الكويت، 5 مارس 2024 (csrgulf): في يونيو 2022، كان لسمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح عندما كان وليا للعهد موقفاً حاسماً وخطاباً تاريخياً شرح ملامح رؤيته لأزمة البلاد وللتغيير المأمول وكيفية انقاذ وتصحيح المسار التنموي والسياسي في ظل الأزمات الدولية والإقليمية المتلاحقة، والتي أثرت على البلاد. ولعل أبرزها الاضطرابات العالمية التي خلفتها جائحة كورونا والحرب الأوكرانية وتأثيراتها على الاقتصاد والتجارة والتضخم.
وبالعودة لهذا الخطاب اثناء الإعلان عن حل مجلس أمة 2020، والذي توجه فيه الأمير الى الكويتيين والشارع السياسي والمقبلين على الانتخابات قبل عامين، تم استنتاج عناصر مهمة في الخطاب قد تلخص رؤية الأمير للأزمة السياسية والحل في الان ذاته.
حيث دعا حينها الى الاستفادة من الدروس والعبر التي خلفتها الأزمات والتحديات ومحذرا من الأخطار المحيطة أو تجاهلها. وقال حينها حرفياً :”مع كل هذه الاخطار والتحديات، مع الأسف الشديد منشغلون بأمور ومسائل بعيدة عن الطموح ولا تحقق المقاصد الشعبية المأمولة والمنتظرة، فمازال المشهد السياسي تمزقه الاختلافات وتدمره الصراعات وتسيره المصالح والأهواء الشخصية على حساب استقرار الوطن وتقدمه وازدهاره ورفاهية شعبه، وهذا كله بسبب تصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتدخل التشريعية في عمل التنفيذية وتخلي التنفيذية عن القيام بدورها المطلوب”.
واعتمادا على تحليل الأمير للأزمة وتضمين الحلول، بات واضحاً وجلياً أن العهد الجديد يدعم تصحيح العلاقة بين السلطتين وعدم تداخلها والتقيد أكثر بالدستور والحزم في تفعيل الأهداف وتجنب تعطيل التنمية وتصحيح مسار العمل السياسي البناء وليس الفوضوي القائم على اثارة المشاكل دون دراسة حلول مجدية لها.
تحليل حديث لمعهد الخليج العربي في واشنطن استنتج أيضا أنه لا مجال لنجاح الشعبوية والخطاب الشعبوي في ظل العهد الجديد. وان تجد لها منابر ومنصات وجمهورا، الا ان الاطروحات الشعبوية لحل ازمات الكويت والكويتيين واستشراف المستقبل قد لا تكون وصفة الاستقرار المنشود خاصة في علاقة المجلس بالحكومة على المدى القريب.
وتكشف استنتاجات المركز، أنه حتى ان نجح كثير من النواب للوصول الى المجلس عبر الخطاب الشعبوي والوعود الشعبوية غير قابلة بعضها للتحقيق او غير المدروسة او تلك المستندة للعاطفة والأهواء أو الاجندات القبلية والفئوية او الطائفية، فكل هذه الشعارات حتى لو استعان بها المرشحون لكسب تأييد عاطفي وقبلي وطائفي خلال الانتخابات المقبلة لضمان الوصول الى قبة عبد الله السالم، فقد يكون الصدام مع السلطة التنفيذية مصير حتمياً لا محالة مع عدم استبعاد تكرار حل المجلس ان لم يتخلص من دعاة الشعبوية.
ويبدو أن حسم الأوليات مسار واضح في ظل العهد الجديد، وحسب تحليل تطور الخطاب السياسي الرسمي، يبدو أنه لا مكان لقوة معطلة لمسيرة نجاح البلاد ورفعها للتحديات. بل الانسجام والانصهار ضمن الأهداف التي تعلي مصالح الوطن قبل أي مصالح أخرى هي التي قد تحدد قواعد اللعبة السياسية داخل قاعة عبد الله السالم.
وحسب استطلاع قام به المركز لأرشيف القضايا المتراكمة التي تعكس تطلعات الكويتيين خلال السنوات الأخيرة والتي ظلت دون حلول، فان أكثر من نصف القضايا الحيوية والاستراتيجية للمواطنين ظلت دون حلول حاسمة خلال السنوات الماضية رغم تعاقب الحكومات والمجالس.
ولعل أبرز القضايا التي تأخر حلها بسبب تضارب الرؤى بين المجلس والحكومة هي قضية التركيبة السكانية وإصلاح سوق العمل والتوظيف والنهوض بالتعليم والبنية التحتية وخاصة مجال تنويع الاقتصاد الذي يبقى القطاع الأكثر تضررا من الصراع المزمن بين الحكومة والمجلس بسبب فوضى الأفكار الشعبوية التي لم تدعم خارطة طريق واضحة لمنافسة الكويت لبقية الدول النفطية المتقدمة في مسار تنويع اقتصاداتها والرهان على لقطاعات واعدة ومنتجة.
وتبين أن الكثير من مقترحات مشاريع قوانين أو حلول لأزمات الكويت أو أفكار مقدمة من أجل تحسين الخدمات أو استشراف الافاق والتطلعات، واقعية تطبيق بعضها محدودة، حيث يعمد مقترحوها للتضخيم في وعود الانجاز لكسب تعاطف وتأييد الناخبين. وبدل الاستعانة بمراكز الفكر والدراسات لإعداد مقترحات هادفة، فان نسبة هامة من المقترحات النيابية انفعالية وحماسية في تفاعل مع احداث مؤقتة، ويكون بعضها استجابة للأهواء الشخصية او الرغبات الفئوية. وهو ما يبدو أنه مسار في اتجاهه للتغيير من أجل استشراف عمل سياسي أكثر مسؤولية.
