– السباق نحو البرلمان الكويتي انحرف عن بوصلة خدمة المواطن
– مشاكل المواطن أصبحت مادة دعاية انتخابية دون تحقيق إنجازات تذكر
– أكثر من 70 في المئة من قضايا المواطنين عالقة منذ ربع قرن
– شعبوية توصيف المشاكل تطغى على عقلانية اقتراح الحلول
– متابعة الحملات الانتخابية للمرشحين والتفاعل معها تشير لأزمة ثقة بين الناخبين والمرشحين
الكويت، 17 مايو 2023(csrgulf): ثلاثة مجالس تشريعية خلال الأربع سنوات الأخيرة مع تجدد مستمر للوجوه النيابية لكن دون تحقيق انجاز يذكر، واقع مربك بالكاد يستوعبه الناخب الكويتي الشاب.
حماسة التغيير التي دفعت جزء كبيرا من الشباب الى المشاركة في التصويت خلال السنوات الأخيرة يبدو أنها قد لا تكون بنفس الزخم نفسه، حيث هناك فرضية تراجع محتمل. فآمال الشباب في ايصال صوتهم عبر المجلس وحلق قضاياهم العالقة يبدو أنها أصيبت بانتكاسة. فتطلعاتهم خاصة بالنسبة لدعم التوظيف وقطاعات التعليم والترفيه فضلا عن طلب معلن منذ سنوات لانقاذ مبادرات الشباب في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا يبدو أن هذه التطلعات تحققت رغم وعود عشرات المرشحين السابقين بذلك.
الطريق نحو مجلس الأمة الكويتي لطالما سلكه أغلب المرشحين عبر التنافس على طرح واثارة مشاكل المواطن لكن مع محدودية تقديم الحلول البديلة أو برامج عمل واضحة تتضمن آليات تحقيق الوعود الانتخابية التي عادة ما تكون شعبوية وتنقصها الواقعية والقدرة على التطبيق. وهو ما سمح برصد أزمة ثقة بين جمهور الناخبين خاصة الشباب والمرشحين سواء المستجدين أو المعروفين.
فمن خلال تحليل أعده المركز لشكل ومضمون الحملات الانتخابية للمرشحين المتنافسين على عضوية مجلس الأمة الكويتي خلال انتخابات 2023 ورصد التفاعل الشعبي معها، تتعمق مشكلة ثقة جزء من الناخبين خاصة من فئة الشباب في الخطاب والشعارات والطموحات التي يتبناها بعض المرشحين لعضوية البرلمان خاصة المتحمسين منهم.
الخطاب الانتخابي لعدد كبير من المرشحين طغى عليه مضمون التشكيك والانتقاد المسترسل الذي استهدف الأشخاص أكثر من السياسات. كما غاب عنصر الابتكار والأفكار الجديدة في البرامج الانتخابية المعروضة مع تكرار التركيز على اثارة القضايا العالقة دون حلول واقعية لحسمها.
من خلال تقصي نموذج من حسابات بعض المستخدمين الكويتيين لمنصات التواصل الاجتماعي “تويتر” اتضح أن أكثر التعليقات وردود الفعل ازاء الحملات الدعائية الالكترونية للمرشحين طغت عليها عبارات تدل على الإحباط وعدم الاكتراث في ظل يقين البعض بعدم قدرة المرشحين على خدمة قضايا المواطن.
شخصنة المنافسة زادت من ضبابية خيارات الناخبين حول المرشح الأصلح والأنجع. كما أن أزمة تكرار حل البرلمان أو ابطاله من شأنها أن تؤثر سلبا على حافز التصويت. حيث بدأت تسود حالة من عدم اليقين باستقرار مجلس الأمة الجديد من عدمه، لتظهر حالة من الخشية الشعبية إزاء التعود على فكرة المجلس المؤقت والنائب المؤقت، ما يعني عدم القدرة على الإيفاء بالوعود الانتخابية.
هاجس حل مجلس الأمة بات فرضية يخشى تكرارها الكويتيون. لكن يبدو أن الغالبية منهم بدأت في التعود عليها مع ظهور سلوك غير مكترث بالانتخابات. الا أن مثل هذه الفرضية قد تمنح أيضاً تبريرا لبعض المرشحين للتنافس على عضوية البرلمان فقط من أجل جني مصالح فردية مؤقتة في ظل اعتقاد سائد بمحدودية مدتهم النيابية وعدم استقرار المؤسسة التشريعية.
على صعيد آخر، شكّل غياب الأحزاب والائتلافات البرلمانية التقليدية واقعاً لا يمنح للنواب قدرة كبيرة على تحقيق الوعود الانتخابية خاصة في ظل استمرار علاقة السلطتين القائمة على التنافس بدل التوافق ورغبة حكومية مزمنة لتطويع المجلس لتحقيق أهدافها وليس العكس.
الخلافات الشخصية تطغى على التنافس الانتخابي
من المقلق أن يتفوق خطاب تصفية الخلافات السياسية أو الأيديولوجية والعقائدية المتداول بين المرشحين على أولوية تقديم الحلول لقضايا الشعب الكويتي الحساسة. فشخصنة الخلافات بين المرشحين باتت مادة انتخابية دسمة توظف في حملات دعائية تزيد من تشتيت الرأي العام والناخب وتدفعه لخيار التصويت عبر الولاء لتبعده عن رمزية الممارسة الديمقراطية.
على صعيد آخر، يستمر غياب تفوق الأفكار والبرامج الإصلاحية المحاكية لتحديات الواقع في حملات المرشحين. فمعظم الشعارات الانتخابية المرفوعة مع بعض التفاوت والاختلاف هي متشابهة تحث على التشاؤم بدل التحفيز على الايجابية والتفاؤل حيث تحمل رسائل تصادمية أكثر منها مقترحات بناءة. فخطابات بعض المرشحين تعتمد كثيرا على انتقاد سياسات الدولة أو النخب ومراكز القوة فضلاً عن اثارة ظاهرة الفساد السياسي والإداري والمالي والتي لطالما مثلت المادة الدسمة للخطاب الانتخابي للمرشحين خلال السنوات الأخيرة.
لكن جوهر الاصلاح الحقيقي من اجل رفع التحديات الراهنة والمستجدة لم يظهر بقوة في ندوات المرشحين مكتفين بتقديم وعود باهتة بالتغيير وخدمة مصالح الكويتيين دون تفسير آلية تحقق ذلك على أرض الواقع ومدى الجدوى منها على المديين القريب والمتوسط. فأغلب الشعارات الانتخابية لا تستهدف العقول بل تستهدف عواطف الناخبين وميولاتهم المختلفة. وبذلك فان ظاهرة الشعبوية يستمر حضورها بامتياز في الحملات الانتخابية لهذا العام وخاصة بين صفوف مرشحي المعارضة.
لكن اللافت أن المعارضة قد لاتنجح في الحفاظ على زخم قدرة التغيير عبر شعارات شعبوية فقط. فقد بزر نوع من الإحباط ساد بين الشباب خاصة، استنتاج تم التوصل اليه من خلال استطلاع محتوى رقمي لنموذج عشوائي لمستخدمين كويتيين لمنصات التواصل الاجتماعي غداة ابطال مجلس الأمة 2022. فأداء المعارضة لم يرتقي لتطلعات جزء كبير من الجمهور الانتخابي وخاصة الشباب المتحمس.
تراجع سقف طموحات الشباب بالتغيير وتصحيح المسار
وسط توقع تراجع سقف طموحات الشباب الكويتي من إمكانية التغيير وتحقيق تطلعات الشعب عبر المجلس الجديد، لا يتم استبعاد فرضية أن يكون أساس خيار جزء من الكويتيين للنواب حسب العاطفة وليس القناعة.
فهناك خشية أن يندفع جزء من الناخبين وسط ضبابية شعارات المرشحين الى خيار التصويت لا على حسب القدرة على تحقيق الوعود الاصلاحية والطموحات، وانما حسب الولاءات الضيقة في ظل اصطدام الشباب بحقيقة استمرار الصراع المزمن بين السلطتين بسبب تهميش الإصلاح الهيكلي الذي يضمن التوافق بين الحكومة والمجلس لخدمة الصالح العام.
اندفاع الشباب للتصويت قد يتوقف على قدرة آلة الدعاية التي يعتمدها بتباين المرشحين في الاستقطاب الانتخابي وحسب الرمزية الكاريزمية لكل مرشح القادرة على حشد الأنصار واقناعهم. لكن ذلك لا ينفي وجود خشية من العزوف رغم الدعوات التي تحث على المشاركة.
مشاركة الناخبين هذا العام لا تخلو أيضا من هاجس احتمال اندفاع البعض لاختيار الأشخاص حسب الولاء وليس الأداء لاعتقاد سائد بمحدودية سقف قدرة النواب على تنفيذ الطموحات. فإحباط بعض الناخبين قد يستند على عدم حسم أكثر من 70 في المئة من قضايا الشعب الكويتي على امتداد ربع القرن الأخير حسب رصد للمركز.
