الكويت، 3 أغسطس 2024 (CRGULF): حرب شاملة وشيكة لامفر منها على الأرجح لتزيد فرضية إندلاع صراع دولي مدمر وشيك في جوار الخليج.
إعادة انتشار للجيش الأميركي وحاملات الطائرات بالشرق الأوسط مع زيادة العتاد والتسليح وعدد الطائرات المقاتلة[1]. تأهب للدرجة القصوى في صفوف الجيش الاسرائيلي[2] بدأ وتتيرته في التسارع أسبوعين قبل عمليتي الاغتيال في لبنان وطهران ومباشرة بعد مقتل قائد كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف المسؤول عن تنسيق عملية طوفان الأقصى كما تزعم إسرائيل[3].
تم اعادة تحصين القبة الحديدية ببطاريات صواريخ مضادة اضافية وبعضها يعمل بتقنية الليزر[4]. تنسيق سري بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه من الغرب خاصة واشنطن حول خطة تسريع نهاية الحرب وتحقيق الأهداف المطلوبة في ضربة مزدوجة واحدة.
زيادة نشاط المخابرات الاسرائيلية وتنسيقها مع شركات تكنولوجية ناشئة لاستخدام أحدث تقينات الرصد عبر الأقمار الاصطناعية بأغراض التجسس وتحديد الأهداف المطلوبة في دول المنطقة[5]، وتطور تقنية اطلاق المقذوفات صغيرة الحجم على مدى بعيد عابرة للقارات عبر مسيرات ذكية[6] يمكنها اصابة أي هدف مهما صغر حجمه بدقة.
خطوات كلها سبقت عمليتا الاغتيال الكبرى. حيث تكشف دراسة عدة مصادر ومواقع إسرائيلية وغربية وتصريحات وتحركات قادة إسرائيل استنتاجاً مهماً يتمثل في أن المواجهة الشاملة كانت تعد لها اسرائيل منذ أسابيع حسب مؤشرات على الأرض ولم تأتي كردة فعل مباشرة على مقتل 12 شخصاً اسرائيلياً في قصف صاروخي على قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل الأسبوع الماضي.
ويبدو أن هذه الاستعدادات بقيت سرية إلا أن بعض تفاصيلها قد تكون تسربت على الأرجح لنسبة محدودة من نخبة قيادات الأعمال الإسرائيليين حيث زادت هجرتهم للخارج في المقابل تقلصت الهجرة بشكل كبير إلى إسرائيل وخاصة هجرة الأثرياء[7]. وقد تكون زيادة وتيرة دوافع الهجرة قبل عمليات الاغتيال هي المخاوف من المواجهة المباشرة التي قد تندلع بمجرد قيام إيران وحزب الله برد حاسم على عدوان الكيان الصهيوني والتي قد تنتهي لحرب شاملة تقحم فيها اسرائيل حلفائها الغرب لتحقيق هدفها الأسمى غير المعلن المتمثل في تدمير ترسانة صواريخ حزب الله وإيران التي تمثل هاجساً أبدياً لإسرائيل.
ورغم معرفة الايرانيين بهدف إسرائيل الحقيقي وراء تعمد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس اسماعيل هنية في طهران وليس في مكان آخر، إلا أن إيران قد تجد نفسها هذه المرة مجبرة رغم سياسات ضبط النفس المعروفة للانتقام والثأر المزدوج لاغتيال هنية وتهدئة الغضب الشعبي وأيضاً لاثبات هيبة إيران كدولة قوية في المنطقة. وهو ما أكده بنفسه المرشد الأعلى للثورة الاسلامية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي.
وكذلك قد يندفع لها حزب الله في لبنان للمبرر نفسه حيث يمثل فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل بغارة جوية أبرز أعمدة الحزب التاريخية والمسؤول الأول عن تطوير قدرات دفاعات المقاومة وتحسينها على امتداد 30 عاماً حيث عمل شكر كمستشار عسكري مقرب لأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله.
