الكويت، 14 يونيو 2019(csrgulf): في حين لما تعلن واشنطن عن نتيجة زيارات مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير الأخيرة الى الشرق الأوسط والتي تمحورت حول الترويج لاتفاق سلام عرف بصفقة القرن ينهي الصراع بين العرب والإسرائيليين، تزيد التوقعات بتأخير محادثات الصفقة الى نهاية العام الجاري حتى استكمال الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية في سبتمبر المقبل وعودة مرجحة لبن يامين نتانياهو زعيم اليمين رسميا الى الحكومة.
ومنذ اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “صفقة القرن” لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لاتزال تفاصيل الصفقة المزعومة سرية. ويشير سجل الإدارة الأمريكية حتى الآن إلى أن المبادرة ستعطي الأولوية للمصالح الإسرائيلية على الحقوق الفلسطينية، وتتجاهل المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتنتقل بعيدًا عن فكرة وجود دولتين ذات سيادة. ومن المرجح أن تعتبر الحكومة الإسرائيلية المقبلة تلك الصفقة كضوء أخضر لتنفيذ عناصر الخطة التي تعمل على الحفاظ على سيطرتها الدائمة على القدس الشرقية والمناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية.
وحسب تحليل لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) فانه بعد أكثر من عامين من التأخير، يعتبر اعلان إدارة ترامب عن أول جزء من خطتها التي طال انتظارها لإطلاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية تمهيدا واضحا ومتسرعا لعقد صفقة السلام الاقتصادي التي ستكون هي أساس صفقة القرن التي يبدو انها حذفت الجانب السياسي بالإبقاء على إدارة الصراع على حاله وعدم تحقيق تطلعات الفلسطينيين بدولة مستقلة. وفي حين سيعقد البيت الأبيض مؤتمراً دولياً يومي 25 و26 يونيو الجاري في البحرين، من أجل تعزيز الاستثمار في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، يغيب بشكل نهائي الحوار السياسي بين طرفي النزاع. اذ سيهدف مؤتمر المنامة الذي حمل شعار “السلام إلى الازدهار” لجمع عشرات المليارات من الدولارات في شكل تعهدات من الدول العربية والأوروبية والآسيوية للمساعدة في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني. والى اليوم لم يتم الكشف عن العنصر السياسي لخطة السلام التي وضعتها الإدارة الأمريكية والتي يشرف عليها جاريد كوشنير، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبرزت هناك العديد من الأسباب الداعية للتشكك حول ورشة العمل الاقتصادية المقترحة من إدارة ترامب في البحرين. فوضع خطة اقتصادية قبل رؤية سياسية هو ببساطة فكرة تكتيكية خاطئة يصر عليها منذ عشرين عاماً بن يامين نتنياهو الذي صرح مرار عن عدم ايمانه بقيام دولتين، ويعتقد أن الحل في جعل تعزيز المصلحة الاقتصادية على حساب مشروع سياسي يعترف بدولة فلسطينية بحدود معلومة. ويشير العديد من المحللين، أنه من غير المرجح أن يكون المانحون والمستثمرون المرتقبون مستعدين للاستثمار عندما لا يعرفون ماهية اللعبة الإسرائيلية الأمريكية السياسية النهائية في الضفة الغربية وغزة. وقد حاول الرؤساء الأمريكيون السابقون، من رونالد ريغان إلى باراك أوباما، تعزيز الجانب الإنساني للقضية الفلسطينية قفزا على الجانب السياسي. علاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة إن ما يسمى بالسلام الاقتصادي يمكن أن يكون بديلاً لأفق حل سياسي لا مغزى له[1].
