– هل تصبح مشاركة الإسلاميين في المعارضة صورية بعد تراجع تأثيرها على الإصلاح والتغيير؟
– تغير واقع العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين في الكويت
– جماعة الاخوان المسلمين في الكويت تحت الضغط والاختبار
الكويت 23 يوليو 2021 (csrgulf): تتجه المعارضة الليبرالية لتعزيز قواعدها خاصة بين فئة الشباب بدعم من مسار إقليمي ودولي داعم لرواج الفكر الوطني الليبرالي الحداثي كمنهج محفز لازدهار الديمقراطية والتنمية بعيداً عن دائرة الصراعات الايدولوجية التي تعمقها مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية. حيث من المرجح ان يتغلب الميل لخطاب الإقناع على خطاب الأدلجة واستمالة العواطف.
وان تشير التوقعات لتقدم متوقع لنمو القاعدة الشعبية للمستقلين والقبليين والوطنيين في منطقة الشرق الأوسط والخليج على حساب ممثلي الإسلام السياسي لكن لا توجد أية احتمالات لفرضيات إقصاء التيار الإسلامي من العمل السياسي على المديين القريب والمتوسط خاصة في الكويت، حيث يستمر أصحاب الفكر الإسلامي المشاركون في الحياة السياسية -بدافع الإصلاح حسب قيم المناهج الإسلامية- يمثلون جزء متجذرا في تركيبة المجتمع الكويتي والطبقة السياسية.
وحتى ان كان طيف من الإسلاميين يواجه تحديات تآكل شعبيته بين فئة الشباب بسبب بداية فقدان تأثير خطاب “الأدلجة” على القواعد الشعبية، الا أنه يبقى فصيلاً سياسياً يحمل رمزية شعبية كمدافع عن هوية المجتمع الكويتي المحافظ، وهو ما يجعله عنصر تأثير قار في الحراك السياسي والعمل الجمعياتي مهما شهدت شعبيته تراجعاً على عكس تجارب مشاركة الإسلاميين في دول أخرى وما تواجهه من انتكاسة بعد ضغوط وانتقادات شعبية بسبب التناقض بين الوعود الانتخابية والأداء المخيب للآمال والارتدادات السلبية للتحالفات المتناقضة على رصيدهم الشعبي.
وحسب دراسة لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) تصدر في جزئها السابع ضمن سلسة دراسات حول الكويت، يبدو أن استراتيجية تعزيز النفوذ التي اتبعها الإسلاميون بفصائلهم المختلفة في الكويت وخاصة الاخوان المسلمين والسلفيون بحاجة الى المراجعة، حيث لم يثمر نهج البراغماتية التي اتبعتها التيارات الإسلامية بالتنحي عن الخلافات الأيديولوجية والانفتاح على التحالف مع التيارات العلمانية عن نتائج مقنعة تلبي التطلعات الشعبية الحارقة، فلم يستطع جزء كبير من الإسلاميين مجاراة تغيرات المستجدات السريعة وامتلاك آلية تحقيق المطالب الشعبية سواء داخل المعارضة أو السلطة.
وتبدو أن محاولة الجمع بين مهمة الإصلاح وفق تعاليم الإسلام والاستجابة لمعايير الحداثة الليبرالية تثير تناقضات في الأداء وسلبية في النتائج المرجوة. وحسب استطلاع اراء شريحة من مستخدمي منصة “تويتر” من الكويت لم يستطع جزء كبير من الشباب الصاعد هضم التناقضات في الأداء السياسي لجزء من حركات الطيف الإسلامي.
وتشير الدراسة الى أن الخطاب الكلاسيكي الشعبوي المعتمد خاصة بين المعارضين ذوي المرجعية الإسلامية ومراوحة بعضهم بين الحفاظ على هدف أسلمة المجتمع وعدم معارضة الانفتاح على قيم الحداثة لم يعد يستقطب الكثير من الشباب ويلهم حماسهم، حيث قد يفقد بريقه ومصداقيته خاصة بين فئة الناخبين الشباب مستقبلاً بالنظر لضعف حصيلة نتائج مشاركة الإسلاميين في تحقيق هدف نهضة البلاد سواء في صفوف المعارضة أو في السلطة طيلة السنوات الأخيرة. اذ تركزت المشاركة على الدخول في خلافات مع السلطة والتيارات العلمانية حول قضايا خلافية أيدولوجية.
