– القطريون في المرتبة الأولى للعام الثالث على التوالي والسودانيون في الأخيرة
– 130 مليون عربي يواجهون مخاطر الفقر والعنف والجريمة
– زيادة ملفتة لطلب الهجرة واللجوء بين الشباب العربي
01 مارس 2023 (csrgulf): عدد محدود من الدول العربية شهد تحسن حالة الأمان بشكل ملحوظ في 2022 مع آفاق مزدهرة في 2023. في حين يقبع الجزء الأكبر من العرب في مناطق تعيش تدهورا لمؤشرات الأمان خاصة الاجتماعي والاقتصادي والبيئي بفعل عوامل مختلفة أبرزها سياسات الحكومات الداخلية، وتداعيات الحرب الأوكرانية واستمرار آثار وباء فيروس كورونا.
ومثلما أثر وباء فيروس كورونا في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً في 2021، كان دور سياسات الحكومات العربية في معالجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الوقع الأكبر على محددات تصنيف حالة الأمان للعرب في عام 2022، حيث تركت آثارا مباشرة وغير مباشرة على مقومات الأمن والأمان. كما تأثرت توقعات أمان الشعوب العربية في 2023 بوقع زلازال سوريا وتركيا المدمرة والتي فتحت المجال للتركيز على استعدادات الحكومات العربية لمجابهة الكوارث الطبيعية.
بشكل عام، دراسة مؤشرات تصنيف هذا العام استنتجت زيادة تأثر تقييم أمان الشعوب العربية بسياسات الحكومات سواء الصائبة أو الخاطئة، حيث تم رصد زيادة نزعة لسياسات بعض الحكومات العربية لاحتكار اتخاذ القرار والانفراد بالسلطة في مقابل انخفاض المشاركة الشعبية الفاعلة في بعض الدول في تقرير مصيرها. فوق ذلك، تبرز توقعات مقلقة حول نمو حجم كلفة القرارات والتوجهات التنموية الخاطئة، فضلاً عن تأثيرات عميقة لمدركات الفساد الاداري في بعض الدول والتداعيات المحتملة على مستقبل ازدهار الشعوب.
وقد اعتمد التصنيف على دراسة مؤشرات الأمان الشخصي، الأمان الصحي، الأمان الاقتصادي، الأمان الاجتماعي، الأمان التنموي، الأمان البيئي. ومثل الأمان الوظيفي والاجتماعي والبيئي ومدى الانكشاف سواء على تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية أو المخاطر البيئية والطبيعية محددات أساسية لتصنيف هذا العام.
وقد تمكنت سياسات بعض الحكومات العربية من انقاذ شعوبها من وطأة تداعيات الحرب والجائحة، في حين فشلت حكومات أخرى في تجنيب شعوبها التعرض لمخاطر الأزمات الداخلية والعالمية، وبقيت مقومات أمانهم هشة. بالإضافة الى آثار سياسات الحكومات على حالة الأمان والتنمية وأفق الازدهار، أثّرت أيضاً تغيرات المناخ المقلقة وتداعيات الاحتباس الحراري على تصنيف درجة أمان بيئة عيش العرب.
رغم التحديات المستجدة، بعض العرب صنفوا بالمحظوظين لتحسن مؤشرات الأمان في دول اقامتهم مع نظرة مستقبلية تراوحت بين مزدهرة ومتفائلة للعام المقبل. في حين يواجه السواد الأكبر من الشعوب العربية مخاطر محدقة تهدد أمنهم الشامل خاصة الاجتماعي على المدى القريب والمتوسط. ولعل زيادة الطلب على الهجرة بين النخب والكفاءات من أبرز المظاهر المقلقة في عدد من الدول العربية خلال العام المنصرم، والتي تؤثر بدورها على انخفاض جودة الرأسمال البشري والذي يعتبر محرك التنمية الحقيقية.
بالمقارنة مع تصنيف 2021، توسّع مفهوم الأمان ليشمل محددات جديدة، بموجبها تغير ترتيب عدة دول عربية حيث استند تصنيف (csrgulf) في إصداره السنوي الثالث لهذا العام “دليل أكثر الدول العربية أماناً وازدهارا”، الى دراسة مؤشرات مختلفة تجاوزت 17 مؤشرا وكلها متداخلة مع دراسة”واقع الأمان الشامل للمواطنين في 2022” مع نظرة مستقبلية لعام 2023.
واعتمد تصنيف هذا العام على مؤشرات رئيسية وفرعية، وتركز التقييم على منح أولوية لمؤشرات جديدة مقارنة بالمؤشرات المتبعة في التصنيف الماضي. أغلب المؤشرات الجديدة التي تضمنها التصنيف مرتبطة بمدى الاستجابة لتداعيات الحرب المندلعة في أوكرانيا والتي أثرت على الأمن الطاقي والغذائي وحركة الاستثمار، والتي كانت لها تداعيات على حياة المواطن العربي.
أهم المحددات المعتمدة ضمن مؤشرات أخرى لتقييم حالة الأمان في تصنيف هذا العام برزت مؤشرات مدى الاستجابة والتأثر بتداعيات الحرب الأوكرانية والانكشاف على مخاطر دخول الاقتصاد العالمي حالة ركود. تمت دراسة أداء الحكومات العربية في المؤشرات التالية على غرار (مؤشر الاستقرار السياسي[1]، دخل الفرد[2]، حالة السلم السلام[3]، اتجاهات ظاهرة العنف والجريمة[4]، الفقر[5]، تطور الدين العام[6] والتضخم[7]، البطالة[8]، توقعات النمو[9] في 2023، مستويات فاعلية الأداء الحكومي وتأثير البيروقراطية[10]، مخاطر الفساد[11]، طلبات اللجوء[12]، ممارسة الحريات[13]، حالة الرفاه وجودة الحياة[14] ومقومات السعادة[15]، درجة الأمان الصحي والاستجابة للأوبئة[16]، الاحتياطات المالية وثروات أجيال المستقبل[17])، وهذا فضلا عن دراسة مؤشرات المتغيرات المناخية المرتبطة بتقييم المناطق الأكثر تميزا بجودة الهواء الصحي[18]. وكلها مؤثرة في تقييم جودة حياة المواطن العربي.
بالإضافة الى المؤشرات التقليدية التي تقيس الفوارق بين حالة أمان الشعوب كدرجة التهديدات الأمنية ومدى الانكشاف على المتغيرات والمخاطر الجيوسياسية والكوارث الطبيعية ومدى هشاشة أو قوة حالة الاستقرار الداخلي على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن دور مؤشرات التنمية البشرية[19] والتحول الرقمي خاصة في منظومة التعليم وتحسين جودته حيث تم الأخذ بعين الاعتبار مؤشر جودة التعليم عن بعد كإحدى المجالات التي ميّزت تفاوت قدرة الدول في التكيف مع قيود الجائحة بالإضافة للتباين في توفير ضمان الأمن الغذائي الذي يعتبر أكثر المجالات التي تأثرت بالوباء، فضلاً عن قياس واقع الحريات الفردية وجهود دمقرطة الأنظمة التي تشمل دراسة نجاعة دولة المؤسسات وحالة انفاذ القانون والمساواة في تطبيقه، مع ادراج مؤشرات أخرى كحجم دخل الأفراد[20] ونسبة البطالة[21].
التصنيف اكتفى بدراسة مؤشرات 19 دولة عربية بالنظر لتوفر البيانات. واستند بالإضافة الى المؤشرات المذكورة على دراسة مؤشرات الأمن والسلام والجريمة والسلامة، فضلاً عن رصد المتغيرات السريعة للأحداث في العالم العربي خلال 2021 ودراسة سياسات الحكومات الاقتصادية والاجتماعية والتي لديها تداعيات على أمن المواطنين بالإضافة لدراسة واقع مدركات الفساد وارتباطه بمدى تطبيق القانون والإفلات من العقاب ومدى ترسيخ المحاسبة والمسائلة والشفافية والنزاهة وتقلص البيروقراطية. ومثلت زيادة خطر العنف والاضطرابات السياسية في أجزاء من العالم العربي المحرك الرئيسي لتصنيف المخاطر العامة والداهمة وقياس درجة الأمان التي يحظى بها كل شعب في بلده.
ورغم أنها تقع في منطقة محاطة ببؤر نزاع وتوتر، اكتسحت شعوب الخليج صدارة التصنيف ليس بفضل ملائة حكوماتها المالية فقط، وانما بفضل سياسات الدعم الاجتماعي وتنمية خدمات رفاه المواطن وتحسين اندماجه في مجتمع المعرفة. ورغم التحسن الملحوظ في جهود التنمية والبناء والتطوير في القدرات البشرية والبنى التحتية لاستشراف تحديات المستقبل وتحسين رفاه المواطن، الا أن أغلب الدول الخليجية تواجه تحديات تلوث مقلق خاصة على مستوى المدن والعواصم التي تشكو من تركز تلوث هوائي مقلق[22]. وقد يكون التلوث الهوائي والاحتباس الحراري أبرز تحديات الحكومات الخليجية مستقبلاً وخاصة المتعلقة بتحويل عواصمها المنكشفة على مخاطر تلوث عالية الى مناطق صديقة للبيئة. بالاضافة لذلك، هناك تحديات ديمغرافية مقلقة على المدى المتوسط خاصة مع توسع اختلالات التركيبة السكانية.
بشكل عام، في هذا التصنيف الذي يصدر في نسخته الثالثة، حافظ الخليجيون على صدارة قائمة الشعوب العربية الأكثر أماناً وازدهارا، حيث استمر تصدر القطريين للعام الثالث على التوالي لتصنيف أكثر الشعوب العربية أمانا لعام 2022 مع نظرة مشرقة ومتفائلة لعام 2023. الاماراتيون بدورهم حافظوا عل المرتبة الثانية للعام الثالث على التوالي مقارنة بتصنيف العام الماضي.
وقد كان اللافت تصنيف العمانيين الذي قفز الى المرتبة الثالثة مقارنة بالمرتبة الخامسة العام الماضي وذلك بفضل تحسن مؤشرات مختلفة، في حين تأخر ترتيب الكويتيين الى المرتبة الرابعة مقارنة بالمرتبة الثالثة. البحرينيون تأخروا كذلك بمرتبة الى المرتبة الخامسة، في حين حافظ السعوديون على الترتيب السادس.
المغربيون حققوا تقدماً وصعدوا الى المرتبة السابعة هذا العام مقارنة بالمرتبة الثامنة العام الماضي والتي آلت الى الجزائريين الذين بدورهم تقدموا في الترتيب مقارنة بالمرتبة التاسعة العام الماضي. الا أن القفزة المثيرة للاهتمام تلك التي حققها الموريتانيون في تصنيف هذا العام حيث قفزوا من المرتبة الثانية عشر العام الماضي الى المرتبة التاسعة هذا العام بفضل تحسن مقومات الأمن الاقتصادي والاجتماعي رغم استمرار تحديات كثيرة. في المقابل تراجع الأردنيون في الترتيب بنحو ثلاث مراتب من المرتبة السابعة العام الماضي الى المرتبة 10 هذا العام بسبب عوامل مختلفة مرتبطة خاصة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
التونسيون تأخروا في ترتيب هذا العام من المرتبة العاشرة الى المرتبة الحادية عشر بسبب هشاشة الاستقرار السياسي والاقتصادي رغم التقدم في محاربة الفساد. المصريون كذلك تأخروا الى المرتبة الثانية عشر مع نظرة محفزة رغم ضخامة التحديات.
العراقيون حافظوا بفضل عوامل مختلفة على الترتيب 13 هذا العام مع نظرة محفزة رغم التحديات، كما ثبت الليبيون في المرتبة الرابعة عشر بدافع تعزز التفاؤل حول تحسن توقعات النمو. اللبنانيون استقر ترتيبهم ليحلوا في المرتبة الخامسة عشر هذا العام رغم تردي الأوضاع المعيشية لكن مع تحسن طفيف في تقييم المخاطر الأمنية. الفلسطينيون حافظو على المرتبة السادسة عشر في التصنيف بسبب استمرار مخاطر الصراع مع الإسرائيليين وتراجع الدعم العربي. السوريون حافظوا على تريبهم في التصنيف عند المرتبة السابعة عشر بسبب زيادة التحديات المهددة للأمان والسلامة. في حين تقدم اليمنيون الى المرتبة الثامنة عشر رغم سوء الظروف الإنسانية وذلك بفضل استمرار هدنة الحرب، في المقابل تأخر ترتيب السودانيين الى المرتبة التاسعة عشر والأخيرة بسبب أعمال العنف والنزاع التي اندلعت في 2022. وبسبب قلة البيانات لم يتم تصنيف كل من الصومال وجيبوتي وجزر القمر وجنوب السودان.
محددات أخرى للتصنيف: التصنيف كان نتيجة لتقييم مسار التهديدات الأمنية من خلال مؤشر السلام العالمي[23] والتهديدات المناخية من خلال مؤشر انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون[24] وتركز التلوث[25] ونسبة تلوث الهواء[26]، وصولاً الى قياس مؤشرات التنمية البشرية[27] والتعليم[28] وكفاءة التعليم عن بعد[29]، بالإضافة الى المؤشرات التقليدية المتبعة لتصنيف الأمان وهي متعلقة بجودة حياة الأفراد والاندماج المجتمعي والتعايش والتقدم الاجتماعي[30]. فوق ذلك تم رصد مؤشرات تطور الدخل والحريات الفردية والديمقراطية[31] والجريمة مع قياس مؤشرات جهود فرض القانون ومحاربة الفساد. حيث يتضح ارتباط وثيق بين مدركات الفساد وتعزز أو تقلص مؤشرات جودة حياة الفرد واتجاهات الفقر والبطالة والجريمة. بالإضافة الى قياس مدى تأثير الاستقرار الداخلي من خلال مؤشر الهشاشة[32].
وأصبح مؤشر الأمان يشمل عوامل كثيرة متداخلة وذات أبعاد أشمل من مجرد ربطه بالمخاطر الأمنية أو الاستقرار السياسي، حيث أن الأمن القومي يشترط تعزز أغلب المؤشرات المذكورة في جداول المؤشرات المعتمدة لتصنيف تغير درجة أمان الشعوب العربية. كما أن الأمن الوظيفي والغذائي والطاقي والبيئي والمائي وتطور التعليم والحريات والديمقراطية ومحاربة الفساد كلها مؤشرات حيوية لا يكتمل تصنيف حالة الأمان بدونها.
وتواجه بعض الدول العربية خاصة المنتجة للطاقة تحديات ضخمة تتعلق بإقامة توازن بين تحقيق تقدم اجتماعي ورفاه وتنمية بشرية حقيقية وخلق مجتمعات متكافئة ومتطورة دون زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن المستويات المستدامة. اذ أن البحث على العلاقة بين انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHGs) والتقدم الاجتماعي يضمن مستقبل مستدام لأجيال الغد. في هذا الصدد قد تضطر دول متفوقة في مؤشرات التقدم الاجتماعي مثل الكويت والامارات وقطر على سبيل المثال لخفض انبعاثاتها بأكثر من 30 طناً للفرد[33].
بشكل عام شهدت شعوب بعض الدول العربية دوناً عن غيرها بعض الظروف الاستثنائية خلال عام 2022 أثرت على حالة الأمن والأمان وخاصة المتعلقة بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي[34] والتي أثرت سلباً بدورها على تردي جودة حياة المواطن وعززت مؤشرات عدم التفاؤل بالنظر خاصة لضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي أو لضعف الاستجابة للأزمات الدولية ولتداعيات الجائحة أو لتطلعات المواطنين خاصة المطالبة بالتوظيف والدعم الاجتماعي.
وأثرت الأزمات الاقليمية والعالمية المزدوجة على تعميق الاختلالات المالية لأغلب الحكومات العربية، حيث شهد خاصة مواطنو الدول محدودة الدخل ضغوطاً أكثر من نظرائهم في دول أخرى إزاء سياسات تقلص دعم السلع الاستهلاكية وتضخم الأسعار مقابل تراجع فرص العمل وزيادة نسب البطالة تزامناُ مع ضغوط سياسات التقشف والتخفيض من سياسات الدعم الاجتماعي. وهو ما فاقم ظاهرة التهميش التي تعاني منها شريحة الشباب أكثر من غيرها، حيث أن متوسط أكثر من ثلث الشباب[35] عاطلين عن العمل في الدول العربية محدودة الدخل باستثناء دول الخليج والدول النفطية العربية التي استفادت بشكل غير مباشر من الحرب الأوكرانية من خلال زيادة الفوائض المالية المترتبة عن ارتفاع العوائد النفطية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
وسببت زيادة البطالة بفعل تداعيات التضخم وتقلص نسب الاستثمار وتداعيات الجائحة في بعض الدول في ظهور نزعات احتجاجية وارتفاع مدركات العنف والجريمة[36]وذلك يأتي كردة فعل شعبية ازاء تردي الوضع المعيشي خاصة بالنسبة للأسر الفقيرة أو محدودة الدخل، وهو ما فاقم من ظاهرة الفقر في العالم العربي، اذ زاد عدد فقراء العرب الى نحو أكثر من 130 مليون أي نحو ثلث العرب يعيشون في دائرة الفقر[37].
تأثيرات الحرب الأوكرانية على تقييم الأمان
جراء ارتفاع أسعار الطاقة على إثر الحرب الأوكرانية الروسية، أسهمت الفوائض النفطية التي حققتها بعض الدول العربية المنتجة للنفط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي في خفض نسبة الدين العام على عكس الدول غير النفطية التي ارتفعت فيها مستويات التداين بوتيرة مقلقة.
تداعيات الحرب في أوكرانيا وزيادة التصعيد الروسي الغربي وآثار جائحة فيروس كورونا المستمرة الى اليوم فاقمت من الضغوط على سوق الطاقة والغذاء وارتفاع الأسعار، ونتيجة لذلك اتسعت الهوة بين الدول العربية خاصة على مستوى الأمان الاقتصادي والاجتماعي الذي تعزز في دول وانخفض في دول أخرى. ونتيجة اختلاف درجة التعرض لمخاطر التغيرات الاستراتيجية الحاصلة، زاد التباين في مقومات الأمان بين الدول النفطية وغير النفطية في العالم العربي خلال 2022. واتضحت الفوارق على مستوى الموازنات المالية للدول وتطور احصاء الفقراء، الذين زاد عددهم في بعض الدول محدودة الدخل خاصة غير النفطية.
وتثير تداعيات الحرب المستمرة في أوكرانيا تقلبات خطيرة في توزانات الاقتصاد العالمي وحركة التجارة. وقد ضاعفت من توقعات حالة ركود اقتصادي عالمي قد يخلف تحديات مقلقة لبعض الدول العربية، والتي أثرت في تصنيفها هذا العام، كارتفاع نسب المديونية والبطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم وتراكم العجز وتخلف الحكومات عن الايفاء بالتزماتها وهشاشة الاستقرار السياسي وتطور مدركات الفساد والاستقرار السلبي للبيروقراطية. بعض الدول تأثرت بشكل عميق رغم جهود الاصلاح المعلنة، والبعض الآخر تمكن من التعافي وتحسين أفاق الازدهار والأمان.
وقد أبطأت تداعيات الحرب في أوكرانيا وتيرة تعافي أكثر الدول العربية من آثار جائحة فيروس كورونا. وخلّفت الجائحة والحرب الدائرة في أوكرانيا تداعيات كبيرة مباشرة وغير مباشرة على جودة حياة المواطن خاصة بالنسبة لتآكل القدرة الشرائية بسبب التضخم ومحدودية الوصول الى بعض الخدمات والسلع الأساسية. كما برز تفاوت كبير بين الحكومات العربية في الاستجابة لهذه التداعيات والتحديات والقدرة على توفير مناخ أكثر أماناً للشعوب وبأدنى المخاطر.
عموماً، يمر العالم العربي بفترة صعبة تتجلى في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتردي معدل الاستثمار، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة. لكن تشير التوقعات الى أن قوى اقتصادية عربية قد تعزز ازدهارها مع توقعات متفائلة بزيادة الفرص أمامها لتوسع نفوذها الجيوسياسي والتجاري. ومن بين تلك الدول العربية برزت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة[38].
وقد نجحت دول الخليج خلال عام 2022، في تعزيز استقرارها وتجنيب نفسها التعرض لتداعيات الاضطرابات العالمية التي سببتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة وصراع الأقطاب والحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة وتفاقم معدلات التضخم وتقلبات الأسواق المالية. تحسن مؤشرات الاستقرار والأمان بدول الخليج كان بفضل الأداء القوي لاقتصاداتها النفطية حسب مؤسسة “” (PWC).
كما قلّص ضعف التعاون العربي خاصة على مستوى التجارة والاستثمارات البينية المشتركة، من آفاق ازدهار الشعوب العربية الذي انعكس على واقع الأمان لديهم. فوق ذلك، فاقم الاعتماد المفرط لعدة دول عربية على الأسواق الأجنبية في الاستيراد من تذبذب استقرار الأسواق المالية وتهديد الأمن الغذائي، اذ بقيت مستويات الاكتفاء الذاتي متدنية في أغلب الدول العربية.
من جهة أخرى، دفع استقرار مستويات الفساد المرتفعة وضعف الحوكمة وتفاقم البيروقراطية وعدم نجاعة الأداء الحكومي وزيادة تدخل السياسة في الاقتصاد الى زيادة احباط الملايين من الشعوب العربية والتي فرضت واقع جديدا تجلى في نمو حركة الهجرة الاختيارية خاصة بين النخب المتعلمة ورواد الأعمال.
ولم تعد الحماية ضد المخاطر المرتبطة بالإرهاب أو الجريمة من تهيمن على نظرة الشعوب العربية للأمن، بقدر ما سيطر مفهوم الأمن الوجودي والأمان الاجتماعي والاقتصادي على تطلعات المواطن العربي. حيث باتت تهديدات مستجدة تضغط على الفرد العربي تتمثل في تهديدات الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتقلص الأمان الوظيفي والمعيشي وتراجع الدعم الحكومي للقدرة الشرائية والحاجة المتزايدة لتعزيز الحريات الاقتصادية ودعم محدودي الدخل. وقد دفع ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر وتراجع معدلات الإنتاج والاستثمار وعجز بعض الحكومات عن تأمين الكثير من الحاجيات الأساسية للمواطنين تحت وطأة تداعيات بوادر ركود عالمي الى خيارات أبرزها اقبال بعض العرب وخاصة النخب على اختيار ملاذات بديلة من أجل بيئة أكثر أماناً.
وقد أثرت ضبابية النظرة المستقبلية لآفاق التنمية في عدد من الدول على في زيادة انخفاض منسوب الثقة بين بعض الشعوب وحكوماتها.
زيادة الطلب على الهجرة واللجوء
زاد عدد طالبي اللجوء من الدول العربية خلال 2022[39] ليبلغ على أقل تقدير وفق تقديرات رسمية نحو 135 ألف طالب لجوء من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[40]. في حين تشير التوقعات ىالى أن هذا الرقم قد يكون نحو نصف مليون اذا تم احتساب حالات الهجرات غير الشرعية.
وقد تصدرت الدول الإسكندنافية كأكثر الوجهات المفضلة للعرب لطلب اللجوء فيها خلال 2022 خاصة السويد والنمسا والدنمارك وفنلندا والنرويج الى جانب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. عربيا مثلت ليبيا والجزائر ومصر أكثر الوجهات العربية لطالبي اللجوء العرب. وتصدر السوريون ترتيب طالبي اللجوء رغم تراجع حركة الهجرة السورية وعودة بعض السوريين الى ديارهم بعد انخفاض مؤشر الصراع.
أغلب طالبي اللجوء من الخليج كانوا من سكان الكويت (أغلبهم من غير المواطنين)، حيث تصدرت الكويت أغلب طلبات اللجوء من الخليج العربي يختارون وجهات مثل بريطانيا وأوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا والدول الإسكندنافية وكندا وأستراليا. وعلى الأرجح أن أغلب طالبي اللجوء من الكويت وبقية دول الخليج من غير المواطنين المحليين.
بالنسبة لسكان المغرب العربي، تركزت حركة الهجرة خاصة الهجرة السرية التي شهدت زيادة اقبال التونسيين والمغاربة على وجهات أبرزها إيطاليا وألمانيا وفرنسا واسبانيا والتي مثلت على التوالي كأكثر وجهات طلب اللجوء والهجرة بالنسبة لشباب المغرب العربي، علاوة على بروز الوجهة الكندية بين أهم الوجهات المفضلة للهجرة. بالنسبة لسكان الشرق الأوسط أتت بريطانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة ودول إسكندنافية كأفضل وجهات الهجرة. اما سكان الخليج فبرزت كندا والولايات المتحدة وأستراليا كأفضل وجهات اللجوء والهجرة.
تأثيرات زلزال سوريا وتركيا على نظرة الأمان لعام 2023
في تصنيف هذا العام، تم التركيز على المخاطر الوجودية وذلك بتقييم حالة الأمان ضد مخاطر التهديدات البيئية والكوارث الطبيعية كالزلازل. فزلزال تركيا وسوريا المدمر هذا العام والذي صنّف من علماء الزلازل والجيولوجيا حول العالم، كواحد من أقوى الزلازل على الإطلاق، مع ضرورة رفع الحيطة من تبعات محتملة خاصة في منطقة الشرق الأوسط النشطة زلزاليا[41]، تم اعتماده ضمن مؤشرات المخاطر المحتملة التي تواجه الشعوب العربية، وتم دراسة مدى توفر الاستعدادات الحكومية لمواجهة الكوارث البيئية والطبيعية المدمرة في كل بلد.
بناءً على بيانات الزلازل من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية[42] صنفت أغلب المخاطر الزلزالية المدمرة في الوطن العربي بين المنخفضة والمعتدلة رغم الاختلاف بين الطبيعة الجيولوجية وخصائص الصفائح التكتونية.
ورغم تباين وقوعها في مناطق نشطة زلزالياً، الا أن أغلب الشعوب معرضة لمخاطر الزلازل وارتداداتها. وفي ظل صعوبة التنبؤ بموعد حدوث زلازل وتغيرات حركة الصفائح التكتونية في الدول العربية، يبقى الاحتمال وارد ما يفرض زيادة مراعات الحكومات العربية وخاصة في الشرق الأوسط تحديث تصاميم البناء لتعتمد معايير أكثر صرامة لامتصاص خطر الهزات الأرضية والزلازل.
وتجدر الاشارة الى أنه بالاعتماد على نتائج دراسات مختلفة، فان لوائح البناء الحالية المعتمدة في أغلب الدول العربية لا تتوافق تمامًا مع مفاهيم التصميم الزلزالي وقوانين البناء الحديثة حول العالم. فأفضل طريقة وأكثرها فعالية للتخفيف من مخاطر الكوارث التي تسببها الزلازل هي اعتماد قيم موثوقة للمخاطر الزلزالية التي يجدر أن تعمل بشكل كبير على تحسين معايير لوائح وقوانين البناء. لكن هناك تباين عربي في اعتماد اللوائح الحالية غير المكتملة وغير الموحدة للتصميم الزلزالي حتى في أغنى الدول العربية كقطر والامارات والبحرين، وهو م يلزم إجراء تقييم شامل جديد لمخاطر الزلازل[43].
صدارة دول الخليج
واصلت دول مجلس التعاون الخليجي تصدرها بقيادة قطر قائمة أكثر الشعوب العربية أمانا خلال 2022 مع نظرة مستقرة لعام 2023. ومثل تنظيم بعض دول الخليج لفعاليات دولية ضخمة، كاستضافة الامارات لمعرض اكسبو دبي، وتنظيم قطر لكأس العالم 2022، حافزا ساهم في تعزز نظرة الثقة والأمان بين الشعوب الخليجية وأسهم أيضا في منح دفعة أكبر لتحقيق نمو قوي رغم توقعات بانخفاضه بشكل طفيف في النصف الثاني لعام 2023 بسبب احتمال التأثر بدخول أكثر من ثلث اقتصادات العالم في حالة ركود. لكن تبقى التوقعات بشأن دول الخليج متفائلة.
المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات توقعت تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي في الدول العربية عام 2023، مدعومًا بتراجعه في نحو نصف الدول العربية بما في ذلك تونس واليمن. في المقابل حققت دول عربية زيادة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2022، تصدرتها الكويت وقطر، في حين تراجع نصيب الفرد من الناتج في دول مثل موريتانيا والمغرب وتونس.
تفاصيل التصنيف حسب ترتيب كل دولة:
1- قطر: أكثر دولة عربية أماناً وسلامة في 2022 (بيئة مستقرة ومزدهرة مع غياب التهديدات المحدقة مع نظرة مشرقة في عام 2023)
تصدر القطريون تصنيف هذا العام. وقد تحسنت مؤشرات الأمان والازدهار في قطر في أغلب المجالات، الا أن مؤشرات المخاطر البيئية بقيت مقلقة رغم الجهود المبذولة في استيعابها. حيث يبقى معدل التلوث مقلقا نوعا ما خاصة على مستوى نسبة انتاج الفرد لثاني أوكسيد الكربون[44]، وهو من أهم مسببات ظاهرة الاحتباس الحراري. أما بالنسبة للتهديدات الوجودية، تبقى درجة مخاطر الانكشاف على الزلازل المدمرة متدنية في حين تحسنت قدرات مواجهة الكوارث بتعزز معايير السلامة وجودة البنى التحتية والسياسات الاستباقية لإدارة المخاطر المحتملة.
تميزت قطر عن باقي الدول العربية في تحسين البنية التحتية خاصة الرقمية وتعزيز كفاءة التنمية البشرية وتطوير نظم التعليم التقليدي[45] والتعليم عن بعد، ورغم التحسن الملحوظ في البنية الرقمية للخدمات ماتزال الحكومة القطرية تحتاج جهدا حكوميا أكبر لتعزيزها وتسهيل تطبيقاتها.
مثل نجاح قطر منقطع النظير في تنظيم كأس العالم الاختبار الأبرز خلال 2022 لتأكيد نهضتها التنموية وانتعاش قطاعات غير نفطية خاصة السياحة والخدمات وتعزز جاذبيتها كنصة واعدة للاستثمارات الأجنبية، كما حسنت من سمعتها العالمية كبيئة آمنة وضمن مستويات تعايش مثالية، حيث استطاعت تقليص المخاطر الأمنية عند الدرجة صفر، كما استفادت قطر من انفراج الأزمة الخليجية وعودة انتعاش نسبة السياحة والاستثمارات والتجارة البينية بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي. استفادت قطر بشكل ملحوظ من انفراج أزمتها مع بعض الدول الخليجية ومصر، حيث تراجعت المخاوف خاصة على مستوى عودة حركة السفر والتجارة وسلسة التوريد والتوزيع، وزادت فرص الازدهار وتعززت مؤشرات الثقة أكثر في مستقبل الأمن والازدهار القطري[46].
ورغم تحديات نمو الدين العام، الا ان الحكومة القطرية نجحت في خفض نسبة مديونيتها مستفيدة من تحسن إيراداتها من الطاقة بفضل تأجيج الحرب الأوكرانية لأسعار الطاقة، والتي أسهمت في زيادة حجم وقيمة صادرات قطر من الغاز المسال الى الأسواق الدولية.
بشكل عام سجلت قطر في أغلب القطاعات المؤثرة في حياة الفرد القطري تحسنا ملحوظا وهو ما يعود بشكل إيجابي على أمان وتفاؤل المواطن القطري في المستقبل (مستوى الدخل المرتفع وتدني البطالة وتحسن الحريات الفردية والتقدم الاجتماعي[47]).
أثرت الحرب الأوكرانية وتداعيات جائحة COVID-19 على إنتاج الغذاء العالمي وإمكانية الوصول إليه، وقد مثّل ذلك مصدر قلق كبير وخطر تجاه مختلف الدول وقدرتها على تحقيق الأمن الغذائي المستقر والمستدام. في هذا الصدد، أدارت قطر بشكل جيد تحديات الأمن الغذائي بفضل نجاعة السياسات والبنية الاجتماعية والتدابير الاستباقية[48]. فضلا عن تشجيع الإنتاج المحلي.
ومثلما عززت الحكومة القطرية سرعة الاستجابة لركود الاقتصاد العالمي، عملت أيضا على تحسين مؤشرات التنمية البشرية والتعليم والتقدم في حلول تحديات جودة التعليم ومواكبة متطلبات مجتمع المعرفة والتميز في الاستثمار في الذكاء البشري وضمان مستقبل واعد لأجيال الغد، مع ضمان استقرار رؤية الرفاه على المدى البعيد مع تحسين الاستجابة للتكيف مع التغير المناخي.
يظل تقييم حالة الأمان في قطر متقدم في اغلب المؤشرات[49]. تبقى افاق الازدهار والاستقرار مشجعة في 2023.
لكن تبرز هناك بعض المخاطر والتحديات التي تواجه خطط التنمية القطرية والمتمثلة خاصة في محدودية التكيف مع التغيرات المناخية، عدم المساواة الرقمية، استمرار تهديدات الأمراض المعدية، بطء النمو الديمغرافي بين القطريين، فضلا عن أزمات الموارد الطبيعية[50] والانكشاف على مخاطر هشاشة الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط في ظل تصاعد تهديدات الصراع بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
2- الامارات:(بيئة مزدهرة مع تحسن لافت لمؤشرات التنمية البشرية وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة واعدة لعام 2023).
حلّ الإماراتيون في المرتبة الثانية بفضل عوامل كثيرة أبرزها تراجع التهديدات الإرهابية للحوثيين مع ابرام صفقة الهدنة بين الأطراف المتنازعة في اليمن. لا توجد قيود أو موانع للسفر الى الامارات لدواعي أمنية. وتعتبر بين أكثر الوجهات العربية أمانا والتي يقصدها ملايين الزوار عبر العالم. كما لا يوجد قلق جدي حول احتمالات تهديدات إرهابية محدقة في الامارات في 2023.
بالنسبة لتهديدات الزلازل، يبقى الاماراتيون آمنون مع استمرار درجة المخاطر من ضعيفة الى متوسطة. وتتمتع الامارات ببنية تحتية ذات جودة عالية لمقاومة احتمالات الكوارث الطبيعية.
وحلت الامارات بين الدول المتصدرة لقائمة البلدان الأكثر نجاعة في محاربة الفساد الإداري وتعزيز نجاعة الأداء الحكومي وتقليص البيروقراطية، كما نجحت الحكومة الامارتية في تقليص نسبة الدين العام، فضلا عن تصدر مؤشرات التنمية البشرية والابتكار. كما شهدت البلاد تحسنا في توقعات النمو لعام 2023 والتي انعكست ايجابا في تحسن مؤشرات الالتحاق بسوق العمل وخفض معدلات البطالة. ورغم تعزز الأداء البيئي بانخفاض طفيف لنسبة مساهمة الفرد في انتاج ثاني غاز أوكسيد الكربون[51] وذلك بفضل تقدم الحكومة نحو ترسيخ اقتصاد أخضر والتخلص من الاعتماد على النفط، بقيت مستويات التعرض لمخاطر التلوث مقلقة.
مثّل تحسين خدمات الرفاه المقدمة للمواطن الإماراتي محور اهتمام الحكومة الإماراتية خلال 2022، حيث شهدت الاماراتيون زيادة تسهيلات ممنوحة في مجالات مختلفة خاصة على مستوى خدمات التعليم والبحث العلمي والابتكار وتعزيز المبادرات الحرة وتحفيز وتيرة تنويع الاستثمار مع استمرار نسب الدعم المرتفعة للأفراد وللقطاعات المبتكرة. كما زاد الرهان على تشريك الكفاءات المحلية في تعزيز نسبة مشاركة الإماراتيين في تحقيق نهضة بلادهم وتنويع ايراداتها والابتعاد أكثر فأكثر على الإيرادات النفطية. حيث زاد التعويل على دعم الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجالات المعتمدة على الابتكار والذكاء الاصطناعي.
على صعيد آخر، قاد نمو قطاع الترفيه والتسلية في تعزز إيرادات السياحة في الامارات. وأسهم تنظيم معرض اكسبو الدولي في الامارات في 2022 في منح دفعة قوية لهذا القطاع.
تصدرت الامارات كذلك سباق الدول النفطية العربية على مستوى جهود التخلص من الصناعة التحويلية والنفطية كمصدر لدخل الدولة وتعزيز مناخ الاقتصاد الصديق للبيئة. علاوة على ذلك، نجحت الحكومة الإماراتية في تصدر السباق العربي أيضا نحو التحول الرقمي وتفعيل الحكومة الالكترونية لتسهيل معاملات المواطن فضلا عن زيادة الخدمات عن بعد، وتميزت الحكومة الإماراتية في تحسين منظومة التربية وجودة التعليم[52] خاصة التعليم عن بعد وهو ما سهل على الاماراتيين التكيف مع ظروف الاغلاق التي فرضتها جائحة كورونا دون اضطراب الدراسة وتدني جودة التعليم. وبذلك وفّرت الامارات أفضل بيئة عربياً للأمان التعليمي والتحول الرقمي والاندماج في مجتمع المعرفة العالمي[53].
حسنّت الحكومة الاماراتية مؤشرات التنمية في جميع المجالات[54] ومختلف الظروف مثل الكوارث. وأثبتت قدرة في سرعة الاستجابة للجائحة والتقدم في حلول تحديات التغير المناخي ومواكبة متطلبات عالم المعرفة والاستثمار في الذكاء البشري، واستقرار رؤية الرفاه على المدى البعيد. تعتبر الدولة العربية الوحيدة التي خصصت هيئة حكومية لتنمية مؤشرات سعادة المواطن. وتعتبر الامارات ثالث أفضل بلد موفر لعوامل التقدم الاجتماعي وتطور وتحضر الشعوب (SPI)[55]. ورغم ذلك تبقى مؤشرات السيطرة على التضخم ونسبة البطالة على المدى المتوسط من أهم تحديات الحكومة الإماراتية.
وتقدمت كذلك الامارات في جهود مقاومة ظاهرة الفقر والبطالة من خلال تكثيف الجهود مكافحة الفساد في بيئة العمل والإدارة. لكن تبقى نقاط ضعف أخرى على الحكومة الإماراتية تداركها في المستقبل. تظهر الأمراض المعدية واحتمالات فقاعة الأصول، والتأثر بركود الاقتصادات الكبرى، وأزمات الديون، وضعف نجاعة السيطرة على التغيرات المناخية، ومحدودية إجراءات الأمن السيبراني، فضلا عن أزمات العمالة ومستقبل كلفة المعيشة[56]، من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الاماراتية مستقبلاً.
حققت الامارات تحسنا ملحوظا في تراجع معدلات الجريمة[57]. يميل معدل تصنيف المخاطر الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة الى متوسط منخفض. بلغ ترتيب البلاد في مؤشر السلام العالمي 2021، مرتبة الثالثة عربياً[58]. ويبرر ذلك بوجود احتمالات بدرجة منخفضة للغاية لمخاطر خارجية مرتبطة بالتوترات بين الإمارات وإيران وبين إيران والولايات المتحدة والتي لا تزال مرتفعة والتي قد تؤثر تداعياتها ان حدثت على أمن سكان الامارات. ليست هناك أي توقعات لخطر سياسي داخل قريب حيث تستمر وتيرة التداول السلمي على السلطة.
من جهة أخرى، أدى انفراج الأزمة الخليجية الى تحسن العلاقات مع دول الخليج وخفض خطر تعطل سلسلة التوريد. مستويات الفساد منخفضة إلى حد ما في الامارات، لا سيما مقارنة بالبلدان الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، اتخذت الحكومة خطوات لخفض أكبر لمستويات الفساد[59]، مع تنفيذ عدد من الإصلاحات في السنوات الأخيرة لتحسين آليات الإبلاغ والامتثال. علاوة على ذلك، تركز الحكومة على الإصلاحات الملائمة للأعمال التي عززت الثقة وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. المخاطر الاجتماعية على المقيمين محدودة للغاية حيث ان نسب البطالة والفقر بين المواطنين متدنية جدا. نسبة التسامح في المجتمع عالية بسبب سن تشريعات تدعم ذلك. لكن تظل تحديات الصراع الإيراني الأمريكي التهديد الحقيقي للإمارات ودول الخليج.
3- سلطنة عمان (بيئة مستقرة مع تحسن نسبي لمؤشرات جودة الحياة وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة إيجابية ومحفزة في 2023)
قفز العمانيون الى المرتبة الثالثة في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً هذا العام متقدمين على الكويتيين والبحرينيين، مقارنة بتصنيف العام الماضي.
يعود تحسن ترتيب العمانيين الى انخفاض كبير لمؤشرات التهديدات الأمنية ومدركات العنف والجريمة وتحسن مؤشرات التنمية البشرية فضلا عن تحسن معايير جودة الحياة وتدني معدلات التضخم وتعزز القدرة الشرائية وتحسن جهود مكافحة الفساد. بالنسبة لدرجة الانكشاف على المخاطر الوجودية كالزلازل، يبقى مستوى الخطر معتدلاً.
كما تعزز الأمان الوظيفي للعمانيين بتقليص نسبة البطالة مدفوعة بتوقعات إيجابية لاستمرار نمو الاقتصاد العماني خاصة في القطاعات غير النفطية (أنظر الجدول في الأسفل). كما تحسنت بيئة الأمان في جل المجالات أبرزها متانة الدولة والتنمية البشرية والتقدم الاجتماعي ومكافحة الفساد والحريات الفردية والتحول الديمقراطي[60].
مؤشرات الأمان والسلامة والاستقرار السياسي تعززت أيضا في السلطنة خلال 2022 ومن المنتظر أن تستمر في العام المقبل. فالعمانيون لا يواجهون أي مخاطر خارجية محدقة، فسجل سلطنة عمان يشير الى 0 تهديدات حسب آخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب. كما لم تصدر أي تحذيرات أو قيود للسفر الى عمان في 2022.
بفضل تعزز مناخ السلم والاستقرار الداخلي في عمان، صنفت السلطنة في المرتبة الثالثة عربيا في مؤشر الاستقرار السياسي (أنظر الجدول في الأسفل). وعلى الرغم من امتلاك نحو 16.7 في المئة من العمانيين أسلحة خفيفة أغلبها بهدف الحفاظ على الموروث الشعبي والتقاليد القبلية، استمرت معدلات الجريمة في السلطنة في الانخفاض بسبب تعزز ثقافة التعايش وتطبيق القانون وتعتبر الثالثة عربياً في قائمة أقل الدول تسجيلاً لمعدل الجريمة[61]. كما ارتفع مؤشر السلامة داخل السلطنة. وتتمتع عمان ببنية تحتية من متوسطة الى جيدة مع توفر مرافق السلامة في أغلب الأنشطة التي يزاولها العمانيون أو المقيمون.
وتتميز سلطنة عُمان بدرجة تميل الى الانخفاض من المخاطر، على الرغم من التوترات المستمرة في المنطقة. وتبقى خارج دائرة صراعات جيرانها بفضل سياسة الحياد. وبعد الانتقال السلمي للسلطة، تعزز النظرة الايجابية للاستقرار السياسي للسلطنة.
لكن تبقى مستويات متوسطة من المخاطر المؤسسية، مع اداء منخفض لفعالية الحكومة. رغم ذلك، تبقى المخاطر القانونية والتنظيمية في الوقت الحالي متوسطة، ولأجل تقليصها يحاول صناع السياسة في عمان زيادة كفاءة البيئة التنظيمية كجزء من جهد أوسع لتنويع الاقتصاد بعيدا عن إنتاج النفط.
4- الكويت: (بيئة مستقرة رغم تعثر الأداء الحكومي مع تحسن نسبي لمؤشرات الازدهار مع تصدر مؤشرات التقدم الاجتماعي وتنمية الشباب وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة مستقرة ومتفائلة لعام 2023)
تراجع ترتيب الكويتيين في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً هذا العام الى المرتبة الرابعة بعد أن كان ترتيبهم في المرتبة الثالثة في تصنيف العام الماضي. لكن تبقى الكويت مصنفة بين أفضل الدول العربية أماناً على المديين القريب والمتوسط، مع نظرة ايجابية لبيئة الاستقرار الشامل رغم تعثر الأداء الحكومي في انجاز تطلعات المواطنين.
يحظى الكويتيون بتحسن نسبي لمؤشرات الازدهار فضلاً عن تصدر مؤشرات التقدم الاجتماعي وتنمية الشباب عربياً. كما انخفضت التهديدات المحدقة مع نظرة مستقرة ومتفائلة لعام 2023. لكن محدودية التوافق الحكومي والنيابي تمثل أكبر التحديات المؤثرة على تقييم الأمان الشامل للكويتيين. وفي المجمل، تبقى تحديات تأثير الخلاف السياسي في الإدارة من تربك وتيرة تحقيق البلاد لأهدافها التنموية.
ومن الواضح أن ارتفاع أسعار النفط بين 2021 و2022 والذي أنعش ايرادات الدولة، أنقذ الحكومة من تعمق العجز في الموازنة وتخلفها في ايفائها بالتزاماتها تجاه المواطنين. لكن الفوائض النفطية التي تحققت أبطئت من وتيرة جهود الاصلاح الحقيقي، وهو ما يجعل موارد تحسين أمان الكويتيين مستقبلاً مرتبط أكثر بتقلبات أسعار النفط والاستثمارات الخارجية.
ورغم اعلان الحكومة رهانها على توظيف الكفاءات الكويتية الشابة، الا انها لم تنجح في تعزيز الفرص الوظيفية التي تنسجم مع المهارات المتوفرة، كما لم تقلص بشكل كافي من بطالة الشباب الكويتي. وهو ما يؤثر سلباً في مؤشر الأمان الوظيفي.
يستفيد الكويتيون من بنية تحتية متطورة عززت من مقومات الأمان والسلامة والطوارئ، لكن تبقى جودتها متوسطة بالنظر لمحدودية قدرتها على مواجهة التحديات الديمغرافية والمناخية الضاغطة. وحسب رصد لأهم الأزمات الطارئة التي اعترضت الحكومة في العقد الماضي، تبقى البنية التحتية الكويتية معرضة لخطر الهشاشة خاصة في مواجهة حالات الطوارئ والكوارث كالسيول والفيضانات والهزات الأرضية والأوبئة.
على صعيد آخر، بسبب محدودية كفاءة ادارة التغيرات المناخية، يبقى الكويتيون معرضون لمخاطر التعرض لزيادة حدة التلوث والانبعاث الغازي. أما على مستوى التهديدات الوجودية، يبقى الكويتيون في أمان من الكوارث الطبيعية الصاعدة كخطر التعرض للزلازل رغم محدودية التنبؤ به، حيث تبقى درجة المخاطر الزلزالية معتدلة لكن مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر.
عموماً، يعزى تأخر ترتيب الكويتيين في تصنيف هذا العام لأكثر الشعوب العربية أمانا وازدهارا 2022 مع توقعات 2023، الى تأثيرات تعثر الاستقرار السياسي والحكومي على واقع حياة الكويتيين وتطلعاتهم، فضلا عن غياب رؤية منسجمة وموحدة للتغيير الايجابي المنشود، وهو ما خفّض من تقييم درجة الأمان الشامل الاجتماعي والاقتصادي خاصة بالنظر لعدم حسم حلول للقضايا العالقة كتنويع موارد الدولة وقضية التوظيف والتركيبة السكانية وهشاشة الأمن الغذائي والبيئي.
بالإضافة الى زيادة تدخل السياسة في التوجهات الاقتصادية والتنموية مع رصد مؤشرات لوجود رغبة حكومية لاحتكار صلاحية اتخاذ القرار وأولويات الاصلاح، استمرت رغبة الحكومة في محاولة استيعاب مجلس الأمة وتطلعات نوابه، دون الانفتاح على تعاون حقيقي يوحد الرؤى الاصلاحية من أجل خدمة مصالح المواطنين.
ويتضح أن المواطن الكويتي من يتحمل تكلفة عدم الانسجام الحكومي والنيابي. كما يعاني المواطن من تداعيات استمرار الفساد رغم جهود محاربته الانفعالية والمتذبذبة، حيث تبدو الحرب على الفساد انتقائية مع انتشاره في الادارات الوسطى والصغرى.
تراجع الكويتيين في ترتيب أكثر الشعوب العربية أماناً لا يوصف بالمقلق على المدى القريب، وذلك بفضل استقرار محفزات الأمان والتفاؤل الرئيسية التي تدعمها الارادة السياسية الطامحة لتصحيح المسار السياسي والتنموي من أجل تحسين جودة حياة المواطنين. حيث تعزز مناخ الحريات بشكل حذر مع اعلان قرارات العفو عن سياسيين وسجناء رأي خاصة من صفوف المعارضة علاوة على استمرار خيار الدعم الحكومي للمواطنين رغم تحديات التضخم والأزمة الاقتصادية العالمية التي فرضتها تداعيات جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا.
الا أن ارتفاع معدل التضخم الذي التهم حيزا هاماً من المقدرة الشرائية للمواطنين مع عدم السيطرة الحكومية عليه الى جانب استقرار نسبة بطالة الشباب العالية (17 في المئة) وتعثر جهود الإصلاح ومقاومة الفساد رغم بعض التحسن، تمثل أبرز تحديات الكويتيين في 2022 وتستمر الى العام الجاري. فوق ذلك، تستمر النظرة المقلقة لتعثر تجربة المشاريع الصغيرة رغم الدعم المرصود لها، بالإضافة الى نقص كفاءة الإدارة وعشوائية اتخاذ القرار بدون دراسة مسبقة فضلاً عن شعبوية وانفعالية بعض المطالب النيابية ازاء أهداف الاصلاح والتغيير. كل هذه الظروف مثلت عوامل هشاشة استقرار التعاون بين السلطتين بعد أشهر قليلة من انتخاب مجلس أمة جديد في 2022.
نقص التعاون والتوافق بين الحكومة ومجلس الأمة دفع لإرباك ترتيب الأولويات التنموية الهادفة لرفع درجة أمان الكويتيين. هذا الارباك انعكس سلباً على وتيرة انجاز المشاريع الكبرى المتعثرة ومحدودية انسجام جهود مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في اعتماد خطط تنموية لا تعول على صناعة النفط الملوثة. حيث تبقى الكويت بين أكثر دول الخليج تعويلا على موارد المحروقات مع جهود تنويع محدودة للموارد.
ورغم تحقيق بعض الفوائض المالية بفضل تداعيات الحرب الأوكرانية التي ضخمت أسعار الطاقة بسبب اضطراب الإمدادات النفطية الروسية، الا أن مخاطر عودة تسجيل عجز في الموازنة مستقبلا تبقى كبيرة مع احتمالات تقلص الطلب العالمي على النفط إذا تم حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا فضلا عن خيار أوروبي لتقليص التعويل على الطاقة الأحفورية في المدى المتوسط.
اعتماد الكويت على قطاعات غير صديقة للبيئة أضاف مصادر قلق وضغط على جودة البيئة الصحية للكويتيين. ورغم الموارد المالية المتاحة، ما تزال كفاءة إدارة الانفاق الحكومي محدودة. كما تعيق البيروقراطية وتضارب المصالح وبعض الخيارات الشعبوية لعدد من النواب تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي الشامل بعيدا عن منظومة الريع وتعطل انتعاش الاستثمار في القطاع الخاص وخاصة مبادرات المستثمرين الشبان.
ورغم هذه التحديات تعززت توقعات النمو في 2023، وتحسنت مؤشرات التنمية في البلاد وذلك بتصدر الكويت أقل الدول العربية مديونية (أنظر الجدول في الأسفل). كما حافظت الكويت على ريادتها للدول العربية في مؤشر التقدم الاجتماعي[62]. كما تعتبر بيئة الكويت الأكثر تنافسية وتحفيزا للمواهب على المستوى العربي. مثّل استقرار ديمقراطيتها[63] الدافع الإيجابي للاستقرار المجتمعي. وحلت الكويت متقدمة عربيا وعالميا في ترسيخ مقومات التقدم الاجتماعي حيث يميل مؤشر السلم المجتمعي الى الاستقرار في 2022 بفضل تعزز السياسات المشجعة لوحدة مكونات المجتمع ومناهضة التفرقة والتمييز ودعم المحاسبة والمساواة أمام القوانين وممارسة الحياة الديمقراطية بلا قيود قاهرة.
لكن تبقى تحديات محدودية استقرار العمل الحكومي وتأثير الخلاف السياسي في الإدارة من تربك وتيرة تحقيق البلاد لأهدافها التنموية.
الحراك السياسي والعفو عن بعض رموز المعارضة هذا العام وان كان مؤشر إيجابيا على العمل الديمقراطي، الا أن مخاطر عدم التعاون بين السلطتين قد تؤثر بشكل واضح في اضطراب وتيرة الإصلاح وانجاز مشروعات التنمية وقد تحد من كفاءة العمل الحكومي في إدارة المرحلة المقبلة.
النظرة لعام 2023 مستقرة على مستوى تقدم المؤسسات الكويتية في تحقيق أهداف التنمية البشرية، لكن هناك قلق حول استمرار وجود نقاط ضعف على مستوى التنسيق المؤسسي واسمرار عائق البيروقراطية كمعرقل لجهود دعم الابتكار و “جودة التعليم” فضلا عن تحديات أخرى أهمها مدركات الفساد التي تبقى مقلقة[64] رغم تحسن تصنيف الكويت في مؤشر الفساد، حيث تبقى الكويت متأخرة مقارنة بمؤشرات بقية دول الخليج خاصة على مستوى مكافحة هذه الظاهرة على مستوى الإدارات المتوسطة والصغرى.
على صعيد آخر، تثير نسب العنف ومعدلات الجريمة[65] المرتفعة نسبيا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي قلقا خاصة على مستوى محدودي نجاعة السيطرة على هذه الظاهرة. رغم التحديات المذكورة، تحسنت بيئة العيش الآمن ومناخ السلام في الكويت[66]. ولا يواجه المقيمون فيها أي أخطار أو تهديدات قريبة تطال سلامتهم في 2023. وقد مكّنت سياسة الكويت المعتدلة من تعزز ترتيبها في مؤشر السلام العالمي (GPI) الى المرتبة الثانية عربياً[67]. حيث تراجعت مؤشرات المخاطر الداهمة الداخلية أو الخارجية.
لم تصدر أي قيود أمنية على السفر الى الكويت منذ بداية العام الجاري. لكن وان تدنت مستويات المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية المحدقة في 2022، رغم ذلك توصي عدد من السفارات بضرورة اتخاذ الحيطة اثناء زيارة البلاد بسبب مخاوف من احتمالات تداعيات الانكشاف على مخاطر الصراع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.
على الرغم من توقعات احتدام حرب باردة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، ليس هناك أي ترجيح لمخاطر مباشرة على أمان سكان الكويت، حتى وان اندلعت، وذلك بفضل ناي السياسة الكويتية عن الدخول في صراعات، ناهيك عن علاقتاها المتوازنة مع جميع القوى وتعزز قدراتها الدفاعية. ويعتبر معدل المخاطر الداخلية في الكويت بين ضعيف ومتوسط ومرتبط بمستقبل الصراع السياسي والحراك الداعي للتغيير ومحاربة الفساد، بينما زادت توقعات وجود حراك سياسي معارض او احتجاجات بين فئة البدون خلال 2023 بسبب عدم حسم حلول لقضيتهم ومطالبهم، حيث أثبتت سياسات التهدئة والاستيعاب وتأجيل الحل التي يميل اليها النظام السياسي محدودية فعاليتها. ويمثل تأجيل الحلول كلفة باهظة تتراكم عبر الزمن وقد تصبح عبئاً تنمويا.
وقد مثل ارتفاع الطلب على اللجوء من الكويت مؤشرا مقلقا على هشاشة مقومات الاندماج المجتمعي خاصة بين فئة غير محددي الجنسية أو المقيمين بصورة غير قانونية. وصنفت الكويت كأكثر دول الخليج في مؤشر الطلب على اللجوء في 2022 خاصة بين فئة البدون الذين يئس بعضهم من إمكانية الاندماج في المجتمع.
على صعيد آخر، تواجهه الكويت أيضا مثلها مثل أغلب دول الخليج مخاطر النسب المرتفعة حسب الفرد لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري[68]، وهو ما يدعو البلاد الى ضرورة خفض نحو 20 طن متري للفرد خلال السنوات المقبلة من أجل بلوغ هدف بيئة صحية لأجيال المستقبل.
من جهة أخرى، شهدت البنى التحتية في الكويت تطورا ملحوظا رغم بعض الانتقادات لها خاصة في تعاملها مع الكوارث الطبيعية كالفياضات والسيول الا ان هناك تدارك وان كان متعثرا للإصلاح، بينما تعتبر أهم المرافق الحيوية كالموانئ والمطارات والجسور والطرقات آمنة في ظل مشاريع تحسين البنى التحتية. وما قد يكون مقلقا هو الارتفاع السنوي للمستمر لدرجات الحرارة في فصل الصيف. كما تعتبر نسبة الفقر بين المجتمع متدنية جدا في ظل معدل قدرة شرائية أكثر من المتوسط. لكن هناك قلق حول نسبة البطالة خاصة بين الشباب واحتمالات خفضها تتطلب الابتعاد عن تسييس الحلول.
بالنسبة للأمن الداخلي فانه يرتبط باتجاهات الأمن الاجتماعي للمواطن المرتبط أساسا بالتنمية. فرغم أن الكويت دولة غنية، إلا أن جهود تنويع إيراداتها محدودة بسبب شعبوية بعض خيارات نواب مجلس الأمة التي تتمسك بدولة الريع وتحد من تنفيذ اصلاحات تهدف لتنويع قاعدة الايرادات. ونظرًا لأن القطاع العام لا يزال يلعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد، فإن خطر التدخل السياسي من متوسط إلى مرتفع.
تتخلف الكويت عن نظيراتها من دول الخليج على مستوى الاستثمار، حيث يصنف معدل المخاطر القانونية والتنظيمية بين متوسط الى مرتفع. وعلى الرغم من ثروة الكويت النفطية الهائلة، يؤدى الشلل السياسي إلى تباطؤ الاستثمارات العامة، حيث ركزت النفقات على زيادة الرواتب والمزايا أكثر من أولويات التنمية غير النفطية.
وتواجه البلاد مقترحات إصلاحات كبرى على مستوى ترشيد سياسات الدعم والتوظيف العشوائي والتي من شأنها تقليص أعباء الإنفاق والتي قد يكون عليها خلاف كبير بين الحكومة ومجلس الأمة. ومع ذلك، فقد أدت سياسات البلاد المالية إلى زيادة كبيرة في المدخرات التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار (صندوق سيادي) وبلغت نحو أكثر من 700 مليار دولار[69].
على صعيد آخر، هناك قلق من أن تعثر الممارسة الديمقراطية في الكويت بسبب تنازع المصالح قد يقوض النمو ويبطئ التغيير التنظيمي. اذ تعتبر الكويت بطيئة في تنفيذ أي اصلاحات من شأنها تقليص العقبات التنظيمية ودعم الاستثمار. ومع ذلك، من المحتمل أن تظل البلاد متمتعة بملائة مالية واستقرار على المدى المتوسط بفضل انتعاشة أسعار النفط، مما يوفر لها مرونة مؤقتة لمواجهة أي صدمات خارجية.
تبرز نقاط ضعف وجب على الحكومة الكويتية تداركها بسرعة أبرزها استمرار معدل الجريمة المرتفع، فضلا عن ظاهرة المخدرات، وهي ظواهر مؤثرة على السلم والامن الاجتماعي. وتتداخل أيضاً حالة السلم المجتمعي في جزء منها مع إشكاليات عمالة هامشية مرتفعة، ووضعية فئة غير محددي الجنسية “البدون” غير المحسومة والتي قد تتحول الى بركان متفجر في المدى المتوسط. ينضاف الى ذلك زيادة تحسين قدرة البنى التحتية لمواجهة تغيرات مناخية مستقبلية قد تكون حادة ومتقلبة. الى ذلك يشار الى ان نسبة تراجع حيازة المدنيين لأسلحة خفيفة غير كافية رغم حملات التقليص منها.
تبرز أيضا بعض المخاطر مثل احتمالات الانكشاف على احتمال انفجار فقاعة الأصول في الاقتصادات والأسواق المالية الكبرى، فشل إدارة التكنولوجيا، تزايد الأضرار البيئية من صنع الإنسان، انهيار أو نقص أنظمة الضمان الاجتماعي، اضطراب الجغرافيا السياسية للموارد الاستراتيجية وزيادة تذبذب الأمن الغذائي، واستمرار المخاوف من احتمالات التعرض للأمراض المعدية[70].
5- البحرين: (بيئة مستقرة مع تحسن في مؤشرات الازدهار وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة مستقبلية واعدة لعام 2023)
تراجع تصنيف البحرين هذا العام الى المرتبة الخامسة في قائمة أكثر الشعوب العربية أمانا مقارنة بتصنيف 2021. حيث أثر ارتفاع حجم الدين العام ونسبة البطالة على واقع الأمان الوظيفي والمعيشي.
بالسبة للمخاطر الوجودية الكوارث المدمرة، يبقى البحرينيون في أمان مستتب، حيث استمرت درجة المخاطر الزلزالية من ضعيفة الى معتدلة.
على صعيد آخر، اتضح انكشاف الاقتصاد البحريني على مخاطر تداعيات الحرب الأوكرانية وتبعات الجائحة خاصة على مستوى تراجع إيرادات البلاد، الا أن الحكومة سعت لإنعاش الاقتصاد والسيطرة على نمو معدلات البطالة وتجنب تفاقمها بشكل كبير. كما تواجه البحرين كذلك مخاطر ركود اقتصادي طويل الأمد مع أزمات الديون وتضخم تكلفة المعيشية فضلا عن محدودية نجاعة تدابير الأمن السيبراني[71].
ومثّل قطاع التوظيف ووتيرة عجز الموازنة نقطة ضعف المملكة التي تفوقت فيما عدا ذلك على مستوى تحفيز مؤشرات التنمية المستدامة ومتانة الدولة والاقتصاد وحتى على مستوى التقدم الاجتماعي[72] فضلا عن جهود تقليص مخاطر التعرض للتلوث الى جانب تعزيز التنمية البشرية والسيطرة على الجريمة.
فوق ذلك، صنفت البحرين بين أقل الدول العربية انكشافا على مدركات الفساد بسبب نجاعة الأداء الحكومي في الإصلاح الإداري وتقليص تأثيرات البيروقراطية. كما حسنت الحكومة البحرينية من تموقعها العالمي على مستوى الامن الغذائي، حيث لا يواجه البحرينيون أي مخاطر في الوصول الى الغذاء.
بالنسبة لدرجة الأمان الشخصي للأفراد فهي مرتفعة. في المجمل، لا تواجه البحرين تهديدات ارهابية جدية. وليس هناك قلق تجاه السفر اليها حسب دراسة تحديث تحذيرات وكالات الأسفار العالمية والسفارات الأجنبية لكن تبقى التوصيات بتوخي الحيطة والحذر أثناء خشية احتمالات تأثر المملكة بتداعيات الصراع الإيراني الأمريكي الاسرائيلي. كما تجدر الإشارة الى أنه لا تواجه مملكة البحرين مخاطر داخلية سياسية أو أمنية أو اجتماعية داهمة في 2023. اذ ارتفع معدل الأمان فيها في حين انخفض معدل الجريمة. ويستمر انتشار السلاح بين المدنيين في البحرين الأقل خليجياً. اذ لا يمتلك سوى نحو 12.8 في المئة من البحرينيين أسلحة خفيفة.
على مستوى الأمن الداخلي، يبقى مؤشر السلامة مرتفعاً. وتتمتع المملكة ببنية تحتية جيدة وأنظمة سلامة في أغلب قطاعاتها الحيوية وخاصة المساكن ومواطن العمل والمرافق الحساسة. وسجلت البحرين تراجعا ملحوظا لدرجة القلق من احتمالات تصاعد مخاطر الاستقطاب المتزايد وحساسية العلاقات المتوترة بين المنامة وطهران، هذا التراجع أثّر إيجابا على ترتيب البحرين في مؤشر السلام الدولي الذي أصبح عند 99 في قائمة أكثر دول العالم أمنا[73] مقارنة بمرتبة 124 عالمياً في 2020. هذا التحسن الملحوظ انعكس إيجابا أيضا على مناخ الاستثمار رغم تحديات الحرب الأوكرانية وآثار الجائحة. وقد يتضح أكثر في 2023. وبذلك تراجع تصنيف معدل المخاطر العام في البحرين الى منخفض مع نظرة مستقرة مقارنة بمتوسط العام الماضي.
ويعتبر ترتيب البحرين متقدما في مؤشر التنمية البشرية (HDI[74])، رغم ذلك تعاني بعض مؤسسات البحرين من ضعف هيكلي وبيئة أعمال هشة مع وجود مخاوف من قلق حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي الداخلي الذي يعزى بشكل رئيسي إلى عجز مالي متفاقم في البحرين في السنوات الأخيرة عمقته تداعيات الجائحة، مما أدى إلى ارتفاع الدين الحكومي من نحو 100 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 الى نحو 130 في المئة في 2022[75].
6-السعودية (بيئة مستقرة مع تحسن مضطرد لمؤشرات التنمية والازدهار مع غياب التهديدات المحدقة ونظرة ايجابية لعام 2023)
حافظ السعوديون على المرتبة السادسة في تصنيف هذا العام لأكثر الشعوب العربية أمانا مقارنة بتصنيف 2021. وعرفت المملكة تسارع وتيرة تحولات اقتصادية واجتماعية مدفوعة بإرادة سياسية لإحداث نهضة شاملة للسعودية في مجالات الاستثمارات المبتكرة ومشاريع الترفيه والسياحة. وقد جمعت الحكومة السعودية بين أولويات الاستثمار في التعليم والترفيه من اجل تحسين جودة الثروة البشرية التي تعززت مشاركتها في الإدارة السعودية وعززت من كفاءة الأداء القطاع الحكمي الخاص في ظل زيادة تطبيق معايير الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد، وهو ما عزز من نمو القطاعات التشغيلية وخفض معدلات البطالة.
رغم ذلك تواجه المملكة بعض المخاطر مثل عدم استقرار مسارات الأسعار، زيادة الأضرار البيئية من صنع الإنسان، مشاكل مؤسسية وهيكلية، الركود الاقتصادي المطول[76]. أما بالنسبة للمخاطر الوجودية كالكوارث الطبيعية مثل الزلازل، تبقى درجة تعرض السعوديين لمثل هذه المخاطر منخفضة الى معتدلة. فضلا عن تعزز معايير سلامة البنى التحتية.
استفادت المملكة من تعزز الإيرادات النفطية بعد الحرب الأوكرانية لتحقيق فوائض مالية وزيادة الانفاق على الخدمات ودعم المواطنين وخلق فرص عمل خاصة من خلال تشجيع بع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تحسنت مستويات الاندماج المجتمعي والمشاركة في اتخاذ القرار وتمكين الشباب والمرأة في المملكة التي تراهن قيادتها السياسية على توسيع دائرة المشاركة في تحقيق الرؤية التنموية للبلاد وعزيز انفتاح المملكة وتحسين مناخ التعايش فيها. رغم ذلك واجهت السعودية تحديات ضخمة مثل استمرار مخاطر التعرض لإرهاب الحوثيين في اليمن. رغم ذلك تحسنت مستوى الأمن والسلم الداخلي في 2022.
ورغم هذه التهديدات زاد مؤشر الثقة في القيادة السياسية في إمكانية ردع مثل هذه المخاطر. ودعم النظرة المستقرة للسعودية تعزز الخيارات الديبلوماسية للمملكة في التعامل مع حلفائها او مع مصادر المخاطر. ومثّل تدخل السعودية في حلّ الأزمة الخليجية وحرصها على انهاء الصراع اليمني وإيجاد حل للأزمة السورية ودعم ديبلوماسية الوساطة في تهدئة التوتر في أكثر من منطقة عربية كتونس وليبيا فضلا عن دعم حلول الحوار والسلام لخفض التوتر بين المغرب والجزائر على خلفية الصراع القديم الجديد على سيادة الصحراء الغربية، ومثل تركيز الديبلوماسية السعودية على خيارات حل النزاعات سلميا دليلا على تعزز صداقات المملكة مع محيطها والمجتمع الدولي وهو ما ينعكس إيجابا على تعزيز مناخ السلم الداخلي وتقلص المخاطر المحدقة بالمملكة.
وتبقى المملكة آمنة ضد التهديدات الإرهابية الداخلية، اذ ليس هناك قلق جدي لاحتمال أعمال عدائية تهدد المقيمين حسب آخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب، لكن تصاعدت تحذيرات وكالات الأسفار والسفارات الأجنبية بضرورة توخي الحذر إزاء احتمال توتر الصراع الإيراني الأمريكي. ورغم استمرار التوتر مع الحوثيين في اليمن، تحسن ترتيب المملكة في مؤشر السلام الدولي من 125 العام الماضي الى 119 هذا العام[77].
تجدر الإشارة الى عدم وجود مخاطر خارجية او داخلية داهمة في 2023 على السعوديين. حيث تعزز الامن الداخلي ومكافحة الجريمة[78] المنظمة والتطرف.
رغم التحسن، يبقى مؤشر السلامة الداخلية متوسطا بسبب ضعف جودة البنى التحتية ومرافق السلامة التي تبلغ درجة جودتها من متوسطة الى منخفضة. الى ذلك لا توجد مخاوف من مخاطر على السلم الاجتماعي حيث تبقى مكونات المجتمع مترابطة وتسعى الحكومة لزيادة تعزيز الدعم الاجتماعي للمواطنين خاصة من خلال زيادة فتح أسواق العمل لاستيعاب البطالة. حيث تعتبر البطالة أكثر عامل ضغط يؤثر سلبا على الأمن الاجتماعي، وقد دفعت ظروف الجائحة نسبة بطالة الشباب الى الارتفاع الى نحو 20 في المئة[79].
من جهة أخرى لا تزال التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران قضية مهمة وتداعياتها أكثر أهمية على مستقبل الامن القومي السعودي. وقد خفضت مساعي كل من إيران والمملكة لحل الخلاف المشترك سليما وعبر المفاوضات من مخاوف المواجهة العسكرية.
بقيت السعودية متأخرة نوعا ما في مسار التقدم الاجتماعي مقارنة ببقية دول الخليج الا انها نجحت بشكل ملفت للنظر في القفز في مؤشرات التنمية البشرية وراهنت على نهضة المجتمع السعودي من خلال تحسين جودة تعليمه حيث تصنف الثانية عربيا في مؤشرات التنمية البشرية والتعليم والابتكار حيث تتصدر قائمة الدول العربية في مجال الابتكار والابداع[80].
انخفضت درجة المخاطر المؤسسية من مرتفعة إلى متوسطة بسبب تحسن جهود مكافحة الفساد[81] ويعكس ذلك تحسن مؤشرات الحوكمة رغم استمرار البيروقراطية المفرطة التي تؤثر سلباً على بيئة الازدهار والعمل. في مقابل ذلك تبذل الحكومة السعودية جهودا للقيام بالإصلاحات الضرورية لحل هذه الإشكاليات في ظل رؤية السعودية 2030.
7- المغرب: (بيئة مستقرة مع تحسن لمؤشرات التنمية والرفاه وغياب التهديدات المحدقة مع استمرار توتر في علاقة الجوار ونظرة ايجابية في 2023)
قفز المغاربة أو المغربيون الى المرتبة السابعة في تصنيف هذا العام مقارنة بتصنيف العام الماضي رغم تداعيات الحرب الأوكرانية وآثار الجائحة واستمرار التوتر على الحدود المغربية الجزائرية. تحسن ترتيب المغاربة في قائمة أكثر الشعوب العربية أماناً يعود الى تعزز استقرار وفاعلية الأداء الحكومي وخفض حجم الاثار السلبية لتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية. بالإضافة الى ذلك عزز المغرب من مقومات الأمان الوظيفي بتقليص معدلات البطالة والأمن الاجتماعي بميل نحو التراجع لمعدلات الفقر المدقع. كما نجح المغرب في زيادة تنويع إيراداتها خاصة بدعم الاستثمارات التكنولوجية وذات القيمة المضافة مع زيادة استقطاب أصحاب الكفاءات.
بالنسبة للمخاطر الوجودية كالكوارث الطبيعية المدمرة، تبقى المغرب آمنة، حيث أن النشاط الزلزالي في أراضيها يعتبر طفيفا ودرجة المخاطر معتدلة لكن مع أخذ الحيطة. كما أن هناك نقاط ضعف يمكن للمغرب تداركها على زيادة الحاجة لتحسين البنى التحتية وفق معايير السلامة المطلوبة لمواجهة المخاطر الطبيعية.
المغرب خلال 2022 دعم مؤشرات الأمن والسلام وحسّن موقعه في مؤشر جودة الحياة وزاد من تطوير بنية تحتية صديقة للبيئة. كما حسن من حوكمة ادارته وفاعليتها وقلص من عراقيل البيروقراطية، وهو ما انعكس إيجابا على زيادة تسهيل الخدمات المقدمة للمواطنين.
وقد تفوق المغرب في خفض تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وإدارة أزمة آثار جائحة فيروس كورونا (covid19) على الاقتصاد والمجتمع. حقق المغرب خطوات إيجابية في تعزيز الانتعاش الاقتصادي وكبح التضخم الأمر الذي انعكس على زيادة الثقة في القيادة السياسية وترسيخ الاستقرار السياسي، كما نجح المغرب في تصدر جهود كفاءة إدارة التحديات البيئية عربيا، فضلا عن زيادة تشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة. وتعتبر بيئة المغرب بين الأقل تلوثا عربيا والأكثر تقدما نحو مرحلة الاقتصاد الصديق للبيئة.
وان تفوق المغرب في مجالات مختلفة مرتبطة بتحسن أمان المواطنين، لكن تبقى هناك نظرة مقلقة لمستويات مدركات الفساد ومعدلات الجريمة المرتفعة[82]. الى ذلك يبرز تحد كبير امام الحكومة المغربية لتحسين مؤشرات التقدم الاجتماعي والتنمية البشرية والنهوض بجودة التعليم[83]. تبقى ممارسة الحريات مضمونة في المغرب لكن هناك بعض التحديات على مستوى ضعف مشاركة المرأة في بعض المجالات خاصة على مستوى الالتحاق بسوق العمل وعلى مستوى اتخاذ القرار.
كما تبرز السيطرة على نسبة البطالة[84] احدى اهم تحديات الحكومة المغربية في المستقبل، حيث ان عدم السيطرة عليها قد تكون عامل خلق اضطرابات اجتماعية.
في المجمل يواجه المغرب على المدى القريب والمتوسط بعض المخاطر الاستراتيجية تمثل تحديات أمام الحكومة المغربية تتلخص في أزمة الموارد الطبيعية، أزمة البطالة وكلفة المعيشة، تأثيرات الركود الاقتصادي العالمي، عدم المساواة الرقمية، التغيرات المناخية، والانكشاف المحدود على الصراعات الاقليمية والدولية.[85]
يبقى الصراع على الصحراء الغربية عامل عدم استقرار حول مستقبل الازدهار في المغرب والمنطقة المغاربية بأسرها، اذ ان تسوية هذا النزاع قد يقفز بمؤشرات التنمية المغربية والجزائرية معا.
يبقى المغرب يصنف بين أهم وجهات السفر والسياحة الآمنة على مستوى العالم العربي. في 2023 ترجح التقديرات ألا تواجه المغرب أي أخطار خارجية أو داخلية ملموسة أو داهمة حيث لا تواجه المملكة مخاطر إرهابية جدية محدقة حسب آخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب.
وفي ظل الاهتمام المتصاعد بالأمن والسلم الاجتماعي، تسعى قوات الأمن المغربية الى زيادة تأمين أهم المرافق الحسّاسة وجل المدن، لكن تبقى هناك بعض التحديات الأمنية في المناطق الحدودية. وان كان المغرب يستحق أن تصنف بين أوائل الدول العربية الأكثر أماناً الا أن معدل الجريمة المرتفع نوعا ما حسب تحديث المؤشر الدولي للجريمة، يضغط سلبا على ترتيب المغرب. وتعتبر مكافحة الجريمة بين اهم التحديات المستقبلية للمغرب للقضاء على مسبباتها. ورغم انتشار السلاح المحدود بين المدنيين في المغرب، حيث لا يتعدى نحو 4.8 في المئة من المدنيين الممتلكين لأسلحة خفيفة، يبقى رهان تحقيق الامن الشامل في المغرب أحد اهم أولويات الحكومات المغربية المتعاقبة، اذ أن اهتمامها بأن تكون بلدا آمنا ومستقرا يطغى على كل الأولويات. حيث ارتفع مؤشر سلامة مرافق بيئة الحياة والعمل في الداخل المغربي. على سبيل المثال تشهد البنية التحتية للنقل جودة آخذة في التحسن. اذ ارتفعت جودة الموانئ والطرق وفقًا للمعايير الدولية.
في المجمل، تصنف درجة المخاطر العامة في المغرب من منخفضة الى متوسطة، مدفوعة جزئياً بخطر الجريمة المنظمة والاحتجاجات وتداعيات التوتر على الحدود مع الجزائر. حيث تواجه البلاد نزاعات حدودية ضد جبهة البوليساريو التي تطالب بحكم ذاتي في ظل “نزاع الصحراء الغربية” المستمر منذ عام 1973.
8- الجزائر: (بيئة مستقرة مع توقعات بتحسين مؤشرات الرفاه والازدهار وغياب التهديدات المحدقة مع استمرار جمود العلاقات الرسمية مع الجارة المغرب، مع نظرة مستقبلية مستقرة لعام 2023)
تقدم الجزائريون في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناَ هذا العام. هذا التقدم يعزى الى السياسات الحكومية الاستباقية الصارمة التي اتخذتها حكومة الجزائر في خفض نسبة مخاطر التعرض لتداعيات الحرب الأوكرانية والتي فاقمت تحديات أزمة اقتصادية عالمية وموجة تضخم آخذة في التصاعد.
عملت حكومة الجزائر على تعزيز الدعم الحكومي للقدرة الشرائية للمواطنين، كما عملت على دعم خلق المشاريع الصغرى والمتوسطة وحفزت مبادرات الشباب الجزائريين ما أنعش الاقتصاد المحلي وزاد نسبة التوظيف وقلّص من نسبة البطالة في حين بقيت نسبة الفقر متدنية.
بالنسبة للمخاطر الوجودية كالزلازل المدمرة، يعتبر الجزائريون في مأمن مع درجة خطر معتدلة لكن مع أخذ الحيطة ومراجعة معايير سلامة البنى التحتية والمباني.
عموما، نجحت الجزائر بفضل تعزز مواردها النفطية خلال 2022 من كسب فوائض مكنتها من تمويل الإنفاق على الخدمات والاستثمارات الداعمة لازدهار الجزائريين. كما استطاعت تقليص نسبة الدين العام بشكل كبير وأصبحت بين أقل الدول العربية تداينا (أنظر الجدول في الأسفل). حيث تعززت احتياطات الجزائر المالية وحالت دون انكشافها على مخاطر التداين الخارجي مقارنة بدول أخرى. وهو ما يعزز النظرة المستقرة للأداء الحكومي الهادف لتحسين مؤشرات الرفاه والاستقرار للجزائريين خلال 2023. رغم ذلك يستمر ألاف الجزائريين في اختيار الهجرة وطلب اللجوء في دول أوروبا، بدعوى البحث عن العمل والإقامة في ظل عدم حسم أزمة البطالة واستمرار الانكشاف على مدركات الفساد وبيروقراطية الإدارة التي تعطل النهضة التنموية للجزائر. رغم ذلك تحسنت جودة الحياة ومؤشرات السعادة في الجزائر.
من خلال رصد الخطاب السياسي للقيادة الجزائرية هناك ارادة سياسية واضحة في محاربة الفساد وتحسين مناخ الاستثمار والخدمات في الجزائر. وبفضل الملاءة المالية تعزز توقعات النمو في 2023 مع نظرة مستقبلية متفائلة حول تحسن جودة الخدمات المقدمة للمواطنين رغم وجود تحديات كثيرة خاصة على مستوى محدودية الوصول الى خدمات التعليم والصحة بالإضافة الى ضعف نسبة مشاركة المرأة في مراكز اتخاذ القرار. ماتزال هناك عراقيل أمام مسار الانتقال الديمقراطي بعد الحراك الشعبي في 2019.
سعت الحكومة الجزائرية لخفض مستويات تداعيات التضخم وتداعيات الجائحة على المواطن باستمرار الدعم الاجتماعي. كما تحسن ترتيب الجزائر في مؤشرات التنمية البشرية وكفاءة جودة التعليم. كما تقدمت الجزائر في جهود تحسين مؤشرات الاندماج والتقدم الاجتماعي[86].
ورغم استمرار الخلاف مع المغرب حول قضية الصحراء الغربية، لا تواجه الجزائر مخاطر خارجية محدقة. اذ يبقى معدل مخاطر التهديدات الإرهابية عند درجة المتوسط الى المنخفض، حسب مؤشر الإرهاب[87]. وبالتالي ليس هناك احتمال تهديدات جدية أو قيود أمنية على السفر الى الجزائر في 2023. لكن وكالات الأسفار العالمية استنادا على تقارير أمنية منذ انطلاق الحراك الشعبي والاحتجاجات وصولا الى توتر العلاقات مع المغرب، تصدر بيانات تتضمن دعوة لأخذ الحيطة والحذر خشية التعرض لاحتمالات تهديدات مختلفة على الرغم من استقرار السيطرة الأمنية على جل التراب الجزائري. وعلى الرغم من محدودية انتشار السلاح بين أفراد المجتمع حيث لا يمتلك سوى 2.1 في المئة من الجزائريين أسلحة خفيفة، يبقى معدل الجريمة[88] مقلقاً.
بشكل عام، تراجعت حدة المخاطر الأمنية في الجزائر، الا ان المطالبة بالتغيير والمحاسبة مستمرة. ونظرا لتحديات كثيرة يصنف الجزائر كبلد متوسط المخاطر، كما انخفضت احتمالات تهديدات الجماعات المتطرفة على الحدود، وهو ما حسن من تصنيف الجزائر في مؤشر السلام الدولي هذا العام عند 109 عالميا مقارنة بمرتبة 120 العام الماضي[89]. وقد نجحت الجزائر في تنظيم القمة العربية وتعزيز انفتاحها على التعاون العربي المشترك باستثناء حساسية العلاقات مع المغرب.
بعض المخاطر الأخرى تؤثر بدرجات متفاوتة على أمن الجزائريين، حيث ماتزال هناك محدودية في جودة سلامة البنية التحتية للطوارئ ومواجهة الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والزلازل والفيضانات. على صعيد آخر، يمثل الاعتماد المفرط على إيرادات النفط والغاز بنحو 94 في المئة من عائدات الصادرات تحديا كبيرا، وبالتالي لا تزال مستويات العيش والاستحقاقات الشعبية في الجزائر معرضة لتقلبات أسعار النفط على الرغم من خطط تنويع الاقتصاد المحدودة. كما تزال البلاد تعاني من مخاطر قانونية وتنظيمية عالية مع تدخل سياسي في الاقتصاد. ويعزى ذلك إلى ارتفاع مستويات الفساد[90]، وضعف بيئة الأعمال والبنية التحتية السيئة.
9- موريتانيا: (بيئة مستقرة مع تحسن لمؤشرات الاستقرار والازدهار وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة ايجابية لعام 2023)
تقدم ترتيب الموريتانيين في تصنيف هذا العام بثلاث مراتب دفعة واحدة الى المرتبة التاسعة مقارنة مع المرتبة 12 في تصنيف العام الماضي. ويعد تحسن ترتيب الموريتانيين الأكثر اثارة للاهتمام بسبب محفزات مختلفة أهمها المستويات المتدنية للدين العام ومؤشر التضخم مع انخفاض معدلات البطالة بسبب انتعاش الاقتصاد الموريتاني وتعزز الاستثمارات ونمو التجارة وتعزز الاستقرار السياسي.
وقد تعززت الأهمية الاستراتيجية لموريتانيا، خاصة بعد اكتشاف الغاز الطبيعي. كما مثل موقعها المطل على المحيط الأطلسي الذي يصل المغرب العربي بغرب إفريقيا أهمية استراتيجية في حركة التجارة وفي مكافحة الإرهاب، حيث تتسابق قوى دولية على دمج موريتانيا ضمن مخططاتها السياسية والأمنية والاقتصادية.
فوق ذلك، لدى موريتانيا المقومات اللازمة لتحقيق قفزة تنموية سريعة، فعدد سكانها محدود مقارنة بالثروات الطبيعية المتوفرة حيث هناك احتياطات الغاز الكبيرة مع تدفق الاستثمارات على البلاد بشكل متزايد. وهو ما عزز توقعات النمو في 2023.
كما تعزز الأمان الوظيفي والاجتماعي رغم استمرار معدلات الفقر المرتفعة نسبيا وتأخر ترتيب البلاد في مؤشري السعادة وجود الحياة. لكن تحسن مناخ وبيئة الاعمال وزيادة مشارة الشباب في سوق العمل يعد بتحسن متوقع لمقومات الرفاه للموريتانيين.
تتمتع البلاد باستقرار سياسي وأمني، حيث تم تداول السلطة سلميا في 2019، ومنذ نحو أكثر من عقد من الزمان لم تشهد البلاد أي مخاطر إرهابية جدية.
لكن يبقى الموريتانيون يواجهون تحديات ضخمة أبرزها مشكلة مدركات الفساد والبيروقراطية ومحدودية الوصول للخدمات وعدم المساواة الرقمية وضعف الاندماج والتقدم الاجتماعي[91]، حيث يعتبر تنصيف موريتانيا بين اقل الدول العربية في مؤشرات التقدم المجتمعي[92] والتي تشمل مؤشرات الوصول الى الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن. وقد تأخر ترتيب موريتانيا من 152 في 2021 الى 155 عالميا في مؤشر التقدم الاجتماعي 2022[93].
ورغم أن موريتانيا تعتبر بين أقل الدول العربية تضررا من جائحة فيروس كورونا مع انكشاف محدود على مخاطر الحرب الأوكرانية الروسية، الا أن مستويات إدارة تحديات التنمية خاصة البشرية تعتبر مقلقة الى حد اليوم رغم وعود تحسينها. في المقابل نجحت موريتانيا في خفض تداعيات الحرب الأوكرانية والجائحة مؤقتا على المستوى الاجتماعي، اذ سيطرت على معدل البطالة[94]. على صعيد آخر، حافظت الحكومة الموريتانية على بيئة اقتصاد صديق للبيئة، اذ تميزت بمستويات متدنية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري[95].
بالنسبة للمخاطر الوجودية كالكوارث الطبيعية المدمرة على غرار الزلازل، يعتبر الموريتانيون الأكثر أماناً عربياً، حيث تعتبر درجة المخاطر الزلزالية التي يمكن أن تهدد حياة المواطنين متدنية بفضل موقعها البعيد عن خارطة الأنشطة الزلزالية.
وتحسّن وضع موريتانيا في مؤشر الأمان والخلو من المخاطر. اذ تعتبر دولة متسامحة لا توجد بها تفرقة عنصرية أو كراهية طائفية أو مسارات تطرفية ما عدى بعض التوترات العرقية والتهديدات الارهابية. ولأجل ذلك تحسن ترتيب موريتانيا في مؤشر السلام الدولي هذا العام الى 112 مقارنة بمرتبة 118 العام الماضي[96]. كما ان هناك ميول لتعزيز ثقافة التسامح. نتيجة ذلك حصلت على مؤشر صفر تهديدات إرهابية حسب آخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب.
ونتيجة لدعوات التعايش السلمي وشعارات ضد التعصب والعنف القائم على الكراهية، تقلّصت معدلات الجريمة[97] بشكل عام، حيث تراجع نسبة انتشار السلاح بين المدنيين. اذ استمرت نسبة امتلاك الموريتانيين للسلاح دون 3 في المئة فقط، وهذا يعتبر إنجازا مقارنة بالدول الأفريقية المجاورة لها. لكن رغم التحسن في بيئة التعايش والامن الداخلي، تراجع مؤشر السلامة بسبب ضعف مستوى البنية التحتية.
تعتبر موريتانيا واحدة من أفقر دول العالم، ولديها مستوى عال من المخاطر السياسية الشاملة. تتفاقم احتمالات اندلاع الاضطرابات السياسية بسبب التوترات العرقية والتهديدات الإرهابية التي يمكن أن تكون ناجمة عن اختراقات لحدود البلاد مع الجزائر ومالي. كما ان هناك توتر طفيف بين جبهة البوليساريو وموريتانيا.
يتأثر الأمن الاجتماعي والاقتصادي في موريتانيا بخطر التدخل السياسي، ويعزى إلى حد كبير إلى انتشار الفساد على نطاق واسع. من ناحية أخرى، فإن المخاطر القانونية والتنظيمية في موريتانيا مرتفعة للغاية، ويعود ذلك في الغالب إلى الحماية السيئة للغاية لحقوق الملكية وضعف سيادة القانون وانخفاض مستويات فعالية الحكومة.
10- الأردن: (بيئة مستقرة مع تحسن نسبي لمؤشرات الازدهار وغياب التهديدات المحدقة مع نظرة ايجابية في 2023)
تراجع ترتيب الأردنيين الى المرتبة العاشرة مقارنة بالمرتبة السابعة العام الماضي في قائمة أكثر الشعوب العربية أماناً. ورغم إجراءات استباقية لدعم المواطنين والقطاعات الحيوية وخاصة الموظفة للأردنيين، لم تستطع البلاد السيطرة على حدة تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية فضلا عن استمرار آثار الوباء، حيث ارتفعت مؤشرات التضخم والبطالة والدين العام وعجز الموازنة الذي تفاقم بسبب كلفة واردات الطاقة المرتفعة، وهو ما انعكس سلبا على مقومات الأمن الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي للمواطنين مثلهم مثل أغلب شعوب منطقة الشرق الأوسط ما عدى منطقة الخليج. كما يشهد الأردن أزمة ديون حادة مع مخاطر ركود اقتصادي، وعدم استقرار مسارات الأسعار، فضلا عن أزمات العمالة والمعيشة مع أزمات محدودية الموارد الطبيعية[98].
واثرت أزمة الاقتصاد العالمي على الاقتصاد الأردني وهو ما أثر أيضا على وتيرة الاستثمار الآخذة في التحسن ببطء، كما يستمر تعثر وصول جزء من المواطنين الى بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء من المشكلات المؤرقة لجودة الحياة الاخذة رغم التحديات المذكورة في التحسن سنويا. حيث تحسن ترتيب الأردن في مؤشر جودة الحياة والسعادة وذلك بفضل سياسات البلاد الداعمة لمحاربة الفساد وتقليص البيروقراطية وهو ما انعكس ايجاباً على حياة الأردنيين.
بقيت اتجاهات الهجرة والطلب على الهجرة غير لنظامية ظاهرة مقلقة، حيث يتطلع الكثير من الشياب الأردني مثله مثل نظرائه في دول الحوار الى الهجرة من اجل تحسين ظروف العيش. تبقى أزمة اللاجئين السوريين والعراقيين في الأردن من بين التحديات التي تزد من أعباء الحكومة على مستوى الانفاق والدعم.
على صعيد آخر، حظي الأردن بمؤشرات مشجعة في محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري وتحويل اقتصاد البلاد الى صديق للبيئة، الا أن البلاد تعاني اجهادا في مصادر المياه.
وحقق الأردن تحسنا لافتا في مؤشرات مكافحة العنف والجريمة[99] ترسيخ ثقافة التعايش والسلم الداخلي. كما حسن الأردن من متانة دولة المؤسسات والقانون من خلال جهود مكافحة الفساد والسماح بالحريات الفردية ودعم التقدم الاجتماعي والتعليم وتعزيز التنمية البشرية[100]. فوق ذلك، تميز الأردن خاصة في تقليص مخاطر التهديدات الخارجية حيث لا تواجه علاقاتها الخارجية أي توتر مع محيطها الإقليم او العربي او الدولي حسب مؤشر السلام الدولي[101].
ويبقى الأردن وجهة آمنة وغير مهددة بشكل جدي باي مخاطر خارجية او داخلية في 2023. فليس هناك تحذيرات جدية بتهديدات إرهابية محدقة حسب اخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب. ويعتبر تصنيف المخاطر الإجمالي في الأردن متوسط وسط التطورات الجيوسياسية المتدهورة في جميع أنحاء المنطقة والعبء المستمر لإيواء أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. هذه العوامل تساهم أيضًا في ارتفاع خطر الاضطرابات. وفي نظرة تفاؤلية أكثر إشراقًا حول الأمان، ارتفع مؤشر السلامة بفضل تحسن مرافق الأمان في المجالات الحيوية لعيش وعمل المواطن وأيضا على مستوى تحسن البنى التحتية.
بالنسبة لمخاطر الزلازل وتسونامي، لا يواجه الأردنيون على المدى القريب تهديدات محدقة على حياتهم، حيث تبقى الأردن آمنة رغم انكشافها على خطر الأنشطة الزلزالية، حيث تصنف درجة المخاطر بالمعتدلة لكن مع أخذ تدابير الحيطة وإعادة تقييم متانة تصاميم البنى.
على صعيد آخر، يبقى هناك قلق حول انتشار السلاح بين المدنيين وان كان بدواعي الحفاظ على العادات والتقاليد القبلية، حيث يمتلك نحو 18.7 في المئة من الأردنيين أسلحة خفيفة. ورغم ثقافة التعايش السلمي المنتشرة في المجتمع الأردني، تبقى معدلات الجريمة مقلقة.
وتظل معدلات المخاطر القانونية والتنظيمية من متوسطة إلى مرتفعة بسبب انخفاض مستوى جودة فعالية الحكومة. كما تراجعت بشكل طفيف مخاطر التدخل السياسي في الأنشطة الحيوية كالاقتصاد الا انها مجال على الحكومة الأردنية تداركه. الى ذلك هناك قلق جدي حول مخاطر الاضطرابات الاجتماعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة والغلاء وارتفاع الدين الحكومي، مما يؤدي إلى عدم قدرة الحكومة على ادارة برنامج تنموي تحفيزي طويل المدى. ومع ذلك، فإن مستويات احتياطي العملات الأجنبية قوية، مما يمنح الأردن مزيدًا من المرونة تجاه الصدمات الخارجية. على الرغم من ذلك، ماتزال الأردن تتكبد تداعيات النزاعات المستمرة في دول الجوار كالعراق وسوريا.
11- تونس: (بيئة مستقرة مع تذبذب مسار الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي الهشّ وغياب التهديدات الأمنية المحدقة في 2023)
حلّ التونسيون في المرتبة الحادية عشر مقارنة بالمرتبة العاشرة العام الماضي. ويعزى هذا الترتيب للتحديات الجسيمة التي تمر بها تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا مع وجود بعض التفاؤل حول سياسات المحاسبة ومحاربة الفساد.
لكن تبقى رؤية التوجهات الحكومية بخصوص خفض مستوى التحديات المفروضة على المستوى القريب والمتوسط غير مكتملة بالشكل المطلوب في انتظار عودة عمل المؤسسة التشريعية وتفعيل كامل لدستور البلاد الجديد الذي تم الاستفتاء حوله في 25 يوليو 2022.
رغم هذه التحديات الجسيمة، تصنف تونس بين الأكثر الحكومات نجاعة في محاربة الفساد الإداري والمحاسبة، حيث هناك رغبة سياسية ملحة في تعزيز شفافية المعاملات في البلاد. لكن مع دخول دستور جديد حيز التنفيذ، تم رصد قلق دولي ازاء حجم التدخل السياسي في عمل المؤسسات ومدى احترام ممارسة الحريات. لكن رغم القلق المعلن دوليا، استمر تصنيف التونسيين بين الأكثر الشعوب العربية ممارسة لحقوق التعبير. مع استمرارية تنصيص الدستور الجديد على احترام الحريات في البلاد.
لا يواجه التونسيون مخاطر وجودية محدقة في 2023، حيث صنفت تونس بين أقل الدول العربية عرضة لمخاطر الأنشطة الزلزالية المدمرة وتسونامي. وتبقى درجة المخاطر المدمرة منخفضة.
بالنسبة لأبرز التحديات الصاعدة، حسب بعض التوقعات الدولية، تواجه الحكومة التونسية مخاطر انهيار مؤسسي مع تفاقم أزمة الديون ومخاوف من ركود اقتصادي مطول فضلاً عن انتشار النشاط الاقتصادي الموازي غير المشروع، علاوة على أزمات نقص توظيف العمالة وتضخم كلفة المعيشة[102].
أسهمت عوامل تعثر انتعاش الاقتصاد التونسي وتضخم كلفة الواردات وعجز موازنة الدولة الذي امتد الى غلاء المعيشة وجمود التوظيف في زيادة احباط جزء من التونسيين حول أفق التغيير الايجابي، ما دفع لنمو لافت لحركة الهجرة خاصة بين الشباب والنخب في 2022. هذه الحركة تفاقمت مع زيادة الطلب على اللجوء والهجرة غير النظامية مدفوعة بتردي الواقع المعيشي على إثر ارتفاع معدلات التضخم بنسب قياسية الى جانب زيادة معدلات البطالة والفقر. وتعمقت أزمات البلاد جراء الانكشاف بشكل كبير على مخاطر تداعيات الحرب الأوكرانية واستمرار آثار جائحة فيروس كورونا. التأثر شمل قطاعات حيوية خاصة الطاقة والغذاء والاستثمار ما ضغط سلباً على انخفاض وتيرة الإنتاج وتوقعات النمو مع زيادة مقلقة في نسبة الدين العام.
وتبرز مخاوف قوية من تآكل القدرة الشرائية للمواطنين بسبب تراجع قيمة دخل الفرد والتهام التضخم الجزء الأكبر منه، حيث شهدت أسعار الطاقة ارتفاعات متكررة خلال 2022 بسبب التوجهات نحو رفع الدعم التدريجي تحت ضغط برنامج الإصلاح وتوصيات صندوق النقد الدولي. كما سبب تأخر الاتفاق مع صندوق النقد حول منح تونس قرضا بنحو 1.9 مليار دولار عامل ضغط جديد دفع لزيادة اعتماد حلول ضريبية والاقتراض من الأسواق المحلية.
ورغم وجود ارادة سياسة معلنة من الرئيس التونسي قيس سعيد لدعم جودة حياة التونسيين عبر محاربة الفساد وتصحيح المسار التنموي للبلاد، الا ان التحديات ضخمة في ظل وجود أزمة ثقة عامة ومشاكل مؤسسية هيكلية وتجذر معوقات البيروقراطية وتأثيرات أكبر لبوادر ركود اقتصادي عالمي في 2023.
وقد عاشت البلاد حالة استقطاب كبيرة وحادة أدت الى انقسام في الشارع بين مؤيد ومعارض لخيارات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد. في الاثناء اهتزت ثقة جزء من التونسيين في الطبقة السياسية بما فيها المعارضة. في المقابل انحسرت معارضة توجهات الرئيس في النخب السياسية مدفوعة بمخاوف حول وضع الحريات والمسار الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.
وتشهد البلاد حالة الاستقرار الحذر في ظل تخوفات من عدم اليقين حول مستقبل البلاد السياسي مع زيادة القلق الشعبي حول ضعف الاستقرار الاقتصادي ومخاوف من شبح ركود عام في ظل نمو مقلق لنسبة المديونية ومحدودية مصادر تمويل العجز وموازنة العام القبل.
وعرف التونسيون حالة مزدوجة بين التشاؤم والتفاؤل مع زيادة القلق حول عدم وضوح رؤية التغيرات ومصير التصعيد بين الرئيس والطبقة السياسية المعارضة له. الا ان تعزز تطبيق المسائلة والمحاسبة والمساواة امام القانون حسّن من منسوب الثقة الشعبية في خيارات الرئيس المراهنة على تحصين الدولة من شبح الفساد.
على صعيد آخر، نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية التي ضخمت فاتورة إيرادات تونس من الطاقة، زاد الميل نحو السياسات الضريبية من أجل سد عجز الموازنة، وهو ما أثر على تراجع المقدرة الشرائية مقابل موجة تضخم غير مسبوقة. وشهدت البلاد ارتفاعا مقلقلا لنسب البطالة والفقر. هو ما أثّر سلبا على ترتيب التونسيين في تصنيف هذا العام[103]. رغم ذلك تداركت تونس انخفاض عدد من المؤشرات باستقرار مجالات أخرى مثل الحريات الفردية واستمرار المنظومة الديمقراطية لكن مع نظرة مقلقة، فضلا عن تحسن مؤشرات محاربة الفساد والتنمية البشرية والتعليم والتقدم الاجتماعي[104].
صنف أداء الحكومة التونسية في مجال تخفيف آثار التغيرات المناخية بالمحدود خلال 2022 في ظل تصاعد تحديات التلوث ونقص الموارد المائية وضعف جودة سلامة السواحل والغابات.
ورغم الحراك الشعبي والاحتجاجات التي عرفتها تونس سواء مدفوعة بشعارات سياسية أو مطالب اجتماعية واقتصادية، يبقى مستوى الأمان في تونس مرتفعاً. ويتحدد مستقبل الأمن في البلاد بأداء الحكومة وأيضا بآفاق الصراع الليبي. لكن تبقى تونس وجهة آمنة. وبالتالي تقلصت درجة المخاطر الخارجية. ويشير آخر تحديث للمؤشر الدولي للإرهاب الى محدودية التهديدات الإرهابية الجادة على تونس في 2023، مع وجود نظرة مقلقة حول تداعيات أي احتمال لصراع مسلح في ليبيا على الأمن القومي الداخلي للتونسيين.
كما تبقى معدلات الجريمة مقلقة وان وصفت بالمتوسطة، حيث تبرز مخاطر الجريمة المنظمة ونشاط العصابات وقطع الطريق والسلب من أهم تحديات الأمن الداخلي. ونتيجة عدم استقرار العمل الحكومي تعطلت مشاريع إصلاحية كثيرة لتحسين مستويات الامن الاجتماعي. ويميل اغلب التونسيون الى السلم وثقافة التعايش حيث لا توجد بالبلاد النعرات الطائفية او الفئوية، كما يعتبر التونسيون أقل العرب امتلاكاً للسلاح حسب مؤشر إحصاء الأسلحة لدى المدنيين.
وعلى مستوى النظرة العامة للأمان في تونس في 2023، تصنف درجة الخطر العام بالمتوسط، مدفوعة بمحدودية الاستقرار الاقتصادي والضعف المؤسسي. كما تجدر الإشارة الى ان المؤسسات السياسية ليست قوية بالشكل الكافي، لكنها تتفوق على معظم نظرائها في العالم العربي. وتكافح تونس من أجل تلبية مطالب شعبية أبرزها الحرية والكرامة والعمل والعدالة منذ ثورة 2011، والتي نتجت عن زيادة عدم المساواة وارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب. لكن انفتاح بعض الدول الأوروبية على الهجرة الانتقائية، حسن من آفاق العمل للكفاءات التونسية في أوروبا. بالنسبة للمخاطر الاستراتيجية قد تعرض توقعات النمو الاقتصادي المتذبذب الميزانيات الحكومية للخطر. لكن يبقى هناك أمل في تحسن واقع حياة التونسيين حسب وعود الرئيس قيس سعيد.
12- مصر: (بيئة مستقرة رغم جسامة التحديات مع تحسن ملحوظ لمحفزات الازدهار وتوقعات النمو، مع غياب التهديدات المحدقة وتراجع مخاطر الارهاب مع نظرة مستقبلية مستقرة لعام 2023).
تراجع ترتيب المصريين في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً هذا العام مقارنة بتصنيف 2021. وحلّ المصريون في المرتبة الثانية عشر بدلاً من المرتبة الحادية عشر العام الماضي. ويعزى هذا التراجع لأسباب مختلفة أغلبها مرتبطة بنسبة الانكشاف الكبيرة على تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وتبعات جائحة فيروس كورونا التي رفعت مستويات نسب التضخم والدين العام. كما تراجعت جودة الحياة مع استمرار تآكل القدرة الشرائية للمواطن في ظل أزمة الوصول الى عدد من الخدمات مع نمو مقلق لظاهرة العنف والجريمة خاصة بين المراهقين. هذه الظاهرة قد تعود بعض أسبابها كنتيجة لاستمرار محدودية جودة خدمات التعليم والصحة وزيادة التهميش والفقر بدافع من النمو الديمغرافي السريع مقارنة بالدول العربية الأخرى.
ومثلما تواجه مصر أزمات الديون وعدم استقرار مسارات الأسعار وتضخم كلفة المعيشة، تواجه أيضا تحديات نقص الموارد الطبيعية ومخاطر الأمراض المعدية[105]. لكن رغم ذلك تشرع الحكومة المصرية منذ سنوات بتنويع مصادر دخلها عبر مشروعات قومية، وراهنت على رفع درجة الاكتفاء الذاتي وتحسين مستوى الأمن الصحي والغذائي للمواطنين.
بالنسبة لدرجة الأمان من المخاطر الطبيعية كالكوارث المدمرة مثل الزلازل وتسونامي، يعتبر المصريون آمنون مع اخذ الحيطة خاصة على مستوى إعادة تقييم تصاميم المباني لتستجيب لمعايير السلامة ومقاومة الزلازل والهزات. وصنف درجة المخاطر بالمعتدلة.
أسهمت زيادة المشاريع الاسكانية في تحسين محدود لقضية السكن التي تبقى مشكلة متوارثة منذ عقود. كما عزز مشروع العاصمة الإدارية الجديدة من محفزات التفاؤل للمصرين حول مستقبل بلادهم. فوق ذلك، تحسنت نسبة الاستثمار وحركية الاقتصاد مدفوعة خاصة بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وكان لذلك اثار إيجابية على سوق العمل وتقلص حجم البطالة. حيث شهدت مصر تحسناً مضطردا للأمان الوظيفي وطفرة في الاستثمارات استطاعت تقليص نسبة البطالة بشكل كبير وفي وقت وجيز.
لكن بعيدا عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بقي الأداء البيئي سلبياً حيث زادت حدة آثار التغيرات المناخية في مقابل حلول محدودة. ويبقى وضع مصر في خارطة الدول المسببة للتلوث من متوسط الى مقلق.
انخفضت المؤشرات الباعثة للقلق في مجالات محاربة الفساد ومؤشر التقدم الاجتماعي[106]، حيث تحسنت كفاءة تقليص مدركات الفساد والبيروقراطية الإدارية مع زيادة تسهيل الخدمات للمواطنين لكن يبقى هناك تفاوت في الوصول العادل لجل الخدمات.
وقد تقدمت مصر في محاربة الفساد بعد أن كانت متأخرة جدا في رفع تحدياته الى جانب وجودها متأخرة في الترتيب العالمي للتقدم الاجتماعي[107] ما يعني وجود مشاكل مختلفة مرتبطة بجودة التعليم[108] والتمتع بالخدمات الأساسية والاندماج المجتمعي. الى ذلك يبقى مؤشر الحريات الفردية[109] بين المجالات التي تحتاج الى زيادة التحسين.
ورغم تحديات الحرب الأوكرانية وجائحة فيروس كورونا اعتبرت مصر بين الدول العربية القلائل الذي سجل اقتصادها نموا على عكس حالة العجز التي عرفتها أغلب بقية الدول العربية بسبب بوادر ركود الاقتصاد العالمي وخاصة في مجال تقلص حركية التبادل التجاري.
وانخفضت مخاطر الاضطرابات والاحتجاجات بشكل لافت في هذا العام، حيث زاد تدخل الدولة في دعم الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد رغم زيادة التدخل السياسي في الاقتصاد. ورغم اللجوء أحيانا للحلول الأمنية في رفع التحديات والمخاطر، الا ان نسبة التعايش والسلم المجتمعي في تحسن.
.تعتبر بين أهم الوجهات السياحية المفضلة للزوار القاصدين العالم العربي، تعتبر وجهة آمنة نظرا لتحسن مؤشرات الامن الداخلي. وقد حافظت مصر على تصنيفها مصر في مؤشر السلام الدولي عند 126 هذا العام[110]. على صعيد آخر، رغم تعزز الأمن الداخلي في مصر، تبقى معدلات الجريمة مقلقة. وعلى الرغم من بعض الاحتجاجات التي تتجدد من حين الى آخر، يبقى مستوى العنف في مصر متوسط بفضل صرامة الامن ومحدودية انتشار السلاح، اذ يمتلك فقط نحو 4.1 في المئة من المصريين أسلحة خفيفة.
ورغم الإصلاحات الضخمة للمؤسسات والبنى التحتية التي تقوم بها الحكومة المصرية، تبقى إشكالية البنية التحتية وخاصة السكك الحديدية احدى اهم المخاطر التي أودت في أكثر من حادثة بضحايا مدنيين وأغلبها جراء تصادم قطارات او نتيجة مشاكل فنية في السكك أو في القطارات نفسها. ولأجل علاج هذه المشكلة، اقتنت الحكومة المصرية عشرات القطارات الجديدة وقامت بمشروعات اصلاح هيكلي للسكك الحديدية.
بشكل عام، يمثل خطر العنف والاضطرابات السياسية في مصر المحرك الرئيسي لتصنيف المخاطر في البلاد، مع تقلص عدد الصراعات خاصة بين قوات الامن والحركات الإسلامية المتطرفة والسياسية وهو ما يولد مظاهر عنف من حين لآخر في عدد من أنحاء البلاد.
كما لا تزال المخاطر القانونية والتنظيمية والبيروقراطية عالية. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى محدودية نجاعة المؤسسات التنظيمية ومدركات الفساد التي تعمل الدولة على محاربته، وكلاهما يقلل من فعالية الحوكمة. الا ان مصر قد تقبل على مستقبل أكثر أمانا مدفوعا بنمو تمت ملاحظته في الفترة الأخيرة، حيث يواصل الاستثمار الأجنبي ونمو الصادرات القوي دعم آفاق النمو الاقتصادي، وهو ما قد يقلص عوامل التوتر الاجتماعي الداخلي.
13- العراق: (بيئة استقرار هش مع تحسّن في مؤشرات توقعات النمو وتقلص درجة المخاطر ومتانة الدولة مع نظرة مستقبلية مشجعة لعام 2023)
حافظ العراقيون على ترتيبهم في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً لعام 2022 وحلّوا في المرتبة الثالثة عشرة تماماً مثل تصنيفهم في 2021. ويعزى هذا الثبات في الترتيب لعوامل مختلفة أبرزها استقرار العمل الحكومي نتيجة تحسن الوضع السياسي والاقتصادي الهشّ، حيث نجحت البلاد في تحقيق عوائد مالية ضخمة جراء آثار الحرب الأوكرانية على سوق الطاقة والتي ارتفعت بموجبها أسعار النفط المورد الأساسي لميزانية العراق. بفضل تعزز توقعات النمو الاقتصادي شهد سوق العمل انتعاشة قلصت من الضغوط التصاعدية لمعدلات البطالة. كما أسهمت التحسن الحذر في مجال الاستثمار في كبح جماح الهجرة الاختيارية للعراقيين، حيث شهدت العراق عودة بعض اللاجئين الى ديارهم. فضلا عن ذلك تراجع الطلب على الهجرة غير النظامية واللجوء (أنظر الجدول في الأسفل) مقارنة بالسنوات الماضية رغم استمرار أعداد كبيرة في تفضيل البحث عن بيئة أفضل من ناحية جودة الحياة وافق الازدهار.
العراقيون يبقون آمنون ضد مخاطر الكوارث الطبيعية كالزلازل وتسونامي، وصنفت مستويات المخاطر في درجة معتدلة مع توصيات بأخذ الحذر والحيطة، حيث عرفت العراق خلال العقد الأخير نمو نشاط الهزات الأرضية والانكشاف على مخاطر النشاط الزلزالي. وهو ما يفرض إعادة تقييم متانة الأبنية واستجابتها لقوة تحمل مخاطر الزلازل المدمرة.
رغم استمرار الانقسام في المشهد السياسي ونشاط الميليشيات وخروج بعض الاحتجاجات المنددة بتردي الأوضاع المعيشية التي تضررت بموجة تضخم قياسية، استطاعت الحكومة الاتحادية العراقية السيطرة على الوضع الأمني لتنجح في النهاية في تشكيل حكومة جديدة وانتخاب البرلمان رئيس جديد للبلاد بعد عام من التأزيم السياسي فضلا عن النجاح في تنظيم كأس الخليج دون تهديدات جسيمة تذكر، ما عزز بيئة الأمان مع تفاؤل حذر.
سعت الدولة العراقية لاستعادة مكانتها الإقليمية والدولية بعد سنوات طويلة بقيت فيها الدبلوماسية العراقية منكفئة على ذاتها بحكم الظروف المحلية. شكّلت زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق في مارس 2021 بارقة امل جديدة للعراقيين وحافز على التعايش. كما عزز العراق مكانته إقليميا باستضافة قمة عربية، ومن ثم ليستضيف مؤتمرًا دوليا، بالتعاون مع فرنسا، برز فيه كوسيط بين الرياض وطهران بحكم العلاقات المتوترة بين الطرفين. لتتعزز نسبة الثقة في أمان العراق بعد نجاحه في تنظيم كأس الخليج العربي في يناير 2023.
على صعيد آخر، تضرر العراق بشكل مأساوي من الجائحة التي أودت بألاف الضحايا بسبب الفيروس. وانتقد العراقيون ضعف دور الدولة في إدارة ازمة الجائحة وتداعيتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية. تراجع مؤشر السلامة الداخلي، باستمرار أحداث العنف التي أودت بعشرات الضحايا لعل أبرزها سقوط 20 قتيلا في المواجهات المسلحة التي اندلعت داخل المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي.
في المقابل تراجعت حدة التهديدات الإرهابية خلال 2022 بانخفاض وتيرة الهجمات الإرهابية، كما عززت العراق من كفاءتها في مكافحة الإرهاب ونجحت إدارة العمليات المشتركة في تصفية عشرات الإرهابيين بالتعاون مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ورغم التقدم في مقاومة الإرهاب، بقيت الثقة الشعبية في الطبقة السياسية هشة. حيث لاتزال العراق تعاني من تغلغل مدركات الفساد والبيروقراطية الإدارية التي تعيق تنمية البلاد. يرمي أغلب العراقيين باللوم على محدودية كفاءة دور الدولة وانتشار مدركات الفساد. حل العراق في مراتب متأخرة عالميا في مدركات الفساد[111] وهو من بين أكثر دول العالم المتضررة من الفساد، كما تأخر ترتيب العراق في مؤشرات التنمية البشرية والتعليم والتقدم الاجتماعي[112]خأـااخخه\ت ااععه\ه.
المخاطر المؤسسية تبقى مرتفعة للغاية، حيث يتفشى الفساد وسيادة القانون غير موجودة في بعض المناطق. كما تعاني البلاد من تضرر البنية التحتية. ورغم تعهد الحكومة بتنفيذ الإصلاحات العاجلة التي تستجيب لتطلعات المحتجين لكن لم يتحقق تقدم بعد. وعلى صعيد متصل، يعتبر مناخ الأعمال العام أيضا سيئاً للغاية نسبيا.
على مستوى المخاطر الخارجية، تبقى بين أكثر الدول عربية معرضة لتهديدات ارهابية محدقة حسب مؤشر الإرهاب الدولي، مع تحذيرات منع السفر اليها من سفارات دول اجنبية بسبب التصعيد الأمريكي الإيراني المستمر. وصنفت العراق ضمن أقل بيئات العالم أماناً، رغم تحسن ترتيبها من المرتبة 159 الى المرتبة 157 عالميا[113] في مؤشر السلام الدولي. أما على مستوى المخاطر الداخلية، يبقى قلق كبير حول اليات التداول السلمي على السلطة. فاستمرار الاحتجاجات وغياب حكومة اتحادية ناجعة ينذر بتراجع مؤشرات الامن الداخلي وزيادة معدلات العنف. الى ذلك يستمر معدل الجريمة في العراق مرتفعا. كما زاد انتشار السلاح بين المدنيين، حيث يمتلك نحو 20 في المئة من العراقيين المدنيين أسلحة خفيفة.
ويعاني العراق من مستوى عالٍ للغاية من المخاطر السياسية الشاملة، بما في ذلك يواجه اعلى مستويات مخاطر العنف والفوضى والصراع السياسي في العالم. ويتفاقم مؤشر العنف والسخط الاجتماعي بدرجة أكبر بسبب التأثر بارتفاع مستويات التضخم والبطالة والمخاطر السياسية في البلدان المجاورة، مثل إيران وسوريا. كما ان التوتر بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية له القدرة على زعزعة الاستقرار السياسي.
بالنسبة للأداء الحكومي في مجال تخفيف مخاطر التعرض لآثار التغيرات المناخية، بقي سلبيا وضعيفا في ظل أزمة حادة للموارد الطبيعية كالمياه وجودتها فضلا عن استمرار مستويات عالية لانبعاثات الغازات الدفيئة.
14- ليبيا: (بيئة استقرار حذر في ظل تعثر المسار السياسي لحل سلمي وتأخر الانتخابات، مع نظرة مستقرة نسبيا لعام 2023 بفضل تعزز الموارد وتراجع التهديدات الارهابية)
حافظ الليبيون على ترتيبهم في تصنيف أكثر الشعوب العربية أمانا هذا العام بحلولهم في المرتبة الرابعة عشرة مقارنة بتصنيف العام الماضي. يعزى هذا الثبات، رغم تداعيات الانكشاف على آثار الحرب الأوكرانية وظروف جائحة فيروس كورونا، الى استمرار الحوار السياسي بين الليبيين والتوافق على انتخابات رئاسية رغم تأجيلها وتقلص نسبة التهديدات الإرهابية وتحسن لافت لتوقعات النمو حيث تصدرت ليبيا الدول العربية في آفاق النمو مدفوعة بالاستقرار واستثمارات الاعمار وإنتاج النفط. وهو ما انعكس على تحسن جودة حياة الليبيين بتعزز دخل الفرد والسيطرة على نسبة التضخم وتعزز الأمان الوظيفي رغم هشاشة الوضع الاقتصادي المرتبط بالتدخل السياسي المفرط وعدم انسجام الرؤى حول مستقبل المسار التنموي الليبي.
وقد طغى التوافق على الخلاف بين الفرقاء الليبيين وتحسن بموجبه الاستقرار السياسي من استقرار محفوف بمخاطر عالية واحتمالات عودة الصراع المسلح إذا فشل التوافق والانتخابات، حيث تستند ليبيا على مقومات استقرار هشّ يمكن أن يتطور إذا نجحت الانتخابات الى وضع مستقر يستتب مع استكمال ترسيخ دولة القانون والمؤسسات.
يبقى الليبيون في أمان ضد مخاطر الكوارث الطبيعية كالزلازل وتسونامي، فقد صنف مستوى الخطر في درجة معتدلة مع توصيات بأخذ الحيطة، حيث عرفت ليبيا خلال العقد الأخير نمو نشاط الهزات الأرضية والانكشاف على مخاطر النشاط الزلزالي.
وتعاني ليبيا أيضًا من سوء الإدارة والبنية التحتية للنقل والطاقة منخفضة الجودة، مما يؤثر بشكل كبير على بيئة العيش والأعمال في البلاد. ويشير المستوى المنخفض لفعالية الحكومة وزيادة البيروقراطية الادارية وارتفاع مخاطر الفساد من معوقات ازدهار ليبيا على المدى المتوسط، حيث تعتبر بين أكثر دول العالم تسجيلا لمدركات الفساد[114]. كما تشكو التنمية البشرية من ضعف أداء الدولة في تحسين مؤشراتها. الى ذلك تواجه ليبيا صعوبة في استغلال مواردها (بما في ذلك احتياطيات النفط الخام الوفيرة والأصول السيادية). كما أن عدم قدرة الحكومة على السيطرة على البلاد وعدم قدرتها على الحكم بشكل فعال قد يضر بشكل أكبر إمدادات النفط وإيرادات البلاد، مما يجبر الحكومة للجوء الى احتياطاتها من العملات الأجنبية للحفاظ على رواتب القطاع العام.
الى ذلك استمرت نسبة البطالة والفقر العالية جراء الحرب من بين أهم تحديات الحكومات الليبية وقد تتعمق إذا تضرر استقرار الوضع السياسي أو الاقتصادي[115]. حيث يعتبر الأمان الوظيفي متدنٍ لكن سياسات الدعم الاجتماعي التي تتبعها الدولة الليبية تساعد في تحسين وضع محدودي الدخل.
وتشير بعض التقارير الى انخفاض ثروات الليبيين الى النصف واستمرار الاقبال على الهجرة الاختيارية خاصة بين الشباب والنخب. حيث تبقى بيئة الاستقرار منفتحة على جل الاحتمالات. فعملية الحوار السياسي محفوفة بمخاطر التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وتظل ليبيا وفق مؤشر السلام الدولي مصنفة ضمن اللائحة الحمراء لأخطر الدول المهددة بالإرهاب والحروب والصراعات في 2023 إذا فشل مسار الحوار السياسي. رغم هذه التحديات وبدفع من التوافق الحذر تحسن ترتيب ليبيا الى المتربة 151 مقارنة بالمرتبة 156 في مؤشر السلام الدولي[116] ومنذ تشكيل الحكومة والمجلس الرئاسي انخفضت مؤشرات التوتر والتهديدات.
تستمر التحذيرات وان انخفض احصائها من السفر الى ليبيا بمبرر زيادة المخاطر، رغم ذلك انخفض قليلا تصنيف ليبيا كوجهة اجتذاب للمتطرفين والمجرمين حيث زادت عمليات مراقبة تسلل الراغبين في المشاركة في الصراع الدائر في الأراضي الليبية في ظل أمن منفلت. ويمتلك نحو 13.3 في المئة من المدنيين أسلحة خفيفة، وهو ما يذكي المخاوف من مسارات صراعات أهلية إذا فشلت المسار السياسي.
بالنسبة لدرجة الانكشاف على مخاطر التغيرات المناخية، تبقى ليبيا ضمن الأقل عرضة للآثار السلبية المباشرة وذلك بفضل مستويات الانبعاث الغازي المنخفض للفرد الليبي.
15- لبنان: (بيئة استقرار حذر تواجه أزمة اقتصادية وسياسية مزدوجة مع عدم اليقين حول مصير استقرارها السياسي المؤثر في زيادة احتمالات بلوغ ركود اقتصادي عميق مع نظرة مستقبلية غير مستقرة لعام 2023)
حافظ اللبنانيون على ترتيبهم في تصنيف أكثر الشعوب العربية أمانا لعام 2022 مقارنة مع تصنيف العام الماضي مع نظرة غير مستقرة لعام 2023، ويعزى استمرار هذا التأخر الى عوامل عديدة في مقدمتها عدم الاستقرار السياسي وتضخم أزمة اقتصادية واجتماعية مزدوجة وانكشاف بنسب عالية على تداعيات الحرب الأوكرانية خاصة على مستوى تضخم أسعار الطاقة والغذاء وتدهور القدرة الشرائية وتفاقم نسب البطالة والفقر وتراجع معدلات الاستثمار. يواجه لبنان مخاطر انهيار الدولة ونقص أنظمة الضمان الاجتماعي وأزمات الديون مع احتمالات الركود الاقتصادي المطول وزيادة الأضرار البيئية[117].