ومن خلال التركيز على الاقتصاد، أساءت الإدارة الأمريكية تشخيص المشكلة بشكل أساسي. ووجدت تقارير كثيرة صادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرها من التقارير، أن أكبر العقبات أمام النمو الاقتصادي الفلسطيني هي القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والحصار المستمر لقطاع غزة. بمعنى آخر، ما يفتقر إليه الفلسطينيون ليس التمويل بل الحرية. ومع رفض السلطة الفلسطينية وممثلي القطاع الخاص الفلسطيني بأغلبية ساحقة حضور ورشة البحرين، لا يبدو أن هناك فائدة تذكر في عقد مؤتمر لمساعدة الفلسطينيين الذين لا يشمل أي فلسطينيين معنيين بالصفقة. وبالتالي سيكون مؤتمر عبارة عن ورشة محدودة الحضور لجس نبض استعداد القوى العربية والدولية للمضي في صفقة سلام لن يحضرها الطرف الفلسطيني.
وقد حذرت الفصائل الفلسطينية الرئيسية من ورشة العمل الاقتصادية التي تنظمها البحرين بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية معتبرة مؤتمر المنامة، بورشة عمل تصفوية تحت عنوان مضلل وهو (السلام من أجل الازدهار)، في محاولة من الإدارة الأميركية لتمرير المرحلة الأولى من مؤامرة صفقة القرن حسب زعم الفصائل. وعلى صعيد آخر، يرى كُتّاب أن هذا المؤتمر هو الجانب الاقتصادي مما يُسمى إعلاميا بـ “صفقة القرن”، وهدفه التطبيع مع إسرائيل، ولاسيما من جانب الدول غير المطبعة معها حتى الآن.
بدورها رفضت أغلب جمعيات القطاع الخاص الفلسطيني صفقة السلام الاقتصادي التي تمهد لصفقة القرن بدعوى أنها تعرف جيدًا ما هو مقياس إمكانات فلسطين ورجال أعمالها، مضيفة أن تعزيز هذه الإمكانات تتطلب أن تفصل إسرائيل الفلسطينيين عن القيود المنهجية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من الاحتلال العسكري المستمر منذ نصف قرن في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية[2].
كما ان مفوض إدارة ترامب كوشنير والذي كلف بحل القضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط يبدو انه فشل في إدراك مطبات طريق السلام التي تعثر بها سابقا مبعوثو السلام الدوليون وحتى الرؤساء الاميركيون. فرغبة إدارة ترامب في تقديم المصلحة قبل الحل السياسي، هو اغراء مشوه لأطراف النزاع من الجانب الفلسطيني والعربي لأنه يفتح جسر تواصل صريح امام رغبة إسرائيل الملحة في انهاء عقدة “صنع في إسرائيل” ورغبتها في المنافسة ودخول الأسواق العربية والخليجية ضمن السلام الاقتصادي التي تروج له الولايات المتحدة في دول الخليج. فلا يبدو ان اختيار محادثات انهاء النزاع العربي الإسرائيلي في دول الخليج عبثية، بل كلا الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية والتي ينسق بينها كوشنير على علم بقوة دول الخليج وتأثيرها في اجهاض او إنجاح أي اتفاق عربي مصيري. لكن اغلب دول الخليج وان كانت تريد السلام لكنها لم تفصح حقيقية على موقفها تجاه ازمة متفجرة ومتفاقمة تحدث على ارض فلسطين تتمثل في التدمير الاقتصادي وتجفيف التمويل حيث تراجعت اغلب مساعدات الدول العربية للشعب الفلسطيني. وكانت تلك الفرصة التي اعتبرها واشنطن ورقة رابحة لدغدغة مشاعر الفلسطينيين والعرب من اجل احداث تنمية عادلة للفلسطينيين لكن بشروط قبول عرض السلام وان كان مبدئا التفاوض والتنازل عن المقاومة وعودة اللاجئين.
وتبدو بوابة الخليج مهمة ليس اقتصاديا فحسب ولكن كونها ركن أساسي في صناعة القرار السياسي العربي والتأثير على بقية الدول العربية، كما تعرف إسرائيل جيدا ان دول الخليج هي الأقرب الى واشنطن في متانة التعاون المشترك أكثر من أي دول عربية أخرى. فالخليجيون أكثر أصدقاء أمريكا ويعتبر حلفاء استراتيجيين، وعادة ما تقرن واشطن تحالفها بدول الشرق الأوسط لتذكر في البداية دول الخليج وإسرائيل كأكثر حلفائها في المنطقة.
ونظرا لهذا العلاقة الوطيدة فان إسرائيل تريد استغلال فرصة قرب الإدارة الامريكية الحالية من دوائر القرار في الخليج من اجل الظفر بالضوء الأخضر لعقد اتفاق رسمي يتوج بصفقة القرن استنكرها الخليجيون أنفسهم وبقية العرب والفلسطينيين نظرا لما يعتقدون انها تحمل في وجهها الحقيقي مؤامرة على حق الشعب الفلسطيني في ارضه واعترافا بحقوق فلسطينية اغتصبتها إسرائيل. إذ بقبول مبدا التفاوض ستلغى كلمة احتلال من اجندة العرب ووعي الفلسطيني. ويصبح أي عمل لمقاومة انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي بالعمل العدائي وجريمة حرب تلزم العرب على إثرها باستنكار المقاومة ونبذها والدعوة الى القبول بجارة جديدة في حي العرب والتعود على التعامل معها ولما لا يتم دعوتها الى منظمات إقليمية جديدة تجمع دول الشرق بما فيها إسرائيل بعد التطبيع.
ويبدو مشروع السلام الاقتصادي المعروض كخطوة تمهيدية لصفقة القرن والتطبيع العربي مع إسرائيل يحتوي على فخ يسمح لانفتاح أسواق العرب أمام البضائع الإسرائيلية واخماد نار المقاومة وإخضاع الفلسطينيين ليكونوا كأقلية عربية في إقليم حكم ذاتي لا يختلف وضعهم كثيرا عن عرب إسرائيل.
وبذلك تريد حكومة تل ابيب ان تكون الحاكم الناهي لمصير القدس مستلهمة نموذج الفيدرالية في أن تكون أساس المرجعية الشرعية الدولية وتكون فلسطين مقاطعة تتمتع بحكم ذاتي بسيادة منقوصة تعلوها سيادة الكيان الإسرائيلي. وهذا مخطط السلام الدائم التي تسعى بكل قوة إدارة اليمين الإسرائيلي من خلال عراب الصفقة القرن جاريد كوشنير أن يمضي قدماً. وتراهن تل آبيب على إدارة ترامب المقربة من الحكومات الخليجية اقناع العرب بتسريع عقد اتفاق السلام مع افتراض تقديم إسرائيل وواشنطن والمجتمع الدولي الضمانات المطلوبة دولياً لاحترام شروط السلام على غرار معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، لكن مع تضمين خطوط حمر تمثل شروط يصر عليها دائما حزب اليمين: أهمها وقف خطر المقاومة وتهديداتها على سكان إسرائيل والمستوطنات وعدم عودة اللاجئين. في المقابل يبدو أن مسؤولي البيت الأبيض من جهتهم وأعضاء اللوبي اليهودي والإسرائيلي من جهة أخرى لا يمانعون في اجتماعات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” في أن ينعم الفلسطينيون بمستوى عيش أفضل من خلال الاستثمارات الموعودة على أن تكون على الأرجح بداية لاحتلال اقتصادي جديد في مقابل تحجيم الاستثمار المحلي والمستثمر الفلسطيني.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] KHALED ELGINDY, Trump Has Misdiagnosed the Israeli-Palestinian Conflict, Foreing Policy, 30 May 2019, https://foreignpolicy.com/2019/05/30/trump-has-misdiagnosed-the-israeli-palestinian-conflict/
[2]WAFA Palestine news agency, Palestinian private sector rejects invitation to US economic workshop in Bahrain, 28 may 2019, http://english.wafa.ps/page.aspx?id=321i1oa110502330312a321i1o