-
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين تضاعفت 500 في المئة
-
فلسطين تخسر نصف مساحتها بسبب الاستيطان
-
تراجع قوة الضغط العربي على دوائر القرار العالمية
-
اللوبي اليهودي يتحكم في سياسة البيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط وعملية السلام
-
إسرائيل تسرع من التهام الضفة الغربية
-
التنازل نهائياً عن القدس: شرط اليمين الاسرائيلي للسلام مع العرب
-
عودة القدس الى العرب قد لا تكون الا بالحرب
الكويت، 25 يونيو 2019(csrgulf): يتسبب كل تأخير لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نتيجة تراجع ضغط الدول العربية المنقسمة على دوائر القرار في العالم، في زيادة استفادة اسرائيل من عامل الزمن وتغييرها لقواعد التفاوض التي لم تعد كما كانت معروضة منذ عشرين عاماً. فرؤية اسرائيل للسلام تغيرت تماماً، حيث حذفت القدس الشرقية من بين شروط التفاوض التاريخية، وباتت تل أبيب تعتبرها عاصمتها الشرعية الأبدية ولا تقبل التفاوض عليها. حتى أن “القدس” باتت مواقع البحث العالمية على شبكة الانترنت تُعرّفها رسمياً العاصمة الشرعية لإسرائيل بعد الاعتراف الأمريكي بها.
وقد أصبح العرض الإسرائيلي الجديد للتفاوض ضمن ما يعرف بـ”صفقة القرن” يقتضي الاعتراف فقط بنصف الضفة الغربية وليس كلها، ليكون بديلاً لعروض مقدمة قبل نحو عشرين عاماً والتي كانت تتضمن شروطاً أقل تشدداً من اليوم. حيث كانت تسمح بالتفاوض على الاعتراف الإسرائيلي بسيادة السلطة الفلسطينية على كامل الضفة والتنازل عن كامل قطاع غزة والتفاوض على تشارك السيادة على القدس. لكن اليوم حسب دراسة التصريحات والوثائق الإسرائيلية والأمريكية، باتت القدس الشرقية خارج إطار المفاوضات.
ومن الواضح أن كل تأخير عربي لحسم اتفاق سلام مع اسرائيل بات يزيد من تشدد الإسرائيليين في شروط التفاوض ويهدد باستمرار ضم أراضي فلسطين المتبقية تدريجياً لمناطق الاستيطان والاحتلال. وقد استثمرت إسرائيل الكثير من الأموال في توسيع مناطق الاحتلال على حساب الأراضي الفلسطينية. ويعتقد بعض الإسرائيليين أنفسهم أن هذا التوسع في الضفة الغربية لن يمر دون قتال[1]، مستبعدين توقيع اتفاق سلام في المدى القريب. اذ أن فشل المفاوضات القائمة على اتفاقات “أوسلو” والتوسع الاستيطاني المستمر يعطي مؤشرات على زيادة دعم حل “الدولة الواحدة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. في الأثناء، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قد تخلت عن البحث عن حل سلام شامل مع الفلسطينيين، واستقرت بدلاً من ذلك في إدارة الصراع.
وبدى الاستيطان كـ”فيل في غرفة” يضغط نحو تصلب المواقف. في الوقت نفسه، هناك تشاؤم دولي كبير بشأن استعداد الطرف الفلسطيني للموافقة على شروط إسرائيل من أجل التفاوض. وبدت تعلو أصوات أكثر وأكثر خصوصاً في الشارع السياسي الإسرائيلي تؤيد حل “الدولة الواحدة” بحجة أنه لا توجد إمكانية لإجلاء المستوطنين[2] من الضفة الغربية بصفة خاصة.
وقد استفادت إسرائيل جيداً من تأخر عملية السلام في تسريع مشاريع استيطانية التهمت قطاعات كثيرة في الضفة الغربية ومساحات كبيرة من مزارع قطاع غزة. وفي هذا الصدد يبدو أن أكبر ثمن قد تدفعه اسرائيل وتقبل به عن مضض لعقد “صفقة القرن” هو التنازل عن الجزء الأكبر من الضفة وعدم الممانعة في اخلاء بعض المستوطنات وليست كلها. وقد يكون هذا هو الحد الأقصى للتنازل الإسرائيلي المتوقع حسب رصد قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لمختلف الوثائق والتصريحات الإسرائيلية والدولية، والذي خلص الى أن الحكومة الإسرائيلية التي يقودها اليمين لا تمانع في مفاوضات سلام لا يتضمن قيام “دولة فلسطينية مستقلة” معلومة الحدود، وعلى أساس أن يبقي وضع الحكم الذاتي على حاله كما هو اليوم، في مقابل توقع تقديم عرّابي الصفقة (واشنطن وتل أبيب) ضمانات لتوفير فرص استثمارية تعزز الوضع الاقتصادي والانساني للفلسطينيين مع التحفظ على الاعتراف بحقوقهم السياسية والمدنية التاريخية.
