لطالما تسعى واشنطن بشكل علني او غير علني الى إحداث تغيير في سياسات بعض الدول لتتوافق مع اجندتها واستراتيجيتها في سيادة العالم، والهادفة لزيادة عدد الحلفاء وتقليص من تعتبرهم أعداء. فصفة “عدو لواشنطن” تكتسبها الدولة او النظام او المجموعة التي تناهض الهيمنة الأمريكية او سياساتها ونظم الفكر والثقافة والأيديولوجيا التي تروجها في العالم تحت مظلة العولمة. وبرزت قائمة طويلة لأنظمة ومجموعات تعتبرها الولايات المتحدة ووكالة استخباراتها من بين الاعداء وبينما يمثل بعضهم خطرا وشيكا يمثل البعض الآخر خطرا بعيد المدى على مصالح اميركا. ولا تمثل الأنظمة او المجموعات التي تصنفها واشنطن في خانة “عدو” تهديدا أمنيا فقط بل تمثل أيضا خطرا أيديولوجياً أو فكريا مناهض للفكر الامبريالي الليبرالي.
وفي ظل تغير مسارات السياسة الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي فرض مبدأ “أميركا اولا” ومنطق الحسم والشدة مع من يصنفهم البيت الأبيض أعداء واشنطن، تم تحديث قائمة أعداء أمريكا حسب آخر تقييم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA وبرزت 9 أنظمة وحزب يتخذ شكل المجموعة السياسية والعسكرية كأهم مصادر التهديد المحدقة التي تقلق الأمن القومي الامريكي.
هذه الأنظمة حسب دراسة مساعي البيت الأبيض وتحركات البنتاغون ووكالة “سي أي أي” تسعى واشنطن جاهدة لأحداث تغيير او اصلاح في انظمة حكمها بأشكال قد تتخذ طرق الحرب الباردة والمناورة الديبلوماسية او الحظر الاقتصادي والعسكري والديبلوماسي. وجاءت ايران كأكثر الدول التي أتت على ذكر خطرها وكالة الاستخبارات المركزية استنادا على التقرير السنوي لمدير الاستخبارات الامريكية ” سي اي اي” في 2018[1] الذي تطرق لشرح المخاطر المحتملة على الولايات المتحدة والاعداء المحتملين والأكثر تهديدا للمصالح الامريكية.
- ايران
على الرغم من اشارة التقييم السنوي والفصلي لأجهزة المخابرات الأمريكية لبيئة التهديدات العالمية خلال 2018، الى استمرار تصنيف كل من روسيا والصين كأهم تهديدين رئيسيين كلاسيكيين للمصالح الأمريكية وذلك بالنظر الى تعزز القدرات الروسية والصينية العسكرية وتوسعها الدولي، الا ان درجة تهديدهما بقيت في نطاق الخطر متوسط المدى. في المقابل رفعت المخابرات من درجة خطورة التهديدات المحدقة التي تمثلها ايران.حسب تقارير المخابرات الأمريكية لعام 2018 تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في العراق وسوريا واليمن، حيث تعتقد أن الصراعات تتجه بشكل عام لصالح طهران، ومن المرجح ان تستغل المعركة ضد تنظيم “داعش” لتوطيد الشراكات مع بعض الأنظمة في بعض دول الشرق الأوسط (سوريا، العراق، واليمن) ساعية لترجمة مكاسب حلفائها التي دعمتهم في ساحة المعركة إلى اتفاقيات سياسية وأمنية واقتصادية.وتعتبر المخابرات الأمريكية أن إيران أبرز الدول الراعية للإرهاب، حيث تزعم انها تقدم المساعدات المالية، وأسلحة متقدمة إلى الجماعات المسلحة والإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط و تزرع شبكة من الناشطين في جميع أنحاء العالم لتمكين الإرهابيين المحتملين من القيام بهجمات محتملة. وتضيف “CIA” أن إيران تعمل على اختراق الشبكات الالكترونية للولايات المتحدة والحلفاء لأغراض التجسس ولا تستبعد تورطها في التخطيط لهجمات إلكترونية محتملة في المستقبل، على الرغم من أن أجهزة استخباراتها تركز في المقام الأول على خصوم الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
وحسب المبررات التي قدمتها اجهزة الاستخبارات فان برامج الصواريخ البالستية الإيرانية تمنحها إمكانية ضرب أهداف في جميع أنحاء المنطقة، وتعتقد ان لدى طهران بالفعل أكبر مخزون للقذائف في الشرق الأوسط. ولا تستبعد ان رغبة طهران في تحدي الولايات المتحدة قد تدفعها إلى استهداف المصالح الامريكية بأي صاروخ من الفضاء بفضل التقدم في برنامج الفضاء الإيراني[1].
