديبلوماسية وابتكار أدوات جديدة لتحسين أداء السياسية الخارجية ودورها التنموي.
وفي ظل محدودية الاستفادة من التعاون الخارجي رغم التزام الكويت بتقديم المساعدات الخارجية خاصة الدول العربية، يبدو أن وزارة الخارجية الكويتية تهدف لزيادة تفعيل أدوات السياسة الخارجية المتاحة لتعزيز رؤية التنمية وجذب استثمارات الى البلاد وإعادة تعزيز خارطة الاستثمارات الكويتية في الخارج حسب كفاءة المردودية وتنويع الإيرادات وزيادة الرهان على الاستثمار في ضمان الأمن الغذائي. وتأتي هذه التحركات بهدف رفع التحديات وأبرزها محدودية تنوع ايرادات الاقتصاد الكويتي المرتبط الى اليوم في جزء كبير منه بإنتاج النفط. وتهدف مساعي وزارة الخارجية حسب تصريحات الوزير وتحركاته الى الاستفادة من تطوير العلاقات الديبلوماسية مع بعض الدول العربية لضمان مستقبل الأمن الغذائي الذي يعتبر من أهم التحديات المقبلة لأجيال المستقبل في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
اهتمام برفع حجم المصالح بين الكويت ودول المغرب العربي بعد تراجعها
تراجعت صادرات الكويت الى دول المغرب العربي (تونس، المغرب، الجزائر) مع استثناء (ليبيا وموريتانيا) من نحو 44 مليون دولار في 2018 الى 11.5 مليون دولار في 2020[1]. هذا الانخفاض الكبير تسعى الكويت لتداركه من خلال تعزيز الديبلوماسية الاقتصادية عبر الساهمة في دعم استقرار هذه الدول ودعمها في الأزمات على غرار الدعم الكويتي لتونس لتجاوز أزمة تداعيات جائحة كورونا.
ومن المرجح أن الكويت التحقت بالسباق الخليجي للظفر بشراكة تفاضلية مع دول المغرب العربي والتي تشهد علاقاتها وتحالفاتها الخارجية منعرجاً مهماً ومصيرياً مع توقع زيادة انفتاحها على التعاون مع دول الخليج على حساب تقلّص التعاون التاريخي مع المنطقة الأوروبية الذي هو قيد المراجعة بين بعض الدول خاصة الجزائر وتونس وليبيا، وهذا ما يتضح في تصريحات كل من الرئيسين الجزائري[2] والتونسي[3] والذين طالبا بعلاقات ندية وشراكة رابحة-رابحة أساسها الاحترام مع دول أوروبا مع زيادة استكشاف شراكة أخرى مثمرة مع الدول العربية في مقدمتها الدول الخليجية.
ونظرا لأهميتها الاستراتيجية في المنطقة العربية كونها البوابة العربية الأولى نحو الفضاء الأوروبي والسوق الأوربية المشتركة، يعتبر مسار تعزيز الاستثمار الخليجي في دول المغرب العربي ذا جدوى متوسطة الأمد لكن مرتبطة بدعم استقرار هذه الدول. ويمثل هدف استقرار دول المغرب العربي في هذه الفترة أهمية استراتيجية لتحسين مناخ الأعمال ورفع مستوى تبادل الاستثمارات التي قد تصب في مصلحة تنويع إيرادات الاقتصادات الخليجية عبر زيادة تنويع الصادرات واستهداف أسواق أوروبية من خلال التعاون المشترك مع القطاع الخاص المغاربي.
ويبدو أن السياسة الخارجية الكويتية تبحث عن زيادة عقد شراكات وتمتينها مع الدول العربية الصديقة دون الاصطفاف لتحالفات أو محاور. وتريد الكويت ان تكون نشطة وتتخطى حواجز العوائق والخلافات لرفع مستوى التعاون مع الدول العربية وأبرزها المغرب العربي. وعلى الأرجح أن زيادة الاهتمام بمنطقة المغرب العربي يأتي بعد تراجع مستويات التبادل التجاري والتعاون والاستثمار بين الكويت ودول المنطقة المغاربية. وقد يكون العائق الأبرز في السنوات الماضية عدم الاستقرار السياسي الى جانب تأني الديبلوماسية الكويتية في خطوات رفع مستويات التعاون في ظل منطقة تشهد توترات ومخاطر ودرجة استقطاب عالية.
زيادة تطور أداء الديبلوماسية الكويتية وتقاربها من المحيط المغاربي
من المرجح أن يكون لتأثير الثقافة الفرنكوفونية في جانب من شخصيته دور في زيادة انفتاح الديبلوماسية الكويتية على دول المغرب العربي التي تعتمد في جانب كبير من تعاملاتها عل الثقافة الفرنكوفونية، حيث أن الوزير المخضرم بمعرفته عن الثقافة الفرنسية المهيمن في منطقة المغربي بات يمتلك أدوات تواصل أكبر ودراية متعمقة حول تمتين العلاقات الديبلوماسية مع نظرائه في دول المغرب العربي وفي عواصم أوروبية.
وحسب رصد المركز، أصبحت السياسة الخارجية الكويتية أكثر حركية وفاعلية مع زيادة ملحوظة للنشاط الديبلوماسي الكويتي عربياً ودولياً منذ العام الماضي. وقد منحت ظروف جائحة فيروس كورونا فرصاً أكبر لزيادة تفعيل النشاط الديبلوماسي الإنساني من أجل دعم دور أكبر لدولة الكويت في صناعة القرار العربي والإقليمي وتحقيق السلام. وقد ميّزت الانتعاشة الديبلوماسية في الكويت الاهتمام اللافت بالشأن المغاربي والأفريقي. الى ذلك هناك اهتمام بتطوير الديبلوماسية الرقمية.
وتنأ الكويت بنفسها عن الوجود في حلف أو في سباق عربي أو خليجي أو دولي يهدف للتدخل في الشأن المغاربي، حيث تسعى الى تعزيز التقارب مع الدول من بوابة الدعم الإنساني واستكشاف فرص التعاون الاقتصادي الذي يتنزل في مبدأ منحته السياسة الخارجية الكويتية أولوية قصوى وهو تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية. وهو ما تسعى الكويت لتحقيقه بخطى ثابتة.
وقد عمّقت تداعيات جائحة كورونا الخسائر الاقتصادية لدول المغرب العربي، ودفعت لزيادة اختلال التوازنات الداخلية ورفعت مديونيات هذه الدول، ولعلّ الأخطر من ذلك الارتدادات السياسية على التنمية والاقتصاد. حيث عرفت تونس بشكل خاصة بدفع من تداعيات الجائحة عدم استقرار سياسي أسهم في تغيرات محورية وجذرية في المنظومة السياسية. الا ان اتجاهات محاربة الفساد في تونس وعدد من الدول المغاربية تعتبر مشجعة للكويت من اجل استكشاف فرص واعدة.
وتسعى اليوم السياسة الخارجية الكويتية أكثر من أي وقت مضى للانفتاح على تعاون متقدم مع دول منطقة المغرب العربي وأفريقيا يقوم على استكشاف فرص تعاون مشترك ومثمر دون تحفظ. وقد تم رصد زيادة نشاط الديبلوماسية الكويتية في منطقة المغرب العربي وأفريقيا خاصة منذ تولي الوزير الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح حقيبة الخارجية.
ومنذ رحيل الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وتولي الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، زاد نشاط وزارة الخارجية في ممارسة السياسة الخارجية بالآليات نفسها مع بعض التطوير، لكن مع المحافظة على النهج والغاية نفسها التي ميزت تاريخ الديبلوماسية الكويتية المحايدة والتي تفضل دعم الحوار والسلام والوسطية والوقوف على مسافة واحدة مع جلّ الدول العربية بما يخدم المصالح المشتركة دون الاصطفاف الى محاور أو تحالفات.
وبفضل ذلك جنت السياسة الخارجية الكويتية صفر توتر مع أغلب دول العالم، بل بالعكس وسعت شبكة صداقاتها[4] ومتنت علاقاتها مع دول أخرى بفضل تفعيل رؤية كل من الأمير السابق والحالي المتمثلة في خيار اكساب طابع السياسة الخارجية طابعها الإنساني الهادف لمد جسور التعاون مع الدول العربية خاصة في ظل ظروف متقلبة إقليمية وعالمية.
دعم الكويت الإنساني لتونس في أزمة كورونا يمهد الطريق لتحسين تاريخي للعلاقات
تمثل رمزية الحراك السياسي والشعبي في تونس محددا لجسّ نبض التغيرات السياسية التي قد يدفع لها النبض الشعبي المتقارب في تطلعاته ومشكاله والمرتبطة خاصة بالتنمية ومكافحة الفساد، ويتضح ذلك من خلال تحليل المحتوى لنموذج عشوائي من المستخدمين العرب على منصات التواصل الاجتماعي.
وتعتبر تونس وما تمثله من رمزية اندلاع ما يعرف بثورات “الربيع العربي” والتي خلّفت تغيرات كبرى في سياسات الدول العربية، حيث تعتبر انها انجح تجربة ديمقراطية لكنها تواجه تعثرات اليوم. وتعيش دول المغرب العربي منذ الربيع العربي طفرة على مستوى المطالبة الشعبية بترسيخ مسار ديمقراطي وفي هذا المسار تلتقي الكويت مع أغلب دول المغرب العربي التي تريد تنمية تجربتها الديمقراطية، حيث تعتبر الكويت استثناء ديمقراطي متقدم في الخليج.
فعلى سبيل المثال، يحظى مطلب ضمان استقرار تونس والحفاظ على تجربتها الديمقراطية بأهمية لدى الكويت، اذ أن تجربة تونس الديمقراطية الهادئة يمكن أن تمثل صمام أمان ضد دعوات ترويج الفوضى والشعبوية والتي باتت مظاهرها أكثر فأكثر تهدد النخب السياسية بمبررات فشل سياسات الحكومة في رفع التحديات وتحسين أوضاع عيش الشعوب.