انفتاح الاسلاميين على التعاون والتحالف مع العلمانيين وان ثبت أقدامهم في الحياة السياسية خاصة الاخوان المسلمين الا أن مستقبل حظوظهم السياسية يواجه تحديات وضغوط داخلية وإقليمية كبيرة خاصة في ظلّ تكبد حركات إسلامية كثيرة في العالم العربي لخسائر على مستوى تراجع التأييد الشعبي بسبب ضعف الأداء، وهو ما قد يؤثر بشكل من الأشكال على تراجع محتمل لثقة الناخبين الكويتيين في السياسيين ذات المرجعية الإسلامية على المدى المتوسط مع رصد ميل أكبر بين الشباب في منطقة الشرق الأوسط والخليج نحو دعم الشعبويين والوطنيين والقبليين والمستقلين والليبراليين الحداثيين.
العلاقة بين الاخوان المسلمين والسلطة
النظام السياسي في الكويت يعتبر نموذجاً إقليمياً محتمل لتمكنه من دمجه الناجح للفصائل السياسية العلمانية والإسلامية، الشيعية والسنية. ومع ذلك، منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011، اتبعت الكويت المسار نفسه الذي انتهجته دول مجلس التعاون الخليجي مع بعض التفاوت في فرض قيود على حريات تعبير النشطاء السياسيين. لكن هذه القيود لم تعيق مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية خاصة ممثلي الاخوات المسلمين (الحركة الدستورية الإسلامية).
في بلد يتسم بحظر الأحزاب السياسية وضعف المجتمع المدني، نجحت الحركة الدستورية الإسلامية (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت) في ترسيخ مكانتها كواحدة من أكثر اللاعبين السياسيين نفوذاً. ويعمل ممثلي جماعة الاخوان منذ الخمسينيات تحت مظلة منظمات اجتماعية حاملة أسماء مختلفة.
وعلى الرغم من أن الكتل السياسية القائمة على أساس أيديولوجي مثل الحركة الدستورية الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تشترك في بعض المزايا التنظيمية التي تتمتع بها القبائل، إلا أنها لا تتمتع بميزة توطين ناخبيها الأساسيين في مناطق معينة لأن الحركة لديها ارتباطات قبلية وعائلية.
وبالنظر إلى أن العلاقة بين الأسرة الحاكمة والإخوان المسلمين تغيرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة[1]، أصبحت الحركة الإسلامية الدستورية جزءًا من كتلة المعارضة المتنوعة. ومع ذلك، لم تكن الجماعة مستعدة لتبني أفكار تهدف لتغيير النظام أو الطعن المباشر في حق الأسرة الحاكمة في الحكم. بدلاً من ذلك، عملت الحركة الإسلامية إلى حد كبير ضمن المؤسسات السياسية القائمة التي تعزز شرعية النظام الحاكم. في نوفمبر 2016، رفعت الحركة الإسلامية مقاطعتها وعادت للمشاركة في الانتخابات التشريعية. الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) المدعومة من جماعة “الإخوان المسلمين” هي أبرز الأحزاب التي تستمر في المحافظة على تواجدها في البرلمان على عكس التيار السلفي. الا ان جماعة “الإخوان المسلمين” على الصعيد المؤسساتي خسروا على مر السنوات الاخيرة مكانتهم في الوزارات الأساسية أمام السلفيين الموالين للحكومة[2].
على صعيد آخر، لم يقتصر الأمر على مساهمة حركة (حدس) في المجتمع الكويتي من خلال النشاط الجمعياتي، بل فهم ممثلو فكر الجماعة أن النظام “الديمقراطي” الحالي في الكويت يعتبر آلية حيوية يمكن من خلالها تحقيق أهدافهم الإسلامية. لقاء ذلك سمحت السلطات الكويتية إلى حد كبير لجماعة الاخوان المسلمين العمل بحرية. وهذا يدل على أن الأسرة الحاكمة لا تعتبر الإخوان تهديدًا وجوديًا كما فعلت العديد من الأنظمة العربية الأخرى.
