الكويت، 12 ابريل 2020 (csrgulf): استنجدت الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الأوروبية برجال الدين للمشاركة في حرب ضروس ضد وباء عجزت اقوى دول العالم تقدما في العلوم والتكنولوجيا على إيجاد حل لإيقافه. واستسلمت بعض الدول للملاذ الرباني للمساعدة في انقشاع غمامة الوباء من سماوات بعض الدول التي تسجل وفيات بالآلاف يومياً جراء وباء غامض يحير العلماء الى اليوم.
وقد عاد الاهتمام بدور رجال الدين وبيوت العبادة خاصة في الدول الأكثر تضررا من الفيروس حيث يلجا كثيرون إليهم من أجل التذرع والدعاء والصلاة لوقف تمدد وباء عجزت أفضل الطواقم الطبية على فهمه وعلاجه نظرا لطبيعة الفيروس المتحولة والخبيثة، حيث ينتشر سريعا ويتكيف حسب جسم الانسان وينسجم حسب بيئة المصابين، وهو ما جعل البعض يصف خطورته بأكثر من مرض السرطان.
وتشهد الممارسات الدينية لمئات الملايين من الناس تغيرات عميقة استجابة لوباء كورونا COVID-19 الناجم عن فيروس تاجي جديد، وقد دفعت الأزمة العديد من رجال الدين إلى مناشدة أتباعهم ليس فقط لاتخاذ احتياطات السلامة ولكن أيضًا لتبني روحانيات للمساعدة في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المقبلة[1].
ويلجأ البيت الأبيض كذلك إلى الجماعات الدينية والكنائس للحصول على المساعدة في مكافحة الفيروسات التاجية[2]. اذ تمثل دعوة رجل دين الى البيت الأبيض وتلاوته لأدعية تحفيزية للإيمان بجانب الرئيس مخاطباً بها الأمة الأمريكية خلال عيد الفصح غير مسبوقة في الشكل في محاولة لتطمين مشاعر الشعب الأمريكي المذعور، حيث أن خطابات الرئيس دونالد ترامب اليومية يبدو أنها لم تعد كافية لتهدئة المواطنين وإيصال مشاعر الأمان في ظل تسجيل أرقام يومية قياسية لعدد الوفيات وعدد الاصابات. وتصدرت اليوم الولايات المتحدة الامريكية قائمة أكثر الدول المتضررة من الوباء على مستوى حصيلة الوفيات المنجرة عن الإصابة بفيروس كورونا، وتقدمت بذلك على إيطاليا واسبانيا أكثر الدول الموبوءة سابقا، ومن المرجح أن يصل عدد وفيات الأمريكيين حسب أحدث التوقعات الرسمية الى نحو 60 ألف وفاة بحلول نهاية الشهر، وهو ما قد يجعل أميركا أكثر دول العالم تضررا من جائحة كورونا.
وان تعتقد بعض وسائل الاعلام ومراكز الفكر في الولايات المتحدة أن محاولة استعانة السياسيين برجال الدين تشوبها احتمالات تغطية على سياسات فاشلة بعد أن تم تسييس الوباء فعلا في عدد كثير من الدول بينها أمريكا، الا ان منابر أخرى ترى أن استعانة رؤساء أمريكا بالخطاب الديني سبق وحدث فعلاً لكن بطرق أخرى مختلفة. يذكر استعانة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بالخطاب الديني في أولى ردود فعله على هجمات 11 من سبتمبر 2001، حيث وصف أن الأمة الامريكية والمسيحية تدخل حرباً صليبية مقدسة ضد الإرهابيين. وغالبًا ما كان تقاطع الدين والسياسة في الولايات المتحدة أكثر وضوحًا في أعمق لحظات الأزمة في البلاد عندما يستخدم القادة الخطاب الديني لتخفيف مشاعر عدم الاستقرار والقلق الوجودي، ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، اعتمد بوش مباشرة بشكل كبير على إيمانه وهو يحاول فهم المأساة، وفي تأبينه لضحايا إطلاق النار في كنيسة تشارلستون في عام 2015، قدم الرئيس باراك أوباما بشكل غير متوقع ترجمة شخصية لترنيمة “النعمة المذهلة”[3].
وان مثلت دول مثل الولايات المتحدة وايطاليا وفرنسا وبريطانيا أنظمة علمانية أقصت دور الدين في شؤون السياسة منذ عقود طويلة، الا أن الوباء أحيا أهمية رجال الدين ودور العبادة في طمأنة الشعوب وإدارة ردود فعلها أثناء الكوارث. وهي رسالة واضحة على احتمال عودة ضمنية ولو بشكل غير مباشر وبطيء لشكل من أشكال التدين بين الشعوب الغربية، خاصة مع توقع تسجيل العالم مستقبلاً لمحن مختلفة بينها كوراث طبيعية أو حروب محتملة.
