بقلم أمير مجتهدي، باحث ايراني في السياسة الخارجية
طالب دكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة شيراز
من المفترض أن يتم تبادل السجناء الإيرانيين والأمريكيين في قطر خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ويتم أيضًا تحويل العملات المحظورة في إيران أولاً من العملة الكورية الجنوبية (الوون) إلى “اليورو” ثم إرسالها إلى حساب في قطر يمكن لإيران الوصول إليه.
ومع ذلك، فإن عملية التبادل ستكون بطيئة بعض الشيء لأن كوريا الجنوبية تشعر بالقلق من أن تحويل 6 أو 7 مليارات وون دفعة واحدة سيؤثر سلبًا على سعر الصرف والاقتصاد. لأجل ذلك تخطط حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي لاستخدام تحرير موارد النقد الأجنبي لدعم الإنتاج. حيث تراهن إيران على تحقيق أكبر استفادة اقتصادية ممكنة من عملية التبادل.
فبعد عام من المحادثات المكثفة بين السلطات الإيرانية والأمريكية، بدأت عملية تنفيذ عملية تبادل الأسرى بالتوازي مع الافراج عن جميع الأموال الإيرانية المجمدة.
أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن قطر لعبت دورا مهما في التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة. لكن السؤال هو إلى أي مدى كان دور قطر في هذا الاتفاق؟ ولماذا تم هذا الاتفاق بمشاركة قطر رغم وجود دول مثل العراق وعمان استضافت عدة جولات من المفاوضات دعما لأمريكا وإيران في السنوات الأخيرة؟
قبل سنوات، عندما أعلنت قطر استعدادها لاستضافة محادثات بين إيران والولايات المتحدة، رأى معظم الخبراء الدوليين أن قطر اختارت لنفسها مهمة صعبة. لكن بالنظر إلى سجل قطر في مجال السياسة الخارجية والوساطة، يتبين أن الدوحة امتلكت الخبرات المناسبة لاستضافة محادثات السلام على غرار الوساطة بين حكومتي جيبوتي وإريتريا لحل النزاعات الحدودية، والوساطة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الفلسطينية (فتح) بهدف تسريع عملية المصالحة.
علاوة على ذلك فان استضافة ممثلين عن الولايات المتحدة وطالبان، والوساطة بين كينيا والصومال، والوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وعشرات الحالات الأخرى، كلها تظهر سياسات قطر لحل الأزمات الدولية مدفوعة بتحقيق مصالح مشتركة.
وفيما يتعلق بالوساطة القطرية بين إيران والولايات المتحدة، يمكن القول إن هذه الدولة ترتكز على أوامر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، وتنطلق من خيار حل النزاعات بالطرق السلمية والسبل الدبلوماسية.
لقد بذل القطريون قصارى جهدهم لإنجاح المفاوضات الإيرانية الأمريكية من خلال تكثيف زيارات المسؤولين القطريين إلى واشنطن وطهران لنقل الرسائل وتقريب وجهات النظر.
وبالإضافة إلى المصالح الدولية والحدودية، يمكن تبرير الجهود القطرية لرأب الصدع بين إيران والغرب برغبة تعزيز مصالحها التجارية مع إيران خاصة في ظل استمرار العقوبات الدولية.
ففي الواقع، لعبت قطر دورًا مهمًا في التوسط في العديد من الأزمات حول العالم من خلال ممارسة نفوذها السياسي والاقتصادي ومدفوعة بتنمية مصالح تجارية اقليمية.
من ناحية أخرى، فإن الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة يظهر ثقة الجانبين بدولة قطر كوسيط محايد وشريك دولي موثوق، لكون قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
منذ بداية الأزمة الأوكرانية، زادت أهمية قطر بالنسبة للغرب مرة أخرى، حيث تعد البلاد من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، وبالتالي مصدر محتمل لتعويض تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
بالنسبة لإيران، فإنها تعتبر قطر حليفًا موثوقًا به لأنها رفضت شروط تخفيض علاقاتها مع طهران وقطع تعاونها العسكري والاستخباراتي مع إيران ابان مفاوضات حل الأزمة الخليجية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الدوحة جهة فاعلة موثوقة بالنسبة لإيران.
أمير مجتهدي، باحث في السياسة الخارجية