بعد الاعتبار من تجربة سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر وظهور الدولة الإسلامية في العراق، وضعت الحركة الإسلامية الدستورية في الكويت جانباً أجنداتها الإسلامية وعملت بشكل وثيق مع الجماعات غير الإسلامية. وبدلاً من أهدافها التقليدية مثل تعديل المادة الثانية من الدستور سعى نواب الحركة الى تحويل تحركهم نحو إصلاحات أوسع تستهدف الجماهير. في عام 2015، نشر عضو الحركة الإسلامية الدولية مبارك الدويلة على موقع الحركة الإسلامية الدولية أن الحركة تضع جانباً “الاختلافات التقليدية” مع المجموعات الأخرى لإجراء مزيد من الإصلاحات. ومن أجل تفعيل الإصلاحات فإن وجود جماعة الاخوان المسلمين في المجال الاجتماعي سيصبح أكثر أهمية إذا كانت الحركة الإسلامية تسعى جاهدة لإحداث تغييرات سياسية أوسع[3].
ارتفاع الصوت الليبرالي ودعم الفكر البراغماتي بعيدا عن الأدلجة والخطاب العاطفي
تعمل دولة الكويت عمومًا وفقًا للمبادئ الحديثة مع المؤسسات العلمانية[4]. وفي الكويت يمثل الليبراليون والشباب خاصة من النخب المتعلمة تعليماً عالياً قادة رواج الفكر الحداثي. فمثلا في عام 2008، نظمت مجموعات شبابية كويتية فعاليات لدعم الشخصيات الليبرالية الكويتية باستخدام أسماء مثل “الحركة البرتقالية” أو “السياج الخامس[5]”. عادة ما يلج الشباب في الكويت الى الساحة السياسية بداية من الهيئات الطلابية الجامعية كالاتحاد الوطني للطلاب، والتي كانت تحت سيطرة الطلاب الإسلاميين المحافظين منذ منتصف الثمانينيات. ومع ذلك، فإن التيارات العلمانية والليبرالية والقومية في الجسم الطلابي وجدت صوتًا أيضًا. وقد انخرطت المنظمات الطلابية من معظم قطاعات الطيف السياسي معًا في حركة الإصلاح منذ عام 2006، واستمر قدر كبير من هذا التعاون في فترة لاحقة. ومع ذلك، فإن القيادة الشبابية منقسمة الى اليوم حول بعض القضايا الاجتماعية والثقافية. فعلى سبيل المثال يرغب بعض الإسلاميين في إدخال المزيد من القواعد والعادات المحافظة في المجتمع والثقافة الكويتية[6]. في حين يسعى الحداثيون لتعزيز تطوير الدولة وانفتاح المجتمع.
مشروع تحديث دولة الكويت وتحويلها من مركز تجاري ومالي إقليمي والرهان على استشراف المرحلة المقبلة عبر زيادة الاستثمار في المعرفة والثقافة والانفتاح، أهداف تواجهها صعوبات تزيد من تعقيدها الجغرافيا السياسية، والتوترات المستمرة بين القوى العلمانية والدينية[7]. لكن لا يبدو أن هناك من سيدعم استمرار هذا التوتر في مرحلة ما بعد الجائحة التي تفترض بداية عملية التعافي. لكن قد يتقهقر موقع الإسلاميين في قيادة هذه المرحلة مستقبلا. حيث تبرز عوامل جديدة ضاغطة.
فتأثير الانفتاح الخليجي خاصة في السعودية وبقية الدول الخليجية على مسار دعم تبني قيم الحداثة فضلاً عن زيادة نسبة المتعلمين في منطقة الخليج ناهيك عن تحسن مرتقب لدور المجتمع المدني بضغط مبادرات الإصلاح والتفاعل الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي، كلها عوامل قد تقلّص من حظوظ تمدد شعبية الحركات والمنظمات الإسلامية الأيديولوجية ذات الأهداف السياسية والإصلاح الاجتماعي والتي على خلاف بقية الحركات الإسلامية العربية تتمتع بتماسكها وحضورها في المؤسسات ومراكز صنع القرار.
وعلى صعيد آخر، تستمر شعبية الإسلاميين في الكويت مستقرة بفضل علاقتهم الجيدة بالسلطة وتواجد من يمثلهم في مراكز القرار، كما تستفيد من ترابط تياراتها مع المنظومة القبلية المؤثرة في هوية المجتمع ووحدته، الا ان هذا الاستقرار محفوف بالمخاطر مع ميل للتذبذب على المدى القصير بسبب زيادة تركيز الناخب الكويتي على تقييم الأداء أكثر من التأثر بالخطاب العاطفي والشعبوي.
تطور الأداء السياسي للإسلاميين
تستمر شعبية الإسلاميين في الكويت مستقرة بفضل علاقتهم الجيدة بالسلطة وتواجد من يمثلهم في مراكز القرار، كما تستفيد من ترابط تياراتها مع المنظومة القبلية المؤثرة في هوية المجتمع ووحدته، الا ان هذا الاستقرار محفوف بالمخاطر مع ميل للتذبذب على المدى القصير بسبب زيادة تركيز الناخب الكويتي على تقييم الأداء أكثر من التأثر بالخطاب العاطفي والشعبوي.
وقد دخل الإسلاميون الحياة السياسية بجدية في أوائل الثمانينيات وفازوا بالعديد من المقاعد في مجلس الأمة (البرلمان) والسيطرة على الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى جهود الحكومة لتشجيع المنظمات الإسلامية على مواجهة المعارضة القومية التقليدية. أصبح الإسلاميون الشيعة نشطين ومؤثرين فقط بعد ثورة 1979 في إيران، لكنهم نجحوا في الحصول على نواب في البرلمان في عامي 1981 و1985، وأصبحوا حاضرين في البرلمان منذ ذلك الحين[8].
تسمح خصائص النظام الانتخابي للمرشحين ذوي التوجهات الدينية بالترشح للمناصب حتى بدون تقنين الأحزاب السياسية وهو ما عزز مشاركة نشطة للغاية للعديد من المجموعات الإسلامية التي كيفت استراتيجياتها وقناعاتها الأيديولوجية لتلائم النظام الحالي.
تعمل دولة الكويت عمومًا وفقًا للمبادئ الحديثة مع تواجد للمؤسسات العلمانية والدينية. وفي هذا السياق استمرت الجماعات الإسلامية في الكويت (السلفيون والإخوان المسلمون) في تفضيل تبني نهج سياسي براغماتي بشكل متزايد، والذي يعالج قبل كل شيء القضايا المتعلقة بالفساد وانعدام الشفافية (القضايا المستوطنة بين النخب الكويتية) وذلك بدلاً من فرض مواقف أيدولوجية (على سبيل المثال، الضغط من أجل تطبيق الشريعة). التطور الإيجابي لنهج جزء كبير من الإسلاميين في مجلس الأمة يتمثل في اعتماد مسار اصلاح أكثر براغماتية، والذي شكل تحالفات عبر الأيديولوجيا في مناسبات مختلفة بهدف تعزيز تدابير الشفافية ومكافحة الفساد باسم التنمية الوطنية بدلاً من الأجندة الأخلاقية. ومع ذلك، نظرًا لأن رئيس البرلمان الحالي وحوالي 50 في المئة من أعضاء البرلمان مؤيدون للحكومة، فمن المرجح أن تستمر عملية الإصلاح في التباطؤ مع سيطرة الآراء المعارضة على النقاش السياسي[9].
خلال الانتخابات الأخيرة، لم يستطع التجمع الإسلامي «السلفي» وللمرة الثانية على التوالي النجاح وولوج البرلمان على عكس الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» المحسوبة على الإخوان المسلمين، التي نجحت في الفوز بـ3 مقاعد في البرلمان.
وقد تم رصد تصاعد الدعم الشعبي الذي حصلت عليه الحركات الإسلامية المعارضة على امتداد التاريخ الانتخابي المتقطع الذي شهدته البلاد. وازدهرت المعارضة بسبب القيود المفروضة عليها وتحدي عناصرها خاصة من الشباب لمثل هذه القيود باعتماد أسلوب المعارضة غير الرسمي المحفوف بالمخاطر منذ ذلك الحين. ورغم الدعم الشعبي الممنوح للإسلاميين لم يكن لهم نفوذ في عملية صنع السياسة في الكويت.
قبل الربيع العربي، ركزت المجموعات الإسلامية على الأهداف الانتخابية أكثر من البرامج، وبمجرد دخولها المجلس، كانت تميل إلى تشكيل تحالفات للضغط من أجل التغيير ولكن دون تجاهل التأثير الانتخابي المستقبلي لمواقفها. على الرغم من تأثير عناصرها في المجتمع من خلال نشاطهم في المنظمات الخيرية، ثبت فشلهم في الحفاظ على تماسكهم خلال المشاركات الانتخابية البرلمانية.
