- دول الخليج تواجه احتمالات خسارتها لنحو ثلثين من إيراداتها النفطية خلال 2020
- آفاق النمو في دول مجلس التعاون ستتراجع بحدة
- احتمال انكماش الانفاق الحكومي الخليجي كأول استجابة فورية لتراجع الإيرادات النفطية
- تضرر القطاع الخاص ومخاوف من موجة تسريح للموظفين
- تقليص الاعتماد على النفط أصبح أولوية قصوى وحيوية
الكويت، 11 ابريل 2020 (csrgulf): تواجه الدول المنتجة للنفط وفي مقدمتها دول الخليج احتمالات خسارتها لنحو ثلثين من إيراداتها النفطية خلال 2020 ونحو الثلث في افق 2021 مقارنة بإجمالي الإيرادات المسجلة في 2019. وقد تتضاعف قيمة عجز موازنات الحكومات الخليجية المعتمدة بشكل أساسي على إيرادات النفط في ظل توقع فترة كساد تمتد لنحو سنتين على الأقل قد تهوي بسعر برميل النفط الى ما دون 20 دولارا حتى آخر هذا العام و40 دولارا العام المقبل، وتدفع لذلك ضبابية موعد نهاية أزمة وباء كورونا التي تغلق حدود أكثر من نصف دول العالم وأدت الى شلل كبير للتجارة الدولية.
وحسب ملخص تقرير بحثي وتحليلي بعنوان “توقعات مستقبل انعكاسات أزمة جائحة كورونا على دول الخليج النفطية” أعدته إدارة توقعات المخاطر في مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)، فان تقديرات آفاق النمو في دول مجلس التعاون ستتراجع بحدة وبوتيرة أسرع دون التوقعات الدولية السابقة في 2019 إذا استمرت اجراءات الاغلاق العالمي وتعثر امدادات النفط وانخفاض مؤشرات الاستثمار والتجارة.
وعلى الرغم من احتياطاتها المالية الكبيرة في صناديق ثروتها السيادية التي تعطي دول الخليج خاصة الكويت والإمارات وقطر أفضلية أكثر من غيرها في استيعاب ارتدادات الوباء الاقتصادية كانهيار أسعار النفط عبر إمكانية استخدام أصولها الضخمة في تمويل العجز الكبير المتوقع وحزم التحفيز المستقبلية[1]، الا أن عدم معرفة موعد نهاية الوباء واحتمال استمرار تفشيه، قد يدفع الى تآكل الاحتياطات المالية الخليجية دون عوائد تشغيلية كبيرة وواضحة، وهو ما قد يدفع الحكومات الى حلول بديلة أكثر استدامة في المستقبل.
ومن المرجح أن ينكمش الانفاق الحكومي الخليجي كأول استجابة فورية لتراجع الإيرادات النفطية. الى ذلك قد تزيد خسائر القطاع الخاص بسبب اضطراب وشلل الحركة الاقتصادية والتجارية في العالم مدفوعة بطول فترة الإغلاق الشامل للحدود والأنشطة والتي اضطرت لها أغلب الدول بما فيها القوى الصناعية الكبرى للحد من انتشار العدوى.
وحسب دراسة مسارات أسعار المنتجات البترولية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يتسبب بها الوباء، فان صادرات النفط والغاز باعتبارهما شريان الحياة لأغلب الاقتصادات الخليجية قد تتكبد خسائر كبيرة على المدى القصير حتى في حال سريان اتفاق وان بدى متعثرا للدول النفطية الاعضاء في منظمة (أوبك) والدول المنتجة من خارج المنظمة وخاصة الاتفاق المبدئي بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة على خفض جديد للإنتاج.
ومن المتوقع أن متوسط أسعار خام برنت قد تتراوح بين متوسط 33 دولارًا في عام و23 دولارًا حتى نهاية العام أي بانخفاض قدر بنحو 50 دولارا مقارنة مع أفضل سقف بلغه البرميل في 2019 وكان عندما تخطى حاجز 70 دولارا. وتشير التوقعات بأن متوسط أسعار خام برنت سيعاود الارتفاع إلى متوسط قدره 46 دولارًا للبرميل في عام 2021، وهو أقل بمقدار 10 دولارات عن توقعات الشهر الماضي، وسيدعم انخفاض مخزونات النفط العالمية ارتفاع الأسعار[2].
الخسائر المحتملة على مستوى إيرادات دول الخليج من الصادرات الطاقية قد تنعكس سلباً خاصة على موازنات الدول المعتمدة بشكل أكبر على العائدات البترولية. وفي ظل التذبذب في توقعات سعر النفط في مرحلة ما بعد الأزمة، قد يصبح انتظار دول الخليج لاستقرار مستقبل اتجاهات أسعار النفط غير مجدي. وما لم تسارع في اعتماد خطط انقاذ اقتصادية طارئة تتضمن إصلاحات عاجلة للتقليص من الانفاق، فقد تواجه مخاطر اقتصادية أكبر من تلك التي واجهتها عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث أن تداعيات أزمة جائحة كورونا وان استمرت الى نهاية الصيف قد ترقى لمستوى الكساد العالمي الذي خلفته الحرب العالمية الثانية.
ومن المرجح أن يدخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق في عام 2020، حيث أن السرعة التي تتطور بها جائحة فيروس كورونا استلزمت سلسلة أخرى من التخفيضات الضخمة لتوقعات الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم، حيث من المتوقع أن ينخفض النشاط الاقتصادي العالمي بنسبة 1.9 في المئة مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة بنسبة 3.3 في المئة و4.2 في المئة و3.9 في المئة على التوالي، مع ترجيح تقلص نسبة تعافي الاقتصاد الصيني الذي سينمو بنسبة محتملة أقل من 2 في المئة[3]. وينعكس سلباً تراجع نمو هذه الدول والتي تمثل أبرز الشركاء التجاريين لدول الخليج، على احتمال تدهور الأداء الاقتصادي الخليجي وخاصة على مستوى قطاعات التصدير.
وعلى صعيد متصل، قد تواجه الحكومات الخليجية زيادة احتمالات مخاطر اقتصادية مختلفة كزيادة التضخم وركود النشاط المحلي كقطاع السياحة أو قطاع الخدمات والإنتاج المرتبط بالتصدير والسياحة والسفر. وفي ظل احتمالات مخاطر عالية من استمرار أزمة تفشي الوباء، قد لا يصبح التقشف خيارا لدول الخليج في الأمد القريب بل ضرورة حيوية في ظل تقلص متوقع لحجم الفوائض المالية حتى نهاية 2021 قياساً لتوقعات أسعار النفط التي قد تتراوح بين متوسط 20 الى 30 دولارا[4] للعقود الآجلة (خام برنت) الى نهاية العام، مع إمكانية وصولها الى حدود 50 دولارا العام المقبل إذا لم تضرب العالم موجة جديدة من وباء كورونا كما حذرت دراسات علمية سابقاً[5].
وقد تراجعت أسعار النفط من متوسط (60 الى 70 دولارا) في عام 2019 الى متوسط مرجح بين (30 الى 20 دولارا أو أدنى) في عام 2020، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على إيرادات الدول الخليجية المعتمدة أساساً على النفط والغاز وبالتالي سينعكس سلباً على وتيرة تنفيذ المشاريع الحكومية والخاصة. وفيما تعتمد أغلب الدول الخليجية في موازنتها على متوسط سعر تعادل للبرميل يقدر بنحو متوسط 50 دولارا، يتوقع أن يرتفع حجم العجز في الى الضعفين أو أكثر في حال استقر سعر النفط عند متوسط 20 دولارا الى نهاية العام كما تحذر من ذلك تقارير دولية.
وقد تضغط تداعيات الجائحة على تسارع التغييرات في اتجاهات التقليص على الاعتماد على النفط في المديين المتوسط والبعيد. وهو ما قد يدخل دول الخليج بشكل متفاوت أمام تحدي زيادة فورية لتنويع أنشطتها الاقتصادية على المدى المتوسط والانتقال الى مرحلة عدم التبعية القصوى على الايرادات البترولية.
ومن المرجح أن يزيد تدهور الطلب العالمي على النفط بسبب توقعات باستمرار تفشي الوباء الى أوائل الصيف المقبل، وهو ما قد يسبب زيادة مفرطة في الإنتاج المعروض بشكل قد تفوق توقعات الدول المنتجة. وتواجه أسعار النفط مخاطر موجة انخفاض جديدة قد تصل بالبرميل الى ما دون 20 دولارا للبرميل[6] إذا لم يلتزم كبار المنتجين في العالم داخل وخارج منظمة أوبك على خفض سقف الإنتاج بشكل يتجاوب مع فترة كساد اقتصادي متوقعة.
ونظرا لاستمرار الاغلاق الشامل لبعض الدول للحد من تفشي الوباء تأثرت حركة النقل والشحن لإمدادات النفط في العالم. وفي حين تزيد سرعة تفشي العدوى وارتفاع متوقع للحالات المصابة قد يصل عتبة 3 مليون نسمة عبر العالم بنهاية الشهر، يبدو الاعتقاد بتعافي الاقتصاد ما يزال بعيدا وهو ما يدفع لتوقع حالة ركود قد تصل الى مرحلة كساد. فمع تدهور النمو الاقتصادي العالمي، تستمر التوقعات لأسواق الشحن التجاري في عام 2020 في التدهور[7].
تضرر القطاع الخاص ومخاوف من موجة تسريح للموظفين
على عكس دول عربية أخرى، قد تكون وطأة تداعيات أزمة وباء كورونا أقل على الدول الخليج، حيث من المتوقع ألاّ تجد حكوماتها صعوبة في تعبئة مواردها المالية لإنقاذ اقتصاداتها والحفاظ على الحد الأدنى من النمو. وبذلك قد تلجأ دول خليجية –اضطرارياً- الى ملاذات عاجلة لسد عجز الموازنات وتحفيز إنعاش اقتصاداتها مستقبلا للتكيف مع حدة تداعيات أزمة وباء كورونا، وأبرز هذه الملاذات المفترضة، أولاً: الاضطرار الى السحب من احتياطاتها في صناديق الاستثمار السيادية، وثانياً الاقتراض من الاسواق الدولية، وثالثاً التقشف الصعب الذي قد يقود بعض دول الخليج الى زيادة تقليص الانفاق الحكومي واحتمالات دراسة زيادة فرض ضرائب ورسوم.
ومن المرجح أن يتضرر القطاع الخاص بشكل كبير في دول الخليج وخاصة المرتبط بالتصدير، حيث سيترتب عن جائحة فيروس كورونا آثار اقتصادية على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وسيتحمل أصحاب المشاريع والمبادرات وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبئًا هائلاً الى جانب قطاع الشركات الخاصة والقطاع العام، ويمكن ان تمدد الاضرار لأسابيع أو شهور أو سنوات، والجز الاصعب يتمثل في عدم معرفة نهاية الازمة[8]. وهو ما سيتطلب حزمة انقاذ مستعجلة لأصحاب المشاريع خاصة التي لديها قدرة عالية على التوظيف. وتبقى النظرة المستقبلية مقلقة لمستقبل حركة سوق التوظيف في دول الخليج على المدى القريب، حيث هناك مخاوف من موجة تسريح للموظفين في الأشهر المقبلة حتى إذا انتهت موجة العدوى كإجراء اضطراري قد تلجأ له بعض شركات القطاع الخاص أو العام للتخفيف من أعباء تداعيات الأزمة على غرار ما قامت به مؤسسات كثيرة عقب الأزمة المالية العالمية في 2008.
تقليص الاعتماد على النفط أصبح أولوية قصوى وحيوية
بينما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتها، يجب أن تضمن أن استراتيجيات التنويع تتماشى مع أهداف الاستدامة البيئية[9]. وبذلك بات من الضروري نظرا للتغيرات الاستراتيجية التي احدثتها الجائحة في تصورات مصادر النمو، مضاعفة جهود التنويع التي تبذلها المنطقة.
وعلى مدى السنوات المقبلة، قد تشهد دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) تحولًا اقتصاديًا واجتماعيًا غير مسبوق مدفوعاً خاصة بتغيرات محتملة تفرضها ارتدادات أزمة وباء كورونا. حيث أصبح ضرورياً ترشيد أكبر لاستخدام عائدات النفط لتنويع الاقتصاد بوتيرة أسرع وخلق فرص العمل وتحسين المؤشرات الاجتماعية من اجل الحفاظ على تراكم الاحتياطيات الرسمية والإبقاء على دين خارجي منخفض نسبيًا. وقد تضطر دول الخليج لمراجعة استراتيجية الإصلاح الشاملة التي بدأتها منذ سنوات من اجل تسريع تنفيذ إصلاح هيكلي شامل [10]على المدى المتوسط يساعد على امتصاص تداعيات ازمة جائحة كورونا وذلك عبر إعادة تخصيص الموارد وترشيد الانفاق بما يتفق مع إشارات حركة السوق التي يدعمها تعزيز هيكلي للوضع المالي.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
الهوامش:
[1] Dania Saadi, Claudia Carpenter, UAE seen as GCC nation best able to weather oil crash, coronavirus, S&P, 26 Mars 2020, https://www.spglobal.com/platts/en/market-insights/latest-news/oil/032620-uae-seen-as-gcc-nation-best-able-to-weather-oil-crash-coronavirus
[2] U.S. Energy Information Administration (EIA), the statistical and analytical agency within the U.S. Department of Energy. By law, EIA’s data, analyses, Short-Term Energy Outlook (STEO) Forecast highlights, april 2020, https://www.eia.gov/outlooks/steo/pdf/steo_text.pdf
[3] Fitch Ratings’ Report(s): Global Economic Outlook -Deep Global Recession in 2020 as Coronavirus Crisis Escalates, Thu 02 Apr, 2020, https://www.fitchratings.com/research/sovereigns/deep-global-recession-in-2020-as-coronavirus-crisis-escalates-02-04-2020
[4] U.S. Energy Information Administration (EIA), the statistical and analytical agency within the U.S. Department of Energy. By law, EIA’s data, analyses, Short-Term Energy Outlook (STEO) Forecast highlights, april 2020, https://www.eia.gov/outlooks/steo/pdf/steo_text.pdf
[5] المصدر نفسه
[6] Sri Jegarajah, Oil prices could plunge below $20 a barrel this quarter as demand craters: CNBC survey, APR 6 2020, https://www.cnbc.com/2020/04/06/oil-prices-could-plunge-below-20-a-barrel-in-q2-as-demand-craters-cnbc-survey.html
[7] BIMCO webinar: coronavirus pandemic effects on shipping markets 14/04/2020, https://www.hellenicshippingnews.com/events/bimco-webinar-coronavirus-pandemic-effects-on-shipping-markets/
[8] DAVID BAXTER, How will coronavirus affect public-private partnerships?, World Bank, MARCH 10, 2020, https://blogs.worldbank.org/ppps/how-will-coronavirus-affect-public-private-partnerships
[9] World Bank, Weak Outlook in GCC Due to Muted Oil Prices & Global Trends, DECEMBER 4, 2019, https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2019/12/04/weak-outlook-in-gcc-due-to-muted-oil-prices-global-trends
[10] Ugo Fasano-Filho, and Zubair Iqbal, GCC Countries: From Oil Dependence to Diversification, IMF,https://www.elibrary.imf.org/view/IMF073/02714-9781589062337/02714-9781589062337/ch001.xml?lang=en&language=en&redirect=true