السياسة الخارجية الكويتية تمثل استثناء خليجياً وعربياً: المحافظة على ارث الأمير الراحل وتطويره
لا تتعارض اتجاهات السياسية الخارجية الكويتية في عده الأمير نواف مع مسارات ارث الديبلوماسية التي اتبعها لقعود الأمير الراحل. حيث أثارت وفاة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت في سبتمبر تساؤلات حول ما إذا كانت الكويت ستواصل سياستها الخارجية المستقلة. بصفته وزير خارجية الكويت لمدة أربعة عقود (1963-2003) وأميرًا لما يقرب من 20 عامًا (2006-2020)، شكل الشيخ صباح دور الكويت في الشرق الأوسط كوسيط نشط وشريك إنساني. على وجه الخصوص، في الأزمة الخليجية في عام 2017، ظلت الكويت بقيادة الراحل الشيخ صباح محايدة وقادت جهود المصالحة. وتحت قيادته استضافت الكويت أيضًا مؤتمرًا كبيرًا للمانحين في فبراير 2018 من أجل اعمار العراق حيث تم التعهد بحوالي 30 مليار دولار لمساعدة العراق متجاوزة ماضي الغزو، مما يوضح التزام البلاد بقيادة جهود المساعدات الإنسانية والتنموية على مستوى المنطقة. كما أظهرت الكويت، في الآونة الأخيرة، ولاءها المستمر للقضية الفلسطينية على الرغم من تطبيع البحرين والإمارات للعلاقات مع إسرائيل[5].
رغم تقلص موارد الكويت النفطية جراء انخفاض أسعار النفط منذ العام الماضي بضغط من تقلّص الطلب العالمي تحت تأثير تداعيات الاغلاق العالمي جراء قيود جائحة فيروس كورونا[6]، لم تقطع الحكومة الكويتية دعمها الإنساني والاغاثي الموجه للدول العربية والصديقة، بل أبقت على الحد الأدنى من امدادات المعونات خاصة للدول المنكوبة جراء فيروس كورونا وفي مقدمتها تونس أكثر الدول العربية تضررا بالجائحة بالنظر لحجم الوفيات[7].
وكانت الكويت من أوائل الدول العربية التي دعمت خلال العقد الماضي عبر قروض ومنح دول عربية أخرى عانت من تداعيات اقتصادية كلبنان والأردن والمغرب[8]. الا أن وتيرة وشروط منح المساعدات بصدد التغير وفق معايير جديدة تهدف لترشيد المساعدات وحوكمتها بما يخدم اهداف التنمية في الدول المستفيدة وايضا بما يدفع نحو رفع مستوى المصالح بين الكويت والدولة المستقبلة للمساعدات في إطار زيادة دور الديبلوماسية الإنسانية والاقتصادية في توفير إيرادات للكويت عبر تحفيز مشاريع مشتركة.
وعلى صعيد آخر، اتسمت سياسة الكويت منذ التسعينات بالحياد والمرونة والعمل الديبلوماسي الهادئ بعيدا عن الاستفزاز والتشنج وعدم الانقياد الى الانفعال أو الاصطفاف. وهذا ما تتفق فيه مع بعض دول المغرب العربي خاصة على مستوى عدم التدخل في الشؤون العربية.
وتهدف الديبلوماسية الكويتية الى ممارسة نوع جديد من التأثير الإيجابي داخل المحيط العربي، وهو سعي يجسد تطور القوة الناعمة الكويتية داخل عالم متقلب ومضطرب وموازنين قوى غير مستقرة. وبفضل ذلك نجحت الكويت في المحافظة على علاقات طيبة مع أغلب دول العالم[9].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] See the platform of international trade (Kuwait exports to Maghreb countries, 2020, https://tradingeconomics.com/kuwait/exports/
[2] See, Algeria says envoy will only return if France shows ‘total respect’, october 2021, https://www.rfi.fr/en/africa/20211011-algeria-says-envoy-will-only-return-if-france-shows-total-respect-tebboune-macron
[3] See, Tunisia president rebuffs foreign pressure over political crisis, sep 2021,https://www.sabcnews.com/sabcnews/tunisia-president-rebuffs-foreign-pressure-over-political-crisis/
[4] أنظر دراسة سابقة للمركز، https://www.csrgulf.com/2019/10/24/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%B2%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7/
[5] Courtney Freer, How politics at home shapes Kuwait’s foreign policy, Brookings, November 19, 2020, https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/11/19/how-politics-at-home-shapes-kuwaits-foreign-policy/
[6] Thai-HaLe, Anh TuLe, Ha-ChiLe, The historic oil price fluctuation during the Covid-19 pandemic: What are the causes?,Research in International Business and Finance, Volume 58, December 2021, 101489, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0275531921001100?dgcid=rss_sd_all
[7] See, Tunisia Update coronavirus cases, https://www.worldometers.info/coronavirus/country/tunisia/
[8] أنظر تقرير، المغرب يستفيد من منحة مالية كويتية بملايين الدولارات، 2013، https://www.hespress.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%81%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D9%84-117588.html
[9] federal foreign office, kuwait, may 2021, https://www.auswaertiges-amt.de/en/aussenpolitik/laenderinformationen/kuwait-node/kuwait/228528