يشار الى أن الاستراتيجيات التي نفذتها جل المجموعات الاسلامية فشلت في الحصول على أغلبية كبيرة في أي من المجالس المنتخبة منذ عام 1963 وحتى الربيع العربي وصولاً الى مجلس الأمة 2020 على الرغم من تحسن طفيف لنسبة التمثيل في مجلسي 2016 و2020. علاوة على ذلك، ثبت أنه لا الحركة الإسلامية الدستورية ولا السلفيون أو الإسلاميون الشيعة كانوا قادرين على التأثير في القرارات التي اتخذها المجلس بشأن قضايا كثيرة[10]. ودفعت محدودية تأثير المعارضة غير المتجانسة الى تنحية الخلافات الأيديولوجية بين عناصرها جانبًا للتركيز على أهداف عملية، والتي كانت في النهاية ضارة بتطلعاتها الانتخابية، كما ثبت في انتخابات نوفمبر 2016. علاوة على ذلك، كان التعاون الأكثر ملموساً بين المجموعات الإسلامية، هو التقارب بين الحركة الإسلامية والسلفيين المرتبط بالإصلاحات المؤسسية والمؤيدة للديمقراطية، على حساب هدف أسلمة المجتمع الكويتي الذي لم يعد مطلبا ملحاً[11].
الكويت بين الرغبة في اصلاح عاجل والخشية من تغيير مجهول عبر معارضة منقسمة
رغم أن الأحزاب السياسية في الكويت غير مسموح بها الى اليوم الا أن هناك مجموعات مختلفة تعمل في الشأن السياسي بشكل غير منظم يهمين عليها قطبين أيديولوجيين متناقضين: واحد يمثل الإسلاميين والثاني يمثل العلمانيين والليبراليين. بالنسبة لجبهة الإسلاميين تتكون بشكل أساسي من التحالف السلفي الإسلامي السني والحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون) بالإضافة الى التحالف الإسلامي الوطني الإسلامي الشيعي وتحالف العدل والسلام. في المقابل تتكون جبهة العلمانيين من التجمعات العلمانية مثل كتلة العمل الشعبي والتحالف الديمقراطي الوطني الليبرالي. وتتقاطع بعض اهتمامات القطبين خاصة في صفوف المعارضة. حيث يحدد الولاء للقبلية الإطار العام لأغلب السياسيين المنخرطين في القطبين ويتضح ذلك في خطابات العديد من أعضاء مجلس الأمة الموالين بشكل أساسي للمصالح القبلية.
والى جانب الولاء للقبيلة، يشترك أغلب السياسيين في الكويت في دعم استقرار النظام واصلاحه والتمسك بالدستور والقيم الديمقراطية التي تميز المجتمع الكويتي عن باقي مجتمعات دول الشرق الأوسط. ومثلما ينقسم السنة الى تيارات علمانية ودينية، ينقسم الشيعة أيضا في الكويت إلى تيارات علمانية ودينية. وغالبًا ما تميل القوى العلمانية إلى دعم الحكومة[12]. لكن هذا لم يمنع من صعود تيارات وشخصيات شيعية وطنية تتبنى اجندة معارضة الحكومة من اجل الإصلاح والديمقراطية.
ومن الأهمية بمكان أن القوى الإسلامية وغير الإسلامية كانت قادرة على إيجاد أرضية مشتركة حول بعض قضايا الإصلاح الأساسية مثل إصلاح القانون الانتخابي ومحاربة الفساد ووضع خطط عمل مشتركة لإحداث التغيير[13]. وفي حين أن الحركة الإسلامية (حدس) تتمتع بشبكات اجتماعية واسعة وتمثيل سياسي واضح في مجلس الأمة، فإن جماعة الاخوان المسلمين مقيدة على وجه الخصوص بسبب النظام الانتخابي الحالي (صوت واحد) والقيود المفروضة على الأحزاب السياسية، اذ من غير المرجح أن تفوز كتلة الاسلاميين لوحدها بأغلبية المقاعد كما حققت ذلك نظرائها في مصر وتونس عقب احداث الربيع العربي مباشرة.
وتنقسم المعارضة الحالية إلى فصيل أكثر تشددًا وفصيل أكثر توافقاً تتودد إليه الحكومة يتألف من الكتلة الوطنية، ومنظمة حدس الإسلامية[14]. وعلى الرغم من فاعليتها المؤقتة الا أن كتلة المعارضة في الكويت تصنف بتحالف فضفاض من المرشحين القبليين والإسلاميين والناشطين المؤيدين للديمقراطية الذين يتفقون على بعض القضايا ويختلفون على أخرى. علاوة على ذلك، فإن حقيقة عدم وجود أحزاب سياسية رسمية في الكويت يزيد من تعقيد جهود التنسيق بين الكتل السياسية والبرلمانية الفضفاضة في نهاية المطاف. وتكثر الأمثلة على افتقار المعارضة للتنسيق، مثل عدم التوافق حول قانون العفو وعدم القدرة على التنسيق بشأن إقالة وزيرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، هند الصبيح، في 2018[15].
المعارضة الإسلامية الكويتية بين الشعارات الطموحة وتناقض الأداء
كشفت الجائحة محدودية قدرة الإسلاميين سواء في صفوف المعارضة على مستوى طرح حلول لتجاوز الأزمة أو على مستوى إدارة جهود الإنقاذ بالنسبة للحركات المشاركة في الحكم. في المقابل صعدت شعبية المستقلين والقبليين والقوميين والمنظمات النقابية والمدنية والأحزاب الليبرالية والتي قد تكون محلّ رهان شريحة كبيرة من الناخبين العرب خاصة الشباب في المناسبات الانتخابية بداية من العام المقبل.
وأبقى الإسلاميون على أطروحاتهم الشعبوية دون تحقيق إنجازات شعبية حقيقية مع ميل مستمر لتنفيذ تحالفات مع السلطة. ولم يكن الهدف الوصول الى السلطة بقدر ما كان الهدف التغيير من خلال السلطة التشريعية.
وقد تؤثر مجموعات من الطيف السياسي ذات المرجعية الإسلامية مقابل الضعف النسبي في صفوف الشعوبيين القبليين، في تحديد قضايا جدول أعمال المعارضة. حيث لا ينفك يعرب بعض السياسيين الإسلاميين عن قلقهم الشديد حيال بعض الشؤون المحلية والإقليمية وخاصة تلك التي تثير خلافات مذهبية، ومثل هذه المخاطر المحدقة بالوحدة الوطنية تعتبر بين التحديات التي قد يواجهها مجلس الأمة[16]. فعلى سبيل المثال يثير دعم بعض النواب لقانون العفو العام في قضية المتورطين في اقتحام مجلس الأمة في 2011 وعدم شموله المتهمين في قضية العبدلي حساسيات طائفية.
ويتجه الإسلاميون السلفيون والاخوان المسلمون في الكويت لمواجهة بوادر خسارة تصدرهم في الحراك السياسي خاصة بين فئة الناخبين الشباب. ولعلّ من المفارقات أن المعارضين الاسلاميين الذين يطالبون بقدر أكبر من الحرّيات السياسية، ويتلقّون دعماً من اليسار المتمثّل في الحركة التقدُّمية الكويتية، لا يستبعدون سيناريوهات تحالفات أو شراكة براغماتية مع السلطة التي تسعى دوما لاستقطابهم رغم صمود البعض في خندق معارضة سياسات الحكومات بدعوى فشلها في تلبية مطالب السواد الأعظم من الشعب الكويتي.
تغير أولويات المواطن وأثرها على أجندة الإسلاميين في المعارضة
في مرحلة ما بعد الوباء من المتوقع أن يملي تغير أولويات المواطن الكويتي الحارقة على السياسيين مزيدا من البراغماتية والتنسيق خاصة بين صفوف المعارضة أو المؤيدين للحكومة، حيث أن الناخب الكويتي لم يعد يمكنه الاكتفاء بمتابعة الصراع سياسي مزمن على حساب تأخر مطالبه المستجدة والحيوية والتي تتمثل في اصلاح اختلالات عمقتها تداعيات الجائحة والتي ستكون لها ارتدادات مباشرة على حياة المواطن ورفاهه.
وفي حين أن اتجاهات الأزمة بين المعارضة والحكومة ليست حاسمة، إلا أنها تعزز فكرة أن المعارضة المستقبلية للحكومة الكويتية تبقى حداثية وداعمة للحريات الديمقراطية وتولي أهمية أكثر للتنمية بدلا عن الخوض في صراعات أيدولوجية.
