الكويت، 22 ديسمبر 2023 (csrgulf): مستقبل المقاومة برمتها في فلسطين وفي الشرق الأوسط مسألة حياة أو موت. بل قد يصل اعتباره الى أنه مصير حتمي قد يحدد مستقبل بعض دول محور الممانعة والمقاومة مثل إيران ولبنان وسوريا وحتى اليمن والعراق. كما أن عددا من الأنظمة في هذه الدول لطالما ربطت شرعية قيمها الأيديولوجية بالتزامها بمقاومة الغطرسة الغربية و الخطط الصهيونية في فلسطين والمناطق الاسلامية، فضلاً عن الدفاع عن مقدسات المسلمين في الأراضي الفلسيطينية المحتلة ونصرة نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرير.
لذلك فأن الحرب في غزة تحتم توضيح المواقف التاريخية لمحور المقاومة. فان النأي بالنفس اليوم عمّا يحصل في غزة قد يضر بشعبية محور المقاومة، وفي الوقت نفسه، مساندة المقاومة مباشرة، قد يسبب حرباً تدميرية تخطط لها الولايات المتحدة والغرب، في نية مبيتة، لتصفية خصوم إسرائيل للأبد.
ترك غزة وحيدة واحتمال هزيمة المقاومة قد تسبب غضباً شعبياً خاصة في الدول التي تبنت فكر وثقافة المقاومة. لذلك قد يكون اتخاذ موقف حاسم ينقذ مستقبل المقاومة الفلسطينية في غزة هو خيار استراتيجي لا مناص منه، كما ألمح لذلك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في أكثر من مناسبة.
ومالم تنتصر حركة المقاومة في قطاع غزة سواء بوجود حركة المقاومة الاسلامية حماس أو حركة أخرى، ومالم تمارس ضغوط حقيقية من أطراف ثالثة في الصراع عربية كانت أو إيران، فان إسرائيل تجهّز لخطة اضطرارية لاحتلال القطاع وفي مقدمته نصف الشمالي ولو مؤقتاً.
فكرة الاحتلال ستقايض من خلالها إسرائيل الفلسطينيين والعرب من اجل الانسحاب مقابل اتفاق سلام ضخم ينهي آخر بند في صفقة القرن، ويفضي الى اعلان الدولة الفلسطينية لكن بحدود أقل بكثير من تلك التي كانت قبل عملية طوفان الأقصى. حيث تسعى إسرائيل لفرض واقع جديد في المستقبل يحتم هجرة نحو 20 في المئة من سكان غزة الى وجهات مختلفة بينها دول الحوار وأخرى في دول غربية.
فمشروع التهجير يبدو أنه خيار لا مناص منه في معادلة مشروع الشرق الأوسط الجديد للسلام الذي ظهر للعلن في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ويسعى نائبه السابق والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن لاستكماله قبل رحيله من البيت الأبيض. فوضع حل نهائي وحاسم للفلسطينيين هو الخيار الأول للإدارة الديمقراطية. حيث ستبني على غزة المدمرة مشروع سلام مسموم سيندفع الراي العام الدولي الى الترحيب به كمبادرة لإقامة الدوليتين وسترحب إسرائيل بذلك لكن بشروطها التي سيدعمها الغرب في ذلك. هذه الشروط ستحتم على الفلسطينيين التنازل على فلسطين بحدود عام 1967.
وتخطط إسرائيل لتشييد أكبر منطقة عازلة حدودية على الاطلاق في العالم من اجل عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر. كما تخطط لتجريد كامل للسلاح وفرض حصار طويل الأمد على غزة حتى ان باتت تحت سيطرة الدولة الفلسطينية إذا تنازل الفلسطينيون من غير المقاومين والمطبعين مع إسرائيل ما وقبلوا بها.
نجاح إسرائيل في الحرب يعني تدمير غزة وسحق المقاومة. هذه ملامح الواقع الجديد الذي تسعى لفرضه القوة العسكرية الاسرائيلية مدعومة أمريكياً، حيث يسعى كلا الطرفين الى تشكيل موقف حل حاسم للقضية الفلسطينية على أنقاض ما تبقى من غزة المدمرة.
