الكويت، 1 يونيو 2020 (csrgulf): يعيش العالم العربي وأغلب دول المعمورة على وقع أزمات صحية واقتصادية واجتماعية حادة على خلفية وباء فيروس كورونا. هذه الأزمات، وان لم يتضح حجمها بعد في ظل عدم توقف انتشار الفيروس وعدم استفاقة الشعوب العربية من وقع الصدمة وارتداداتها والخوف من العدوى فضلاً عن استمرار حالة من التضامن الشعبي لتعزيز الصمود أمام هذه الجائحة غير المسبوقة، فإنها مرشحة لتصبح أزمات خانقة تدفع بعض الحكومات العربية خاصة غير المستقرة سياسياً واقتصادياً للاقتراب من فوهة بركان غضب شعبي ينتظر من يستفزه حتى تتدفق حممه الى الخارج.
وحسب رصد لتوقعات المخاطر على الأمد القريب، فان الزخم الذي يصاحب الاحتجاجات المندلعة في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة على مستوى تداول ومشاركة الصور والشعارات المرفوعة والأخبار المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يستفز شعوباً أخرى خاصة من فئة الشباب تعيش أزمات اجتماعية كبرى خاصة في العالم العربي ومناطق أخرى، وقد تكون هذه الاحتجاجات مثل شرارة انفجار الغضب الشعبي خاصة بين فئات محدودي الدخل في عدد من دول المعمورة كردة فعل غاضبة من أوضاع متردية فاقمتها الجائحة العالمية.
الاحتجاجات الأمريكية التي تحدت اجراءات الحجر الصحي بسبب انتشار الفيروس خرجت استنكاراً لحادثة مقتل مواطن أسود (جورج فلويد) على يد الشرطة سرعان ما تحولت خلال أيام الى مسيرات غاضبة بأغلب الولايات الأمريكية رافعة شعارات محاسبة المسؤولين عن مقتل فلويد وسجنهم، لتتوسع دائرة المطالب الشعبية تدريجياً الى شعارات لرفض الظلم والعنف والقمع والتمييز والمطالبة بالحريات والعدالة والمحاسبة، وصولاً الى التنديد بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ادارته لأزمة الوباء وتداعياته.
وما يثير المخاوف والقلق الجدي هو رصد زيادة احتمال انتقال مظاهر الاحتجاج في الشوارع الأمريكية الى العالم العربي، بنفس طريقة انتقال عدوى فيروس كورونا، أي بوتيرة سريعة الانتشار ومباغتة، وبشكل مفاجئ وقوي وفوضوي وعنيف خاصة مع الاكتشاف التدريجي لحقيقة التداعيات والأضرار على المدى القريب بعد هدوء عاصفة موجة الفيروس الأولى.
وعلى صعيد متصل، فان ما قد يمثل تهديداً حقيقياً يكمن في احتمالات محاكاة بعض مظاهر الاحتجاجات الأمريكية التي برز فيها الانفلات والعنف والفوضى تحت مبرر غضب شعبي، وهو ما قد يدفع حكومات في دول عديدة على غرار العالم العربي الى ضرورة استباق كيفية التعامل مع احتمالات التصادم مع فئات محتجة خاصة المراهقين قد تعمد الى استحضار ردود أفعال عنيفة على غرار ما حدث في بعض مسيرات المحتجين في الولايات المتحدة.
من جهة أخر، فان حجم الصور والفيديوهات لمسيرات المحتجين المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي قد تحرض على مظاهر العنف ومن شأنها أن تترسخ بعقول المراهقين بصفة خاصة وتشكل وعياً مشوهاً عن مظاهر الاحتجاج السلمي عند الشباب بشكل أساسي. لكن تضاف مخاطر التأثر المتوقع للشعوب العربية باحتجاجات أميركا الى التحديات الجديدة المتوقعة التي قد تواجه الحكومات العربية على المدى القريب وخاصة على مستوى كيفية التعامل معها وادارتها ومع انفلاتها الى مسارات ومنعرجات كارثية على غرار ما حدث في احتجاجات الربيع العربي 2011.
ونظرا لكون الاحتجاجات الشعبية في الولايات المتحدة تحمل أيضاً مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية ومنطلقها غضب من السياسات الحكومية، وحتى ان اختلفت في جوهرها مع مطالب نسبة من الشعوب العربية التي تعيش ظروف معيشية متردية في ظل استمرار تفشي الفيروس، فإنها تتقاسم في بعض المطالب التي حملها المحتجون في مسيراتهم في المدن الأميركية. هذه المبادئ تركزت خاصة على المطالبة بالعدالة وتعزيز الحريات والمحاسبة فضلاً عن استنكار الاغلاق الشامل بسبب انتشار الفيروس وانتقاد تردي الأوضاع المعيشية وزيادة البطالة ونسبة الفقر والتهميش.
وان تبقى توقعات مسار الاحتجاجات الأمريكية غير واضحة الا أنها من المحتمل ألا تتعدى ردة فعل مؤقتة سرعان ما تختفي وقد تستغلها بعض الجهات السياسية والمنصات الإعلامية للتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن ما يثير التساؤل فعلاً يكمن في توقعات حجم ارتداداتها على العالم وإمكانية تدويلها لتصبح حالة رفض عالمية لمظاهر الظلم والتعسف والقمع وإمكانية تسببها الهام تفاعلات ومسيرات حول العالم. لكن المخاوف الحقيقية تكمن في فرضيات في خروج المسيرات عن سياقها وانفلاتها لتتحول الى مظاهر عنف وانتفاضات شعبية وفوضى عارمة خاصة في عدد من الدول العربية الهشة اقتصادياً وسياسيا وأمنياً.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)