وبذلك بات يقيناً أنه لا مجال للتشكيك في حدوث عملية انتقام ضخمة بحجم قيمة الشهداء المغتالين وجميعهم رموز مهمة من كبار قادة المقاومة في فلسطين و لبنان وإيران تمت تصفيتهم بدم بارد وبتخطيط مسبق.
لكن ماهو باعث على القلق التزامن الغريب في توقيت الاغتيالين الأخيرين. فاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس إسماعيل هنية بغارة في مقر اقامته بطهران الذي زارها لتهنئة الرئيس الايراني الجديد مسعود بزكشيان بمناسبة مراسم تنصيبه، تم بعد ساعات قليلة من اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت بنفس الطريقة تقريباً وبواسطة مقذوف جوي.
ولم تكتفي إسرائيل بذلك فحسب، لتفجر مفاجأة أخرى أيضاً وبشكل مستفز، باعلانها ومباشرة بعد تنفيذ عمليتي الاغتيال في يوم واحد، عن تأكدها من اغتيال المطلوب رقم واحد لإسرائيل في غزة قائد كتائب عزد الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف، الذي يوصف بمهندس عملية طوفان الأقصى. ثلاثة رموز تمت تصفيتها بدم بارد كانت لسنوات أهداف مطلوبة للاغتيال. لكن لم تطلها اسرائيل.
لذلك ما حدث يمثل تحولاً ضخماً في تطور أساليب الموساد وتقنية تحديد مواقع المطلوبين وإستهدافهم مهما كانت درجة حمايتهم وتحصين أماكن اقامتهم.
وهو ما قد يعني أن كبار قادة إيران في خطر أيضاً اذا أرادت اسرائبل استهدافهم وتصفيتهم. ما يدفع بالضرورة لمراجعة وتحديث منظومة الأمن القومي والحماية برمتها، وتحديد مواطن الضعف وتقييم مدى تطور قدرة اختراق التقنية الاسرائيلية عن بعد أو على الأرض لنظام الأمن الداخلي والتأكد من عدم الانكشاف على قدرات التجسس التي طورتها اسرائيل بعناية بعد حرب طوفان الأقصى.
اغتيال هذه الرموز تعي اسرائيل جيدا مفعول الصدمة التي أحدثتها والغضب الذي فجرته والذي يقتضي كما صرح مرشد الثورة الايرانية السيد علي خامنئ الانتقام والثأر، وهو ما يقضي بالضرورة نقل مسار الحرب مع فصائل المقاومة إلى مستويات جديدة قد تكون أكثر تدميرا والمواجهات قد تكون أوسع من نطاق قطاع غزة والضفة الغربية لتتسع المواجهات إلى لبنان وإيران وحتى اليمن. لكن إسرائيل غير مهتمة بإطاحة أنظمة هذه الدول. هدف واحد فقط هو تدمير أكثر ما يمكن من ترسانتها الصاروخية التي ترعب الكيان الصهويني.
عمليات الاغتيال المزدوجة تحمل رسالتين:
الرسالة الأولى: محاولة بنيامين نتنياهو تحقيق حسم لحربه ضد المقاومة بتصفية رموزها والترويج لذلك كانتصار عظيم في الداخل الاسرائيلي وإعلان نهاية المعارك من طرف واحد إذا لم تنتقم إيران أو حزب الله أو حماس لمقتل رموزها.
نتنياهو هدفه إرضاء الرأي العام الاسرائيلي الغاضب والمنقسم ضد سياساته والسعي لوقف الصراع بهدف انقاذ الاقتصاد الاسرائيلي المتضرر من طول أمد الصراع.
الرسالة الثانية: تعمد الاستفزاز الأقصى لمحور المقاومة وداعميها واستدراجها للتورط في مواجهة مباشرة تقضي دخول الولايات المتحدة في الصراع في حال استهداف اسرائيل مباشرة بهجمات صاروخية منسقة من ايران وحزب الله.