مشروع الاحتلال الشامل
فكرة الاحتلال الشامل لغزة تمهد لها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لعل آخرها وزير الدفاع يواف غالانت الذي صرح أن الحرب على غزة مستمرة وطويلة والإسرائيليون باقون في القطاع حتى ان تطلب ذلك سنة من أجل تحقيق هدف استراتيجي. وهذه التصريحات تخفي مشروع احتلال لغزة وان تنفيه حكومة بين يامين نتنياهو الا أنها ترجحه تقارير مراكز الفكر الصهيونية.
الهدف الإسرائيلي المعلن لتصفية حماس كمقاومة مسلحة وكحركة سياسية حاكمة بالإضافة الى هدف تجريدها من مقدرات قوتها العسكرية وتدمير مدينة الأنفاق التي تتحصن بها فصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، طموح قد يكون صعب التحقق دون احتلال غزة كما تعتقد ذلك تقارير أمريكية بالاستفادة من تجارب الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق.
فإسرائيل وان تدعي معرفة بنك أهدافها على خارطة غزة على الأرض، هي تجهل تماماً مواقع أهدافها الاستراتيجية التي تقع أغلبها تحت الأرض في شبكة أنفاق غزة الممتدة والمجهولة. شبكة أنفاق تمثل مدينة تحت مدينة، وملاذ يتحصن به ألاف الرجال، ومنفذ سري للتزود والتزويد ومباغتة العدو والهجوم والدفاع. ويتوفر في شبكة الأنفاق كل مرافق ومتطلبات الحياة الضرورية للصمود في ظل الظروف غير العادية.
كما لا يعرف بالتحديد مدى عمق بعض الأنفاق، فبعضها قد يمتد الى 70 مترا تحت الأرض، كما رجحت بعض التقارير الإعلامية. اذ تمثل كمتاهة يتحصن بها المقاومون. وقد لا تخاطر إسرائيل بضرب كل الأنفاق مخافة التسبب في قتل كل رهائنها التي قطعت وعدا للشعب الاسرائيلي باستعادتهم. لكنها تبقى فرضية محفوفة بالمخاطر ما لم يتم تنسيق عمليات تبادل للأسرى وقبول الإسرائيليين بشروط القسام.
النفاذ الى مدينة أنفاق غزة تحت الأرض وتصفية الأهداف المطلوبة قد يتطلب أشهراً حسب وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي ترى ضرورة سيطرة عسكرية كاملة على الأرض، ما يفرض احتمال إدارة عسكرية مؤقتة لشؤون المدنيين الفلسطينيين في غزة بعد الاحتلال التي تصر إسرائيل عليه بشكل غير علني، في سعي حثيث لتنفيذ مخطط تهجير سكان شمال القطاع الى جنوبه أو الى سيناء وتفريغ كامل المنطقة المتاخمة للمنطقة العازلة.
وان تضطر إسرائيل مجبرة على احتلال مؤقت لغزة، لكن قد تكون مضطرة أيضاً للانسحاب منها سريعاً بعد عقد اتفاق سلام تجهز له الإدارة الأمريكية بموجبه تنقل إدارة القطاع مجددا لصالح السلطة الفلسطينية في رم الله كتمهيد للتحضير لإعلان الموافقة الاسرائيلية على حل الدولتين واقامة دولة فلسطينية مستقلة لكن على الحدود التي ستحددها إسرائيل بموافقة أمريكية وغربية وهي حدود ما بعد عملية طوفان الأقصى، ويقصد هنا حدود القطاع التي سوف تتقلص لصالح توسيع منطقة الأمن العازلة، وبذلك فخارطة دولة فلسطين التي يطمح العرب الى تأسيسها الى حدود عام 1967 قد تفقد نحو ربع مساحتها لصالح اسرائيل.
فالعدوان الإسرائيلي الضخم وغير المسبوق على القطاع والضفة الغربية مستفيداً من الدعم الغربي والضوء الأخضر الأمريكي، غير منفصل في أهدافه الاستراتيجية متوسطة المدى عن صفقة القرن الأمريكية التي تدعم نشأة دولة فلسطينية مطبعة مع إسرائيل. لكن الدولة الفلسطينية المنشودة في خطة الكيان الصهيوني تقلّصت مساحتها بعد عملية طوفان الأقصى. وهذا الهدف الأسمى غير المعلن لمشروع الاحتلال المؤقت لغزة.