يبقى اللبنانيون في أمان ضد مخاطر الكوارث الطبيعية كالزلازل وتسونامي، ورغم وقوعها في منطقة نشطة زلزاليا صنفت درجة المخاطر بالمعتدلة مع توصيات بأخذ الحذر والحيطة، حيث عرف لبنان خلال العقد الأخير نمو نشاط الهزات الأرضية والانكشاف على مخاطر النشاط الزلزالي. وهو ما يفرض إعادة تقييم متانة الأبنية واستجابتها لقوة تحمل مخاطر الزلازل المدمرة.
عمقت الحرب الأوكرانية وقبلها الجائحة أزمة لبنان الاقتصادية وطالت تداعيتها أغلب شرائح المجتمع، حيث قفزت معدلات البطالة والفقر بشكل مقلق وغير مسبوق. اذ ارتفعت على سبيل المثال نسبة الفقر الى أكثر من 53 في المئة[118]. وقفزت نسبة الفقر الى نحو 70 في المئة خاصة عند شريحة محدودي الدخل. زادت نسبة الجريمة بنسبة مقلقة، كما ارتفعت بشكل مقلق ظاهرة الهجرة الشرعية وغير الشرعية ونمو ظاهرة الطلب على اللجوء خاصة في الدول الأوروبية والقارة الأمريكية.
ارتفعت مدركات الفساد والبيروقراطية الإدارية وحلّ لبنان في مراتب متأخرة في مؤشر مكافحته. ويعاني لبنان أيضا من ظاهرة تضخم غير مسبوقة هي الأكبر تقريبا بين جل الدول العربية بسبب انهيار قيمة العملة المحلية مع أزمة ديون خانقة بلغت بلبنان رسميا في ابريل 2022 الى اعلان إفلاس الدولة والمصرف المركزي. فوق ذلك يعاني لبنان من عدم انتظام الأمن الغذائي فضلا عن هشاشة البنية التحتية الصحية. كما مثلت كلفة استقرار عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في البلاد عبئا تنمويا خاصة مع تراجع المساعدات الدولية المقدمة للاجئين.
رغم ذلك نجح لبنان في الحفاظ على استقرار مؤشرات التنمية البشرية والتعليم والتقدم الاجتماعي وتعزز الحريات الفردية (أنظر الجدول في الأسفل).
أثرت صعوبات استقرار العمل الحكومي على زيادة سلبية مؤسسات الدولة وضعف قدرتها خاصة في إدارة أزمة نقص الموارد والاستثمار ونمو التضخم وحجم الدين العام ما فاقم حجم التحديات المعرقلة لتوقعات النمو في 2023. يذكر أنه بعد تشكيل الحكومة، حاولت الدولة تدارك تداعيات الجائحة وخفض نسبة من العبء على المواطن دون جدوى، حيث يعاني اللبنانيون من تضخم غير مسبوق في العملة والأسعار مقابل مديونية عالية جدا مع مخاطر استثمار مقلقة.
سعت الحكومة اللبنانية لإنعاش الاقتصاد من خلال توفير مصادر تمويل من داعمي لبنان، لكنها بقيت عرضة للضغوط الدولية والتأثير على سياساتها. استمر تأثير التدخل الخارجي في الشأن اللبناني في زيادة ضبابية افق استقراره. كما أدى تعمق الخلاف بين الفرقاء السياسيين في عدم انسجام رؤية الإصلاح وعبور أقسى أزمات لبنان المعاصرة. حيث يعاني أكبر أزمة اقتصاديّة في تاريخه، انعكست على نمط الحياة اليومي للبنانيين. وكان البنك الدولي وصف الأزمة في لبنان، بأنّها “الأكثر حدّة وقساوة في العالم”، وصنّفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سُجّلت في التّاريخ منذ أواسط القرن التّاسع عشر.
رغم ذلك تبقى لبنان من أهم الوجهات السياحية العربية. لكن بيانات السفارات الأجنبية ووكالات الأسفار العالمية على ضوء بعض الاحتجاجات والاضطرابات، رفعت مستوى التهديدات ومخاطر الاضطرابات والفوضى في لبنان، وباتت في قائمة الدول التي لا يفضل السفر اليها نظرا لارتفاع المخاطر خاصة الجريمة والاختطاف. وترافق مع تصاعد مؤشرات مخاطر الفوضى، ارتفاع معدل الجريمة[119]. رغم ذلك استمر لبنان وجهة سياحية مهمة في خارطة السياحة العربية.
وبفضل استقرار نسبي للوضع السياسي والأمني حسن لبنان من تصنيفه في مؤشر السلام الدولي لتحل في المرتبة 138 [120]مقارنة بمرتبة 147 عالميا العام الماضي. كما ارتفع مؤشر سلامة مرافق الحياة والعمل في الداخل اللبناني.
وفي نظرة مستقبلية عامة، يواجه لبنان حالة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي والإقليمي المستمر في 2023. على صعيد آخر، تصنف المخاطر القانونية والتنظيمية عالية. وعلى الرغم من وجود قدرات بشرية ومؤسسية قوية، فإن التماسك الاجتماعي غالباً ما يتوتر بسبب الانقسامات العرقية والدينية. من جهة أخرى، يعتبر خطر ممارسة الأعمال التجارية بين متوسط الى مرتفع حيث يعاني الاقتصاد من مستويات عالية من التدخل السياسي. ويبقى المناخ السياسي الضبابي والضعيف يقوض جهود الإصلاح اللازمة لتعزيز المالية العامة وتحسين الوضع الاقتصادي. كما يضغط عدد كبير من اللاجئين السوريين على المساكن وسوق العمل والوضع الأمني في لبنان ويزيد من الضغوط التضخمية. تعاني الحكومة من عجز مالي كبير يتم تخفيفه إلى حد ما بدعم من تحويلات المغتربين في الخارج ودعم دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة. ويعتبر أي تخفيض في الدعم الإقليمي للحكومة اللبنانية مصدر توتر أكبر مستقبلاً.
بالنسبة للأداء الحكومي لمواجهة التغيرات المناخية، بقي دور الدولة ضعيفا وسلبيا، حيث لا تمثل مواجهة هذه التحديات أولويات عاجلة للحكومة اللبنانية المنشغلة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
16- فلسطين: (بيئة استقرار مهددة بمخاطر عالية أهمها تجدد المواجهة المسلحة مع الاسرائيليين واستمرار الحصار وقيود التنقل مع نظرة مستقبلية مقلقة لعام 2023)
حافظ الفلسطينيون على ترتيبهم في تصنيف أكثر الشعوب العربية أماناً في 2022 مع استمرار التهديدات المحدقة في 2023 مدفوعة بتجدد الصراع المسلح بين الفينة والأخرى بين سلطات الاحتلال وعناصر المقاومة الفلسطينية.
بالنسبة للمخاطر الشاملة، ظل ترتيب فلسطين متأخرا في قائمة الدول العربية الأكثر أمانا بسبب استمرار مخاطر سياسات الكيان الإسرائيلي المكرسة للقمع والاحتلال والاستيطان. علاوة على ذلك، تأثر أمان الفلسطينيين بشكل كبير بسبب الانكشاف على تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية والتي كلفت السلطة زيادة تضخم الإنفاق على الواردات خاصة من الطاقة، وهو ما سبب تضخم أسعار السلع وتآكل القدرة الشرائية للفلسطينيين. وتعمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أكثر مع تراجع قيمة المساعدات العربية والدولية للفلسطينيين، فضلا عن تعثر النشاط الاقتصادي بزيادة القيود الإسرائيلية على المعاملات التجارية والمالية للفلسطينيين.
بالنسبة للتهديدات الوجودية، علاوة على مخاطر الصراع المسلح، يواجه الفلسطينيون مخاطر التعرض للكوارث الطبيعية كالزلازل، الا أن هذه المخاطر تبقى معتدلة مع توصيات بأخذ الحذر والحيطة، حيث لا يمكن التنبؤ بالنشاط الزلزالي في الشرق الأوسط خاصة بعد حدة زلزال سوريا وتركيا التي وصلت ارتداداته الى فلسطين المنكشفة على مخاطر صدع البحر الميت الزلزالي. وهو ما يفرض إعادة تقييم متانة الأبنية واستجابتها لقوة تحمل مخاطر الزلازل المدمرة.
تجددت جرائم الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى مع وصول اليمين المتطرف الى رئاسة الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو وتبني بعض المتشددين والمتطرفين في حكومته فكرة زيادة هدم بيوت الفلسطينيين والتحريض ضدهم وترحيل عائلات فلسطينية من بعض الأحياء في جوار القدس.
قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين في الضفة الغربية في عام 2022 أكثر من أي عام مضى منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تسجيل عدد القتلى بشكل منهجي منذ عام 2005، بعد الانتفاضة الفلسطينية الكبرى. ويعكس تصاعد العنف بداية من 2023 مزيجًا من التغييرات خاصة على مستوى تطور أساليب فكرة المقاومة بين الأجيال الجديدة من الفلسطينيين.
بالنسبة للمخاطر الاقتصادية والمؤسسية، تضررت البنية التحتية الفلسطينية بسبب الهجمات الإسرائيلية خاصة القصف الصاروخي الذي استهدف الاضرار بالبنى التحتية في الأراضي الفلسطينية. وهو ما فاقم معاناة الفلسطينيين خاصة على مستوى ضعف الوصول الى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء مع ندرة بعض المواد التموينية.
يمر الاقتصاد الفلسطيني بمشاكل ضخمة تشارف على الركود، الأمر الذي انعكس سلبا على نمو مؤشرات البطالة خاصة بين الشباب. ويؤثر تراجع الدعم الدولي والعربي للفلسطينيين على زيادة عجز موازنة الدولة في التنمية والتوظيف والتعليم.
تبقى فلسطين احدى أكثر الدول العربية تسجيلاً لمستويات مخاطر خارجية وداخلية مرتفعة. كما ان التهديدات الارهابية أو الاعمال العدوانية ضد فلسطين متغيرة ومرجحة في 2023 ان تنحصر بين معدل متوسط الى مرتفع.
لكن رغم المخاطر المحدقة بفلسطين كالتدخلات العسكرية للجيش الإسرائيلي وتوسع رقعة الاحتلال، انخفض مستوى التهديد الشامل على حياة الفلسطينيين خاصة مع تبلور دعم دولي لحل الصراع عبر تأييد فكرة إقامة الدولتين، الأمر الذي أسهم في دعم توقعات التفاؤل استئناف مفاوضات السلام في 2022 التي تعثرت، لكن رغم ذلك تحسن ترتيب فلسطين الى المرتبة 133 مقارنة بالمرتبة 138 عالميا في مؤشر السلام العالمي. حيث باتت قيادات فلسطين تتمسك بحل الصراع مع إسرائيل من خلال المفاوضات السلمية للوصول الى حل عادل. فوق ذلك هناك اهتمام امريكي بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال دعم فكرة حل الدولتين ودعم فلسطين اقتصادياً، وهي أهم بنود صفقة القرن التي دعمتها بعض الدول العربية من اجل حل عادل للقضية الفلسطينية. مسار لم يشهد أي تطبيق على الأرض في ظل توسع المشاريع الاستيطانية.
بالنسبة للمخاطر السياسية، لا تزال “الضفة الغربية” و”غزة” تعانيان من مخاطر سياسية شاملة. اذ يستمر تعثر المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول الوضع الدائم لهذه الأراضي. كما أن الصراع المستمر مع إسرائيل، وسيطرة حماس الفعلية على قطاع غزة، يسهم في استمرار ارتفاع خطر الاضطرابات السياسية والعنف. رغم ذلك تحافظ فلسطين منذ سنوات قليلة على مستوى معدل مخاطر مؤسسية شاملة عند درجة المتوسط. كما تعتبر المخاطر القانونية والتنظيمية متوسطة إلى حد كبير بسبب عدم فعالية الحكومة بشكل عام وضعف سيادة القانون. ولا يزال الفساد يمثل قضية رئيسية على الرغم من جهود السلطة الفلسطينية لتنفيذ قوانين مكافحة الفساد. كما أن المخاطر الاقتصادية لفلسطين تتراوح من متوسطة إلى عالية حيث أن الاقتصاد مقيد بشدة بسبب سيطرة إسرائيل على الحدود. ويتم فرض قيود على حركة البضائع من خلال أنظمة التصاريح وقيود الاستيراد / التصدير. وعلى صعيد متصل، تعتمد فلسطين بشدة على المساعدات الخارجية لدعم تطوير البنية التحتية المتهالكة وتمويل ميزانية الحكومة.
بالنسبة لأداء السلطة الفلسطينية في مجال تخفيف مخاطر التغيرات المناخية، لا تتوافر أي موارد مستقلة لتنمية البيئة وخفض مستويات التلوث وإيجاد حلول عادلة لندرة المصادر المائية. رغم ذلك تعتبر فلسطين من أكثر المناطق العربية صديقة للبيئة بفضل الانبعاث المنخفض للغازات الدفيئة.
17- سوريا: (بيئة غير مستقرة مع درجة مخاطر مرتفعة واستمرار معاناة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين مع نظرة تميل للاستقرار المحفوف بالمخاطر في 2023)
حافظ السوريون على ترتيبهم في تصنيف أكثر الشعوب العربية أمانا لعام 2022 وتوقعات عام 2023، ويعزى ثبات ترتيب السوريين ليس لتحسن حالة الأمان بل لكونهم الأفضل بين الثلاث شعوب التي حلت في آخر التصنيف والتي تتقارب فيها المؤشرات السلبية. فتقدم سوريا في تحسين معدلات التوظيف وخفض نسبي للبطالة وتقلص نوعي لحجم التهديدات الإرهابية خلال 2022 واستئناف استباب الأمن والاستقرار الداخلي وتقلص الصراعات والنزاعات دعم ثبات سوريا في هذا التصنيف.
كما أن كارثة الزلزال المدمر وغير المسبوق الذي شهدته مناطق سورية حدودية مع تركيا والذي كلف ألاف الأرواح أثرت على تقييم درجة أمان السوريين مع رفع درجة الحذر مستقبلا خاصة مع مخاوف من ارتدادات محتملة للزلزال على بقية مناطق ومباني سوريا. بالإضافة الى زيادة تضرر البنى التحتية المتهالكة في أغلب المناطق السورية خاصة التي توجد خارج سيطرة النظام السوري. وتصنف درجة مخاطر التعرض للزلازل بالمرتفعة.
على مستوى المخاطر الشاملة، تتمتع سوريا التي مزقتها الحرب بتصنيف إجمالي للمخاطر بات يميل من مرتفع للغاية الى مرتفع ومتوسط خاصة مع توقعات بعودة سوريا للحضن العربي تدريجياً. المخاطر المؤسسية مرتفعة للغاية، مع وجود مستويات عالية جدًا من التدخل السياسي والمخاطر القانونية والتنظيمية. تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية للبلاد في النزاع، مما جعل شبكات النقل والاتصالات بالكاد تعمل. الحوكمة ضعيفة أيضًا، مع وجود قدر كبير من البيروقراطية المتأصلة في النظام. خطر عدم الدفع السيادي هو أيضا عالي جدا. تسبب الصراع في أزمة كبيرة للاجئين. حيث يوجد ملايين الأشخاص داخل سوريا وخارجها مهجرين من مساكنهم.
ورغم محدودية الاهتمام الكافي بملف البيئة، الا أن مؤشرات التلوث تبقى منخفضة نسبيا في بعض المناطق السورية مقارنة بالدول العربية الأخرى، وتبقى سوريا بين أكثر الدول صديقة للبيئة لكن مع نظرة مقلقة لدراسة مخلفات الحرب والدمار واستخدامات الأسلحة والنفايات السامة المترتبة عن ذلك.
على مستوى المخاطر الاقتصادية، بقي الاقتصاد السوري مقيدا بعقوبات عربية ودولية وهو ما يؤثر على تأخر انتعاش الاستثمار وضعف وتيرة تحسن إيرادات البلاد التي تراجعت. كما انخفضت مؤشرات الازدهار الاقتصادي والاجتماعي بفعل التأثر المباشر بتبعات الصراع الداخلي والانكشاف على آثار الحرب الأوكرانية التي ضاعفت معدلات التضخم الى نسب تاريخية مع تكبد كلفة تداعيات استمرار عزلة سوريا عن محيطها العربي والمجتمع الدولي، فوق ذلك، تم رصد انخفاض كبير وغير مسبوق لموارد الدولة في ظل تفاقم العجز وركود الاقتصاد والحالة الكارثية لتضخم ظاهرة الفقر والبطالة. وقد اكتسح الفقر أغلب مكونات المجتمع السوري حيث تعدى نسبة 90 في المئة من اجمالي السكان.
وصل الاقتصاد السوري إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل نحو 12 عامًا، مع تصاعد التضخم وهبوط العملة ونقص حاد في الوقود في كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وصلت الحياة في دمشق إلى طريق مسدود. الشوارع خالية تقريبًا من السيارات، وتتلقى المنازل بضع ساعات يوميًا من الكهرباء في أحسن الأحوال، وارتفعت تكلفة الطعام والضروريات الأخرى بشكل كبير. أدت الأزمة الاقتصادية المتزايدة إلى بعض الاحتجاجات.
أزمة الغذاء في سوريا تفاقمت بدورها، حيث أفاد برنامج الأغذية العالمي أن 11.1 مليون شخص في سوريا يحتاجون للمساعدات الإنسانية، وما يقارب 9.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد، وأن الحاجات الإنسانية تتزايد باستمرار نتيجة طول مدة النزاع.
الاقتصاد السوري وان أنهكته الحرب الا أن تأثير الفساد أكبر. تأتي سوريا في قائمة أكثر الدول في العالم التي تعاني من مدركات الفساد حيث أن ترتيبها المتأخر جدا في تصنيف أكثر الدول مواجهة لمخاطر الفساد في 2022 (196 عالميا[121]) يعتبر مؤشرا باعثا على القلق خاصة على مستوى تأثيراته في بيئة الاعمال والإدارة في البلاد التي تشكو من زيادة التدخل السياسي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. بالنسبة للمخاطر السياسية، تعتبر سوريا من أقل الدول تصنيفا في مؤشر الديمقراطية والحريات الفردية. كما انها في اواخر ترتيب العالمي لمؤشر التقدم الاجتماعي. ورغم حالة المخاطر والتهديدات العالية، استقر ترتيب سوريا في تصنيف مؤشر السلام الدولي عند مرتبة 161 مقارنة بمرتبة العام الماضي. ويعزى ذلك لتماسك الدولة وسعيها لتقليص مستوى المخاطر عبر حلول ذات أولوية سياسية وليست أمنية.
وتصنف سوريا كثاني أكثر دولة عربية معرضة لتهديدات إرهابية جدية في 2023 حسب مؤشر الإرهاب الدولي. تحذر وكالات الاسفار والسفارات عبر العالم من السفر اليها. ورغم دحر تنظيم الدولة الإسلامية من عدد كبير من الأراضي السورية يستمر الصراع على أشده في عدد من المناطق الحدودية. كما ان التدخل التركي الأمريكي الايراني يذكي استمرار صراع دولي على الأراضي السورية. بسبب مرور أكثر من عقد من الصراعات المسلحة في سوريا زاد انتشار السلاح بين المدنيين حيث يمتلك أكثر من نحو 8.2 في المئة من السوريين المدنيين أسلحة خفيفة، وهو ما دفع بشكل رئيسي زيادة احداث العنف وارتفاع معدل الجريمة[122]. كما تراجع مؤشر سلامة المرافق الحيوية والمساكن ومواطن العمل والبنى التحتية بفعل مخلفات الصراع.
18- اليمن: (بيئة ذات مخاطر عالية بسبب مخاوف تجدد الصراع المسلح ونمو ظاهرة المجاعة مع نظرة مقلقة للغاية ومخاطر عالية في 2023)
تقدم اليمنيون في الترتيب من المرتبة الأخيرة العام الماضي الى المرتبة 18 قبل الأخيرة في تصنيف هذا العام. هذا التقدم يعزى للهدنة الموقعة في ابريل 2022. ودعمت الهدنة ارتفاع مؤشر حسن النوايا الذي عبرت عنه جميع الأطراف علنًا وذلك في صورة خفض للتصعيد الإعلامي والحد من خطاب الكراهية. وهو ما دعم التفاؤل الحذر بعودة استباب الأمن تدريجيا.