وبدت خيارات محاولة تغيير النظام الايراني جادة في عهد ادارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب والذي يتعرض بدوره لضغوطات خفية من اللوبي الصهيوني في امريكا بداية برفض الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس السابق باراك اوباما مع طهران وصولا الى ضغط مستشار الأمن القومي جون بولتون على البنتاغون لإيجاد خيارات لمهاجمة إيران، ودافع بدوره منذ فترة طويلة عن الضربات العسكرية وتغيير النظام في طهران[2]. كما اعترف بولتون بنفسه ان البيت الابيض يسعى لدعم المعارضة الايرانية في الخارج[3] من اجل التعجيل في استباق تغيير مشهد السياسة في ايران التي تبدو اليوم اقتصاديا في حالة تدهور اكثر من اي وقت مضى. وتبدو رؤية بولتون لتهديد ايران اكثر ديبلوماسية بتصريحه عدم نية البيت الأبيض تغيير النظام الايراني. بينما اعترف الرئيس الايراني حسن روحاني بنفسه آواخر العام الماضي بوجود نية امريكية لتغيير النظام في طهران[4]. ولا تستبعد مراكز دراسات امريكية اقدام ترامب على قرار متهور كتوجيه ضربة محددة لأهداف عسكرية ايرانية بمبرر الاشتباه في حيازة طهران اسلحة دمار شامل. الا ان اغلب التحليلات الاستراتيجية الأمريكية ترجح نظرية استمرار الحصار الاقتصادي ضد ايران كمقدم للضغط والتغيير من الداخل.
وليس من المستغرب ان ياتي حليف ايران “حزب الله” في المرتبة الثانية لمن تصفهم واشنطن بالتهديد المحدق على مصالحها في الشرق الأوسط.
- حزب الله
تعتبر الولايات المتحدة إيران وشريكها الاستراتيجي حزب الله اللبناني تهديدًا مستمرًا للولايات المتحدة وشركائها في جميع أنحاء العالم. وتعتقد المخابرات ان حزب الله اللبناني أظهر نيته في إثارة عدم الاستقرار الإقليمي من خلال نشره الآلاف من المقاتلين إلى سوريا وعن طريق توفير الأسلحة والتكتيكات والتوجيهات للمتشددين والجماعات الإرهابية. ولا تستبعد “سي أي أي” تكون لحزب الله القدرة على مهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وضرب المصالح العربية.وفي ظل تغير الاستراتيجية الأمريكية واعادة ترتيب سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم بأسره بعقلية يشار إليها عادة باسم “أمريكا أولا”، تظهر إدارة ترامب سياسة أكثر عدوانية ازاء حزب الله أو لبنان أو إيران[5]. ويرتبط مصير حزب الله بمالات السياسة الامريكية الموجهة ضد طهران الحليف الاستراتيجي للحزب التي تعتبره واشنطن جماعة ارهابية خطرها في تصاعد مستمر[6] مهددا اصدقائها في المنطقة في مقدمتهم اسرائيل.
- سوريا
أتت سوريا في المرتبة الثالثة ضمن اكثر الأنظمة التي تعتبرها الولايات المتحدة تمثل تهديدا وشيكا على مصالحها وحلفائها في الشرق الأوسط. وتكن واشنطن العداء للنظام السوري من قبل اندلاع الثورة السورية، وتعتبر النظام السوري تهديدا لمصالحها في المنطقة وخصوصا لمصالح اسرائيل وتصنفه من نفس تصنيف خطر ايران[7]. ونظرا للدعم الذي يحظى به النظام السوري ممن تصنفهم واشنطن اعدائها كروسيا وايران، تسعى الادارة الأمريكية الى محاولة اعادة تعزيز صفوف المعارضة السورية في الخارج من اجل الاطاحة بنظام الأسد. لكنها لا تنفي أن النزاع منذ اندلاع الثورات المضادة للأسد انتهى بشكل حاسم لصالح النظام السوري، مما مكّن روسيا وإيران من ترسيخ نفسها داخل الحدود السورية. ومن المرجح حسب تقارير CIA أن تشهد سوريا نزاعًا عرقيًا[8]، حتى مع استعادة دمشق لمعظم المناطق الحضرية وانخفاض مستوى العنف بشكل عام.وتعمل واشنطن على احتفاظ المتمردين بالموارد اللازمة لإدامة الصراع على الأقل في العام المقبل. كما تبقي الادارة الأمريكية على اتهامها للنظام السوري باستخدام غاز الأعصاب السارين في هجوم ضد المعارضة. وهي تهمة تريد اثباتها من أجل ايجاد ذريعة للتدخل عسكريا ضد النظام كما حصل في العراق.
- روسيا
تعتبر واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية روسيا كعدو طويل المدى تسعى الى احداث تغيير في منظومته من اجل تقليص خطورته. فروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية في تقارير الاستخبارات التي ترسل الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستشكل أعظم التهديدات الإلكترونية للولايات المتحدة خلال العام الجاري. وحسب “سي اي اي”[9] تستخدم هذه الدول عمليات الإنترنت كأداة منخفضة التكلفة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. وتتوقع الاستخبارات أن تقوم روسيا بعمليات إنترنت أكثر جرأة وإزعاجًا خلال العام الجاري، وعلى الأرجح باستخدام قدرات جديدة ضد أوكرانيا. وتتوقع المخابرات انه في العام المقبل، ستستمر أجهزة الاستخبارات والأمن الروسية في استهداف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحلفائها لمعرفة السياسة الأمريكية خصوصا في منطقة شرق أوروبا.
- الصين
استمرت نظرة واشنطن الى الصين مبنية على الحذر. ولم تدخر الادارة الأمريكية طيلة عقود مضت جهدا في محاولة احداث تغييرات بشكل غير مباشر لتحجيم رغبات الصين في ان تصبح لاعبا دوليا خصوصا في مجال السياسة الخارجية او التسلح. وتعتقد المخابرات الأمريكية[10] ان الصين تستمر في اتباع سياسة خارجية نشطة خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، سياسة قد تحدث استفزازات لحلفاء واشنطن في بحر الصين خصوصا عقب مطالبات بالسيادة في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي بالإضافة الى علاقاتها المتوترة مع تايوان. كما من المرجح ان يستمر التوتر الإقليمي بسبب برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية يغذي التوتر على أراضي الدول الحليفة للصين والاخرى الحليفة لواشنطن.
- كوريا الشمالية
تصنف المخابرات الأمريكية كوريا الشمالية من بين أكثر المخاطر تطوراً وتهديداً باحتمالات استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة خلال العام الجاري[11]. وتستمر كوريا الشمالية في تصدير تكنولوجيا الصواريخ الباليستية إلى العديد من البلدان، بما في ذلك إيران وسوريا، ومساعدتها خلال بناء سوريا لمفاعل نووي دمر في عام 2007. وتكشف “سي اي اي ” انه في عام 2017، أجرت كوريا الشمالية، للسنة الثانية على التوالي، عددًا كبيرًا من اختبارات الصواريخ الباليستية. وتلتزم بيونغ يانغ بتطوير صاروخ طويل المدى ذي سلاح نووي قادر على توجيه تهديد مباشر للولايات المتحدة. كما أجرت تجربة نووية سادسة وأعلى مستوى لها حتى الآن. وعلى الرغم من محاولات ادارة ترامب احتواء عداء كوريا الشمالية من خلال عقد لقاء القمة بين الرئيسين الامريكي والكوري الشمالي، الا ان التهديدات المتبادلة واشارات عدم الثقة تدفع الى استمرار محاولات الادارة الامريكية اجراء تغيير ما في السياسية او النظام الكوري لتقليص درجة عدائه وتهديده للمصالح الامريكية وحلفائها ككوريا الجنوبية.
- فنزويلا
بدت واضحة رغبة واشنطن في تغيير النظام الفنزويلي بعد الاعتراف برئيس البرلمان الفنزويلي مباشرة بعد قيامه بمحاولة الانقلاب الاخير على رئيس فنزويلا. اذ قامت الادارة الأمريكية منذ سنوات بزيادة رفع درجة الحصار الاقتصادي على فنزويلا وزيادة الضغوط الدبلوماسية الدولية على نظامها من اجل تطورها إلى ضغوط سياسية مباشرة تهدد بقاء الحكومة الفنزويلية وتثبت عجز رئيسها على عدم اخراج بلادها من الأزمة. وانخفضت مستويات المعيشة مع نقص السلع الأساسية وهو ما أدى إلى زيادة عدد الفنزويليين الذين يلتمسون اللجوء الى الولايات المتحدة ودول الجوار. ومن المحتمل أن تؤدي مفاوضات فنزويلا مع الدائنين إلى معارك قانونية فوضوية. ومن شبه المؤكد أن فنزويلا ستسعى للحد من مزيد الاضطرابات في إنتاج النفط وصادراته للحفاظ على مكاسبها من صادرات البترول.