على صعيد آخر، يكشف تحليل المركز لتطور الفعل السياسي وعلاقته بالتنمية، أن الكويت عانت وخاصة على مستوى الاقتصاد، من تداعيات الخلاف حول رؤية الإصلاح وأولويات الإنجاز فضلا عن تداعيات التداخل السياسي والاقتصادي بين السلطتين علاوة على ضبابية الخطط التنموية المستقبلية، وهو ما قاد في النهاية الى تشتت جهود التنمية والتسبب بتعطيلها وتأخر انجاز مشروعات كبرى. حيث تعتبر الكويت بين الدول التي تأخر فيها مسار انجاز مشروعات تستشرف المستقبل رغم الموارد المالية الضخمة المتاحة. فالانفاق على مشروعات مستقبلية تستشرف التغيير الهيكلي الضخم والمتسارع لعصر ما بعد النفط يسير ببطء شديد في ظل بيروقراطية معطلة. حيث ظل التعويل المفرط على النفط مهيمنا على ايرادات الدولة خاصة في السنوات الأخيرة التي صاحبتها ارتفاع اسعار الطاقة، وهو واقع لا ينسجم مع طموحات التغيير نحو اقتصاد نظيف ومتنوع وقطاعات واعدة وتكنولوجية تؤمن بالقدرات الوطنية الشابة وتوظف ابداعهم في ابتكار موارد بديلة تكون رافدا لازدهار أجيال المستقبل.
كما غلب الإصلاح الشكلي والتجميلي على الإصلاح الهيكلي الحقيقي، وهو يؤثر اليوم في تذبذب بوصلة التنمية المستقبلية. وتم استنتاج ان القوة الشعبوية التي سيطرت على جزء من الشارع السياسي في الكويت لعبت دورا معطلا للتنمية عن قصد أو عن غير قصد.
حيث هيمن الفكر الشعبوي لسنوات على أنماط الخطاب السياسي للمرشحين ومثّل أداة التواصل الجماهيري الأكثر شعبية والأكثر كسباً للتأييد السريع، حيث يتم اختيار بعض القضايا واقتراح حلول لها دون دراسة جدوى مع رفع سقف عالٍ للحلول دون واقعية التطبيق، والهام الجماهير بالقدرة على فرضها على الحكومة من أجل الوصول الى التمثيل النيابي.
لكن سرعان ما تحدث الفجوة بين الوعود والإنجازات عند وصول بعض النواب الى المجلس. لتتراكم القضايا وتترسخ مشاعر الإحباط بين الجماهير. ويبدو أن الواقع والشارع الانتخابي والذي يهمن عليه الخطاب الشعبوي لسنوات، يبدو انه قد لا يصمد كثيرا في ظل رغبة سامية من القيادة السياسية لتحفيز التغيير الملموس. تغيير قد يتطلب تعديل الخطاب من شعبوي الى عقلاني ومن وعود لتحدي الحكومة وتعطيلها الى وعود لإرشادها واصلاحها ورقابة أعمالها بعيداً عن الشخصنة.
فأهم ما قد يمكن استشرافه مستقبلاً هو رفض شخصنة العمل السياسي التي تؤدي الى الانسياق الى صراعات جانبية تربك العمل التنموي والاقتصادي وترهن مستقبل البلاد داخل صراع لا ينتهي بين السلطتين.
ويبدو أن المزاج العام خلال الحملات الانتخابية المقبلة، قد يبدأ بفلترة الخطاب الشعبوي، وبدعم الخطاب العقلاني البناء، مع توقع تأييد شعبي لصعود شخصيات وطنية وذات كفاءة تحمل برامج اصلاح واقعية، ومؤمنة بعلوية مصلحة الوطن واحترام دولة القانون والمؤسسات. فضلا عن توقع تأييد البرامج الانتخابية التي تراهن عل تسريع عملية التنمية والبناء واللحاق بركب الدول المتقدمة خاصة في المنطقة، وقد تلهم قضايا استشراف حلول واقعية واتخاذ خطوات جدية لاستشراف تحديات عصر ما بعد النفط جزءا من الشارع الانتخابي خاصة فئة الشباب.
لكن رغم ذلك ستبقى تطلعات غالبية المواطنين مرتبطة بالتغيير المباشر قصير المدى في مطالب الرفاه كالأجور والخدمات والامتيازات وأزمة مديونية المتعسرين وتوظيف الشباب وإصلاح مجال التوظيف. ورغم توقع هيمنة هذه المطالب التقليدية ابان الحملات الانتخابية، الا ان هناك مخاوف من ظهور مطالب شعبوية بامتياز تتخذ من شعارات محاربة الفساد عنوانين كثيرة فقط للظهور في صفوف المعارضة للسلطة.
وان يبدو أن المعارضة الكويتية لا يمكن أن تختفي من مجلس الأمة مستقبلا، فان المعارضة الهادفة والتي تبني حلولا بديلة وناجعة لحل أزمات البلاد بدل التسبب في الارباك والتعطيل قد تكسب جماهرية في المدى القريب والمتوسط.
وكاستنتاج عام، فانه وان يصعب توقع التخلص من خطاب الشعبوية خلال الحملات الانتخابية الجارية في الكويت، الا أن تغييرا لا محالة في قناعات الكويتيين بجدوى التحول الى تأييد الخطاب العقلاني والهادئ والهادف للبناء بصدد التشكل وذلك مدفوعا برغبة دعم موقع الكويت ضمن سباق الدول الإقليمية على الازدهار واستدامة الرفاه والأمان والاستقرار مقابل تجميد الصراع المزمن بين السلطتين وان مؤقتا لخوض تجربة جدية بفكر جديد في سبيل نهضة البلاد.
2024 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF