الكويت، 7 مايو 2023 (csrgulf): تواجه الكويت مشاكل اقتصادية عميقة بسبب زيادة ارتباط الشأن الاقتصادي برجال السياسة وليس الاقتصاد.
وعادة ما يطرح السياسيون أو النواب أو المتنافسون على مجلس الأمة حلولاً سياسية لمعالجة مشكلات الاقتصاد. وهو ما أدى الى تضخم تكلفة تسييس الاقتصاد وتضرره بسياسات معيقة للتنمية ولجهود تنويع موارد البلاد. حيث توجد رغبة شديدة لاستمرار منظومة الريع القائمة على توزيع عائدات الثروة النفطية.
لكن سوق النفط العالمية تتعرض في المستقبل القريب على الأرجح لتحولات ضخمة قد تحد من عوائد البترول ليطلّ شبح العجز المالي مستقبلاً وتظهر فزاعة التقشف التي تقلق المواطن الكويتي. ولتفادي مثل هذه المخاطر، بات من المهم اعادة النظر في درجة تدخل السياسيين في الاقتصاد. كما تبرز توصيات بأهمية تعزيز التكوين الاقتصادي لرجال السياسة وحلّ مشكلة بيروقراطية صنع القرار.
فوق ذلك، وان أصبح من المهم تقليص ارتباط الاقتصاد برجال السياسة وربط تقرير مصيره أكثر بأصحاب الاختصاص، الا أن ذلك لا يخلو ذلك من أهمية وجود ارادة سياسية داعمة.
بسبب سنوات من تسييس الاقتصاد، أصبحت الكويت الأخيرة خليجياً في تنويع الاقتصاد وايرادات البلاد غير النفطية. والأكثر خليجياً في الاعتماد على صادرات النفط الخام، وبين الأكثر خليجياً في التضرر من صناعة النفط، والأكثر هشاشة على مستوى حجم التعرض لتقلبات أسعار الطاقة، والأكثر مواجهة لاحتمالات العجز، والأقل انفتاحاً على مستوى الشركاء التجاريين في العالم، والأكثر اعتمادا على الأسواق الآسيوية، كلها تصنيفات اقتصادية حديثة عكست فشلاً حكومياً في تنويع صادرات الكويت أو ايراداتها المعولة بشكل مخيف على النفط.
وقد تخلفت الكويت بشكل واضح عن ركب الدول الخليجية في تنويع أنشطة اقتصادها وصادراتها، وذلك بسبب عوامل مختلفة أهمها التدخل السياسي في الاقتصاد وضعف استمرارية برامج الإصلاح والتنمية بسبب وتيرة التغيير الحكومي السريعة ومحدودية الاستقرار الإداري.
منذ عام 2006، تتعرض الكويت لجمود سياسي متكرر، وتدوير كبير للمسؤولين الحكوميين والحكومات، مع تكرار حل مجلس الأمة. هذا الواقع المتوتر في العلاقات بين السلطتين زاد في ضبابية مستقبل البلاد الاقتصادي والتنموي. كما أن أثره الأكبر يتمثل في زيادة ارتباط الاقتصاد بالسياسيين والخطاب الشعبوي سواء في مجلس الأمة أو الحكومة مع رصد ضعف يبدو واضحاً في استشراف التحديات ومواكبة المستجدات وابتكار الحلول المستدامة.
ولطالما غلبت على تركيبة المجلس وأيضاً الحكومة أعضاء تكوين أغلبهم الاقتصادي محدود، وحتى ان كان بعضهم من فئة التجار، حيث تفتقد فئة رواد الأعمال من الشباب وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة من يمثلهم بقوة في المجلس.
وقد استمرت هيمنة أصحاب التكوين السياسي عل الخيارات أو القرارات المصيرية المتعلقة بالشأن الاقتصادي لسنوات طويلة. وهو ما أدى إلى ضعف العلاقة بين أصحاب القرار والقطاع الخاص، هذا القطاع الذي يدفع الضرائب ويوظف عددًا قليلاً جدًا من الكويتيين. لذلك فان أجندة التنويع الاقتصادي التي من شأنها أن تفيد القطاع الخاص تستمر مهمشة.[1] ويعاني القطاع الخاص وقطاعات الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي من نقص التمثيل بشكل جيد في المجلس النيابي.
ورغم تبني المعارضة النيابية مشاريع إصلاحية في قطاعات مختلفة، الا أن أغلبها اعتمد على تسييس الاقتصاد والتدخل في توجهاته من خلال مقترحات عشوائية ومزاجية وقصيرة المدى، حيث توجد ممانعة مبطنة لتنفيذ إصلاحات كبرى أسوة ببقية الدول الخليجية. هذه الممانعة تزدهر في ظل طفرة أسعار النفط وغياب العجز المالي.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سبتمبر 2022، حقق مرشحو المعارضة مكاسب كبيرة مع 16 برلمانيًا لأول مرة. وبسبب بعض المقترحات جاء انهيار العلاقة بين البرلمان والحكومة سريعاً، مع تكرر المواجهة الحكومية البرلمانية بشأن مشاريع قوانين تزيد من أعباء الدولة المالية. وكان الخلاف قد أدى إلى استقالة مجلس الوزراء في يناير 2023 تبعها ابطال لمجلس الأمة وإعادة القديم ثم قرار بحل ودعوة مجددة للانتخابات. ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه المواجهات في حال عودة نواب بتكوين اقتصادي محدود.
وفي حين بلغ اعتماد الكويت المفرط على عائدات النفط مستويات قياسية مع زيادة الحاجة الملحة لمعالجة فاتورة الأجور والدعم المتزايدة، استمرت سياسات أصحاب القرار في إعاقة التقدم الاقتصادي والتنمية. وما يزيد من النظرة المقلقة للاقتصاد في المدى المتوسط تأخر الكويت خليجياً في تنفيذ خطط استباقية لتنويع إيرادات البلاد. ففي حين نجحت أغلب دول مجلس التعاون في زيادة صادراتها غير النفطية لدول العالم، استمرت هيمنة النفط على صادرات الكويت بنحو أكثر من 90 في المئة[2]. تنويع الاقتصاد لطالما مثل طموحاً صعب المنال في الكويت، حيث تعثر منذ سنوات بسبب الأزمات السياسة المتكررة والتي أربكت استقرار وتيرة انجاز المشاريع غير النفطية ونهضة الأنشطة التنموية.
فبالمقارنة مع بقية دول الخليج، فشلت الكويت في تحقيق نهضة في قطاعات حيوية مثل السياحة أو قطاع الصناعات التحويلية خاصة المعادن، أو في قطاعات أخرى كالإنتاج الزراعي، وينسحب ذلك على قطاع التجارة حيث لطالما مثلت الكويت سوق استهلاكية أكثر منها تصديرية، كما لم تنجح في زيادة جذب الاستثمارات الأجنبية. فوق ذلك، لم تستطع تحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودمجها في العملية التصديرية. هذا التعثر قد يرجع لضعف إرادة سياسية لتنمية القطاع الخاص ورفض تراجع هيمنة الدولة على الاقتصاد. ومثل هذا الرفض يزيد من قيود اصلاح هيكلي للاقتصاد الكويتي وانكشافه على المخاطر في المستقبل القريب.
وقد رسخت المنظومة البيروقراطية استمرار القيود المعيقة للاستجابة للتغيرات الاقتصادية المحلية والاقليمية والدولية المتسارعة. فعلى عكس جيرانها الخليجيين، يصطدم النظام السياسي في الكويت ببيروقراطية اتخاذ القرار، حيث يتكون من مزيج من الأنظمة الرئاسية والبرلمانية، مما يعقد تمرير الإصلاحات الهامة.
وفي ظل هيمنة نخب ليست من القاعدة الشعبية على مراكز صنع القرار، لم تقم الحكومات الكويتية بتوسيع قاعدة المناصب القيادية لتشمل نسبة أكبر من جيل الشباب الذي يتمتع بقدر أكبر من المثابرة والانفتاح على التغييرات التي تطرأ على المشهد الاقتصادي. وفي حين أن عملية صنع القرار تحدث بسلاسة أكثر في المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وحتى عمان، لكنها معقدة في الكويت. فعلى الرغم من وجود سلطة تنفيذية وتشريعية الا أن عملية تنسيق الرؤى والإصلاحات متعثرة بسبب اختلافات حول الأولويات والصلاحيات.
تعمق هشاشة الاقتصاد الكلي
أصبح هشّاً أكثر من أي وقت مضى، هذا واقع الاقتصاد الكويتي. فقد زاد تعثر مسار تنويع انتاجه وصادراته بعيداً عن النفط. سلعة بدورها بصدد فقدان قيمتها بوتيرة أسرع من التوقعات وفي أفق سنوات قليلة. حيث زاد الترويج لعصر الكهرباء واستشراف قرب نهاية عصر النفط. الى ذلك الحين، لا تملك الكويت ما تصدره لدول العالم غير البترول. لا يأبه السياسيون بالتحذيرات.
تعثر تنويع صادرات البلاد، قد يكون بسبب عوامل مختلفة أبرزها تذبذب الخطط الحكومية الداعمة لنهضة القطاع غير النفطي، فضلاً عن تأخر دعم نمو القطاع الخاص ومصادر تمويله، الى جانب استمرار هيمنة البيروقراطية وانتشار الفساد الصغير والكبير على مستوى الإدارات المتوسطة والعليا، فضلاً عن ممانعة جزء كبير من النخب السياسية ومراكز النفوذ والمصالح اجراء اصلاح جذري للاقتصاد القائم على منظومة الريع.