ومع ذلك، في حين أن نظام الصوت الواحد أثبت أنه مجرد عقبة مؤقتة أمام التمثيل القبلي في البرلمان، إلا أنه استمر في إعاقة تطور الكتل السياسية المنظمة التي تعمل بشكل فعال كأحزاب. وعلى الرغم من أن المشهد السياسي الكويتي مليء بالانقسامات التي تشكل عقبة مستمرة أمام التعاون المستمر للمعارضة، قد يصعد ممثلون من داخل القبائل الكويتية لإضفاء ثقل أكبر على تحالفات المصالح التي قد تميز قواعد العمل السياسي في مرحلة ما بعد الجائحة.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
المراجع:
[1] Yuree Noh, The Rise of the Islamic Constitutional Movement in Kuwait, University of California, Los Angeles, https://pomeps.org/the-rise-of-the-islamic-constitutional-movement-in-kuwait
[2]كريستين سميث ديوان، الانتخابات البرلمانية المُبكرة في الكويت تعيد المعارضة، معهد دول الخليج في واشنطن، نوفمبر ٢٠١٦، https://agsiw.org/ar/kuwaits-snap-parliamentary-elections/
[3] Yuree Noh, The Rise of the Islamic Constitutional Movement in Kuwait, University of California, Los Angeles, https://pomeps.org/the-rise-of-the-islamic-constitutional-movement-in-kuwait
[4] Kuwait Country Report 2020, Country Dashboard Kuwait, https://www.bti-project.org/en/reports/country-report-KWT-2020.html
[5] CRS report, Kuwait: Governance, Security, and U.S. Policy, Congressional Research Service, May 12, 2021, RS21513, https://crsreports.congress.gov
[6] P. Salem, Kuwait: Politics in a Participatory Emirate, Carnegie PAPERS, 2007, https://www.files.ethz.ch/isn/157954/CMEC_3_salem_kuwait_final1.pdf
[7] Hrag Vartanian, Looking for Origins of Arab Modernism in Kuwait, March 19, 2015, https://hyperallergic.com/191773/looking-for-the-origins-of-arab-modernism-in-kuwait/
[8] P. Salem, Kuwait: Politics in a Participatory Emirate, Carnegie PAPERS, 2007, https://www.files.ethz.ch/isn/157954/CMEC_3_salem_kuwait_final1.pdf
[9] Kuwait Country Report 2020, Country Dashboard Kuwait, https://www.bti-project.org/en/reports/country-report-KWT-2020.html
[10] Luciano Zaccara, Kuwait Islamists: From Institutionalized to Informal Opposition, International Studies Journal (ISJ), Vol. 15, No. 4 (60), Spring 2019, PP:75-98, http://www.isjq.ir/article_89551_8e67c38f2b953f3d618a03e4c1dcf51a.pdf
[11] Luciano Zaccara, Kuwait Islamists: From Institutionalized to Informal Opposition, International Studies Journal (ISJ), Vol. 15, No. 4 (60), Spring 2019, PP:75-98, http://www.isjq.ir/article_89551_8e67c38f2b953f3d618a03e4c1dcf51a.pdf
[12] Adnan Alenezi, The regional challenges affecting Kuwait’s national security, Department of Political Science, Cairo University, Giza, Egypt, 2018, https://www.emerald.com/insight/content/doi/10.1108/REPS-06-2019-0088/full/pdf?title=the-regional-challenges-affecting-kuwaits-national-security
[13] P. Salem, Kuwait: Politics in a Participatory Emirate, Carnegie PAPERS, 2007, https://www.files.ethz.ch/isn/157954/CMEC_3_salem_kuwait_final1.pdf
[14] Courtney Freer and Andrew Leber, The ‘tribal advantage’ in Kuwaiti politics and the future of the opposition, April 19, 2021, brookings, https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2021/04/19/the-tribal-advantage-in-kuwaiti-politics-and-the-future-of-the-opposition/
[15] Luai Allarakia and Hamad H. Albloshi, The Politics of Permanent Deadlock in Kuwait, agsiw, Mar 11, 2021, https://agsiw.org/the-politics-of-permanent-deadlock-in-kuwait/
[16]كريستين سميث ديوان، الانتخابات البرلمانية المُبكرة في الكويت تعيد المعارضة، معهد دول الخليج في واشنطن، نوفمبر ٢٠١٦، https://agsiw.org/ar/kuwaits-snap-parliamentary-elections/