ومن المفارقة أن تأخر حسم “دولة فلسطين” أفقد السلطة الفلسطينية النفوذ على الكثير من المناطق التي ضمها الاحتلال بوتيرة متسارعة خلال ربع القرن الأخير. اذ تكشف وثيقة للبنك الدولي تعود للتسعينات أن حكومة إسرائيل آنذاك انحصر نفوذها فقط في 38 في المئة من مساحة أراضي الضفة الغربية عقب اتفاق أوسلو خصصتها لبناء المستوطنات وإقامة المراكز الأمنية ونقاط التفتيش، وجدار الفصل، وكل هذه المشاريع تقيد حركة الأشخاص والبضائع داخل وخارج الضفة الغربية[3]. لكن اليوم زاد نفوذ سلطات الاحتلال الى أكثر من نحو 61 في المئة من أراضي الضفة، أي ما يعادل ضعفي المساحة التي كان يسيطر عليها كيان الاحتلال في التسعينات. في حين تسيطر السلطة الفلسطينية على نحو 39 في المئة فقط من أراضي الضفة الغربية اليوم.
ويوجد حالياً حوالي 215 ألف إسرائيلي يعيشون في القدس الشرقية، بينما يبلغ عدد المستوطنين في المنطقة المعروفة برمز (س) في الضفة الغربية المحتلة، باستثناء القدس الشرقية، نحو 413 ألف مستوطن. وبذلك يصل عدد المستوطنين إلى نحو أكثر من 630 ألف مستوطن إسرائيلي في 143 موقعًا استيطانيًا في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية و106 موقعًا[4]. ويرجع تقسيم مناطق الضفة الغربية إلى حد كبير إلى “اتفاقات أوسلو” عام 1995 التي أنشأت ثلاث مناطق متميزة المناطق (أ، ب، س) مع مختلف الترتيبات والسلطات الأمنية والإدارية. المنطقة (أ) تحتضن جميع المراكز السكانية الرئيسية الفلسطينية، حيث السلطة الفلسطينية المسؤولية عن كل من المسائل المدنية والأمنية، بما في ذلك إدارة الأراضي والتخطيط.
أما المنطقة (ب) فتشمل معظم المراكز الريفية، حيث تكون السلطة الفلسطينية مسؤولة عن شؤون المدنيين، بما في ذلك إدارة الأراضي والتخطيط، مع الأمن الذي يخضع لإدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، على الرغم من أن الأمن في الواقع يخضع اليوم في الجزء الأكبر لسيطرة الجيش الإسرائيلي[5]. أما المنطقة (س) فتخضع بشكل تام للسيطرة الإسرائيلية بحكم وجود المستوطنات. في الأثناء بقيت القدس الشرقية التي تضم المقدسات الدينية غير محددة ومنطقة غير محسومة النفوذ. لكن يبدو اليوم أن النفوذ في القدس الشرقية حسمته إسرائيل بمفردها بدون اللجوء الى التفاوض، وباتت منطقة إسرائيلية كما يزعم مسؤولو تلب أبيب لا يقبلون التفاوض حولها في أي عملية سلام مع الفلسطينيين والعرب.
ومثلما تسارع الاستيطان في الضفة الغربية، لم يسلم قطاع غزة من مخطط الاحتلال، حيث جرفت إسرائيل 35 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة منذ عام 2000 الى اليوم بنحو 365 كم مربع، اذ دمرت إسرائيل الأراضي الزراعية الفلسطينية لإقامة “مناطق عازلة” في شمال القطاع الشرقي لغزة حسب مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة[6]. ولدى إسرائيل مخطط لالتهام الضفة الغربية وقطاع غزة تدريجياً ضمن حدود إسرائيل المتمددة. اذ تمثل المستوطنات جزءاً من سياسة إسرائيلية منظمة ومستمرة لدمج مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة في إسرائيل[7].
وقد تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية بعد ابرام “اتفاق أوسلو” الى اليوم بنحو 5 أضعاف من 134 ألف[8] الى أكثر من نحو 630 ألف اليوم. وهذا ما يعني أن اتفاق السلام كان لصالح إسرائيل. وتضاعفت عدد المستوطنات من 1987 الى 2010 بنحو 400 في المئة الى عام 2005 وبنحو 500 في المئة الى اليوم اعتمادا على احصائيات البنك الدولي[9] وتقديرات csrgulf.
استبعاد حل الدولتين في ظل نمو المستوطنات
لا يبدو أنه في عهد حزب اليمين الإسرائيلي يمكن تمرير حل الدولتين لإيمان زعيم الحزب بن يامين نتنياهو صاحب فكرة السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين أن دولة إسرائيل مجبرة على التمدد حتى استيعاب مشروع مضاعفة سكانها مرتين خلال أقل من 3 عقود مقبلة. فمساحة إسرائيل اليوم تناهز 22 ألف كم مربع وتستوعب حالياً كثافة عالية من السكان بنحو 9 ملايين. وتخطط الإدارة الاسرائيلية الى زيادة عدد سكان إسرائيل بواقع الضعفين بحلول 2050، أي انه بعد نحو 30عاماً من اليوم قد يتضاعف عدد سكان إسرائيل مرتين الى نحو أكثر من 16 مليون نسمة[10] وهو ما يجعل السلطات المحتلة تبحث عن حلول استباقية لتوسع النمو الديمغرافي وتهيئة رقعة جغرافية أكبر تتسع لهذا النمو المتسارع والمستفيد من قبضة الأمن الحديدية التي تفرضها إسرائيل على الدخل الفلسطيني في ظل تقهقر المقاومة العربية للحد من تمدد رقعة الاحتلال.
اذ قد لا تكفي حسب الإسرائيليين الأراضي التي نهبها الاحتلال من فلسطين المحتلة منذ الأربعينات لتفكر في الاستمرار في نهب مساحات أكبر من الرقعة الفلسطينية الصغيرة المتبقية على امتداد 6.22 ألاف كم مربع فقط. وقد تصبح فلسطين إذا استكمل مخطط الاستيطان أقل من 5 ألاف كم مربع لتصبح بحجم أقل من نصف مساحة دولة قطر.
فمخطط تمدد إسرائيل قائم في مشروع اليمين الحاكم لإسرائيل، وأي حل لقيام دولة فلسطينية معلومة الحدود تخشى منه إسرائيل لأنه سيسد الباب نهائياً أمام طموحات التهام فلسطين تدريجياً. وقد تكون فلسطين بعد ثلاثين عاماً البلد الأكثر كثافة سكانية في العالم نظرا للتراجع المستمر في مساحته مقابل استمرار النمو الديمغرافي، نمو يعتبره الفلسطينيون آخر وسيلة لمقاومة مشاريع التهجير والتشبث بالأرض.
ثلاثي يهودي محيط بترامب يستغل ضعف العرب لتمرير سلام كارثي على الفلسطينيين
عملية السلام هي واحدة من أكثر القضايا إثارة للخلاف في عصرنا. فحسب تقرير لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تعرف اختصارا بـ “أيباك” أو منظمة اللوبي الصهيوني في أمريكا “يزعم الكثيرون أن إسرائيل قد فعلت كل ما في وسعها لتحقيق تقدم في عملية السلام، في حين يرى آخرون أن الدولة اليهودية يجب أن تكون أكثر عدوانية في جهودها. في هذا السياق، تشكل المستوطنات نقطة خلاف رئيسية، والبعض يعتبرها العائق الرئيسي لتحقيق السلام. في الواقع، ليست المستوطنات سوى واحدة من سلسلة من قضايا الوضع النهائي التي سيتعين على جميع الأطراف النظر فيها أثناء المفاوضات”[11]. لكن هذه المنظمة والشخصيات اليهودية ذات النفوذ المتضامنة معها، يبدو أنها اهتدت أخيرا لوسائل الضغط على البيت الأبيض لدعم تعزيز شروط إسرائيل على حساب شروط العرب في مسار السلام المنشود، وإقناع إدارة ترامب باستبعاد حل الدولتين والإبقاء على مشروع توسع كيان الاحتلال وتهويد القدس.
وقد تزايد بشكل واضح ضغط اللوبي اليهودي على البيت الأبيض في مقابل تراجع الضغط العربي، اذ منذ قدومه رئيساً، يحيط بدونالد ترامب ثلاثي يهودي هم جاريد كوشنير مستشاره وصهره، وكبير المسؤولين القانونيين لترامب جيسون غرينبلات، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وشكل هذا الفريق خطة “صفقة القرن” غير المكتملة التي تسعى الى الاتفاق بين طرفي النزاع على القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود للكيان الفلسطيني، والأمن.[12] ومنذ تولي ترامب منصبه، ابتعد الإسرائيليون عن حل الدولتين. وبدلاً من ذلك، أصبح واقع الدولة الواحدة راسخاً بشكل أكبر. وقد شجع تراجع الضغط العربي المقاوم للاحتلال، الحكومة الإسرائيلية على توسيع النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وفتح الطريق لضم المستوطنات، وتوسيع حصة السكان اليهود في القدس، وتعزيز الهوية اليهودية لدولة اسرائيل. ويتم متابعة هذه الأهداف من خلال سلسلة من مشاريع القوانين التي تم تقديمها للكنيست منذ عام 2017.
ويمكن استخلاص عدد من الاستنتاجات من تصرفات الإدارة الأمريكية والثلاثي اليهودي (مهندسي صفقة القرن). وأهم هذه الاستنتاجات هي أن ترامب بات يرفض أن يدعم بشكل لا لبس فيه تسوية الدولتين ويمتنع عن إدانة سياسة الاستيطان الإسرائيلية بوضوح في الأراضي المحتلة. ولا يخفي السفير الأمريكي فريدمان قربه من قادة المستوطنين. كما توقفت واشنطن عن وصف الأراضي الفلسطينية (ومرتفعات الجولان) بأنها “محتلة” ضمن تقاريرها الرسمية على سبيل المثال (تقرير حقوق الإنسان) لعام 2018 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
علاوة على ذلك، بدأ الرئيس ترامب بإيعاز من مستشاريه (الثلاثي اليهودي) في التشكيك في الإجماع الدولي حول خيار حل الدولتين. وبينما لاحظ أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يخلّ باتفاق تفاوضي على الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن كل الخطوات العملية التي اتخذها الأمريكيون تشير إلى نتيجة متوقعة تحرم الفلسطينيين من السيادة على الأحياء الوسطى من القدس الشرقية وإنهاء الدعم المالي للمؤسسات الفلسطينية في المدينة. ينضاف الى ذلك اعلان انتقال سفارة الولايات المتحدة الى القدس. كما اعترف ترامب أيضًا بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة عام 1967. وبينما لا يتعلق الأمر مباشرة بالأراضي الفلسطينية، تشير هذه الخطوة إلى أن إدارة ترامب لا تشعر بالضرورة بأنها ملزمة بمبدأ القانون الدولي الذي يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة. واليمين الإسرائيلي يفسر ذلك على أنه ضوء أخضر لزيادة ضم أراض في الضفة الغربية.
ويذكر أنه في عام 2018، توقفت واشنطن عن تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). وكانت الولايات المتحدة إلى حد بعيد أكبر ممول، حيث غطت حوالي ثلث إجمالي ميزانية “الأونروا” في السنوات الأخيرة. ويعود هذا التوقف الى أن إدارة ترامب الحالية تتشاطر وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية بأن “الأونروا” تديم مشكلة اللاجئين من خلال تشجيع اللاجئين على الإصرار على وضعهم وحقهم في العودة بدلاً من الاندماج في دولهم المضيفة الحالية. وكانت واشنطن طالبت الأردن بتجريد الفلسطينيين الذين يعيشون هناك من وضع اللاجئ وتجنسهم بدلاً من ذلك[13].
الغرور السياسي لترامب قد يفجر انتفاضة فلسطينية مسلحة
طي ملف القضية الفلسطينية في عهده، هدف يريد تحقيقه ترامب بأي شكل من الاشكال ليس استجابة لضغط اللوبي اليهودي على الإدارة الامريكية فحسيب، بل يعود الى شخصية ترامب العنيدة والمغامرة حيث يريد اثبات أفضليته على نظيره السابق باراك أوباما وقدرته على عمل شيء أقوى مما عمله أوباما للتظاهر والتباهي أنه الأفضل والقادر على فهم مصالح أمريكا. فوفق رؤية ترامب التي أعلن عن بعض خطوطها أثناء حملته الانتخابية، تبدو مصلحة أمريكا مع إسرائيل وعلى حساب العرب الذي طالما انتقدهم ترامب قبل توليه الرئاسة. وهذا ما يمكن وصفه بالغرور السياسي الذي يدفع ثمنه اليوم الفلسطينيون وخصوصاً بعد قرارات ترامب الأخيرة بإلغاء المساعدات الأمريكية المالية للفلسطينيين من اجل اخضاعهم للقبول بشروط السلام الجديدة التي تمليها اسرائيل.
فترامب يقوم بعكس كل ما قام به الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما ويريد أن يلغي أي بصمة تركها الأخير سواء على مستوى السياسة الداخلية او الخارجية. ويسعى الى أن يقوم بالأشياء التي عجز عنها أوباما. وهذا ما يبدو في سياسته المزاجية المتأرجحة التي استفزت الكونغرس ومجلس النواب.
ومن خلال تجفيف منابع التمويل والمساعدات راهنت إدارة الرئيس ترامب على اخضاع السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة والدول العربية الى قبول الجلوس على طاولة المفاوضات بشعارات مختلفة وتحت عنوان حقيقي لا يخفي عن أحد وهو الاعتراف العربي التام بإسرائيل وحدودها وعدم التعرض لها وانشاء سلام جديد قائم على المصالح الاقتصادية المشتركة وفتح الأسواق العربية للبضائع الإسرائيلية التي تبحث عن أسواق إقليمية بعد تعزز إنتاجية المصانع الإسرائيلية اثر موجة الاستثمارات غير المسبوقة التي شهدتها الدولة العربية خلال 10 سنوات الأخيرة.
كما ان نمو الاقتصاد الإسرائيلي والهجرة الى الدولة العبرية في المدى القريب والمتوسط يستوجب التوسع على حساب الأراضي المحتلة خصوصا في الضفة الغربية كما تخطط لذلك ادارة اليمين. وبالتالي تخطط إسرائيل لاستيعاب موجات الهجرة والنمو الديمغرافي التي تحرص عليه لزيادة مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية خصوصاً. ولكن يبدو أن هذا المخطط وان كان لا يستبعد توقع مقاومة فلسطينية شديدة لا يريد أن يمضي بفرض القوة والسلاح ولكن من خلال سلام مبطن مع العرب تمهد له صفقة القرن والسلام الاقتصادي الذي ينادي به نتنياهو واقتنع به ترامب على عكس بارك أوباما.
استنتاجات
بسبب الانقسامات المستمرة، وفقدان النفط العربي تدريجياً لبريقه عند القوى العظمى التي عززت من مساعيها لتحقيق اكتفائها الذاتي من الطاقة، لم يعد للعرب قوة التأثير نفسها على الغرب كما كانت عليه قبل أكثر من ربع قرن. فقدان التأثير العربي على دوائر القرار خصوصا في الولايات المتحدة يفسّره أيضاً تراجع مصالح أميركا الاقتصادية مع العرب خصوصاً مع زيادة ميل الميزان لتجاري لصالح واشنطن وتقلص بريق الثروة النفطية الذي لم يعد يغري “أميركا النفطية الجديدة” كما في السابق، حيث اختل ميزان المصالح وباتت الدول العربية وخصوصاً في منطقة الخليج بحاجة أكبر للولايات المتحدة والغرب أكثر من حاجة الأخيرة للعرب. وقد يفسّر ذلك تصاعد حاجة دول الخليج للأمن في ظل زيادة التهديدات التي يغذيها إصرار إيران على مخطط توسيع نفوذها.
وحسب رصد قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) فان ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيقنت جيدا تغير واقع المصالح في الشرق الأوسط. وعلى إثر ذلك اختلف دعم واشنطن لقواعد التفاوض على السلام المنشود بين إسرائيل وفلسطين والدول العربية. وهو ما يفسر تحيز البيت الأبيض العلني لإسرائيل في رؤيتها للسلام القائمة على شرط استبعاد القدس من التفاوض، وهذا الشرط بحد ذاته انقلاب على شروط التفاوض التي انتهى اليها اتفاق أوسلو(1995). ويرتبط رفع مستوى دعم واشنطن لشروط إسرائيل على حساب مطالب العرب بزيادة عدم خشية دوائر القرار الأمريكية وحتى بقية القوى العظمى من ردة فعل عربية قوية في ظل واقع الانقسام بين الأنظمة وداخل التجمعات الإقليمية كالجامعة العربية واتحاد المغرب العربي وأخيرا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي تكتلات باتت منقسمة على نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وفي ظل تراجع قوة الديبلوماسية العربية في المشهد الدولي، فان أي صفقة سلام (صفقة القرن) تعقد خصوصاً في ظل إدارة ترامب وبالشروط الإسرائيلية الجديدة، ستفضي الى كارثة في حق الفلسطينيين، وسيفقد العرب بموجبها نهائياً حقهم في عروبة القدس التي تصرّ إسرائيل على يهوديتها بمبرر أنها باتت عاصمتها الشرعية.
ومن خلال دراسة ميزان القوة بين حلف واشنطن-إسرائيل من جهة، والعرب المنقسمين على بعضهم من جهة أخرى، وعلى ضوء شروط التفاوض الجديدة، فان القدس قد لا تعود بشكل نهائي في ظل موازين القوة الراهنة عاصمة فلسطينية بقنوات التفاوض الحالية. وقد لا يكون هناك مجال لاسترجاع القدس الا بامتلاك سلاح ردع عربي يرعب الدولة العبرية أو من خلال حرب تقودها المقاومة ولا تستبعدها التقارير الإسرائيلية.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث
[1] Menachem Klein , Any Solution to the Israeli-Palestinian Conflict Will Lead to Civil War, Israel has invested a lot in the occupation, and some won’t let it go without a fight, Haaretz, 13 june 2019, https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-any-solution-to-the-israeli-palestinian-conflict-will-lead-to-civil-war-1.7366888Haut du formulaireBas du formulaire
[2] Menachem Klein , المرجع نفسهHaut du formulaireBas du formulaire
[3] The World Bank, West Bank and Gaza, The Economic Effects of Restricted Access to Land in the West Bank, Social and Economic Development Group Finance and Private Sector Development Middle East and North Africa Region, http://siteresources.worldbank.org/INTWESTBANKGAZAINARABIC/Resources/EconomicEffectsofRestrictedAccesstoLandintheWestBankOct.21.08.pdf
[4] The Office of the European Union Representative
(West Bank and Gaza Strip, UNRWA), Six-Month Report on Israeli settlements in the occupied West Bank, including East Jerusalem, (Reporting period July-December 2018), feb 2019, https://eeas.europa.eu/delegations/palestine-occupied-palestinian-territory-west-bank-and-gaza-strip/57606/six-month-report-israeli-settlements-occupied-west-bank-including-east-jerusalem-reporting_en
[5] The World Bank, West Bank and Gaza, مرجع سابق
[6] Mustafa Haboush, Israel razed 35% of Gaza’s farmland since 2000: NGO, AA middle east, Jan 2019, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/israel-razed-35-of-gaza-s-farmland-since-2000-ngo/1371514
[7] Abdul ilah abu ayyash, Israeli Planning policy in the occupied territories, ournal of Palestine Studies
Vol. 11, No. 1, 10th Anniversary Issue: Palestinians under Occupation (Autumn, 1981), p111
[8] أنظر بيانات إدارة الإحصاء الإسرائيلي https://peacenow.org.il/en/settlements-watch/settlements-data/population
[9] The World Bank, West Bank and Gaza, مرجع سابق
[10] TOI STAFF, Israel’s population tops 9 million, including 45% of world Jewry, 6 may 2019, https://www.timesofisrael.com/israels-population-tops-9-million-including-45-of-world-jewry/
[11] AIPAC, Settlements: Understanding the Issues, document, https://www.aipac.org/-/media/synagogue/aipacsynagoguesettlements.pdf
[12] Muriel Asseburg, The “Deal of the Century” for Israel-Palestine, US Proposals Are Likely to Speed Demise of Two-State Settlement, NO.20 APRIL 2019, SWP, https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2019C20_ass.pdf
[13] Muriel Asseburg, مرجع سابق