هذا الاحتلال الذي تدرس واقعية تنفيذه وتخشى تداعياته إدارة رئيس الوزراء بن يامين نتنياهو بالتشاور مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن واللوبي الصهيوني العالمي، يبدو أنه بات ضرورة لا مفر منها رغم التحديات المحدقة، وذلك لأجل تحقيق الهدف الاستراتيجي لإسرائيل الذي أكدته جل القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية وهو تدمير حماس كنظام سياسي وكقدرة قتالية، مع تصفية جل قياداته السياسية والعسكرية وعلى رأسها يحي السنوار رئيس الحركة في غزة ومحمد الضيف قائد كتائب القسام وأبو عبيدة الناطق الرئيسي للكتائب وقائد الحرب الاعلامية النفسية ضد إسرائيل الى جانب قيادات الجهاد الاسلامي.
مشروع احتلال غزة بدأ بعد انطلاق العملية البرية في القطاع وتطويق حصار على شمال غزة الذي يعتبر مسرح العمليات الرئيسية. فالحرب الدائرة كما ترجح ذلك مراكز الدراسات الصهيونية والإسرائيلية ستسعى الى تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية عبر ثلاثة مراحل والتي من شأنها تغيير جذري لمصير غزة ما قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.
مراحل خطة احتلال غزة
1-المرحلة الأولى: تحييد المقاومة وتصفية رموزها ومحاولة تحرير الرهائن
هذه المرحلة بدأت مع انطلاق العملية البرية، تهدف من خلالها إسرائيل، الى بسط السيطرة الميدانية تمهيدا للاحتلال الجزئي والذي يستهدف شمال غزة بالكامل، عبر تدمير البنية التحتية الأمنية واللوجستية لحركة حماس كحكومة. يتزامن ذلك مع الاشتباك بعناصر المقاومة ومحاولة تصفيتها واستنزاف مواردها وقدراتها من خلال تضييق الحصار المشدد على مناطق شمال غزة. كما تعمد هذه المرحلة الى تدمير أغلب العوائق السكنية المتمثلة في البنايات واستدراج فصائل المقاومة للخروج للمواجهة المباشرة مع القوات الإسرائيلية المدرعة التي تمثل رأس الحربة في القتال الدائر.
الهدف الأول من هذه المرحلة يتضمن أيضاً محاولة قطع نقاط الاتصال والامداد بين عناصر المقاومة على الأرض والقابعين في الأنفاق. والهدف ممارسة تشتيت جهود تنسيق دفاعات المقاومة وقطع خطوط امداد السلاح والتموين. وتعمل القوات الجوية بالتنسيق مع القوات المدرعة والراجلة على تصيّد أكبر عدد من الأهداف العسكرية المكشوفة واختراق تحصينات عناصر المقاومة، كما تعمل أيضاً على استهداف مراكز تجمعات المدنيين لزيادة استفزاز عناصر المقاومة للخروج للانتقام بهدف تصيدهم ميدانياً خلال الاشتباك مع القوات المحصنة.
الهدف الثاني المتزامن مع الهدف الأول يتمثل في وجود قوات نخبة متسللة وراء القوات المدرعة والمدفعية الاسرائيلية، في ظل غطاء القصف الجوي المستمر وقيام القوات الأمامية على تحييد دفاعات المقاومة، تعمل على تأمين العمل الاستخباراتي الميداني وجمع المعلومات من خلال استخدام التكنولوجيا المتطورة أو عبر التجسس وتوظيف العملاء، أو التحقيق مع أسرى المقاومة لكشف شبكة الأنفاق والممرات الخفية تحت الأرض ومحاولة الوصول الى أماكن احتجاز الرهائن وانقاذهم وذلك بالتنسيق الميداني مع خبرات أجنبية أمريكية بالأساس.