وكانت اغلب المطالب الشعبية قد تراكمت دون حل مع تعاقب مجالس كثيرة وأبرزها القضية الاسكانية وقضية التعليم وحقوق المرأة الكاملة، قضية الإصلاح الاقتصادي وتنويع الموارد، مشاكل البيئة، وعشوائية التوظيف، محدودية الكفاءة في الإدارة، والبطالة، وقضية البدون، فضلاً عن وجود مشكلات مستجدة صاعدة قد تصبح قضايا أمة في المدى القريب ابرزها زيادة نمو ظاهرة العنف خاصة بين الشباب والمراهقين، انتشار الأمية المعرفية علاوة على قضية حساسة جدا تتمثل في زيادة مخاطر محدودية التنوع الاقتصادي الى جانب صعود مخاطر أزمة تداعيات التغير المناخي التي تؤثر على مستقبل الشعب الكويتي برمته دون وجود خطط حكومية كافية وتشريعات استباقية لإنقاذ جيل بأسره من تغيرات قد تطال الصحة العامة وبيئة العيش والتنمية.
وفي حين يعي جزء كبير من المواطنين هذا الأمر، تظهر خشية أن يعود خيار التصويت حسب الولاء القبلي والطائفي والمحسوبية وسمعة النواب وحسب معيار القدرة على تأمين خدمات فردية للمواطن. في حين تضيع الأهداف والطموحات الجماعية لعدم وجود منظومة صلبة لتحقيقها.
وحسب نتائج استطلاع تعليقات بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، تستمر نظرة البعض الى مجلس الأمة كمنبر للترقي الاجتماعي، وفضاء لتحقيق خدمات للمواطنين، في حين قلّ عدد الكويتيين خاصة الشباب منهم ممن يثقون في أن مجلس الأمة له دور حيوي في حياتهم وأنه مؤسسة فاعلة في التشريع والرقابة، حيث يفتقد وسائل التغيير لتعديل المسار والإصلاح في ظل استماتة السلطة التنفيذية في احتواء المجلس وسقف طموحات نوابه.
فمسار التغيير والإصلاح المنشود لطالما سعت الحكومة لفرض أولوياته ومتطلباته على مجلس الأمة، وتفرض عليه خيارين فقط اما التعاون لتنفيذه وفق رؤيتها أو تقديم وثيقة عدم التعاون. وبذلك فان استمرار العلاقة عمودية بين السلطتين من شأنه أن يحقق أرضية للتوافق مهما تغيرت المجلس والوجوه النيابية.
التذبذب الحاصل في التجربة الديمقراطية الكويتية جعل تصنيف البلاد يستمر لعقود كديمقراطية جزئية أو شبه ديمقراطية، حيث أن السلطة مشتتة بين الحكومة والبرلمان. بحيث لا يمكن للمجلس محاسبة السلطة التنفيذية بحرية لتواجه خيارين منحها الثقة أو اسقاطها في مقابل استمراره دون تقديم وثيقة عدم التعاون، كما لا يمكن للمجلس فرض خياراته على الحكومة دون ضمان عدم تقديمها لاستقالتها والتي عادة ما تقدم من أجل عدم الخضوع لضغوط نواب البرلمان.
فحيث استمرت برامج الاصلاح هامشية وليست هيكلية، فان دور النواب علاوة على المساهمة سواء في اقتراح قوانين كثير منها لا يطبق أو المسائلة والاستجوابات وكثير منها ينتهي باستقالات الحكومات وتقديم وثيقة عدم التعاون، فان دورهم يبقى مقيدا ببيروقراطية عقيمة، تجعل من بعض النواب غير قادرين على تلبية تطلعات الكويتيين. اذ تبرز الحاجة لإصلاح هيكلي يعطي دوراً أكبر لمجلس الأمة في مشاركة الحكومة تحقيق خارطة تطلعات الشعب الكويتي التي عادة ما تلخص في شعارات انتخابية أغلبها لا يتحقق في الواقع، على الرغم أنها تبقى طموحات تساور أغلب الكويتيين دون جدوى تحققها في ظل ممانعة لإصلاح جذري خاصة حول تقاسم الصلاحيات واستقلالية المؤسسات دون أي تدخل حكومي في دورها على غرار مؤسسات مكافحة الفساد وديوان المحاسبة والخدمة المدنية والديوان الوطني لحقوق الانسان.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF