تونس، 6 أكتوبر 2019(csrgulf): يواجه البرلمان التونسي المقبل تحديات تفتت المعارضة المكونة تاريخياً من تيارات سياسية أغلبها يسارية. فبخسارة ثلاثة مرشحين اثنين منهم من حزب الجبهة الشعبية الذي يرمز لإتلاف من اليساريين والقوميين المعارض في الانتخابات الرئاسية وحصولهم على أقل الاصوات مقارنة بالمرشحين الاخرين ومقارنة بانتخابات 2014، فقد رموز تيار اليسار المعارض شعبية كبيرة بين جمهور الناخبين ما سينعكس سلباً على حظوظ الأحزاب والشخصيات المعارضة اليسارية في الانتخابات التشريعية.
وحسب تحليل لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لحظوظ المعارضة التقليدية البرلمانية في تونس تزامناً مع الانتخابات التشريعية، فان توقعات خسارة تيار اليسار قد تعود بالأساس لاحتمال عزوف على الاقتراع بسبب تقلص الاهتمام الشعبي بالانتخابات التشريعية مقابل الاهتمام بالانتخابات الرئاسية كما اكدت ذلك منظمة “عتيد” وهي منظمة مجتمع مدني مراقبة للانتخابات. وقد يشمل أي عزوف كبير على المشاركة في انتخابات البرلمان بصفة خاصة القواعد الانتخابية للتيارات اليسارية المعارضة وهي قواعد غير ملتزمة على عكس قواعد حزب حركة النهضة المستفيد الأكبر من أي عزوف على الاقتراع حيث ان قواعده منظمة وملتزمة الى حد ما ولو بشكل جزئي.
ومع تفتت العائلة السياسية الديمقراطية الوسطية، وكثرة القوائم الحزبية المرشحة للبرلمان، وغياب أي مظاهر للدعاية الانتخابية التقليدية المباشرة في الشوارع، ازدادت نسبة جهل الناخب بالمرشحين وهو ما قد لا يحفز كثيرين على الذهاب للاقتراع في ظل انتظار سيناريو غير مسبوق للانتخابات الرئاسية الذي ما يزال أحد المرشحين فيها مسجوناً.
وما عدى ملاحظة تراجع شعبية رموز المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، واجهت كتل المعارضة البرلمانية في السنوات الأخيرة انشقاقات كبيرة أثرت على ثقة الناخب بها. فحزب الجبهة الشعبية الذي استقطب اغلب رموز المعارضين اليساريين والقوميين انشق عدد من رموزه، وتقدم كثير منهم للانتخابات التشريعية كمستقلين.
على صعيد آخر، في ظل زيادة حالة من التذمر الشعبي من الشخصيات السياسية الحزبية، ومحدودية ادائها والتشكيك في مصداقية برامجها السياسية والاصلاحية، تزيد الاحتمالات بميول الكثير من الناخبين الشباب الى انتخاب شخصيات جديدة ومستقلة غير محسوبة على المعارضة التقليدية.
الى ذلك يبرز تحد كبير يتمثل في احتمال مقاطعة الكثير من الناخبين للانتخابات التشريعية بسبب احباط شعبي من حصيلة سلبية للحكومة والبرلمان السابقين خاصة على مستوى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي زادت تعقيدا مع استمرار نمو معدلات البطالة والتضخم والفقر.
ومن المرجح أن مسار الحراك السياسي في تونس المطالب بتغيير الطبقة السياسية في البرلمان والحكومة بدعوى فشلها في تلبية تطلعات الشعب سيقلص عدد مقاعد رموز المعارضة في البرلمان ومن شأنه تحجيم ثقلها السياسي في ظل توقعات قوية بان يتحول دور المعارضة السياسية خارج البرلمان. اذ تشير كل المؤشرات الحالية الى زيادة احتمالات تحول مجلس نواب الشعب المقبل الى فسيفساء سياسية عير متجانسة نظرا للعدد الكبير من الاحزاب والشخصيات المتنافسة وتقارب حظوظها. حيث لم يعد هناك اجماع شعبي على حزب بعينه. وهو ما سيدفع على الارجح رموز المعارضة الخاسرين سواء في الانتخابات الرئاسية او التسريعية الى العمل على معارضة السياسات خارج قبة البرلمان.
كما أن المعارضة السياسية في تونس بدأت تتخذ أشكالا مختلفة وجديدة، حيث بات بعض المستقلين من المحسوبين على المعارضة يخيرون التعبير عن انتقادهم لسياسات الحكومة أو للسلطة التشريعية من خلال بيانات وتصريحات على منصة التواصل الاجتماعي الفعالة بشكل كبير في تونس، أو من خلال منظمات المجتمع المدني الذي بات عدد منها يأخذ دور الأحزاب المعارضة في نقد الحكومة وسياساتها وبات تأثيرها أكبر وفعال على المجتمع حيث زاد وعي المواطن التونسي السياسي وأصبحت شريحة كبيرة من المثقفين بصفة خاصة تفقد صلة الثقة برجال السياسة.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)