الهدف الثالث للمرحلة الأولى من مشروع احتلال غزة، يتمثل في تحقيق نصر معنوي أولي، بتصفية أو اعتقال أحد كبار قيادات المقاومة. لتحقيق هذا الهدف تعمل الحكومة الإسرائيلية على استمرار حشد الدعم العسكري والمعنوي اللازم للتقدم الميداني والاشتباك المباشر مع عناصر المقاومة في حرب مفتوحة وتحمل مخاطر كبيرة وقد توقع خسائر بشرية ضخمة في صفوف عناصر الكيان الصهيوني، ويمثل حجم الخسائر عاملاً موجها ومحدداً لمصير الإدارة السياسية لإسرائيل التي تواجه انتقادات داخلية وخارجية.
للتمكن من استهداف كبار رموز المقاومة في غزة، يتخذ مسار الحرب التي تخوضها اسرائيل طابع حروب العصابات، وحرب المدن مرتفعة المخاطر. في هذا الصدد، لا تستبعد مراكز الدراسات أن يستعين الجيش الإسرائيلي بخبرات حلفائه خاصة من ضباط أمريكيين مخضرمين شاركوا في حرب العراق أو أفغانستان، وذلك بهدف تقليص خطر استنزاف القوات. الدعم الأميركي قد يكون على شاكلة تأمين خدمات استشارية أو مشاركة ميدانية محدودة لتوجيه عناصر القوات الخاصة لتحقيق هدف بالغ الخطورة يتمثل في تتبع المواقع الحيوية لمخابئ السلاح والصواريخ بهدف تدميرها أو مصادرتها الى جانب الكشف عن مواقع إدارة العمليات العسكرية وأماكن اختباء كبار قيادات حماس والقسام والجهاد الإسلامي والمهمة الأولى هي تصفيتهم أو اعتقالهم.
وقد يكون اعتقالهم بمثابة النصر المعنوي الذي تبحث عنه حكومة نتنياهو والتي قد تحاكمهم بتهم محاولة إبادة اليهود أو معاداة السامية وذلك لتبرير جرائمها في غزة والحصول على تأييد الرأي العام الدولي وخاصة الإسرائيلي المنقسم حول مآلات الحرب البرية ومخاطرها قريبة وبعيدة المدى خاصة على مسألة مستقبل بيئة الأمن والاستقرار الهشة.
2-المرحلة الثانية: السيطرة الميدانية الشاملة وتدمير شبكة الأنفاق
هدف هذه المرحلة تصفية المقاومة وتدمير بنيتها التحتية وتدمير شبكة الأنفاق بالكامل، حيث أن هذه الشبكة تتخذ مدينة بالكامل تحت الأرض بنيت على مدى عقود، ويتطلب تدميرها حسب ما ترجح التقارير فترة طويلة، وجهدا استخباراتياً وعسكرياً ضخماً، وهو ما يفرض احتلال مؤقتاً للقطاع بأكمله من اجل تدمير مرافق حركة حماس وقدراتها العسكرية. حيث أن الاكتفاء بالقصف الجوي أو الاجتياح البري التكتيكي قد لا يمكن إسرائيل من تحقيق هدفها الاستراتيجي. ولذلك يرفض الاسرائيليون أي وقف لإطلاق النار أو الهدنة أوفك الحصار قبل التمكن من بسط السيطرة على الأرض وتدمير قوة حماس فوق الأرض وتحتها. وهو ما قد يدعو الى تضرر جزء كبير من البنية التحتية الكامل نتيجة القصف العشوائي واستخدام نهج الأرض المحروقة.
ما ان تنتهي القوات الإسرائيلية من ذلك، سيتم تكليف السلطة بترتيب إدارة شؤون سكان غزة أما الجانب الأمني سيكون بإشراف وتنسيق اسرائيلي. كما تطرح فرضية استدعاء قوات حفظ سلام أممية للإشراف على تأمين الحدود الفاصلة بين القطاع والمستوطنات الإسرائيلية.
لكن هناك مخاوف من فرضية خنق غزة مستقبلاً قد يعيد سيناريو ما جرى في برلين بعد الحرب العالمية الأولى، والتي تم فرض حصار عليها وتجريدها من السلاح وفرض الضرائب وخنقها اقتصادياً، ما ضاعف آنذاك من الشعور بالغضب والضيم ورغبة الانتقام، ودفع الى نشأة حركة تحرر عنيفة اتخذت مسار المقاومة المسلحة لاحقاً.
مثل هذا السيناريو الذي ترغب في تجنبه إسرائيل لاحقاً، الا أنها تبدو وفق تصريحات مسؤوليها مضطرة لاحتلال القطاع وزيادة مصادرة أراض فلسطينية لتوسيع المنطقة العازلة والتي قد يزيد عمقها الى أكثر من 3 كيلومترات، وهو ما يعني قضم نحو ثلث غزة والذي سيترتب عنه هدم ألاف المباني وتهجير ألاف الأسر والاضرار بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية وزيادة تضييق الحصار على ما تبقى من السكان.
وتدفع إسرائيل سكان شمال القطاع الى الهجرة الى جنوب القطاع أو المناطق الحدودية مع مصر في رفح. هذه الدعوات التي يدعي الجيش الإسرائيلي أنها من أجل حماية المدنيين من مخاطر التعرض للقصف والعمليات العسكرية، وأنها هجرة مؤقتة حتى انتهاء العملية العسكرية، الا أنها لا تبدو في الحقيقة كذلك. حيث أنها جزء من مخطط تهجير أكثر ما يمكن من سكان شمال القطاع بدون ضمان عودتهم. حيث تسعى إسرائيل الى تقليص الكثافة السكانية من شمال القطاع ومن المناطق المتاخمة للمستوطنات.
وتخطط إسرائيل لاحتلال جزء من أرض غزة للأبد وهي الأرض التي تنوي الحكومة الإسرائيلية مصادرتها لصالح توسعة المنطقة العازلة والفاصلة بين الجدار الأمني على حدود المستوطنات بغلاف غزة. أما الجزء المتبقي من غزة فستحتله أيضاً لكن لمدة قد تتجاوز السنة لحين اتمام تصفية حماس ومنظومتها السياسية والإدارية والعسكرية. والإبقاء فقط على السيطرة الأمنية مقابل تسليم ادارتها المدنية الى السلطة الفلسطينية لكن مع إمكانية الاستعانة أيضا بمراقبين دوليين للإشراف على ضمان عدم الاختراق الأمني للمناطق الحدودية بين إسرائيل وغزة.
مصير غزة إذا استطاعت إسرائيل هزيمة المقاومة سيكون بمثابة الوصاية الأمنية والسياسية على مستقبل غزة بأكملها على المدى الطويل، ويستمر ذلك، حتى في حال تسلم السلطة الفلسطينية لإدارتها. لكن على الأرجح ألا تتسلم السلطة ادارتها الا بموجب اتفاق سلام ضخم ينضوي ضمن صفقة القرن والذي يفضي بدوره الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن ستبقى عملياً منقوصة السيادة ومخترقة من إسرائيل أمنياً.
دفع غزة أكثر نحو الحدود المصرية
تحاول إسرائيل تهجير عدد من سكان غزة الى صحراء سيناء في مصر وإقامة مدينة لهم هناك، وهو مشروع قيد النقاش رغم رفض مصر لمثل هذه الفكرة.
من خلال هدف احتلال شمال قطاع غزة مؤقتاً وتهجير سكانه الى جنوب القطاع، ومن خلال اعلان نسبة اقتطاع جزء منه لتوسيع عمق المسافة العازلة الفاصلة على الحدود الإسرائيلية، قد يزيد الضغط السكاني في جنوب قطاع غزة وقد تدفع الكثافة السكانية الكبيرة بعد تهدير الاف الأسر من شمال غزة، الى زيادة حركة النزوح نحو المناطق الحدودية المصرية، وهو ما يمثل ضغطاً إسرائيلياً على الفلسطينيين لتهجيرهم الى مناطق الجوار.
مخطط التهجير
قد لا تيأس إسرائيل من تكرار محاولة اقناع الأردن ومصر من إمكانية استقبال عدد من اللاجئين الفلسطينيين من غزة ضمن مشروع تهجير جزء من الغزاويين خاصة من سكان شمال القطاع والمناق المتاخمة للشريط الحدودي، مقابل توسيع منطقة الأمان العازلة والتي ستكون على حساب جرف مزيد من الأراضي الفلسطينية واحتلالها.
كما تعوّل إسرائيل على حلفائها في الغرب خاصة الولايات المتحدة وعواصم أوروبية لاستيعاب عدد من اللاجئين من غزة. حيث تراهن على زيادة تهجير الفلسطينيين بمبرر تخفيف ضغط البطالة المرتفعة بين الشباب. الحركة الصهيونية العالمية وخاصة عبر ذراعها الاقتصادي المتمثل في أصحاب الشركات الضخمة المعلنين عن أنفسهم كصهاينة خاصة في أسواق المال الأمريكية كـ”وول ستريت”، قد لا يترددون في دعم مخطط التهجير من خلال زيادة دعم استقطاب الفلسطينيين وتسهيل هجرتهم من أجل العمل وذلك بهدف تشتيت أكثر ما يمكن الكثافة العددية للشباب والمساهمة في تقليص النمو الديمغرافي السريع لسكان غزة. حيث أنهم إذا أبقوا على نسبة النمو الديمغرافي العالية بفضل معدلات الزواج المبكر ونسبة الولادات المرتفعة بالنظر لمعدلات الخصوبة المرتفعة، فقد يتضاعف اجمالي سكان غزة بشكل قد لا يمكن للقطاع ان يستوعبهم، وقد تضطر الأجيال القادمة بفضل الوفرة العددية الى التمدد نحو الأراضي المحتلة واعادة استرجاعها القوة وذلك مالم تنجح إسرائيل الآن في تهجير أكبر عدد منهم في دول الجوار أو الى الدول الأجنبية. فتشبث أهل غزة بأرضهم واستمرار نسب النمو الديمغرافي العالية قد يخلق هاجساً دائما يهدد الأمن القومي الإسرائيلي على المدى البعيد. فمع نهاية عام 2030 فقط قد يزيد عدد سكان غزة الى أكثر من 3 ملايين إذا تمت المحافظة على نسبة المواليد العالية. حيث أن النمو الديمغرافي السريع هو نوع من أنواع المقاومة لفرض الهيمنة الديمغرافية كقوة بشرية رادعة لمخططات زيادة التوسع الاسرائيلي.
بعض التقارير ترجح أن استهداف القصف الإسرائيلي للأطفال والشباب والنساء لم يكن عشوائيا بشكل كامل، فيبقى هناك احتمال أن عملاً متعمداً ومقصوداً مدفوعاً برغبة الانتقام وأيضاً بهدف تقليص الوفرة العددية لمواليد سكان غزة. حيث تعتمد غزة منذ عقود على سياسة تحفيز الانجاب من أجل تعزيز النمو الديمغرافي على حدود إسرائيل وتشكيل قوة ديمغرافية وازنة قد تغيير مستقبلاً من توازنات التوزع السكاني خاصة في ظل انخفاض النمو الديمغرافي بين الإسرائيليين.
وصاية أمنية على غزة وجعلها منزعة السلاح
بعد إتمام السيطرة على فصائل المقاومة وتصفية عناصرها، تسعى إسرائيل الى ترك غزة منزوعة السلاح وربط الشريان الاقتصادي لها بإسرائيل مع رقابة دائمة على تحركات سكانها ودعم المؤيدين للتطبيع مع إسرائيل من ممثلي السلطة في غزة. كما قد تكون هناك محاولة اسرائيلية لربط دعم الدولة الفلسطينية بمدى ترسيخ فكرة السلام والمهادنة في الثقافة والأنظمة التربوية للأجيال الفلسطينية القادمة.
لكن تبقى هناك تحديات ومخاطر كبيرة تتمثل في احتمال عجز إسرائيل عن إبادة ثقافة المقاومة حتى ان قضت على حماس والجهاد الإسلامي وسرايا القدس. لأن حماس وبقية الفصائل هي حركات تحرر يتبناها أغلب الفلسطينيين الذين يتوقون لتحرر بلادهم من الاحتلال الصهيوني لأرضهم.