ا.د. غادة محمد عامر، باحثة مشاركة
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل كلية الدفاع الوطني- أكاديمية ناصر العسكرية العليا
ملخص البحث:
القاهرة، 9 يناير 2019(csrgulf): أنشأت بعض الدول في العالم وحتى في منطقة الشرق الأوسط وحدات سرية خاصة لخلق أدوات الحروب اللا متماثلة من أجل التفوق العسكري في حرب مستقبلية.
وبذلك تزيد توقعات حجم الدمار التي قد تخلفه حروب الجيل الرابع في العالم وفي المنطقة العربية مستقبلاً. ومن المرجح أن تتغير أنماط الحروب بامتلاك أسلحة تكنولوجية متجددة للهجوم والردع حتى في العالم العربي على المدى المتوسط لتكون تداعياتها على المجالات الانسانية والبيئية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية كارثية وقد يختفي فيها التمييز بين المقاتلين والمدنيين.
“الحروب اللا متماثلة” أو “حروب الجيل الرابع”
تعددت أسباب الحروب منذ قدم التاريخ، وفيها اخترع الإنسان ما يناسب كل معركة من تكتيكات وأسلحةٍ فتاكة. هذه الأساليب والأسلحة تتنوع وتختلف بتغير العصر وقدرات الخصم، وهي مازالت تتطور بتطور الحضارة البشرية.
في كل تلك المواجهات تتعاظم خسائر الطرفين بنفس قدر تعاظم مكاسبهما، وفي حالات كثيرة نجد أنه رغم خروج أحد الطرفين منتصراً انتصارا عسكرياً، هزم فيه أعدائه واستولى على خيراتهم، إلا أنّه يكتشف بعد انتهاء القتال أن المعركة كانت تكاليفها الاقتصادية والبشرية فادحةٍ، وقد يظهر بعد المعركة حجم الدمار الذي نتج عن تلك المعركة وما نتج عنها من المشاكل السياسية والاجتماعية والنفسية فضلاً عن تلك البيئية والمالية.
وما يزال الانسان يفكر في وسائل متجددة لهزيمة أعدائه ونيل مصالحه، بما يحقق مبدأ تقليل خسائر الحروب وكيفية دفع تكلفتها العالية، فابتكر جيلاً جديد من الحروب يسمى “الحروب اللا متماثلة”، والتي تشمل ما أطلق عليه “حروب الجيل الرابع”.
وتمثل الحروب “اللا متماثلة” أكبر تغير جذري في أنماط المواجهة منذ معاهدة سلام “وستفاليا”. في هذا النمط من الحروب يكون التمييز بين الحرب والسلام غير واضح بل قد يصل إلى نقطة التلاشي. كما لا توجد ساحات قتالية أو جبهات محددة بالمفهوم التقليدي لموقع المعركة، ويختفي فيها التمييز بين “المدنيين” و”المقاتلين”، وقد تظهر المعركة بشكل أعمال تخريبية (ضد منشئات عسكرية أو مدنية) تحدث في نفس الوقت في أماكن عديدة حسب توزيع المشاركين في العملية. وفيها يكون تأثير الثقافات قوي، حيث تستخدم فيها مزيج من الوسائل السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية للتغلب على إرادة المقاومة لدى الطرف المستهدف.
ويمكن أن يقوم بالحروب اللا متماثلة أو يشترك بها أشكال متعددة من التنظيمات والأطراف، يشمل ذلك دول أو منظمات غير حكومية أو منظمات وطنية أو غير وطنية، سواءً بتواطؤ منها أو بدون علمها بنتائج ما تقوم به على أوطانها. وتعتمد تلك الحروب على جوانب غير تقليدية كحروب العصابات المحلية الثورية، بحيث تعطي مساحة أكبر في القدرة على التواصل ونشر الإرشادات والأفكار والتنفيذ بشكل غير ملفت وغير مكلف أكثر مما لو مارس الطرف الخارجي النهج العسكري التقليدي. كما قد يكون عمل الفاعلين في مثل هذه الحروب على هيئة خلايا منتشرة ومتشتتة، الى ذلك يمكن أن تكون الاشتباكات تكتيكية قصيرة دون مواجهة عسكرية ظاهرة أو غالباً ما تكون طويلة لتشمل ساحة المعركة المجتمع بأكمله.
وحدات سرية خاصة لخلق أدوات الحروب اللامتماثلة.
انتشار التكنولوجيا الحديثة مثل الانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي وظهور أسلحة الطيف الكهرومغناطيسي والطائرة بدون طيار وإنترنت أشياء المعركة وغيرها من التكنولوجيا التي يتوصل إليها الانسان كل يوم مع تطور نتائج البحث العلمي جعل من الصعب التنبؤ بما يخبئه العدو من تكتيكات.
ويرجع ظهور الحروب اللا متماثلة الى التطور التكنولوجي. وظهر التفكير في الحروب اللامتماثلة منذ فتره ليست بالقليلة في الدول العظمي التي تتوفر لديها الامكانات والرغبة في فرض إرادتها على العالم.
فمنذ ما لا يقل عن ثلاثين عاماً بدأت الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل بالعمل على خلق أدوات متجددة تأهلهم لخوض وشن هذا النوع من الحروب ضد الدول المستهدفة. حيث أن الخسائر الفادحة التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية في حرب أفغانستان على سبيل المثال جعلت المحللين العسكريين يوصون بضرورة استخدام وسائل جديدة تضمن لهم تحقيق أغراضهم دون الدخول في مواجهاتٍ مباشرةٍ مع أعدائهم. لذلك عملت تلك الدول على تطوير تكنولوجيات مبتكرة لا تركز فقط على تكنولوجيا المعدات العسكرية الثقيلة، وإنماء استمرت في تطوير تكنولوجيا فائقة تعطي للدول التي تمتلكها الميزة الحاسمة ضد أعدائها أو من تراهم منافسين لها. ولتحقيق ذلك قامت هذه الدول بإنشاء وحدات سرية خاصة لخلق أدوات الحروب اللامتماثلة.
وتتعدد أمثلة الوحدات الخاصة من دولة الى أخرى، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تم إنشاء وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة (ARPA) عام 1958 (والتي تم تغيير اسمها لاحقا إلى DARPA: وكالة أبحاث المشاريع الدفاعية المتقدمة). وكان ذلك بسبب المفاجأة الاستراتيجية التي أصيبت بها الولايات المتحدة عام عام 1957عندما أطلق السوفييت أول قمر اصطناعي (سبوتنيك) وما حققوه من إنجازات في القذائف السوفيتية المبكرة. فأمر الرئيس الأمريكي -آنذاك- أيزنهاور بإنشاء تلك الوكالة بحيث تكون مهمتها الأساسية “منع المفاجأة التكنولوجية، وإنتاج تكنولوجيات ثورية تضمن ألا تحدث أي مفاجأة تكنولوجية ممكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي”.
وتتكون تلك الوكالة من عدة مكاتب منها على سبيل المثال لا الحصر: “مكتب التقنيات البيولوجية” و “مكتب علوم الدفاع” و”مكتب ابتكار المعلومات” و”مكتب تكنولوجيا الأنظمة المكروئية” و”مكتب التكنولوجيا الاستراتيجية” و”مكتب التكنولوجيا التكتيكية”. كما قامت الولايات المتحدة في عام 2015 بتأسيس “وحدة ابتكار الدفاع الأمريكية” كمبادرة جديدة لوزارة الدفاع الأمريكية تهدف إلى تسهيل وتسريع تطبيق الأفكار والابتكارات ذات العلاقة بالدفاع.
أما الوحدات الخاصة التي تمتلكها إسرائيل فكثيرة ومتعددة، منها الوحدة 8200 وهي وحدة سلاح الاستخبارات الإسرائيلية المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية وتحليل الإشارة وفك الشفرات باستخدام كل أنواع التكنولوجيا لتجميع المعلومات والتأثير على الرأي العام في البلد المستهدف، ففي عام 1960 أنشئ في تلك الوحدة مركز الحاسبات ونظم المعلومات المعروفة باسم “مامرام”، والتي كانت مهمتها منع المتسللين وكسر واختراق البرمجيات المعقدة. وقد استخدم جيش الدفاع الإسرائيلي هذه القوة الحاسوبية في عام 1967 باعتراض وتفكيك الاتصالات الجوية المصرية والسورية. وأشارت تقارير عديدة أن الوحدة 8200 كانت مسؤولة عن إنشاء دودة الكمبيوتر “ستاكسنت” التي أصابت عام 2010 أجهزة الكمبيوتر الصناعية والمنشآت النووية الإيرانية. وهناك وحدة الذكاء المرئي (الوحدة 9900)، وتسمى أيضا وحدة الأقمار الصناعية ووحدة تكوين الذكاء البصري والتي تستخدم بجهزة استشعار متقدمة القادرة على التمييز بين الحقيقي والمزيف، وفلسفتهم أن المعارك الحديثة تقوم على عقول المخترعين والمطورين للتكنولوجيات المتقدمة مما يسمح بتنفيذ تقنيات قتالية جديدة.
ومن الوحدات الاسرائيلية وحدة سايريت ماتكال (الوحدة 269) وتسمى أيضا وحدة الاستطلاع الخاصة، وهي وحدة استخبارات ميدانية، تقوم بعمليات استطلاع عميقة خلف خطوط العدو للحصول على معلومات استخباراتية استراتيجية، من أبرز مهامها كان في 2007 بمجمع مجموعة من عينات التربة وغيرها من الاستطلاعات في سوريا قبل عملية تفجير المفاعل النووي السوري “البستان”. كما قامت إسرائيل بتشكيل وحدات الأبحاث والتي تقوم بتكوين تقييم استراتيجي وتكتيكي عملي، والتنبؤ باستخدام الذكاء الاصطناعي التوقعي بجميع احتمالات الحرب والتهديدات بكل أشكالها، وتقديمها إلى صناع القرار السياسيين. وفي إسرائيل وحدات أخرى مثل وحدة روئيم راتشوك ومعناها بالعبرية وحدة “التطلع إلى المستقبل”، وهي وحدة تقوم بعمل برامج مبتكرة تهدف إلى تدريب الشباب على التكنولوجيا الحديثة التي تحتاجها قوات الدفاع الإسرائيلية وسوق المدنيين.
ومن ضمن البرامج التي تعمل عليها هذه الوحدة برنامج تحليل الصور الجوية والأقمار الصناعية بالتعاون مع “وحدة 9900″، وكذلك التدريب على برامج متقدمة مثل برمجيات فرز المعلومات الكهروضوئية والإلكترونيات. ومنها كذلك الوحدة 81، وهي وحدة تكنولوجيا الاستخبارات في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، تركز على توفير أحدث التقنيات للجنود الإسرائيليين المقاتلين، وهي أكثر سرية من الوحدة 8200. وهناك وحدات تابعة متخصصة مثل مركز عمليات الوعي ويطلق عليها وحدة الحرب النفسية في مديرية العمليات، إن عقيدة هذه الوحدة هي التأثير على الرأي العام للدولة المستهدفة باستخدام “الدعاية والحرب النفسية وأحيانا التضليل”.
هذه نماذج من الوحدات في دولتين فقط، فما بالك بتلك التي في دول أخرى كروسيا والصين وغيرها من تلك التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي باختلاف أنواعها للاستعداد وشن حروبهم اللامتماثلة.