لكن هناك أبعاد أخطر لما وراء عمليات الاغتيال وخاصة تصفية هنية في طهران حيث هناك فرضيتان كلاهما يمثلان مصدر تهديد وشيك وخطر داهم للنظام الايراني وحزب الله.
الفرضية الأولى ترجح تطورا لافتاً لآلة الحرب الاسرائيلية بترقية قدرة استهداف المطلوبين للإغتيال وتصفيتهم عن بعد بواسطة صواريخ ومقذوفات عابرة للقارات تنطلق من مسيرات فائقة التسليح وبدقة عالية وبهامش خطأ بسيط مع قدرة عالية لاختراق الأنظمة الأمنية التقليدية المحصنة.
أما الفرضية الثانية الأكثر خطورة تتمثل في حقيقة مدى تغلغل خلاليا الموساد الاسرائيلي في إيران وسهولة تحركاتهم واقترابهم من الدوائر المحصنة والقدرة على تمرير وتسريب المعلومات الاستخباراتية لحظة بلحظة وتمهيد الساحة لتنفيذ عمليات تخريب أو اغتيال أو تجسس. وهو ما يقتضي اعادة هيكلة واسعة لمنظومة الأمن القومي وكشف خلايا التجسس ان وجدت.
وكلا الفرضيتان تمثلان تحد خطير للأمن القومي الايراني الذي اخترقته إسرائيل رغم تحصينه في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، مع زيادة رصد عمليات الموساد المستهدفة الداخل الايراني مع تكمنه من تنفيذ بعض محاولات التخريب أو الاغتيالات.
لكن هناك توافق على استنتاج واضح ولا غبار عليه.
كل هذه السيناريوهات ومخططات الاغتيالات الثلاثة تم الاعداد لها بشكل منسق ومسبق وباتفاق مع حلفاء اسرائيل أبرزهم واشنطن.
ويبدو أن رحلة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة قبل أسبوع من عمليات الاغتيال الضخمة والمزدوجة ليست بريئة، بل تثير شكوكاً حول هدفها الحقيقي الذي يبدو وفق تقارير أنه كان من أجل جس النبض لمدى توفر الدعم الأميركي في ظل إدارة الديمقراطيين أو حتى إن وصل الجمهوريون للبيت الأبيض، لمنح إسرائيل الغطاء اللازم لتنفيذ هدفها بالتخلص من خطر محور المقاومة قبل اعلان سلام ضخم قد يتبلور في عهد المرشح والرئيس السابق دونالد ترمب الذي يسعى لانجاظ صفقته التاريخية في المنطقة وهي صفقة القرن باعلان تطبيع واسع بين إسرائيل ودول المنطقة بعد تصفية محور المقاومة.
وهو ما قد يكون هدفا صعب المنال بالنظر لتاريخ المقاومة المتمسكة بهدفها مهما تغيرت القيادات والمروز.
لكن لا مجال من توقع تحول ضخم في مسار الحرب ومحاولة حسمها في غزة سريعاً قبل الانتخابات الأميركية، فهذا لا يخفيه نتيناهو الساعي للحصول على ضمانات غربية كافية إذا أقدمت إسرائيل على توسيع عملياتها في دول محور المقاومة وتصفية كبار قادتها وتحسب السيناريوهات المحتملة لردة الفعل كنشوب حرب شاملة محدودة جغرافياً.
ويبدو في النهاية أن نتنياهو حصل عل ما يريد من واشنطن حيث أمر بعملية إغتيال رئيس مكتب حركة حماس إسماعيل هنية والقائد العسكري في الحزب فؤاد شكر بعد 3 أيام تقريباً من عودته من أميركا.
ويبدو أن عملاً استخباراتياً خارقاً للعادة قامت به أجهزة مخابرات اسرائيل بالتنسيق مع حلفائها الغرب وفي المنطقة لتنفيذ اغتيال هنية بشكل مدروس وضمان نجاحه وتجنب احتمال الخطأ. فإسرائيل على الأرجح أنها أعلمت حلفائها وأخذت موافقتهم مسبقاً بعملية الاغيتال والشخصية المستهدفة وتوقيت العملية.