وقد تؤثر عودة أهمية دور الدعاة والمبشرين في الغرب على نسق السياسات المستقبلية واحتمال زيادة منح أولوية لتعزيز الجانب الروحاني والنفسي والايماني للشعوب، حيث وصفت دراسات أن تقلص الوازع الديني بين الشعوب وخاصة الشعب الأمريكي (الطائفة المسيحية واليهودية[4]) قد يدفع الى ردود فعل فوضوية تصل الى تهديد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وتسجل الشعوب الغربية على رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبية أكبر نسبة في تاريخها للعزوف الشعبي عن ممارسة الشعائر الدينية وزيادة نسب الالحاد وعدم اتباع الديانات السماوية. وقد تكون مثل هذه الظواهر حافزا قد يدفع السياسيين للاهتمام بتعزيز دور رجال الدين مستقبلا في تعزيز الجانب الروحي والإيماني للشعب الأمريكي على سبيل المثال وتعزيز جانب الاخلاق والفضيلة من اجل مكافحة زيادة ظواهر سلبية يصفها الامريكيون بالكارثية وأبرزها العنف والشذوذ والاكتئاب القاتل والانتحار. ويأتي توقع عودة الدور الديني في المجتمع الأمريكي أيضا بعد تسجيل مؤشرات على زيادة عدم ثقة نسبة كبيرة من المواطنين في الساسة وخطاباتهم وخياراتهم خاصة في زمن الكوارث. ولعل جائحة كورونا غير المسبوقة التي دفعت ترامب للاستعانة برجال الدين اضطرارا بعد عجزه في تطمين الشعب الامريكي يمكن اعتبارها بمبادرة قد تعقبها مبادرات أخرى من شأنها ان تحدث تغييرا على المدى البعيد في علاقة السياسة بالدين.
ويبرز دور رجال الدين في المجتمعات الغربية كالمجمع الأمريكي أو الأوربي في الازمات والكوارث. وقد ينتقد استخدام الساسة لرجال الدين لطمأنة مشاعر الناس عبر طقوس دينية[5] والثناء على خطب السياسيين لإعطائهم مصداقية ثم يتم الاستغناء عنهم حال أن تنتهي الازمة. الا أن مؤشرات أخرى تؤكد زيادة حظوة رجال الدين والقادة الروحيين في المجتمعات الغربية، وقد تساعدهم الازمة النفسية التي تخلفها جائحة كورونا في زيادة منحهم دور أكبر مستقبلاً. فعلى سبيل المثال تسهم المجموعات الدينية بشكل كبير في مكافحة منظمات المجتمع المدني الأمريكي للجائحة، كما تعدى دورهم الى النصح السياسي. اذ حث المؤتمر الأمريكي للأساقفة الكاثوليك وشبكة اليوبيل الأمريكية، وهي مجموعة دينية مشتركة بين الأديان، الرئيس ترامب على قيادة مجموعة العشرين بشأن خطط تخفيف عبء الديون العالمية لفيروس كورونا، وتقول المجموعات إن تخفيف الديون يسمح للدول النامية على الفور بتعزيز الرعاية الصحية والنجاة من الأزمات الاقتصادية[6].
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
الهوامش:
[1] By Kali Robinson, How Are Major Religions Responding to the Coronavirus?, council on foering relations, March 19, 2020, https://www.cfr.org/in-brief/how-are-major-religions-responding-coronavirus
[2] FRANCESCA CHAMBERS, White House turns to faith groups and churches for coronavirus help, impact2020, MARCH 17, 2020, https://www.mcclatchydc.com/news/coronavirus/article241279411.html
[3] GABBY ORR,Trump sought a national revival by Easter. Now he has a new Easter message, Politico, 04/10/2020, https://www.politico.com/news/2020/04/10/trump-pence-easter-coronavirus-178677
[4] Pew research center, In U.S., Decline of Christianity Continues at Rapid Pace, OCTOBER 17, 2019, https://www.pewforum.org/2019/10/17/in-u-s-decline-of-christianity-continues-at-rapid-pace/
[5] Daniel Burke, CNN Religion Editor, The great shutdown 2020: What churches, mosques and temples are doing to fight the spread of coronavirus, March 14, 2020, https://edition.cnn.com/2020/03/14/world/churches-mosques-temples-coronavirus-spread/index.html
[6] Kate Zeller, Catholic Bishops Urge President Trump to Lead Global COVID-19 Debt Relief, Jubilee USA Network, Thursday, April 9, 2020, https://www.commondreams.org/newswire/2020/04/09/catholic-bishops-urge-president-trump-lead-global-covid-19-debt-relief