بالنسبة للمخاطر الشاملة، بالرغم من الأرقام التي تعكس محدودية تضرر اليمن من الحرب الأوكرانية الروسية وجائحة فيروس كورونا، يواجه اليمنيون شبح مجاعة بعد ارتفاع عدد المحتاجين للغذاء وتفاقم نسبة الفقر والتهميش. وتعتبر مستويات الأمن الغذائي والصحي في اليمن الأدنى في العالم وهي وتنذر بخطر كارثة إنسانية. حيث يعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد. وتعاني اليمن من انهيار مؤسسات الدولة وعدم استقرار مسارات الأسعار وتردي البنية التحتية وأزمات العمالة والمعيشة فضلا عن أزمة الموارد الطبيعية[123].
بالنسبة للمخاطر الزلزالية في 2023، يبقى اليمنيون آمنون، حيث لا يواجهون مخاطر محدقة رغم عدم اليقين بدقة النشاط الزلزالي، لكن تبقى اليمن عموماً بعيدة عن مناطق الزلزالية النشطة، وتصنف درجة المخاطر الزلزالية من ضعيفة الى متوسطة.
بالنسبة للمخاطر الاجتماعية والانسانية، تسبب الصراع داخل اليمن في رفع نسب البطالة والتهميش والنزوح والفقر، حيث يعاني نحو 24 مليون يمني (ثلثي السكان) من الفقر المدقع ويعتمدون على المساعدات الانسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. كما تسببت العمليات العسكرية في نزوح أكثر من 4.3 مليون يمني داخليًا وأغلبهم لا يحصلون على الخدمات الأساسية بشكل كاف.
بالنسبة للمخاطر الاقتصادية والمؤسسية، خلفت سنوات الصراع آثار مدمرة لجل القطاعات الحيوية وتمر البلاد بانهيار اقتصادي شامل أدّى إلى انخفاض دخل الفرد بنحو 50% مما كان عليه في السابق. كما حلّت اليمن في المراتب الأخيرة في أغلب المؤشرات خاصة محاربة الفساد، والتقدم الاجتماعي والتنمية البشرية والتعليم[124].
لا تزال المخاطر المؤسسية الناجمة عن التدخل السياسي مرتفعة للغاية، حيث لا يزال سوء الحكم يعرقل بيئة الحياة والاستقرار والعمل. كما زاد حجم الأضرار بالبنية التحتية المتهالكة للبلاد نتيجة الحرب الدائرة، حيث تعتبر شبكات النقل والاتصالات شبه مدمرة، مما فاقم أزمة إنسانية وكبيرة دفعت حوالي 20 مليون شخص إلى شفا المجاعة. والمخاطر الاقتصادية التي تواجه اليمن ما زالت مرتفعة للغاية وستعتمد بشكل كبير على تطور الوضع السياسي والأمني. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير البنية التحتية لموانئ البلاد أضر بالتجارة الخارجية. لا تزال أرصدة حسابات اليمن في حالة حرجة وتعتمد البلاد الآن بشكل كبير على المساعدات الدولية لتمويل إنفاقها، حيث تقدم المملكة العربية السعودية مساعدات نقدية للبنك المركزي اليمني لمنع الانهيار التام للدولة.
اعتبرت اليمن أخطر وجهة عربية وأقلها أمانا في 2021 نتيجة الصراع المسلح والقصف وعدم وجود حل حاسم للأزمة بين الفرقاء. استمر رصد انتهاكات كارثية لحقوق الانسان مع نمو الجريمة التي يرقى بعضها الى جرائم ضد الانسانية. مقارنة بالعام الماضي، حافظت اليمن على ترتيب 162 في مؤشر السلام العالمي في 2022 لتحل قبل أفغانستان التي تذيلت الترتيب[125] هذا الترتيب المتأخر يعكس استمرار مخاطر الصراع المسلح فضلاً عن كارثة محدقة باليمن تتمثل في شبح المجاعة.
بالنسبة للمخاطر البيئية، فرغم أن مؤشرات التلوث البيئي منخفضة، تظهر تحديات نفايات الدمار الذي خلفته الحرب لسنوات من بين مصادر التلوث المقلق. كما لا تحظى خدمات المياه بالجودة الصحية الكافية بسبب انهيار البنى التحتية اللازمة.
بالنسبة للمخاطر الأمنية، لا تنصح السفارات ووكالات الاسفار بالسفر اليها على الرغم من توفر مخزون ثقافي وتراثي ضخم في اليمن وكلها مهددة بالتدمير جراء الصراع على السلطة. وعلى الرغم من ان الشعب اليمني من أكثر الشعوب العربية طيبة وضيافة وميلا للسلام، الا ان واقع الصراع حوّل اليمن الى وجهة يتصاعد فيها الإرهاب والخطف. فهي تعتبر رابع أكثر بلد في العالم معرض لتهديدات إرهابية جدية حسب آخر تحديث لمؤشر الإرهاب. الى ذلك يعتبر اليمنيون بين أكثر العرب امتلاكا للسلاح حيث يحوز نحو أكثر من 52.8 في المئة من اليمنيين المدنيين على أسلحة خفيفة. ونظرا لاستمرار الصراع والدمار الذي خلفه تراجع مؤشر السلامة المرتبط بأنشطة الحياة اليومية للمواطن اليمني.
ويعتبر تصنيف اليمن العام للمخاطر في 2022 مرتفع للغاية، مدفوعًا بمخاطر عالية جدًا من العنف السياسي الذي الخلاف المستمر بين المتمردين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، إلى جانب الهجمات التي تشنها القاعدة وتنظيمات أخرى متطرفة، أضرت بالاستقرار السياسي في اليمن.
19- السودان: (بيئة محفوفة بالمخاطر وعدم استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي مع نظرة مقلقة لعام 2023)
تراجع ترتيب السودانيين ليحلّوا في آخر تصنيف هذا العام كأقل الشعوب العربية أماناً في 2022 مع نظرة غير مستقرة لعام 2023. تأخر تصنيف السودان في مؤشر الأمان الشامل يعود لعدة أسباب أبرزها انتشار العنف وانهيار الاقتصاد وتضرر كبير من الانكشاف على تداعيات الحرب الأوكرانية خاصة على مستوى تسجيل نسبة تضخم قياسية انعكست سلباً على حياة المواطنين السودانيين، حيث يواجه نسبة كبيرة منهم أزمة إنسانية بامتياز وانعدام الأمن. كما تضخم حجم الدين العام السوداني لتصبح البلاد ثاني أكثر دولة بالعام تداينا[126].
بالنسبة لدرجة انكشاف السودانيين على مخاطر الزلازل، تبقى بين منخفضة ومعتدلة، حيث لا يواجه السودانيون مخاطر زلزالية مدمرة محدقة. لكن تبقى هناك توصيات بأخذ الحيطة وتعزيز المرافق الأساسية للطوارئ والسلامة شبه المنعدمة.
عموما، خلال 2022، عززت الفصائل العسكرية قوتها وسط انتشار أعمال العنف وكذلك المظاهرات المناهضة للحكومة المستمرة في الخرطوم. منذ الانقلاب في أكتوبر2021، كافحت النخبة العسكرية وشبه العسكرية للحفاظ على النظام مع استمرار السقوط الحر الاقتصادي وأزمة جوع تعصف بالبلاد بلا هوادة. لا يزال السودان يواجه تحديات سياسية واقتصادية متداخلة في عام 2023.
بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية المستمرة من ذ عام 2021، استمرت حالة الطوارئ. يبقى السودان في النظرة المستقبلية لعام 2023 عرضة لتهديدات إرهابية وأعمال تخريبية وصراعات مسلحة. ويعتبر السودان المنقسم وقسمه الجنوبي خاصة وجهة لا ينصح بالسفر اليها حسب وكالات الاسفار والسفارات الأجنبية. اذ ارتفع معدل انتشار الجريمة والسلاح بين المجتمع[127]، حيث يمتلك نحو 6.6 في المئة من السودانيين المدنيين أسلحة خفيفة. وهذا ما يسبب قلقاً حول ارتفاع احتمالات العنف والجريمة. لكن معدل المخاطر الإجمالي للسودان يبقى مرتفعاً للغاية حيث ارتفع تصنيف البلاد ضمن المراتب الأخيرة في آخر تحديث لمؤشر السلام الدولي ليصعد مرتبة 154 عالمياً[128] مقارنة مع 153 العام الماضي.
يعتبر السودان واحدا من أكثر بلدان العالم تسجيلاً لأعلى مستويات الفساد[129]. وتهدد المخاطر المؤسسية بيئة الأمان والسلامة والعمل وهي مخاطر مرتفعة للغاية، لا سيما مخاطر التدخل السياسي والمخاطر القانونية والتنظيمية. كما لا يزال السودان يعاني من عجز مالي ضخم، في حين يستمر الدين الحكومي في النمو بوتيرة الأسرع عالمياً.
يصنف السودان من أقل دول العالم العربي تحسينا لجهود التنمية وخاصة البشرية والتعليم[130] والوصول الى الخدمات الأساسية. كما تذيل السودان دول العالم قبل اليمن والصومال في مؤشرات التقدم الاجتماعي والازدهار. الى ذلك يعتبر دخل السودانيين السنوي بين الأدنى بين نظرائهم العرب (751 دولار)[131].
وفي النظرة المستقبلية لعام 2023، لدى السودان درجة عالية من المخاطر الإجمالية. كما أن خطر اندلاع اعمال عنف او احتجاجات بدواعي سياسة تبقى واردة ومرتفعة للغاية بسبب النزاع المستمر، والذي يتركز في المنطقة الجنوبية من البلاد.
المخاطر المؤسسية مرتفعة للغاية، ويعزى معظمها إلى نظام عدالة هش وضعف فعالية الحكومة. الأطر الاجتماعية والبنية التحتية تكاد تكون معدومة وفي حاجة ماسة إلى الاستثمار والإصلاحات. وإلى جانب المخاوف الأمنية، تعاني البلاد أيضًا من انتشار الفقر والكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات. وبالتالي، لا تزال المخاطر الاقتصادية مرتفعة وتنجم عن الافتقار إلى أنظمة الإدارة المالية أو الإيرادات الحكومية.
يصنف السودان بين أقل دول العالم تخصيصا لجهود وقرارات بهدف حماية البيئة وخفض آثار التغيرات المناخية، رغم ذلك تعتبر البيئة السودانية بين الأقل تضررا بالاحتباس الحراري والتلوث وبين الأكثر وفرة على مستوى الأراضي الزراعية والمصادر المائية.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] The World Bank, Political stability index (-2.5 weak; 2.5 strong), 2021 – Country rankings, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_political_stability/#:~:text=Political%20stability%20index%20(%2D2.5,available%20from%201996%20to%202021.
[2] world bank, GDP per capita (current US$), 2022, https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.PCAP.CD
[3] 2022 Global Peace Index, https://www.visionofhumanity.org/maps/#/
[4] Crime Index by Country 2023, https://www.numbeo.com/crime/rankings_by_country.jsp
[5] undp, Global Multidimensional Poverty Index 2022, Unpacking deprivation bundles to reduce multidimensional poverty, https://hdr.undp.org/system/files/documents/hdp-document/2022mpireportenpdf.pdf
[6] General government gross debt, https://countryeconomy.com/national-debt
[7] Inflation Rate by Country, 2022, https://wisevoter.com/country-rankings/inflation-rate-by-country/, and updates of inflation rates in 2023
[8] ILO Database, Unemployment rate by country 2022, https://knoema.fr/blizore/unemployment-rate-by-country-2022-data-and-charts
[9] IMF, Real GDP growth, 2023, https://www.imf.org/external/datamapper/NGDP_RPCH@WEO/OEMDC/ADVEC/WEOWORLD
[10] World Bank, Government effectiveness – Country rankings, 2022, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_government_effectiveness/
[11] The Global Corruption Index (GCI) 2022, https://risk-indexes.com/global-corruption-index/
[12] UNHCR Refugee Data 2022, https://www.unhcr.org/refugee-statistics/download/?url=hWtl4Q
[13] Freedom House rates people’s access to political rights and civil liberties, 2022, https://freedomhouse.org/countries/freedom-world/scores; Freedom Index by Country, https://wisevoter.com/country-rankings/freedom-index-by-country/
[14] Quality of Life Index by Country 2023, https://www.numbeo.com/quality-of-life/rankings_by_country.jsp
[15] World Happiness Index 2023: Country Wise Rank, https://bihar-cetbed-lnmu.in/world-happiness-index-2023/
[16] 2021 Global Health Security Index, https://www.ghsindex.org/#l-section–countryranksect
[17] Largest Sovereign Wealth Fund Rankings by Total Assets, https://www.swfinstitute.org/fund-rankings/sovereign-wealth-fund& Credit suisse Global Wealth Databook 2022, file:///C:/Users/IMED/Downloads/global-wealth-databook-2022%20(1).pdf
[18] Air Quality Index (AQI), 2022, https://www.aqi.in/world-most-polluted-countries, Climate Tops 2022 WEF Global Risks Report, https://unfccc.int/news/climate-tops-2022-wef-global-risks-report
[19] Latest Human Development Index Ranking, UNITED NATIONS DEVELOPMENT PROGRAMME, Human Development Reports, Undp, HUMAN DEVELOPMENT INSIGHTS, 2022, https://hdr.undp.org/data-center/country-insights#/ranks
[20] GDP per capita (current US$), world bank, https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.PCAP.CD
[21]إحصاء نسب البطالة حسب كل بلد وفق الأرقام الرسمية المعلنة وقاعدة بيانات منظمة الاسكوا https://www.unescwa.org/news/escwa-and-ilo-arab-region-registers-highest-unemployment-levels-worldwide
[22] 2020 World Air Quality Report, Region & City PM2.5 Ranking, Environmentql performqnce index, https://epi.yale.edu/epi-indicator-report/AIR
[23] Global Peace Index 2021, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-web-1.pdf
[24] CO2 emissions per capita, world bank, https://data.worldbank.org/indicator/EN.ATM.CO2E.PC
[25] Pollution Index by Country 2022 Mid-Year, Numbeo, https://www.numbeo.com/pollution/rankings_by_country.jsp
[26] Most polluted countries, iqair, https://www.iqair.com/world-most-polluted-countries
[27] Latest Human Development Index Ranking, UNITED NATIONS DEVELOPMENT PROGRAMME, Human Development Reports, http://hdr.undp.org/en/content/latest-human-development-index-ranking
[28] Political risks, AON ranking and Analysis, https://www.aon.com/getmedia/30829978-e82a-47eb-b58b-021a22daa994/2020_risk-maps-report.aspx
[29] Alternative Solutions to School Closure in Arab Countries
To Ensuring THAT LEARNING NEVER STOPS
COVID-19 EDUCATION RESPONSE, UNESCO, Education 2030, https://en.unesco.org/sites/default/files/alternative_solutions_to_school_closure_in_arab_countries_-_final.pdf
[30] Global 2022 Social Progress Index : Results, https://www.socialprogress.org/global-index-2022-results
[31] Freedomhouse democracy index 2022, https://freedomhouse.org/countries/freedom-world/scores
[32] Fragile States Index 2022 – Annual Report, https://fragilestatesindex.org/2022/07/13/fragile-states-index-2022-annual-report/
[33] Michael Green, Jaromir Harmacek, Mohamed Htitich, Sophie Sutherland, How the world survived the climate crisis, 2021, https://www.socialprogress.org/static/3fedc16c26015e6836d9dd99922315b1/A%20Story%20of%20Progress%20GHGs%20report-compressed.pdf
[34] Political stability, country rankings, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_political_stability/
[35] تقديرات المركز وفق رصد متوسط نسبة بطالة الشباب في كل دولة عربية محدودة الدخل
[36] Crime Index by Country 2021 Mid-Year, https://www.numbeo.com/crime/rankings_by_country.jsp
[37] ESCWA: The Arab region’s economy will continue to recover in 2022 and 2023, https://www.unescwa.org/news/escwa-arab-region%E2%80%99s-economy-will-continue-recover-2022-and-2023#:~:text=%E2%80%9CPoverty%20rates%20in%20the%20Arab,Author%20of%20the%20Survey%2C%20noted.[38] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[39] أنظر بيانات المفوضية السامية لشؤون المهاجرين المتعلقة بالأفراد اللاجئين او طالبي اللجوء حسب بلد الإقامة و / أو المنشأ والمحدثة لآخر عام 2022، انظر جدول احصائيات المنظمة على موقعها الرسمي http://popstats.unhcr.org/en/persons_of_concern
[40] أنظر بيانات المفوضية السامية لشؤون المهاجرين المتعلقة بالأفراد اللاجئين او طالبي اللجوء حسب بلد الإقامة و / أو المنشأ والمحدثة لآخر عام 2022، انظر جدول احصائيات المنظمة على موقعها الرسمي http://popstats.unhcr.org/en/persons_of_concern
[41] science media center, expert reaction to the earthquake near the Turkey/Syria border, FEBRUARY 6, 2023,
https://www.sciencemediacentre.org/expert-reaction-to-the-earthquake-near-the-turkey-syria-border/
[42] Countries with most earthquakes, https://earthquakelist.org/reports/top-100-countries-most-earthquakes/#2023; Hazards, exposure and risks, https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/migration/arabstates/MainReportScreen-48-80.pdf
[43] Probabilistic Seismic Hazard Assessment for United Arab Emirates, Qatar and Bahrain, Appl. Sci. 2020, 10(21), 7901; https://doi.org/10.3390/app10217901, Rashad Sawires, José A. Peláez, Mohamed Hamdache, https://www.mdpi.com/2076-3417/10/21/7901
[44] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[45] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[46] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[47] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[48] Bello AS and Ben-Hamadou, Food Security in Qatar during COVID-19 Pandemic, Department of Biological and Environmental Sciences, College of Arts and Sciences, University, Qatar, Food Science & Nutrition Technology, ISSN: 2574-2701, MEDWIN PUBLISHERS, file:///C:/Users/IMED/Downloads/BeloandBenHamadou2021food-security-in-qatar-during-covid-19-pandemic.pdf
[49] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[50] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[51] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[52] Top 20 Countries with Best Education System in the World, https://leverageedu.com/blog/best-education-system-in-the-world/
[53] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[54] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[55] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[56] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[57] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[58] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[59] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[60] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[61] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[62] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[63] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[64] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[65] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[66] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[67] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[68] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[69] Top 100 Largest Sovereign Wealth Fund Rankings by Total Assets, https://www.swfinstitute.org/fund-rankings/sovereign-wealth-fund
[70] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[71] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[72] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[73] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل، https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2022/06/GPI-2022-web.pdf
[74] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[75] Bahrain Government Debt to GDP, https://tradingeconomics.com/bahrain/government-debt-to-gdp
[76] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[77] GLOBAL PEACE INDEX 2021, A SNAPSHOT OF THE GLOBAL STATE OF PEACE, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-A3-map-poster-1.pdf
[78] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[79] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[80] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[81] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[82] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[83] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[84] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[85] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[86] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[87] Global Terrorism Index 2020 Summary and Key Findings, https://www.visionofhumanity.org/global-terrorism-index-2020-summary-and-key-findings/
[88] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[89] GLOBAL PEACE INDEX 2021, A SNAPSHOT OF THE GLOBAL STATE OF PEACE, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-A3-map-poster-1.pdf
[90] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[91] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[92] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[93] Global Index 2022: Results, https://www.socialprogress.org/global-index-2022-results
[94] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[95] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[96] GLOBAL PEACE INDEX 2021, A SNAPSHOT OF THE GLOBAL STATE OF PEACE, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-A3-map-poster-1.pdf
[97] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[98] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[99] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[100] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[101] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[102] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[103] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[104] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[105] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[106] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[107] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[108] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[109] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[110] GLOBAL PEACE INDEX 2021, A SNAPSHOT OF THE GLOBAL STATE OF PEACE, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-A3-map-poster-1.pdf
[111] GLOBAL PEACE INDEX 2021, A SNAPSHOT OF THE GLOBAL STATE OF PEACE, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2021/06/GPI-2021-A3-map-poster-1.pdf
[112] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[113] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[114] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[115] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[116] GLOBAL PEACE INDEX 2022, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2022/06/GPI-2022-web.pdf
[117] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[118] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[119] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[120] GLOBAL PEACE INDEX 2022, https://www.visionofhumanity.org/wp-content/uploads/2022/06/GPI-2022-web.pdf
[121] Global corruption index 2022, https://risk-indexes.com/global-corruption-index/
[122] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[123] In partnership with Marsh McLennan, SK Group and Zurich Insurance Group, The Global Risks Report 2022, 17th Edition, published by the World Economic Forum, https://www3.weforum.org/docs/WEF_The_Global_Risks_Report_2022.pdf
[124] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[125] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[126] Central Government Debt Percent of GDP, https://www.imf.org/external/datamapper/CG_DEBT_GDP@GDD/CHN/FRA/DEU/ITA/JPN/GBR/USA
[127] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[128] Global Peace Index 2022, https://www.visionofhumanity.org/maps/#/
[129] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[130] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل
[131] أنظر جدول المؤشرات في الأسفل