ويبدو أن برنامج رحلة هنية في طهران ومكان اقامته وخط سيره ودرجة الحماية المتوفرة له تسرب لأجهزة الموساد لحظة بلحظة. هنية أصيب مباشرة بصاروخ في الغرفة التي كان يقيم فيها بمني قدامى المحاربين ويعتقد أن الصاروخ عابر للقارات كما رجح ذلك مصدر إيراني لموقع الميادين وعلى الأرجح أنه أطلق بواسطة مسيرة متطورة المهام. ولحين تنتهي التحقيقات الجارية لتحديد تفاصيل العملية والموقع الذي أطلق منه المقذوف تفوح رائحة الطابور الخامس والعملاء الذين قد يكونون متورطين على الأرض لتسهيل تنفيذ العملية سواء من داخل إيران أو خارجها. وتم اعتقال العشرات للتحقيق حول مدى تورطهم مع جهاز الموساد في اغتيال هنية.
ويفترض أن الهفوات الأمنية التي حدثت بإيران خاصة خلال الأشهر الأخيرة بسقوط مروحية الرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي رفقة وزير الخارجية الراحل أمير عبد اللهيان وهي حادثة صدمت الإيرانيين بوفاتهما، ليتلقى الإيرانيون صدمة أخرى في زمن وجيز بتسلل الموساد وإغتياله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران، وهو ما سيدفع على الأرجح للثأثر الذي وعد به المرشد انتقاما لمقتل هنية وثانيا لحفظ هيبة الجمهورية الاسلامية. لكن الهاجس الأكبر الذي قد تتعرض له إيران هو حماسة ترسانة صواريخها التي تصر إسرائيل على استهدافها مباشرة أو عبر حليفها الأميركي في حال أقدمت إيران على إطلاق أول صواريخها على تلب آبيب أو استهدفت أحد كبار رموز حكومة إسرائيل.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] US sending aircraft carrier, warships and fighter squadron to Middle East as region braces for Iranian retaliation, https://edition.cnn.com/2024/08/02/politics/us-warships-middle-east-brace-iranian-retaliation/index.html
[2] IDF on ‘high alert’ as Biden vows US to defend Israel against ‘all threats from Iran’, https://www.timesofisrael.com/idf-on-high-alert-as-biden-vows-us-to-defend-israel-against-all-threats-from-iran/
[3] Israel Confirms Death of Hamas Terror Chief Mohammed Deif, Oct. 7 Mastermind, https://www.algemeiner.com/2024/08/01/israel-confirms-death-hamas-terror-chief-mohammed-deif-oct-7-mastermind/
[4] Israel’s New $1.2 Billion Laser Will Be Nearly Unstoppable—And America Wants One, Too, https://www.popularmechanics.com/military/weapons/a61687698/israel-iron-beam-laser-system/
[5] Military Intelligence alert system poorly maintained in lead up to October 7 – report, https://www.timesofisrael.com/military-intelligence-alert-system-ill-maintained-leading-up-to-october-7-report/
[6] Israeli developer of VR drone system used by IDF in Hamas war raises $40m, https://www.timesofisrael.com/israeli-developer-of-vr-drone-system-used-by-idf-in-hamas-war-raises-40m/; How Israel’s high-tech defenses beat back Iran’s drone and missile barrage, https://www.axios.com/2024/04/16/iran-israel-attack-how-missiles-drones
[7] War drives wealthy migrants out of Israel, https://en.globes.co.il/en/article-war-drives-wealthy-migrants-out-of-israel-1001481764; Immigration to Israel in 2024 – Trends and Updates, https://www.haaretz.com/haaretz-labels/2024-06-03/ty-article-labels/immigration-to-israel-in-2024-trends-and-updates/0000018f-de81-d244-a38f-dfe5bf340000; Israel drops out of top 10 millionaire destinations for first time in decades – migration firm, https://www.jpost.com/israel-news/article-806701