- كولومبيا
تراقب واشنطن بحذر ابرام اتفاق سلام مع القوات الكولومبية (فارك) وهي حركة “القوات المسلحة الثورية الكولومبية” والتي تركت العمل المسلح وتحولت إلى حزب سياسي. وتنظر الادارة الامريكية الى المشهد السياسي الكولومبي بوجود (فارك) بقلق متزايد. فليس لواشنطن يقين حول وضع حزب “فارك” الجديد السياسي، مع عدم اليقين حول إصلاحات العدالة الانتقالية. كما ان هناك مخاوف من تدفق المنشقين من الثوار وتجار المخدرات وغيرهم الى العمل السياسي وصنع القرار. وتبدو الادارة الامريكية منزعجة من زيادة احتمال تعويل الساسة الجدد على إنتاج الكوكايين وتهريبه الى دول الجور والولايات المتحدة.
- كوبا
على الرغم من اتفاق لعودة العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وهافانا ابان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الا ان ادارة ترامب تنظر بيعن الريبة الى النظام الكوبي مع متابعة حذرة للسياسات الكوبية في المستقبل القريب.
- اليمن
تعتبر واشنطن متدخلا بارزا في الحرب الدائرة في اليمن. فهي تساند التحالف العربي من أجل عدم تمكين الحوثيين الموالين لإيران من السيطرة على اليمن. ومن المرجح أن تستمر الحرب في اليمن في المستقبل المنظور لأن الحوثيين المدعومين من إيران من جهة، والتحالف الذي تقوده السعودية من جهة أخرى، لا يزالون بعيدين على دائرة التوافق على شروط إنهاء الصراع. ومن المرجح أن موت الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أدى إلى تعقيد الصراع أكثر من الحوثيين. وبذلك تستمر واشنطن في دعم التحالف العربي من اجل تقليص قوة الحوثيين في النظام اليمني والحيلولة دون تفرع اذرعة ايران في المنطقة.
المصدر : مركز دراسات الخليج العربي “CSR“
[1] Daniel R. Coats, Worldwide Threat Assessment of the Us Intelligence Community, Statement for the record, feb 2018, https://www.dni.gov/files/documents/Newsroom/Testimonies/2018-ATA—Unclassified-SSCI.pdf
[1] Daniel R. Coats, مرجع سابق
[2] Conn Hallinan, Dispatches from the Edge: the Drift Towards War with Iran, Is US National Security Advisor John Bolton just blowing smoke when he talks about regime change in Iran? Possibly, but it is a good idea to take the neo-conservatives at their word, 5 feb 2019, https://www.mintpressnews.com/dispatches-from-the-edge-the-drift-towards-war-with-iran/254637/
[3] Najmeh Bozorgmehr in Tehran and Katrina Manson in washington, Jhon Bolton support for Iranian opposition spooks Tehran, Financial Times April 2018 https://www.ft.com/content/c6ace172-33f2-11e8-a3ae-fd3fd4564aa6
[4] أنظر تصريحات الرئيس الايراني حسن روحاني منقولة على وكالة رويترز، وCNBC الأمريكية، اكتوبر 2018، https://www.cnbc.com/2018/10/14/us-wants-regime-change-in-iran-rouhani-says.html
[5] Jeremy Arbid, America First’ is a risk to Lebanon and the Middle East, The United States’ pursuit of Iran and Hezbollah, Nov 2018, http://www.executive-magazine.com/economics-policy/america-first-is-a-risk-to-lebanon-and-the-middle-east
[6] See report : Threat Tactics Report : Hizballah, Jan 2017, file:///C:/Users/user/Downloads/TTR%20Hizballah%20JAN%202017.pdf
[7] Daniel R. Coats, مرجع سابق
[8] Daniel R. Coats, مرجع سابق
[9] المرجع نفسه
[10] المرجع نفسه
[11] المرجع نفسه