على عكس أغلب دول الخليج، تصر الحكومة الكويتية على ربط التنمية بخطط زيادة انتاج النفط دون تحقيق نتائج تذكر في تنويع إيرادات الاقتصاد غير النفطي. هذا التوجه تصر عليه كذلك النخب السياسية المتمسكة باستمرار الاقتصاد الريعي القائم على توزيع إيرادات الثروة النفطية دون تحقيق عوائد من أنشطة أخرى مرتكزة على الابتكار والصناعة مثل بقية نظرائها.
تراكم أزمات الكويت السياسية وعدم التوافق بين الحكومة ومجلس الأمة مثل السبب الرئيس في تعمق هشاشة الاقتصاد الكلي. اذ فشلت الحكومة الكويتية على مر عقود متتالية في تنويع مصادر دخلها وصادراتها بعيدا عن النفط. لترتفع بذلك درجة مخاطر تسجيل عجز مخيف للميزانية في حال تسجيل صدمة نفطية ليست ببعيدة في ظل متغيرات جيو-استراتيجية عالمية تستشرف انخفاضا تدريجيا للطلب على النفط وتقلبات أسعاره.
الفشل الحكومي في تنويع أنشطة الاقتصاد ألحق ضرراً بالغاً بالبيئة الكويتية التي بات تشكو من تلوث مقلق بسبب تركز الصناعات الملوثة كالصناعة النفطية.
الكويت الى اليوم لا تملك ما تصدره الى دول العالم غير النفط
في حين نجحت أغلب الدول النفطية الخليجية في تقليص اعتماداها على الصادرات النفطية وترويج منتوجات وخدمات جديدة تستهدف الأسواق العالمية، يبدو أن الكويت الى اليوم لا تملك ما تصدره الى دول العالم غير النفط. واقع قد ينذر بمخاطر عالية قد تنعكس على المواطن بشكل جلي بداية من عام 2030 في حال تقلص حجم صادرات الكويت النفطية.
المتغيرات السريعة التي تحدث في العالم وخاصة في مجال الطاقة تحمل تحديات خطيرة للاقتصاد الكويتي. فرغم التحذيرات التي أطلقت منذ نحو العقدين بأهمية تسريع اصلاح الاقتصاد وتنويع إيرادات البلاد، الا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تنويع صادراتها غير النفطية، حيث بقي التبادل التجاري غير النفطي بين الكويت ودول العالم محدودا جدا ومركزا على المنتجات البترولية. وتمثل المنتجات النفطية نحو 90 في المئة من صادرات البلاد وتجارتها مع دول العالم.
وبسبب محدودية تنوع مصادرها واستمرار اعتمادها المفرط على النفط، تراجعت بشدة قيمة المصالح التجارية بين الكويت وكل من أميركا وأوروبا. فقد انخفض حجم صادرات الكويت بشدة الى أوروبا والولايات المتحدة خلال الخمس سنوات الأخيرة. انخفاض أدى الى تكبد الكويت خسائر كبرى قد تصل الى نحو 20 مليار دولار منذ 2017. حيث أصبحت تجارتها مع الشريكين الأوروبي والأمريكي غير مربحة للكويتيين. لينعكس ذلك سلباً على نمو العجز التجاري للكويت مع حلفائها الأمريكيين والأوروبيين الذين باتوا هم من يحققون فوائض ضخمة كانت الكويت تحققها سابقا بفضل صادرات النفط التي انخفضت نحو السوق الأوروبية والأمريكية منذ 6 سنوات مقابل تعززها نحو السوق الآسيوية. يذكر أن 95 في المئة من الصادرات الكويتية الى السوق الأوروبية مكونة من منتجات نفطية ومواد كيماوية[3]. هذه المنتجات قد تستغني عنها الأسواق في الخمس سنوات القليلة المقبلة لتواجه الكويت خطر انخفاض محتمل لصادراتها النفطية، وبالتالي تقلصاً في إيراداتها وعجز في الموازنة. وهذا الخطر ينمو في ظل تعثر مسار تنوع قاعدة صادراتها غير النفطية وتوقع عجز مضاعف حتى قبل حلول 2030.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Hassan Jivraj, Kuwait’s economy gains temporary breathing space, thebanker, 31/03/2023, https://www.thebanker.com/World/Kuwait-s-economy-gains-temporary-breathing-space
[2] Kuwait trade partners, https://oec.world/en/profile/country/kwt
[3] European Commission, European Union, Trade in goods with Kuwait, august 2022, https://webgate.ec.europa.eu/isdb_results/factsheets/country/details_kuwait_en.pdf