دراسة: إعداد
الباحث: د. علي حسون، لبنان
aliyhasoun@hotmail.com
20 ديسمبر 2022
ملخص: تعتبر المستوطنات الإسرائيلية، ومجتمع المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، عائقا مركزيا لأي حل دائم يضمن إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967، ليس فقط على المستوى العملي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية. اذ يشكل مجتمع المستوطنين في الضفة الغربية مجتمعا آخذ في التبلور كمجتمع منسجم ومتلاحم مع المجتمع الإسرائيلي داخل الخط الأخضر. ونجد ذلك في هيمنته على المواقع المتقدمة والمناصب الرفيعة في الجيش الإسرائيلي، وكذلك السياسة الإسرائيلية، فضلاً عن حضوره داخل الأحزاب المركزية وخاصة الحزب الحاكم، الليكود، بجانب مجالات الأكاديميا والاقتصاد وغيرها.
تمثل قضية مستوطنة عمونه وإخلائها حالة دراسية هامة حول التوجهات الإسرائيلية الرسمية من فكرة إخلاء مشروع المستوطنات الكولونيالي في الضفة الغربية، ومثالا على ثبات المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، فعشر سنوات من الصراع القضائي ضد بؤرة استيطانية صغيرة “غير مرخصة” لم تؤت أكلها في إخلاء وهدم مستوطنة في هذه المناطق، وخاصة بعد تجربة إخلاء وهدم المستوطنات في قطاع غزة. وتمثل قضية عمونه تحالف مركبات الاحتلال الإسرائيلي في سبيل إفشال محاولة إخلائها، بدءا من الإدارة المدنية، الحكومة، الوزارات، المحكمة العليا، الشرطة وغيرها.
مقدمة: يزعم الصهاينة أنه كانت هناك أسطورة كنعانية تتحدث عن نزول الإله العظيم “إيل” على الأرض، وبينما كانت عشيرة يعقوب تعبر هذا المكان، اكتشفوا مذبح بيت أيل فآمنوا به.
وجاءت رؤية يعقوب للسلم القائم للسماء مطابقة لهذا الاعتقاد في العهد القديم فيقول: “لقد روت أسطورة كنعانية قديمة ان إيل الإله العظيم نزل في ماضٍ سحيق، نزل على الأرض في بيت إيل كما ينزل الكهنة على درجات الهياكل العظيمة صاحبة الطوابق السبعة في بلاد الرافدين. وفي يوم من الأيام عبرت عشيرة يعقوب وأقامت في منطقة بيت إيل”.
كان أهل العشيرة يؤمنون بإله يعقوب الذي لايقهر وهو “دبير” وقد يعني الملك، أو المرتبط بإله الوبر (أي البدو)… إن بني يعقوب مقتنعون بأن إلههم أعطاهم القدرة لكي يأتوا إلى هذا المكان… وارتبطت عشيرة يعقوب بهذه المنطقة، ومالبث أن اجتمع إسم يعقوب مع إسم بيت إيل، وأسطورة الإله الذي نزل على الأرض في بيت إيل، صارت حكاية يرويها أناس يؤمنون بإله يعقوب، وحولوها وحددوا معناها، فصارت في التوراة كما يلي “ورأى خلفاً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمسَ السماء، وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهو ذا الرب واقف عليها فقال أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله أسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك”.
تبنى العبرانيون الأسطورة الكنعانية، أجل نزل الله من السماء إلى بيت إيل وظهر لأبينا يعقوب وهكذا صار ” بيت إيل” الإله الكنعاني، صار إله الآباء أجل صار إله يعقوب وعشيرته.
سعت “إسرائيل” إلى تجسيد هذه الأساطير فيما أسمته “وثيقة الاستقلال” وجاء فيها “نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وفيها اكتملت صورته الروحانية والدينية والسياسية. فيها عاش حياة مستقلة في دولة ذات سيادة…. وعندما أُجليَ الشعب اليهودي عن بلاده بالقوة، حافظ على عهده لها وهو في بلاد مهجره بأسره، ولم ينقطع عن الصلاة والتعلق بأمل العودة إلى بلاده واستئناف حريته السياسة فيها”.
والكلام الخطير الذي يكشف طابع هذه الدولة العنصرية الدينية التي أسست على هذه الأساطير التلمودية حيث تنص وثيقة الاستقلال المزعومة: “وتفتح دولة إسرائيل أبوابها من أجل الهجرة اليهودية ومن أجل جمع الشتات، تدأب على ترقية البلاد لصالح سكانها جميعاً وتكون مستندة إلى دعائم الحرية والعدل والسلام مستهدية بنبوءات أنبياء إسرائيل”. وبهوى من هذه النبوءات يقول رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكنيست بمناسبة عقد جلسة خاصة بمناسبة يوم القدس بتاريخ الأول من حزيران العام 2016 قائلاً: “هناك من ادَعى بأننا لا نملك أي علاقة بجبل الهيكل. هذا الادعاء غير معقول في جبل الهيكل كان هناك هيكلان (معبدان) يهوديان منذ نحو 1000 عام ونحن لا نملك اي علاقة؟! الملك داوود جعل أورشليم القدس عاصمتنا قبل 3000 عام. هل يدعي أحد بأن الأهرام لا علاقة لها بالمصريين؟ وأن الكولوسيوم لا علاقة له بالإيطالين؟! الحقيقة هي عكس ذلك تماماً”.
ويقول رئيس الكنيست يولي يوئيل ادلشتاين في المناسبة نفسها “هناك من يرفض من أهالينا فكرة التمسك بأورشليم القدس على كل ما فيها من أجزاء ومساحات حسب اعتقادهم فإن توحيد شطري المدينة هو خطأ دون حق وتحقيق مبتغى الأجيال. إنهم ومن أجل توضيح ادعائهم يلحون بالحجة المبتذلة إن ما قيل من “إسألوا سلامة أورشليم ليسترح مُحبوكِ” لا يعي شعفاط أو جبل المكبر. هذا ادعاء خاطئ ومضلل لأنه عندما كتب الملك داوود هذا الكلام من التوق إلى المدينة المقدسة لم يكن على علم برحافيا أو بالطالبية (من حارات أورشليم – القدس) إنما كتب ببساطة عن أورشليم”.
تهدف هذه الدراسة إلى مقاربة الاستيطان الإسرائيلي وتوضيح أسبابه ومنطلقاته العقائدية والفكرية المرتبطة بأساطير التوراة وتأثيرها على الفكر الصهيوني نظراً للعلاقة الإيديولوجية المتلازمة بين الفكرة والتطبيق، ولأن الاستيطان له انعكاسات اقتصادية واجتماعية تطرقنا إلى الأثر الجغرافي للاستيطان بشرح تفصيلي للأضرار التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني من جراء اعتداءات قطعان المستوطنين على الشعب الفلسطيني ونهب ثرواته، أما الأخطر من ذلك كله يتمثل في تسخير دولة الاحتلال لأجهزتها القضائية من أجل قضم المزيد من الأراضي من خلال أحكام قضائية جائرة تعتدي على الملكية الفردية من مصادرة أراضي وبيوت الفلسطينيين ومن أجل التصدي لهذا القتل البطيء الذي لا يشكل بنظر البعض جريمة تستدعي تدخل الأمم المتحدة وهو بالفعل يشكل تحايلاً على القانون الدولي تحت ستار آلة القتل المسماة المحكمة العليا الإسرائيلية إذ تبرز قضية “عتير أم الحيران” كنموذج لهذا الظلم اللاحق بحق أبناء الشعب الفلسطيني من اعتداءات على حقوق ملكيتهم للأراضي ومصادرتها مرفقاً بملف قانوني عن الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العليا التي تدل بشكل واضح على إرهاب الدولة.
يأتي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 والذي تبناه مجلس الأمن بتاريخ 23 ديسمبر 2016 الذي ينص على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967. إن هذا القرار يعتبر خطوة متقدمة لردع الاحتلال الإسرائيلي، نأمل أن يُستكمل بالمزيد من الخطوات التي تمنع الاحتلال من الاستمرار بهذه السياسة بشكل نهائي.
الفصل الأول: الاستيطان في الفكر الصهيوني:
تباينت آراء الصهيونية الدينية ومواقفها من مسألة مكانة “أرض إسرائيل”، ويمكن الإشارة إلى توجهين مركزيين، في هذا الشأن: (شفارتس 2010)
أولاً: ينطلق هذا التصور من الادعاء أن الأرض )وفي هذه الحالة “أرض إسرائيل”( هي شرط ضروري لتحقيق كامل للشريعة، الأرض هي المكان الوحيد الذي يؤدي إلى رفاهية شعب إسرائيل وتطوره الديني والثقافي. بالنسبة لهذا التصور فإن البلاد هي خادمة القومية الدينية، ويعتقد هذا التصور أن الرابطة القومية بين الشعب اليهودي والأرض هي رابطة دينية، تتبنى هذه النظرة فكرة العلاقة الرومانسية بين الشعب والأرض.
يشير شفارتس إلى أن هذا التصور يتعامل مع الأرض من منطلقات أداتية، هدفها تطور الشعب، ويعتقد أن غالبية أعضاء الصهيونية الدينية انجذبوا إلى التصور الرومانسي لعلاقة الشعب بالأرض، ولم يكتفوا بالإطار العقلاني القومي لهذه العلاقة الشعب بالأرض، ولم يكتفوا بالإطار العقلاني القومي لهذه العلاقة، وإلا لتحولوا إلى مركب من مركبات الصهيونية السياسية التي نظر لها هرتسل.
ثانياً: أما أصحاب التصور الثاني لأرض إسرائيل، فيعتقدون أن للأرض مميزات روحانية مستقلة، وأن اللقاء بين هذه الخصوصية، وبين الخصوصية القومية تؤدي إلى نتائج أكبر من الجوهر القومي العادي لأية حركة قومية سياسية تقليدية. ثم تطوير هذا التوجه فإن اللقاء بين الشعب والأرض، هو لقاء وحتى مزج بين عاملين مهمين، ستكون له نتائج مسيانية متطرفة واضحة. لا ينطلق هذا التصور، كما هو حال التصور الأول، كما هو حال التصور الأول، من نظرة أداتية للأرض في اعتبارها عاملا في تطور الشعب، بل أن استيطان الأرض وتوسيع حدوده هو جزء من تدخل الرب لتصحيح الوضع القائم، وحسب هذا التوجه فإن الأرض هي كيان مستقل بذاته وله إرادة وقدسية لذاتها، وليس مجرد أداة كما يقول التصور الأول.
يتعلق هذان التوجهان بالمكانة التي يحتلها الحاخامات في المستوطنات في توجيه وبلوزة مواقف المستوطنين من الصراع. يشير شفارتس، أن هنالك استنزافاً لمكانة الحاخامات اليهود وتأثيرهم على المستوطنين في العقدين الماضيين، حيث أنه منذ الاحتلال عام 1967 وحتى الانتفاضة الفلسطينية الأولى، شكل رجال الدين العامل الأساس في بلورة مواقف المستوطنين وخصوصًا الشباب منهم، أما بعد ذلك فقد، تراجع هذا الدور ودخلت عوامل أخرى تؤثر في هذه المواقف وتبلورها (شفارتس 2010).
ويمكن الإشارة إلى عاملين أساسين أديا إلى تراجع دور الحاخامات اليهود:
الأول: تراجع الشغف المسياني والانبهار الديني بالمقولات الخلاصية، وخصوصاً بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، وتوقيع اتفاقات أوسلو والتي أدت إلى تحدي الخطاب الخلاصي، حيث أن الانتفاضة كشفت عن صعوبة إخضاع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واستحالة طردهم، بينما تترتب عن اتفاق أوسلو تسليم مساحات من ” أرض إسرائيل” إلى سلطة غير يهودية، ما يعني أن مقولات الخلاص خارج التاريخ، كانت واهية أمام الواقع التاريخي.
أما العامل الثاني فيتعلق بالتحولات الديمغرافية المستجدة في أوساط المستوطنين، ففي العقود الأولى من الاستيطان هيمنت الصهيونية الدينية وأبناؤها على النشاط الاستيطاني في الأرض الفلسطينية، طبعاً بدعم حكومي “علماني” واضح. وعلى الرغم من ” الدعم العلماني” فقد جاء المستوطنون بالأساس من أطر الصهيونية الدينية على اختلاف مشاربها، لهذا السبب كانت للحاخامات هيمنة وشكلوا مرجعية المستوطنين، أكثر من أي مرجعية سياسية أو دينية أخرى ( مرجعية أرثوذكسية).
بدأ التحول منذ عقدين والمتمثل في دخول مستوطنين من قطاعات اجتماعية جديدة، وبالأساس من ينتمون إلى الأرثوذكسية الدينية(الحريديم)، وعلمانيين ومحافظين، لا يعتبرون حاخامات الصهيونية الدينية مرجعية لهم. كما أن جزءاً ممن استوطنوا لم يفعلوا ذلك لأسباب أيديولوجية أو دينية، مثل تعمير الأرض، وبسط السيادة اليهودية، وإحلال المستعمرين مكان السكان الأصليين، (وذلك على الرغم من أن كل ما ذكرناه نتيجة حتمية لاستيطانهم)، بل كان دافعهم الأساسي اقتصادياً (غوطيفان 2004).
يشير شاؤول أربيلي أن عدد المستوطنين (بدون القدس الشرقية) يصل إلى 320 ألفاً يعيشون في 124 مستوطنة في الضفة الغربية.
وحسب أرييلي، فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية وصل عام 2012 (بما في ذلك القدس) إلى حوالي نصف مليون مستوطن. يستوطن 36% منهم شرقي القدس) حوالي 200 ألف(. يسكنون في 12 مستوطنة أقيمت بعد عام 1967. ويعيش 29% منهم في أربع مدن استيطانية كبيرة في الضفة الغربية (حوالي 160 ألفاً). ويعيش 13% منهم في 13 مجلساً استيطانياً. ويعيش 22% في ستة مجالس إقليمية استيطانية. (110 مستوطنات، 32-مستوطنات زراعية وكيبوتسات).
وحسب معطيات الكتاب الإحصائي السنوي لإسرائيل 2012 (جدول 2,6 ص 100)، وصل عدد المستوطنون في الضفة الغربية عام 2011 إلى 319 ألف مستوطن (لا تشمل هذه المعطيات مستوطني القدس)، أما حسب معطيات شعبة الاستيطان فقد وصل عددهم إلى 320 ألفاً عام 2010.
كما ينقسم مجتمع المستوطنين إلى ثلاثة أثلاث. الثلث الأول هم المتدينون الأرثوذكسيون، والذين يعيشون بالأساس في أربع مستوطنات كبيرة. الثلث الثاني هم مستوطنون من أبناء الصهيونية الدينية، والذين يعيشون بالأساس، في عشرات المستوطنات المقامة على الهضاب والتلال والجبال على طول الشارع رقم 60 الذي يشق الضفة من الشمال إلى الجنوب. أما الثلث الثالث فهم العلمانيون، والذين ينتشرون بشكل مختلف عن المتدينين القوميين، فغالبيتهم يسكنون المستوطنات الملاصقة للخط الأخضر أو ما تسمى الكتل الاستيطانية، مثل مدينة أرييل الاستيطانية (آرييلي 2013).
يشكل المستوطنون، ومنذ صعود الليكود إلى الحكم عام 1977، قوة سياسية صاعدة في المجتمع الإسرائيلي، وتشكل الصهيونية الدينية رأس الحرية الفكرية والأيديولوجية لهذه القوة السياسية، واعتبر الكثير من الباحثين الإسرائيليين أن هذه القوة السياسية الممزوجة بأرضية أيديولوجية وفكرية من مدرسة الصهيونية الدينية سوف تغير الصهيونية، وتعيد تعريفها وانتاجها من جديد بشكل لا يعود فيه هذا التوتر بين الدين والدولة، بين المسياني والواقعي، بين التاريخ وخارج التاريخ، بين اليهودية والصهيونية، بين أرض إسرائيل وبين دولة إسرائيل وشعب إسرائيل (زار طال 2005).
ينفي غورنبرغ، في كتابه، الادعاء أن مشروع المستوطنات بدأ عملياً في عهد حكومة بيغن- شارون الأولى عام 1977، عندما شغل فيها شارون منصب وزير الزراعة وقام بدعم النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية بشكل مكثف. يشير الكاتب أن بداية المشروع الاستيطاني تعود لفترة حكومات حزب العمل، خلال العقد الأول من الاحتلال (حكومات ليفي اشكول، غولدا مئير واسحق رابين)، ويعرض الكتاب، على سبيل المثال، شغف اشكول “العلماني” البراغماتي في الحفاظ على قطاع غزة والنابع مع مشاعر أشكول الفياضة اتجاه قصة شمشون ودليلة ( Gorenberg 2006).
ففي العقد الأول من احتلال 1967-1977، وهو عقد حكمت فيه حكومات عمالية، أقيمت مستوطنات كفار عتصيون، حبرون، الون موريه، عوافره، كدوميم والمستوطنات في هضبة الجولان (زار طال، 2005).
يرصد المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف في كتابه، “1967: والأرض غيرت وجهها”، تسلسل بلورة الخطاب حول الاستيطان، حيث يبين رصده كيف أن الاستيطان وخطاب الاستيطان وخطاب “أرض إسرائيل” شكلت كلها خطاباً شعبياً وسياسياً من اليمين إلى اليسار، وكيف أن الحكومة الإسرائيلية شرَعت (بمعنى إعطاء الشرعية السياسية) فكرة الاستيطان، وفكرة “أرض إسرائيل” قبل الفعل الاستيطاني، وما يمكن قراءته من الرصد الذي قام به سيغف، أنه لو افترضنا أن الحكومة العمالية لم ترغب بفكرة الاستيطان الفعلي بشكل مكثف، إلا أنها سوغت الخطاب الاستيطان بصورة واضحة، وفي بعض الأحيان سهلته ووجهته. فبعد يوم واحد من انتهاء حرب حزيران، وتحديداً يوم الأحد 11 حزيران، ظهر إعلان نصه “لن نعيد أية قطعة أرض محررة من بلادنا”، وفي الأسبوع نفسه نشر أعضاء حركة “المركز الحر”، التي انشقت عن حركة “حيروت” (الليكود اليوم) منشورات أكثر وضوحاً قالت فيها إن أية “منطقة محررة لن يتم إرجاعها” (سيغف 2005).
ولم يكن الجيش بعيداً عن تسويغ الاستيطان وشرعنته، فبعد يومين من الحرب، ظهر مقال في نشرة للقيادة العسكرية الوسطى، تحت عنوان “بلاد واحدة”، جاء فيه “الضفة الغربية كلها تحت السيادة الإسرائيلية، ومعنى ذلك أن أبناء شاؤول عادوا إلى أرض بنيامين… وسيعود الحديث بلغة التوراة في مدن شيلا وشخيم(نابلس)، والسامرة وبين تمور يريحو(أريحا)، وسيعود أبناء داهور إلى بيت لحم، وابناء إبراهيم، إسحق ويعقوب إلى مدينة معرات همخبيلاة (الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل)” (سيغف 2005).
وتلقى الجنود، في السياق نفسه، تعزيزاً لفكرة “أرض إسرائيل” التوراتية من حركة أدباء وشعراء وكتاب كانتى تسمي نفسها “من أجل أرض إسرائيل الكاملة”.
وجاء في منشورهم “انتصار الجيش أدخلنا إلى فترة جديدة…أرض إسرائيل الكاملة هي الآن بأيدي الشعب اليهودي… وبينما أنه لا نملك الحق بالتنازل عن دولة إسرائيل، فإننا نأمر أن ننفذ ما أخذنا منها: أرض إسرائيل…أننا ملزمون وبصدق لكمال أرضنا، من أجل ماضي الشعب ومستقبله أيضاً، وليس لأية حكومة الحق بالتنازل عن هذا الكمال”.
وقال حاخام دولة إسرائيل ( وهو في مكانة مفتي الجمهورية في الدول العربية)، اسحق نيسيم، في تلك الفترة، إنه لا يجوز الانسحاب، ليس فقط من الأماكن الدينية اليهودية المقدسة، مثل هار هبايت (الحرم القدسي الشريف)، والجدار الغربي (حائط البراق) بل “لا يوجد حق لأي شخص في إسرائيل، بما في ذلك حكومة إسرائيل، أن تعيد حتى ذرة أرض واحدة داخل حدود أرض إسرائيل الموجودة تحت سيطرتنا” (سيغف 2005).
يرصد سيغف تطور هذه العملية على أرض الواقع، بالإضافة إلى العملية الفكرية التي تبلورت في المدارس الدينية. ففي نهاية أيلول 1967، ذهب عشرات من الشباب لإقامة مستوطنة عتصيون جنوب القدس، وكان يغال آلون أحد السياسيين الذين شجعهم على فعل ذلك. فقد تنظم الشباب سريعاً وعملوا بالتنسيق مع الوزراء المتدينين في الحكومة، كما التقوا مع رئيس الحكومة ليفي اشكول، الذي أيدهم في نشاطهم. رافقت إقامة المستوطنة احتفالات كبيرة، تمت تغطيتها بشكل موسع في وسائل الإعلام، وقد كتبت صحيفة “معاريف” عن عودة المستوطنين إلى عتصيون بأنهم عادوا، “ليس كمحتلين أجانب إلى غوش عتصيون، بل كأبناء عائدين إلى بيوتهم” (سيغف 2005).
المبحث الأول: قطعان المستوطنين ومجلس المستوطنات:
يشكل ما يسمى مجلس المستوطنات (ييشع) الإطار الرسمي والتنظيمي الأعلى للمستوطنات في الضفة الغربية (وفي قطاع غزة، حتى خطة الانفصال). تأسس المجلس، رسميا، في كانون الأول 1980، إلا أن جذور هذا التنظيم تعود إلى بداية أيلول 1978، في أعقاب توقيع اتفاق كامب ديفيد، ومعارضة رؤساء المجالس الاستيطانية لفكرة الحكم الذاتي للفلسطينيين التي نص عليها الاتفاق، حيث اعتبر المستوطنون فكرة الحكم الذاتي نهاية مشروع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 (روت 2005).
يتبنى مجلس المستوطنات توجهات واضحة من الحل الدائم، وذلك على الرغم من الاختلافات الطفيفة داخله والتي برزت بعد قيام السلطة الفلسطينية، واستقرارها كواقع سياسي في أجزاء من الضفة الغربية. فنجد أن تباين المواقف داخل مجلس المستوطنات بين جزء مازال يؤيد ضرورة سيطرة إسرائيل الكاملة دون نقصان على الضفة الغربية كلها، وبين من يعتقد أنه يجب إعطاء الفلسطينيين إدارة ذاتية (دون سيادة أمنية على الحدود) في مناطق السلطة الفلسطينية وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية. ويمكن القول إن هذا التباين يحمل في طياته أيضاً تبايناً جيلياً بين رواد المستوطنين من الجيل القديم، الذين أسسوا المستوطنات الأولى والذين يتبنون الموقف الأول، وبين الجيل الثاني من المستوطنين والذين يتبنون الموقف الثاني، مع الإشارة إلى أن هنالك جوهراً مشتركاً بين الموقفين، وهو استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الحدود في غور الأردن.
تظهر الرواية الرسمية للمستوطنين في موقع مجلس المستوطنات، ويظهر فيها التأكيد على ادَعاء الحق التاريخي والديني لليهود في الضفة الغربية (يهودا والسامرة).
يشير الموقع أنه “منذ بداية التاريخ وخلاله كانت يهودا والسامرة مركز الحياة القومية والروحانية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل” (مجلس المستوطنات).
ينطلق هذا التصور من اعتبار أن الضفة الغربية هي المركز الروحاني الحقيقي للشعب اليهودي في “أرض إسرائيل”، وهذا يعطي أولوية من حيث الأهمية الروحانية لهذه المنطقة على المناطق داخل الخط الأخضر. وتستكمل الرواية التاريخية لمجلس المستوطنات في تأكيد مركزية الضفة الغربية في التاريخ اليهودي، “آباء الأمة اليهودية- إبراهيم، إسحق ويعقوب جاؤوا إلى الأرض الموعودة وعاشوا في منطقة جبال يهودا والسامرة، نابلس، آلون موريه، بيت أيل والخليل… حكمت الأرض من خلال حكام كثر، وطبعاً لم تكن تابعة لأية أمة ولغة، جاء محتلون وذهبوا والشعب اليهودي بقي يصلي ويأمل العودة إلى القدس، حتى الاحتلال الإسلامي في 636 كان اليهود موجودين في غالبية أرض إسرائيل، خلال مئات السنين من حكمهم أهمل العرب أرض إسرائيل وساهموا في تقليص عدد السكان، إلا أن تطور الأرض جاء بعد حركة “شيبت تسيون” والهجرات إلى أرض إسرائيل في أواخر القرن التاسع عشر” (مجلس المستوطنات).
يحاول مجلس المستوطنات تطوير عمله السياسي، فبعد أن أنهى داني ديان عمله كرئيس للمجلس في كانون الثاني 2013، قام المجلس بتعيينه رئيساً للدائرة السياسية الخارجية، وهي دائرة بدأ المجلس بتطويرها بعد خطاب بار ايلان السياسي، وقبول نتنياهو فكرة حل الدولتين. وتهدف هذه الدائرة إلى إجراء اتصالات مع مكاتب الدبلوماسية العالمية عموماً ومع الإدارة الأميركية خصوصاً. وتعريف الدبلوماسية العالمية بما يسمونه قضية المستوطنين، ومحاولة كسر الصورة أنهم العائق أمام الحل، بل يجب أن يكونوا جزءاً من الحل، والتصدي لإقامة دولة فلسطينية، “أردنا إقامة ذراع سياسية-دبلوماسية لمجلس المستوطنات، لكي يعرض أمام العالم وجهة نظر معاكسة لخطاب بار ايلان، وحتى فتح مكتب دبلوماسي في واشنطن” (ربيد 2013).
وقد تم اختيار ديان لهذا المنصب، وهو أول رجل يشغل هذا المنصب، بسبب كونه إنساناً غير متدين ويعمل في الصناعات الالكترونية، وقبل انتقاله للسكن في المستوطنات، كان يسكن في تل أبيب، ولكنه ينتمي في الوقت نفسه إلى النواة الصلبة لليمين، التي تعارض خطة التهدئة التي طرحها نفتالي بينيت خلال انتخابات الكنيست الأخيرة. حيث يؤكد ديان أن موقفه هو إقامة دولة يهودية في كل “أرض إسرائيل”، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين وحتى تحسين ظروفهم الإنسانية وإزالة الحواجز وهدم الجدار الفاصل.
يشير ديان خلال لقاء مع صحيفة “هآرتس” أنه بدأ يلحظ تحسنا في تعامل الدبلوماسية العالمية مع المستوطنين، ففي الماضي قاطعهم الدبلوماسيون، إلا أن الوضع تغير نسبياً، فهو على سبيل المثال ضيف دائم لدى سفير الولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل، ويلتقي مع ممثلين دبلوماسيين في الخارج، ويعود هذا الاهتمام برأيه إلى أن هنالك تفهماً أن الحل لا يمكن أن يقفز عن المستوطنين، بل يجب أن يكونوا جزءاً من كل حل، وأنه بات من الصعوبة إخلاؤهم وتفكيك المستوطنات، “تفسيري أنه لأول في العشرين سنة الأخيرة، بدأ العالم يفهم أنه غير متأكد أن هنالك حاجة للسفر في شوارع سريعة بين دولتين” (ربيد 2013).
وكان ديان أكد على هذه المقولات في مقال سبق نشره في صحيفة “هآرتس” وعارض فيه منح الفلسطينيين مواطنة أو دولة كاملة السيادة، رئيس مجلس المستوطنات السابق “داني ديان”، يقول: “كل عاقل يفهم أنه لن تكون هناك حدود سياسية بين البحر والنهر، ولن تكون هنالك سيادة غير السيادة الإسرائيلية من شرق الأردن…. ولذلك علينا الاهتمام أن تكون حياة اليهود والعرب حياة عادية قدر الإمكان في ظل الظروف القائمة. الحق في الحياة، أو بكلمات أخرى الحرية من الإرهاب هو الحق الأسمى…نهاية هذه الصيرورة ستكون إزالة الجدار الفاصل الذي يجرح البلاد، ويشوهها ويقلق راحة الكثيرين- يهوداً وعرباً”(ديان 2012).
وفي اللقاء نفسه يشير ديان أنه بات يلحظ اهتماماً إعلامياً بمواقف المستوطنين، ويستشهد بذلك بتقرير أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، المعروفة بنقدها للاستيطان، حول شخصيته، بعنوان “قائد المستوطنين البراغماتي والمنفتح على العالم”. وفي الصحيفة نفسها نشر ديان مقالاً بعنوان “المستوطنون الإسرائيليون هنا ليبقوا”، ونشر مقالاً آخر في آذار، بعنوان “صيغة حل الدولتين غير ممكنة”، كما نشر مقالا في “الغارديان” البريطانية، وهي صحيفة، ناقدة للاستيطان أكثر من “نيويورك تايمز”، كتب فيه “ما تطلقون عليه مستوطنات، مشيدة على أرضية أخلاقية صلبة” (ربيد 2013).
تمثل فكرة إقامة ذراع دبلوماسية للمستوطنين، حلقة من سلسلة حلقات يحاول خلالها مجلس المستوطنات تغيير الانطباع حول المستوطنين، بأنهم متزمتون ومتعصبون دينياً، ففي تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، بعنوان “الوجه الجميل لمجلس المستوطنات”، جاء “لم يعد هنالك مستوطن مع ذقن ويحمل السلاح يأخذك إلى جولة بين الهضاب، استقبلوا هيلا ليكينبورغ، شابة علمانية وجميلة ستقوم بتحطيم الآراء المسبقة عن المستوطنين من خلال الجولات التي تنظمها مع مجلس المستوطنات” (نوبيك 2011).
جاءت هذه الفكرة من نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي اليوم، وكان هدفه تنظيم جولات شخصيات تؤثر على اتخاذ القرارات السياسية، وقد عرفت بينيت، ليكسينبورغ بأنها “تملك قدرات كبيرة، عاشت في المستوطنات وهي تمثل سكانها ليس أقل من أي شخص آخر” (نوبيك 2011).
ويلاحظ من ذلك التحول على البنية الاجتماعية لسكان المستوطنات، كما أوضحنا ذلك في بداية البحث، كما يلاحظ أن بينيت نقل هذه التجربة إلى حزبه البيت اليهودي عندما أدخل مرشحة “علمانية، إلى قائمة حزبه الدينية وهي “اييليت شاكيد”.
المبحث الثاني: قطعان المستوطنين والمسجد الأقصى المبارك:
كتب بن غوريون رسالة إلى ابا ايبن، وزير الخارجية الإسرائيلي، أن “الحاخام غورن يعتقد، على ما يبدو، أن الرب يختبئ في مسجد عمر”، وأكد انه يستطيع الصلاة جنب الجدار الغربي، فقد خشي بن غوريون، الذي لم يكن في مكانة رسمية وقتئذ، بأن يؤدي الصعود إلى الحرم القدسي الشريف إلى تصعيد التحريض الديني على إسرائيل، وقد وافقه ايبان الرأي (سيغف 2005).
شكل الحاخامات اليهود المستوطنون الوقود الأيديولوجي والثيولوجي للاستيطان والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية، وكانت تصريحاتهم وأوامرهم تسبق في أولويتها تشريعات الحكومة وأوامر الجيش في أوساط الصهيونية الدينية. ومن هذه التصريحات مثلا نذكر تصريح الحاخام شلومو افنير، الحاخام السابق لمستوطنة “بيت ايل”، وحالياً حاخام شلومو عطيرت كوهنيم، وهي مستوطنة تابعة لمجموعة متطرفة تدعو إلى بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى المبارك، فقد طالب بمزيد من التوسع الإقليمي يتعدى الحدود المالية للأرضي المحتلة، قائلاً: “وحتى لو كان هناك سلام علينا أن نشعل حروب التحرير لغزو أجزاء أخرى من أرض إسرائيل” (قاصداً الأردن) (عنباري 2008).
يشير عنباري في كتابه “الأصولية اليهودية والمسجد الأقصى” أنه منذ منتصف الثمانينيات بدأت مساع حثيثة لطرح مسألة المسجد الأقصى المبارك على أجندة الخطاب الاستيطاني، وتمثل ذلك في إقامة “معهد الهيكل” عام 1984، وحركة إقامة الهيكل عام 1987، وإطلاق سراح يهودا عتصيون عام 1989، الذي كان ناشطا في التنظيم اليهودي الإرهابي، والذي قتل وحاول قتل مدنيين وسياسيين فلسطينيين. أدت هذه التغييرات إلى ضغط جماهيري وجه للمطالبة بالسماح لليهود بدخول المسجد الأقصى. تشكل هذه المسألة تحديا دينيا-شرعيا وتحديا سياسيا، حيث لم يسمح الكثير من الحاخامات اليهود بدخول اليهود المسجد الأقصى المبارك لأسباب دينية، ووجه هذا الطلب بالأساس إلى حاخامات الصهيونية الدينية ومستوطني حركة “غوش ايمونيم”.
تأسست لجنة حاخامات المجلس الاستيطاني في العام 1990، وكان هدفها إعطاء أجوبة دينية ودعم روجاني للمستوطنين الذين باتت حياتهم صعبة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. نهجت اللجنة التي وقف عليها الحاخامات شلومو افنير، اليعازر فلدمان والياكيم لبنون، مواقف منسجمة مع أيديولوجية غوش ايمونيم، وذهبوا إلى أهمية إبعاد نشاط الحاخامات عن السياسة. وقد توجهت الحركات العاملة في موضوع تغيير واقع المسجد الأقصى إلى اللجنة بهدف استصدار موقف ديني يدعم دخول اليهود إلى المسجد الأقصى.
يعتقد عنباري، في تحليل رائع لديناميكية الاهتمام ب المسجد الأقصى، أن ذلك جاء بالذات بعد اتفاق أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية على جزء من “أرض إسرائيل”، حيث أدى ذلك إلى صدمة مسيانية عند حاخامات المستوطنين، لأن إقامة السلطة كانت تعني وقف الحتمية الخلاصية التي نظروا لها منذ العام 1967. وكان رد حاخامات المستوطنين، وخصوصا حاخامات مجلس المستوطنات هو وفرة في الخطاب الخلاصي مقابل التراجع الواقعي لهذا الخطاب، بمعنى أن تناقض الواقع مع النظرة الخلاصية لم يؤد إلى تقليل مستوى الخطاب والتفكير الخلاصي، بل صعَده إلى مستوى آخر، ووجه نحو المسجد الأقصى المبارك، فبعد انسحاب إسرائيل من أريحا وقطاع غزة في المرحلة الأولى من اتفاق أوسلو، واجه الحاخامات هذا الواقع ضد الخلاصي بطرق عديدة، منها مطالبتهم تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، إصدار فتاوى دينية تعارض إخلاء أجزاء من “أرض إسرائيل”، وإخلاء المستوطنات ومعسكرات الجيش، حيث جاءت هذه الفتوى من “اتحاد الحاخامات من أجل شعب إسرائيل و أرض إسرائيل”. وفي عام 1995، طالب الحاخام شاؤول يسرائيلي، حاخام مدرسة “مركاز هراب” المعروفة. بوقف الدعاء والصلاة لسلامة الدولة، حتى لا تتم مباركة وزرائها وقادتها ومستشاريها (عنباري 2008).
وهكذا، بدأت مواقف نشطاء حركات إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى تسيطر على حاخامات المستوطنين، كما ظهرت مواقف دينية في صفوف المستوطنين تشير إلى أن الانسحابات التي قامت بها حكومة إسرائيل في الضفة الغربية جاءت كعقاب رباني على ابتعاد اليهود عن المسجد الأقصى الذي طالبت به فتاوى الحاخامات حتى الآن. ففي تصريح ليسرائيل روزين، رئيس معهد “تسومت” وهو أحد المعاهد المهتمة بصعود اليهود إلى المسجد الأقصى وإقامة الهيكل، قال “إن الانسحاب الأول (الانسحاب من أريحا عام 1994) جاء بسبب غياب السيادة الإسرائيلية الفعلية على “هار هبايت”، فغياب هذه السيادة أدى إلى خسارة السيطرة الإسرائيلية على أريحا”. أما الحاخام دوف ليئور، حاخام مستوطنة كريات أربع ومن القيادات الدينية والمستوطنين، فقد قال في السياق نفسه، “نحن الذين نؤمن بالجزاء والعقاب والعناية العليا، علينا أن نعلم أن أحد الأسباب المركزية التي نتعذب بسببها، هي اللامبالاة الكبيرة في صفوف أجزاء كبيرة من شعبنا اتجاه “هار بايت” عموماً وبناء الهيكل خصوصاً” (عنباري 2008).
ظهر إلى جانب المنظمات والحاخامات الذين طالبوا بإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك فريق من الحاخامات الذين دعوا إلى الالتزام بالقانون، وكان منهم الحاخام يهوشوع تسوكرمان، والحاخام يوئيل بن نون، وتبعها معظم المربين في المدارس الدينية القومية الذين تصدوا لخطة تفجير المسجد الأقصى، وحذروا من عواقبها السلبية.
وكان منهم من هاجم فكرة تسريع الخلاص، باعتبارها تدخلا في المشيئة الإلهية، ومن بين هؤلاء كان الحاخام ابينير مؤسس المدرسة الدينية “عطيرت كوهنيم” في القدس، وكان ادعاؤه، هو التمييز بين قضية بناء الهيكل وبين الموقف من احتلال مناطق أو أجزاء أخرى من القدس، فهو من جهة يحذر من الانعكاسات السلبية للمساس ب المسجد الأقصى المبارك، لكنه من جهة أخرى يدعو إلى احتلال أجزاء من المدينة من خلال الاستيطان والتهويد (حيدر 2002).
ساهمت نشاطات المستوطنين ومطالباتهم المتعلقة بتهويد الحرم القدسي الشريف، والعمل الحثيث على صعيد اليهود إلى باحات المسجد الأقصى، وطالب قسم آخر منهم ببناء الهيكل، إلى زيادة تأييد الشارع اليهودي لهذه المطالب. ويعتبر ذلك جزءاً من تغلغل مطالب مجتمع المستوطنين إلى المجتمع الإسرائيلي.
ويشير مناحيم كلاين، وهو عضو إدارة جمعية “عير عميم”، التي تعمل لتحقيق المساواة والتفاهم في القدس بين الفلسطينيين واليهود (ولكنها لا تتحدث عن تقسيم المدينة)، إلى التحول الذي حدث في خطاب المستوطنين اتجاه المسجد الأقصى المبارك، ويشير إلى أن “سياسيي المعراخ (حزب العمل اليوم) في سنوات السبعينيات باتوا أسرى الخطاب الناري لحنان بورات، ورأوا في مستوطني الضفة الغربية “الشيء الحقيقي”، طلائعيون كما كانوا هم في شبابهم”…”للمطالبين ب “هار هبايت” لا توجد حدود، فهم يدخلون إلى الحرم ويصلون، ويرغبون بتشييد هيكل هناك وفرضه على العالم الاسلامي وتغيير الوضع القائم، وهنالك أيضاً من قرروا أن “الشيء الحقيقي” أصبح إقامة الهيكل الثالث في هذا المكان وتجديد طقوس الأضحية”…..”الشيء المشترك لكل الباحثين عن “الشيء الحقيقي”، هو الدمج بين الفاعلية الصهيونية مع اليهودية، في الماضي تمردت الصهيونية على الدين السلبي الذي كان ينتظر المسيح، وجاءت كبديل له. أخذت حركة غوش ايمونيم الفاعلية الصهيونية وبمساعدة أجهزة الدولة، نقلتها إلى الملعب اليهودي- المسياني. تحولت اليهودية من مصدر إيحاء إلى أمر تنفيذي وفعل، مرة تم تفعيل هذه المعادلة على هضاب هشومرون، واليوم تتوجه إلى هار هبايت” (كلاين 2013).
الفصل الثاني: البؤر الاستيطانية:
بدأ يتبلور في صفوف اليمين الإسرائيلي، وحتى الاستيطاني منه، توجه يطالب بضم المناطق “ج” إلى إسرائيل، والتعامل مع السلطة الفلسطينية، ككيان سياسي يستجيب لطموحات الفلسطينيين السياسية، أي التعامل مع الواقع الحالي كوضع نهائي من خلال إضافة تغييرات طفيفة. فمن ناحية أجزاء من اليمين الاستيطاني فأن ضم مناطق “ج” إلى دولة إسرائيل “والتنازل” عن جزء من “أرض إسرائيل”، التي تقيم عليها السلطة الفلسطينية هو الرد على الخطاب الذي يخشى من تشييد دولة ثنائية القومية إذا استمر اليمين في سياسته الهادفة إلى عدم وصول إلى تسوية، وخصوصاً أن منطقة “ج” تشكل 60% من الضفة الغربية، وتحتوي على 100% من المستوطنات، وبضعة آلاف من السكان الفلسطينيين (مجلس المستوطنات).
المبحث الأول: مشاريع قوانين “التسوية”:
(القوانين محاولة للالتفاف على سلسلة من قرارات المحاكم الإسرائيلية، ومنها المحكمة العليا التي قضت بإخلاء البؤر القائمة على أراضي فلسطينيين بملكية خاصة،).
المبادرون:
يوآف كيش- 1973
شولي معلم وآخرون- 3127
بتسلئيل سموتريتش- 3433
أقرت الهية العامة للكنيست يوم الأربعاء 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، ثلاثة مشاريع قوانين بصيغة متشابهة، تهدف كلها من حيث الجوهر الى تثبيت جميع البؤر الاستيطانية القائمة في الضفة الغربية المحتلة، وبشكل خاص منع اخلاء البؤر، التي قائمة كلها أو جزء منها على أراض فلسطينية بملكية خاصة.
على الرغم من كل الجدل الذي دار بين كتل الائتلاف، لكون القانون جاء ليلتف على قرار المحكمة العليا القاضي بإخلاء بؤرة “عمونة” في منطقة رام الله، إلا أنه في نهاية المطاف، اصطف جميع نواب الائتلاف وأيدوا مشاريع القوانين، باستثناء نائب واحد، بنيامين بيغين من كتلة الليكود، الذي التزم باعتراضه على القانون وصوّت ضده، دون أن يثير رد فعل ضده من أوساط اليمين المتشدد والأكثر تطرفا.
كتل المعارضة، كما يظهر من جدول التصويت المرفق، تكاتفت هي أيضا لمعارضة القانون، كونه التفافي على قرار المحكمة، بالنسبة لكتلتي “المعسكر الصهيوني” و”يوجد مستقبل”، وكونه استيطانيا خطيرا من ناحية كتلتي “المشتركة” و”ميرتس”. وحصلت القوانين على تأييد 58 نائبا مقابل معارضة 51 نائبا (مرفق جدول تصويت الكتل).
احتمالات التشريع:
احتمالات استمرار التشريع جرى تلخيصها في ثلاثة احتمالات مركزية، نبيّنها في الجدول التالي.
جدول التصويت
دعم القانون 58 من الائتلاف. وعارض القانون 51 نائبا: 50 من المعارضة ونائب واحد من الائتلاف.
المبحث الثاني: بؤرة عمونه
كما هو متوقع، وصلت الحكومة الإسرائيلية أخيرًا إلى قرار جماعي بين مركباتها المشغولة في موضوع إخلاء بؤرة عمونه الاستيطانية (نتنياهو- بينيت- ليبرمان) يقضي بالتوجه بطلب إلى المحكمة العليا لتأجيل الهدم المقرّر في كانون الأول المقبل لسبعة أشهر إضافية، وذلك من أجل تجهيز وتحضير المنطقة التي سينتقل إليها المستوطنون من عمونه.
وجاء طلب الحكومة لا من أجل تمرير قانون التسوية/ التبييض الذي يهدف إلى إبقاء المستوطنين في مكانهم، بل من أجل نقلهم إلى مكان آخر.
وتُقرأ هذه الخطوة في اتجاهين:
الأول، توصل الحكومة إلى صعوبة سنّ قانون التبييض خاصة وأن المستشار القانوني الحكومة يرفضه ويرفض الدفاع عنه أمام المحكمة العليا، واشترط تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في طلبها تمديد تنفيذ الأمر لسبعة شهور بشطب هذا القانون عن جدول أعمال الحكومة،
والثاني، أن الحكومة تتبع مرة أخرى أسلوب التسويف حتى تجد حلولا بديلة وانتظار ما تفضي له الانتخابات الأميركية والاقتراح الفلسطيني في مجلس الأمن حول المستوطنات والموقف الأميركي منه.
تجدر الإشارة إلى أن المستوطنين يرفضون الاقتراح الذي تقدمه الحكومة ويصرون على البقاء في عمونه، وهذا قد يخلق أزمة سياسية جديدة لكن تحاول الحكومة تأجيلها في الوقت الحاضر.
تمثل قضية إخلاء مستوطنة عمونه التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة بالقرب من رام الله، قضية هامة في فهم التغيرات التي طرأت على السياسة الإسرائيلية في العقد الأخير، وتمثل حالة دراسية لافتة لفهم ظاهرة تغلغل المستوطنين وتأثيرهم على المشهد السياسي الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي. فمنذ عقدين على تأسيس هذه البؤرة الاستيطانية لم تنجح الحكومات الإسرائيلية المتتالية في هدم هذه المستوطنة التي أخذت بالتجذر والتوسع. وحتى عملية الهدم لتسعة بيوت ثابتة التي نفذتها حكومة إيهود أولمرت عام 2006 لم تستطع أن تنهي عُمر هذه المستوطنة. وما قرارات المحكمة العليا بتأجيل أو تسويف عملية هدم المستوطنة، بناء على طلب الدولة، سبع مرات منذ العام 2008، إلا أبلغ دليل على تغلغل المشروع الاستيطاني بشخوصه وأفكاره ومشروعه في دولة إسرائيل عام 1948.
في هذا السياق لا بد من التأكيد أن عمونه تنتمي حسب القاموس الكولونيالي الإسرائيلي إلى تلك المستوطنات التي تسمى “غير قانونية”، وذلك بحسب قوانين التخطيط والبناء الكولونيالي الاستيطاني في الضفة الغربية، وهي عبارة عن بؤر استيطانية أقيمت من دون قرار حكومي رغم أنها حصلت على دعم الحكومة بعد ذلك، إما من خلال الصمت عليها، أو دعمها ماليا وسياسيا أو محاولات لشرعنتها وتبييضها قانونيا وتخطيطيا.
وتكشف منظمة “يش دين” الإسرائيلية التي تدافع عن أصحاب الأرض الفلسطينيين التي أقيمت عليها المستوطنة، عن حجم الخداع والتزييف الذي يمارسه المستوطنون من أجل منع المحكمة العليا من إصدار أوامر هدم للمستوطنة من خلال تزييف وثائق ملكية وشراء لقطع أرض في المستوطنة تبين لاحقا أنها مزيفة. وتبين أيضا أن الجهات القانونية لا تفعل شيئا حيال هذا التزييف الذي يمارسه المستوطنون عبر مؤسساتهم العقارية، فقد صرح محامي منظمة “يش دين” ميخائيل سفراد أن “هناك صناعة كاملة من التحريف والتزييف تهدف إلى منع إخلاء عمونه بأوامر قضائية” ، علما أن هذا الأسلوب يمارسه المستوطنون في كل المناطق الاستيطانية فضلا عن البيوت التي يتم الاستيلاء عليها من أجل منع إخلائهم بأوامر قضائية أو تأجيل الإخلاء لكي يثبتوا أمرا واقعا يصعب على السلطات التنفيذية تطبيق أوامر المحكمة، فضلا عن أن الدولة تتعاون معهم فيما بعد من أجل بقائهم في البيوت أو الأراضي التي استولوا عليها.
عمونه والبؤر الاستيطانية:
تندرج قضية مستوطنة عمونه في إطار ما يسمى في القاموس الكولونيالي الإسرائيلي “المستوطنات غير المرخصة”، ورغم أنها غير مرخصة فإن الحكومات الإسرائيلية المتتالية لم تستطع أو ترغب في مواجهة هذه الظاهرة، رغم أن هناك أصواتا من اليمين المحافظ أو الليبرالي تعتقد أن هذه الظاهرة تضر بالمشروع الاستيطاني “المرخص والقانوني” بمجمله. إلا أن الحكومات اليمينية المتتالية وخاصة في فترة نتنياهو منذ العام 2009 لا تبدي أي رغبة في إخلاء هذه المستوطنات أو هدم بيوتها، وهي على الأغلب بيوت غير ثابتة، بل تقدم لها الدعم السياسي والقضائي والمالي، فكيف سيكون موقف الحكومات الإسرائيلية والحكومة الحالية من فكرة إخلاء مستوطنات “مرخصة وقانونية” وبيوتها ثابتة؟، وليس صدفة أن يصرح نتنياهو مؤخرا أن المطالبة بإخلاء المستوطنات يعتبر تطهيرا إثنيا لليهود.
وفي تقرير قدمته المحامية طاليا ساسون إلى مكتب رئيس الحكومة أريئيل شارون حول ظاهرة البؤر الاستيطانية غير المرخصة، تبين أن هذه الظاهرة بدأت بالظهور في منتصف التسعينات في فترة حكومة رابين مع بدء التسوية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل، في محاولة من المستوطنين لفرض أمر واقع على مناطق جديدة في الضفة الغربية، وقد تم تعريف هذه البؤر في التقرير الحكومي بأربعة معايير:
أولاً: لم يتم اتخاذ قرار حكومي بإقامة هذه المستوطنة، ولم يتم إعطاء تصريح لاحق لهذه البؤر.
ثانياً: أقيمت المستوطنة بدون مكانة تخطيطية حسب القانون، ودون أن تكون للمنطقة التي أقيمت عليها خارطة تفصيلية مصادق عليها، يمكن التقدم بناء عليها للحصول على رخص بناء.
ثالثا: بؤرة استيطانية غير مرخصة تكون في الغالب غير متاخمة لمستوطنة قائمة وإنما بعيدة عنها مئات الأمتار على الأقل.
رابعا: تاريخ إقامة البؤرة منذ منتصف التسعينات.
وإذا فحصنا المعايير الأربعة نجد أنها مطابقة لمستوطنة عمونه، فهي أقيمت في التسعينات، بدون تخطيط مسبق من سلطات الاحتلال، وبعيدة عن المستوطنات “المرخصة”. على كل حال، يشير تقرير ساسون (والذي طلبه شارون في إطار “خارطة الطريق” والطلب من إسرائيل بهدم هذه البؤر، وهو أمر لم يتم تنفيذه بتاتا حتى الآن)، إلى أن هناك 105 بؤر استيطانية غير مرخصة في الضفة الغربية شيدت منذ التسعينات وحتى إعداد التقرير (عام 2005). ويبين التقرير أن عدد البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة وصل إلى 15 بؤرة استيطانية، وعدد تلك التي أقيمت على أراض “مختلطة”- أراضي خاصة وأراض دولة- وصل إلى 39 بؤرة استيطانية. والمثير في التقرير أنه يعترف أن عددا كبيرا من البؤر الاستيطانية غير المرخصة أقيم بمساعدة سلطات وأجهزة الدولة.
لا بد من الإشارة إلى أن عمونه تمثل رمزا لمعارضة المستوطنين لكل إخلاء، فبعد أن تراجعوا عن أعمال العنف الواضح ضد الدولة ومؤسساتها منذ مقتل رابين، وصمتهم عن خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، فإن إخلاء عمونه عام 2006 وهدم تسعة بيوت، اصطدم بعنف شديد من المستوطنين ومن جيل الشباب وخاصة “شبيبة التلال”.
علاوة على ذلك أراد المستوطنون توجيه رسالة للحكومة الإسرائيلية بأن السكوت على خطة الانفصال لا يعني سكوتهم على عمليات إخلاء مستقبلية، وخاصة في الضفة الغربية، قلب “أرض إسرائيل”. وهذا ما فعلوه بشكل عنيف في إخلاء مستوطنة عمونه في فترة حكومة أولمرت. صحيح أن المعارضين للإخلاء كانوا من الشباب والذي أعادوا إلى ذاكرة الإسرائيليين شباب حركة “غوش ايمونيم”، إلا أن مجلس المستوطنات برّر تصرفهم وندّد بسلوك أجهزة الأمن الإسرائيلية العنيف في إخلاء الشباب المعتصم هناك.
وإحدى المستوطنات الشابات اللاتي اعتصمن هناك، عبرت عن روح المستوطنين الشباب، والذي أطلق عليهم “شبيبة التلال أو الهضاب”:
“الشرطيون بالسواد لا يخيفونني، يستطيعون كسر رؤوسنا، لكنهم لا يستطيعون كسر معنوياتنا. ما فعلته في عمونه مستعدة، وقت الحاجة، لأن أقوم به دائما. لقد كنت في الخليل وأخبرت العائلات اليهودية الذين استوطنوا في “بيت السلام” (بيوت فلسطينية)، أنه إذا جاؤوا لإخلائهم، سأكون هناك. وأنا على قناعة أن هناك آلاف الشباب والشابات مثلي ممن كانوا في عمونه. في الصورة رأيتموني وكأني وحيدة ضد كثيرين (تقصد رجال الأمن)، ولكن هذا وهم، فوراء الكثيرين يقف رجل واحد، أولمرت، وورائي يقف الرب وشعب إسرائيل”.
توضح المعارضة العنيفة في مستوطنة عمونه، أن هناك جيلا من شباب المستوطنين ينتمون إلى الصهيونية الدينية، يعيدون إنتاج الأفكار الخلاصية التي نشأت عليها حركة “غوش إيمونيم” في السبعينات، ويعتقدون أن على الصهيونية الدينية أن تعيد صياغة ذاتها على أساس تصور “أرض إسرائيل” الكاملة ككيان ديني لا يملك أحد الحق في تحديد مصيره.
وفي نفس السياق لا بد من الإضافة أن جيل مستوطنة عمونه، هو جيل لا يحمل الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير على الأحداث التي سبقت اغتيال رابين، فهم كانوا أطفالا فترة الاغتيال، واندهشوا من التناقض بين ما تلقوه في المدارس الدينية عن قدسية “أرض إسرائيل” من جهة، وعن سكوت المستوطنين، بنظرهم، على خطة فك الانفصال الشارونية وتخليهم عن أجزاء من “أرض إسرائيل” من جهة أخرى. فكان ردهم عنيفا على إخلاء مستوطنة عمونه عام 2006، وعلى الرغم من أن عملية الإخلاء تمت في نهاية الأمر، إلا أن تداعياتها لا تزال حاضرة حتى اليوم، في كل قرار حكومي لإخلاء البؤر الاستيطانية “غير القانونية” بالمنظور الكولونيالي الإسرائيلي.
قصة عمونه: قصة المشروع الاستيطاني:
أقيمت مستوطنة عمونه عام 1997 على أراض خاصة فلسطينية بجانب مستوطنة عوفرا، وقد أدعى المستوطنون عام 1998 أن لديهم وثائق شراء لهذه الأراضي، ولكنهم لم يعرضوها أبدا، وقد اعترفت الدولة أمام المحكمة العليا أن الأرض التي أقيمت عليها عمونه هي أراض خاصة، وأن الوثائق التي عرضها المستوطنون لاحقا كانت مزيفة. وكشفت منظمة “يش دين” أسلوب المستوطنين في تسويف قرارات إخلائهم في المحاكم من جهة، والدعم الحكومة لهم من جهة أخرى. فهدف المستوطنين يكون في الأغلب تأجيل إخلاء وهدم البؤر الاستيطانية لكي تتجذر المستوطنة بدعم حكومي فيصعب إخلاؤها.
يستغل المستوطنون اللائحة الإدارية التي تحدد أن تسجيل الأراضي في الضفة الغربية يبقى سريا، من أجل عرض وثائق مزيفة عن امتلاك وشراء أراض في الضفة الغربية، وعندما يعي المستوطنون أن المسار القضائي على وشك الانتهاء يعلنون أن لديهم وثائق ملكية أرض مما يدفع المحكمة إلى تأجيل القضية وقد تستمر هذه القضية لسنوات بسبب هذا الأسلوب من العمل، وفقط عندما يتم عرض أسماء أصحاب الأراضي الفلسطينيين يمكن إثبات كذب أوراق المستوطنين. واستعمل المستوطنون هذا الأسلوب ليس فقط في عمونه بل في بؤر استيطانية أخرى شبيهة بحالة عمونه مثل “غفعات هأولبانا” ومغرون وغيرهما. ورغم كل هذه السلوكيات ذات الطابع الإجرامي الجنائي (عدا عن الكولونيالي الاستيطاني) فإن المستوطنين يحظون بدعم حكومي، فضلا عن غياب الإجراءات القانونية ضدهم ليس فقط بسبب سرقتهم واستيلائهم على أراضي فلسطينية خاصة فحسب، بل أيضا بسبب تزييفهم لوثائق ملكية على الأرض.
إلى جانب كل ذلك، فإن الدولة تشترك وتتعاون مع المستوطنين في هذه الصيرورة من الاستيلاء والسرقة حتى بمفهوم القاموس الكولونيالي الإسرائيلي (على اعتبار أنها مستوطنة “غير قانونية”)، ففي العام 2013 قررت المحكمة العليا اخلاء المستوطنة في الخامس عشر من تموز من نفس العام، إلا أن الدولة معتمدة على الوثائق المزيفة التي عرضها المستوطنون طالبت المحكمة بتأجيل إخلاء المستوطنة لأن وثائق جديدة ظهرت تثبت ملكية وشراء المستوطنين لقطع الأرض في التلة المذكورة. وفي مرات أخرى ادعت الدولة أنها لم تفهم قرار المحكمة العليا، فقد زعمت أنها فهمت أنه يجب إخلاء بيت واحد وليس كل البؤرة الاستيطانية، مما حدا بالمحكمة العليا إلى توضيح موقفها مرة أخرى، بأن قرارها هو إخلاء كل البؤرة الاستيطانية، وبذلك كسب المستوطنون والدولة وقتا إضافيا لتجذير وجودهم، وهذا لا يعفي الجهاز القضائي والمحكمة العليا من تخاذلهما خلال هذه الصيرورة، فهذه الأخيرة تقبل التأجيل رغم علمها بأسلوب المستوطنين واستهتار الدولة بقراراتها.
في كانون الأول 2014 أجلت المحكمة العليا للمرة السابعة إخلاء مستوطنة عمونه وأمهلت الدولة عامين لإخلاء المستوطنة، من المفروض أن تنتهي في كانون الأول 2016.
ومع اقتراب موعد الهدم والدعوة لحل هذه القضية، والضغط الذي يمارسه المستوطنون على الحكومة، بدأت تحركات من اليمين وخاصة في حزبي الليكود والبيت اليهودي لإيجاد حل لمستوطنة عمونه قبل اقتراب موعد الهدم. وقد اقترح أعضاء كنيست ووزراء الليكود فكرة “قانون التسوية/ التبييض” والذي يقضى بشرعنة المستوطنة تخطيطيا وتعويض أصحاب الأرض الفلسطينيين، ووصل الحال بأعضاء الليكود إلى إصدار بيان صحافي وقع عليه 25 عضو كنيست ووزيرا من الليكود منهم رئيس الكنيست يطالبون فيه الحكومة (أي يطالبون أنفسهم) بإقرار قانون التسوية/ التبييض، وذلك على الرغم من معارضة المستشار القانوني للحكومة للقانون بسبب كون هذا القانون غير دستوري، وإعلانه أنه لن يستطيع الدفاع عنه أمام المحكمة العليا. وعلى الرغم من ذلك فقد وقع على العريضة رئيس الكنيست وغالبية الوزراء وكأنهم أعضاء في المعارضة يطالبون الحكومة باتخاذ موقف تجاه هذه المسألة.
وقد هاجم البيت اليهودي أعضاء الليكود متهما إياهم بأنهم لا يفعلون شيئا سوى إصدار بيانات موضحا أن الليكود يتحمل مسؤولية أزمة عمونه لأنه لم يتخذ موقفا حاسما من المسألة في فترة حكومة نتنياهو- باراك عام 2009. وقد أصدر أعضاء الليكود هذا البيان، بحسب محللين إسرائيليين، لأنهم يدركون أن تبييض المستوطنة هو أمر غير ممكن قضائيا وسيجذب على إسرائيل ضغوطا عالميا، كما يدركون أن المحكمة العليا لن توافق عليه، وسيعرض إسرائيل لضغوطات أميركية في هذا السياق، فضلا عن وجود توجهات تشير إلى أن تشريع القانون سوف يضر بالمشروع الاستيطاني برمته، غير أن هدفهم كان تحصيل حاصل ورمي الكرة في ملعب المحكمة العليا لقناعتهم بأنها سوف ترفض قانون التسوية، مما يحول المحكمة العليا إلى المتهم الأول في هذا الملف لأنها لم تمكن السلطة التشريعية من ممارسة حقها التشريعي في تشريع قانون يحل المشكلة، وذلك على الرغم من أن المحكمة العليا كانت شريكة في تجذر هذه البؤرة وتحويلها إلى رمز استيطاني، عبر قبولها تأجيل الهدم والإخلاء سبع مرات، ومنحها الحكومة في أخر قرار لها مدة عامين لهدم البؤرة وإيجاد حل للمستوطنين الساكنين فيها.
وبعد نقاش حول السبل لشرعنة المستوطنة، أعلن أن الحكومة تفكّر بمطالبة المحكمة العليا بتأجيل أمر إخلاء المستوطنة وهدمها لسبعة شهر أخرى كي تتمكن من إيجاد حلول بديلة للمستوطنين (وهو ما حدث أخيرًا). وجاء هذا القرار بعد أن اجتمع وزيرا البيت اليهودي (نفتالي بينيت وأييليت شاكيد) ووزير الدفاع ليبرمان مع نتنياهو الشهر الفائت من أجل الاتفاق على اقتراح تأجيل إخلاء المستوطنة. ويحاول البيت اليهودي أن يجد حلا يتمثل في إبقاء المستوطنة على التلة الموجودة فيها الآن، ولكن ليس في نفس المكان الموجودة فيه حاليا. وجاء هذا الاقتراح من البيت اليهودي بعد أن توصل وزراء الحزب إلى نتيجة أن منع إخلاء المستوطنة من موقعها الحالي بات صعبا، وأن قانون التسوية الذي يهدف إلى مصادرة أراض فلسطينية وشرعنة البؤرة الاستيطانية لن يصمد أمام المحكمة العليا ولن يدعمه المستشار القانوني للحكومة.
تحولت مستوطنة عمونه إلى رمز للمستوطنين، وعلى يبدو بات يدرك حزب البيت اليهودي الذي يعرض نفسه بأنه يمثل مصالح المستوطنين أن لا حل قضائيا لقضية المستوطنة، ولكنه يريد استغلالها لإيجاد حل استراتيجي لكل البؤر الاستيطانية “غير المرخصة”، وكذلك البيوت غير المرخصة في المستوطنات “المرخصة”. ويؤكد تصريح بينيت أن عمونه تحولت إلى رمز للاستيطان وأن التخلي عنها هو حل تكتيكي من أجل تثبيت استراتيجي لكل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية. وهو ينسجم مع ما قاله نتنياهو خلال اجتماعه مع وفد من المستوطنين من عمونه وعوفرا، أن أي قرار غير حكيم في هذه الفترة سوف يعرض كل المشروع الاستيطاني للخطر، وخاصة في فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وجاء اللقاء بناء على طلب المستوطنين الذي أرادوا إسماع وسماع رئيس الحكومة نتنياهو حول موقفهم وموقفه من إخلاء وهدم المستوطنة في كانون الأول، وقد أخبرهم نتنياهو أن المشروع الاستيطاني عزيز على قلبه وأنه لا يرغب في تهديد كل المشروع الاستيطاني بسبب بضعة بيوت بُنيت على أراض خاصة.
ويمكن تحليل موقف نتنياهو في اتجاهين: الأول، أنه يرغب بتأجيل الهدم لعدة أشهر أخرى حتى يُنهى أوباما فترته وعندها يمكن أن يجد حلا يبقي المستوطنة في مكانها. والاتجاه الثاني، أنه يعتقد أنه لا بد من هدم المستوطنة وإخلائها وليس هناك حل آخر، بحجة الحفاظ على المشروع الاستيطاني برمته.
خلاصة:
تعتبر المستوطنات الإسرائيلية، ومجتمع المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، عائقا مركزيا لأي حل دائم يضمن إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967، ليس فقط على المستوى العملي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية. ويشكل مجتمع المستوطنين في الضفة الغربية مجتمعا أخذ يتبلور كمجتمع منسجم ومتلاحم مع المجتمع الإسرائيلي داخل الخط الأخضر، ونجد ذلك في هيمنته على المواقع المتقدمة في الجيش الإسرائيلي، السياسة الإسرائيلية، حضوره داخل الأحزاب المركزية وخاصة الحزب الحاكم، الليكود، والأكاديميا والاقتصاد وغيرهما من المجالات.
تمثل قضية مستوطنة عمونه وإخلائها حالة دراسية هامة حول التوجهات الإسرائيلية الرسمية من فكرة إخلاء مشروع المستوطنات الكولونيالي في الضفة الغربية، ومثالا على ثبات المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، فعشر سنوات من الصراع القضائي ضد بؤرة استيطانية صغيرة “غير مرخصة” لم تؤت أكلها في إخلاء وهدم مستوطنة في هذه المناطق، وخاصة بعد تجربة إخلاء وهدم المستوطنات في قطاع غزة. وتمثل قضية عمونه تحالف مركبات الاحتلال الإسرائيلي في سبيل إفشال محاولة إخلائها، بدءا من الإدارة المدنية، الحكومة، الوزارات، المحكمة العليا، الشرطة وغيرها.
وحول هذا التوجه يمكن الإشارة الى بعض الملاحظات:
1- مرت على قضية مستوطنة عمونه عشر سنوات وحتى اللحظة لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات عملية لإخلائها رغم قرار المحكمة المتكرر بتنفيذ قرار الإخلاء، وهذا يقدم نموذجا لتوجهات الحكومة الإسرائيلية حول إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية يطغى عليها المسوغ القانوني الإسرائيلي، فإذا لم تكن الحكومة قادرة على إخلاء مستوطنة “غير قانونية” حسب القانون الإسرائيلي وغير آهلة بالمستوطنين وتحاول تسويف الإخلاء لسنوات، فهل هي قادرة على إخلاء مستوطنات أخرى أكبر حجما وتجذرا بموجب قانون الإسرائيلي؟.
2- يندرج صراع اليمين والمستوطنين ضد إخلاء المستوطنة ضمن استراتيجية تجذير مشروع المستوطنات في الضفة الغربية، بحيث يتحول إخلاء عمونه إلى “تنازل” يقدمه المستوطنون لتجذير الاستيطان وبلورة وعي إسرائيلي جمعي يستصعب ويستحيل إخلاء مستوطنات في إطار أي حل نهائي. وهو نفس الوعي الذي بلوره المستوطنون بعد إخلاء وهدم المستوطنات في قطاع غزة (7000 مستوطن)، من خلال بناء سردية تعبر عن التراجيديا الإنسانية التي رافقت إخلاء المستوطنين من القطاع، وبلورة ذاكرة تاريخية كاملة ممولة من الحكومة حول هذه “التراجيديا”.
3- يحاول اليمين والمستوطنون تحويل مسألة عمونه إلى “تراجيديا” جديدة في الوعي الجمعي الإسرائيلي، عبر “أنسنة” المستوطنين فيها، وتسويغ وجودهم وشرعنته على الأرض، لكي تكون نقطة تحول في كل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، بحيث تكون عمونه إذا أخليت آخر نقطة استيطانية يتم إخلاؤها.
4- تمثل قضية عمونه حالة تعبر عن سيطرة وهيمنة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية وفي النظام الإسرائيلي، وفي الحزب الحاكم في إسرائيل، الذي لم يتردد غالبية أعضائه من برلمانيين ووزراء وحتى رئيس الكنيست في إصدار بيان داعم ومطالب بشرعنة المستوطنة وعدم إخلائها.
5- يستغل اليمين هذه القضية لطرح مسألة هدم البيوت العربية الفلسطينية سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وتحديدا في مناطق “ج”، من أجل الضغط على الأجهزة التنفيذية والتخطيطية لهدم هذه البيوت بزعم أن القانون لا ينفذ بشكل عادل بين البيوت غير المرخصة في التجمعات العربية وبين بضعة بيوت في مستوطنة عمونه وغيرها، رغم أن هدم البيوت العربية يتم بشكل يومي في النقب وفي مناطق “ج”، وهم يعلمون ذلك ولكنه يهدف إلى خلق وعي جمعي إسرائيلي جاهز لذلك بربط تنفيذ هدم بيوت في المستوطنات وهدم بيوت عربية.
المبحث الثالث: البؤر الاستيطانية في الجليل
صورة رقم (1) : خريطة الجليل وتقسيمه الجغرافي.
الجليل منطقة في شمال فلسطين التاريخية، من أكبر مدنها الناصرة وصفد. يعيش في الجليل اليوم عرب ويهود، ويشكل العرب فيها حوالي نصف عدد السكان الإجمالي، ومن بينهم دروز ومسلمون ومسيحيون كما ويسكن فيه أقلية شركسية. يحد مرج بن عامر منطقة الجليل من الجنوب، أما شرقا فيحدها منحدر هضبة الجولان، ويحدها البحر الأبيض المتوسط من الغرب.
احتفظت منطقة الجليل رغم كل المؤامرات الإسرائيلية بأغلبيتها العربية مع أنها المكان الذي أمعنت فيه سلطات الاحتلال في تطبيق سياسة التهويد، فأعلنت في أوائل عام 1975 عن خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع “تطوير الجليل”، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له حكومة إسرائيل؛ إذ اشتمل على تشييد ثمان مدن صناعية في الجليل. مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها العرب.
وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ـ وما تزال ـ هدفاً من أهداف الاحتلال الاسرائيلي فقد حدد “بن غوريون” هذا الهدف بقوله:
“الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا“.
وتطابقاً مع هذه السياسة تجاه الأرض، فقد احتلت إسرائيل عام 1948 أقساماً واسعة من الجليل، وأقام فيها العديد من المستوطنات، وبرر الاحتلال عملية الاستيلاء على الأراضي، بأنها أراضٍ للغائبين، ولكن الاستيلاء لم يقتصر على أراضي الغائبين، وإنما وضع يده على “أملاك” حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالي 2-3 مليون دونم، لكن إسرائيل لم تكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يده إلى أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم، وكان العرب يملكون حتى عام 1948 حوالي 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما لم يكن للكيان الصهيوني سوى 5.1 مليون دونم، والباقي أراضٍ مشاع.
بدأت اسرائيل منذ عام 1948 بسرقة الأراضي العربية وأخذ يُصدر القوانين المتعددة الأسماء والأشكال لتكون سرقتها “مبررة وشرعية” فمن قانون الأراضي البور إلى المناطق المغلقة، إلى قانون أملاك الغائبين إلى مناطق الأمن، إلى استملاك الأراضي. إلى إرغام العرب على رهن أراضيهم، حتى تمكنت من تجريد العرب من حوالي مليون دونم من أخصب وأطيب أراضيهم. ولم يتوقف إسرائيل عن استصدار “قوانينه”، وممارسة سياساته، التي تتمشى وفقا لنظريته القائلة: “ما أصبح في يدنا هو لنا، وما يزال في يد العرب هو المطلوب“.
وكان آخر القوانين في هذا المجال، هو الذي صدر عن مجلس وزراء إسرائيل بشأن مصادرة الأراضي بحجة تطوير الجليل، وبعد أن زادت نسبة سكان العرب فيه عن 50 بالمائة.
وتحت عنوان (التهويد يعني العنصرية) تناولت صحيفة “هآرتس” في كلمتها الافتتاحية، في 2ديمسبر 2013 خطة تهويد الجليل التي أعلنت عنها “شعبة الاستيطان في الهستدروت الإسرائيلية”، التي تعتبرها الحكومة ذراعا تنفيذية، تبلور خطة لتهويد وذلك من خلال إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة، خارج القيود التي حددتها الخارطة الهيكلية القطرية والقاضية بتوطين 100 ألف مستوطن يهودي جديد بهدف تعديل الميزان الديمغرافي وتعزيز السيادة الإسرائيلية في شمالي البلاد بواسطة ما وصفته الخطة بالفعل الاستيطاني.
“هآرتس” التي كانت أول من كشف عن مخطط التهويد الجديد، وصفته في كلمتها يوم 1ديسمبر 2013 على موقعها الاليكتروني
بالمخطط العنصري داعية إلى تجميده، من باب أن السيادة الإسرائيلية على الجليل لا تقف أمام امتحان من أي نوع، وأن سكان الجليل، يهودا كانوا أم عربا، هم مواطنو إسرائيل ويجب التعامل معهم على هذا الأساس.
وأضافت الصحيفة أن شعبة الاستيطان توجهت، في الأسابيع الأخيرة، إلى العديد من مكاتب التخطيط، وطلبت منها تقديم مقترحات للمشاركة في مناقصة لإعداد وثيقة تحدد سياسة لاستيعاب 100 ألف مستوطن يهودي في قلب الجليل، في المنطقة المحيطة بالبطوف. وأشارت الصحيفة إلى أن شعبة الاستيطان هذه هي المسئولة حاليا عن تمرير مشروع الاستيطان في النقب، أيضا، انطلاقا من كونها تعتبر الذراع التنفيذية للحكومة لتنفيذ ما يزعمون تسميته “مخطط تطوير الجليل والنقب”.
صورة رقم (2) : المستوطنات التي تم بناؤها في الجليل بناء على المخطط
وأضافت الصحيفة انه تم تحديد هدف الخطة الجديدة في الوثيقة التي وجهتها الشعبة إلى مكاتب التخطيط. والحديث عن مواصلة تكثيف وتطوير “خطة المراقب”( المستوطنات المتوقعة ) التي تعود إلى سنوات الثمانينيات، والتي تهدف، حسب وثيقة الشعبة إلى:“تجسيد السيادة الإسرائيلية من خلال العمل الاستيطاني”.
وتشير الوثيقة الى ان “مشروع المراقب” ولّد انتشارا استيطانيا قوياً، لكنه لم ينجح بتغيير التوازن الديموغرافي في الجليل.
وجاء في الوثيقة: “إن الواقع الحالي في المناطق القروية في منطقة قلب الجليل يعكس نقصاً في طرح مقترحات استيطانية من شأنها جذب جمهور يهودي مستقر لخلق توازن ديموغرافي ملموس”.
وأضافت:
“إن قيام المنطقة والحفاظ على السيطرة عليها، يحتم مواصلة تطوير الشبكة الاستيطانية القروية إلى جانب التطوير المدني ومواصلة تطبيق أهداف خطة المخاطر كخطة لتحسين التواصل الاستيطاني وتحسين التوازن الديموغرافي”.
وتحدد الوثيقة انه في سبيل جذب عشرات آلاف المستوطنين وخلق توازن ديموغرافي في الجليل، يجب الاعتماد على عدة خطوات مركزية، تشمل إقامة أربع مستوطنات جديدة. وتشير الصحيفة الى ان الحكومة كانت قد صادقت في السابق على إقامة مستوطنتين جديدتين، من بين الأربع مستوطنات المقترحة، هما “شيبولت”و“رمات اربيل”، لكنه تم تأجيل المصادقة النهائية عليها من قبل سلطات التخطيط. أما المستوطنتين الأخريين فسيطلق عليهما “خروب”و“يسسخار“، وقد خطط لإقامتهما بالقرب من “طبعون”، لكنه يجري البحث حاليا عن مكان لإقامتهما في منطقة المشروع القطري، أي في “البطوف”.
صورة رقم (3) : المستوطنات المتوقع بناؤها في الجليل
وقالت “هآرتس” ان وثيقة شعبة الاستيطان تهاجم سياسة التخطيط التي تم تحديدها في المخطط القطري الحالي الذي يعتمد على خارطة “تاما 35”، والتي تعتبر الخارطة القطرية للتطوير. وبموجب “تاما 35” التي صادقت عليها الحكومة وتعتبر وثيقة ملزمة، تم التركيز على تكثيف المستوطنات القائمة والامتناع عن إقامة مستوطنات جديدة وتقييد الاستيطان القروي بحيث لا يتجاوز عدد بيوت كل مستوطنة قروية الـ500 بيت. وبرأي شعبة الاستيطان يجب السماح في المستوطنات القائمة والى جوارها، بإنشاء تجمعات إسكانية يتراوح عدد بيوتها بين 700 و 1000 بيت. كما توصي الشعبة بالتخلي عن سياسة اكتظاظ المباني في مدن مثل: “كرمئيل ونتسيرت عيليت”، والسماح بإنشاء أحياء قروية حتى النقطة الأخيرة من حدود مناطق نفوذ هذه المدن.
صورة رقم (4) : سجون ومنشآت عسكرية بتخوم البلدات العربية بالجليل
ولا تفصل الخارطة عدد السكان المتوقع استيعابهم في كل مستوطنة أو حي، لكن التقديرات تشير إلى أن التركيز الأكبر سيكون على توسيع البناء الملاصق للأرض (بيوت مستقلة وليست عمارات مرتفعة) في المستوطنات القائمة، وليس في المستوطنات الجديدة المقترح إقامتها.
صورة رقم (5) : مستوطنة رمات اربيل
وأضافت أن دولة تشجع أبناء شعب معين على الاستيطان في منطقة معينة، وتضع في ذات الوقت قيودا صارمة على تطور أبناء الشعب الآخر، هي دولة تتصرف بعنصرية ولا يوجد أي طريقة أخرى لتعريف سلوكها هذا. إسرائيل التي تمنع منذ عام 1948 قيام بلدات عربية جديدة في الجليل، في وقت تقف فيه البلدات العربية القائمة على حافة الانفجار من شدة الاكتظاظ، بسبب عدم امتلاكها لاحتياطي أراض. وتعمل على تطوير مناطق صناعية في البلدات اليهودية فقط. وصادرت مساحة هائلة من الأراضي العربية في الجليل منذ عام 1948. وتدعو بفظاظة إلى تهويد الجليل هي دولة تتصرف مع مواطنيها بشكل غير عادل.
صورة رقم (6) : مظاهرات فلسطينيي 48 تنديدا بمخططات التهويد بالنقب والجليل
وهاجمت “هآرتس” تصريحات وزير الخارجية، “أفيغدور لييبرمان”، ردا على الاحتجاجات على “مخطط برافر”، والتي وردت في 30نوفمبر 2013 في صفحته على “الفيسبوك”، وادعى فيها أنه ومنذ أيام الاستيطان الصهيوني الأولى التي يطلق عليها “برج وجدار” لم يتغير شيء، وأن الحرب تدور على أراضي الشعب اليهودي”، ووصفتها بغير المحتملة، مذكرة إياه أنه منذ أيام “البرج والجدار” وطرد العرب من قراهم ومصادرة الأراضي في النقب والجليل، قامت دولة إسرائيل التي لا تحتاج سيادتها على الأرض إلى أي تعزيز.
وختمت الصحيفة كلمتها بالقول:
“إن ما يحتاج إلى تعزيز هو طابع الدولة المتساوي وغير العنصري، غير القومي غير المضطهد، وأن النقب والجليل يجب تطويرهما لصالح جميع المواطنين العرب واليهود، وكل سلوك آخر من شأنه أن يعمق الاغتراب الكبير الذي يشعر به المواطنون العرب ويصعد من احتجاجهم.“
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها جريدة هآرتس خطة تهويد الجليل فبتاريخ 1 يوليو 2011 انتقدت الجريدة الوزير شالوم عندما قال: “لا يشعر بالحرج بالقول تهويد الجليل”.
صورة رقم (7) : لحرم الجامعي الجديد الذي افتتح في مدينة عكا عام 2011 استكمالا للتهويد
وذكرت الجريدة حينئذ أن وزير تطوير النقب والجليل يدعو لتهويد النقب والجليل. وقال الحرم الجامعي التفاني نعمة فدان من الاجتماع، وقال “نريد أن يأتي اليهود يعيشون في الجليل”، نائب رئيس الوزراء، وزير تطوير النقب والجليل سيلفان شالوم من قراءة تهويد النقب والجليل. وجاءت هذه التصريحات موضع ترحيب من التقاطع التي أرسلت وزير يشيفا في بني عكيفا عكا أثناء افتتاح الحرم الجامعي الجديد في المدينة.
“إقامة الدورة أصبح حقا مدينة عكا مدينة تلفت عاد كثير من اليهود لها ويساعد على تعزيز الاتجاه نحو تهويد الجليل”. وقال وزير السلام والمبارزة، “لا يوجد شيء تخجل من أن تقول هذا! نريد أن يأتي اليهود يعيشون في الجليل والنقب كما يمكنك مساعدتي لتحقيق الرؤية على ما أعتقد.”
الفصل الثالث: جغرافيا الاستيطان
منذ نشأة المشروع الصهيوني في الأرض الفلسطينية، وبالأخص في منطقة الضفة الغربية المحتلة، بدأت الجماعات الاستيطانية بفرض سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض بدعم من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باختلاف توجهاتها السياسية والفكرية من اقصى اليسار الليبرالي الذي انتهج مبدا الامن والديمغرافيا الى اقصى اليمين الايديولوجي الذي انتهج مبدا الضم والسيطرة (منصور2014).
إن الدعم الحاسم للحكومات الإسرائيلية للمشروع الاستيطاني في منطقة الضفة الغربية– بما يشمل القدس الشرقية – من شانه احداث تشوه في المشهد الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الفلسطيني. وبالتالي إعاقة قدرة الفلسطينيين على ممارسة الحق في تقرير المصير، وتقويض فرص السلام.
إن المستوطنات الإسرائيلية شيدت لتبقى ضمن سياسة الامر الواقع، التي تضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية ذات العلاقة، والتي تعتبرها غير شرعية، وبهذا تخالف القانون الدولي والقانون الدولي الانساني. ومن جملة المعاهدات التي تخالفها المستوطنات الإسرائيلية اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949 وأكثر تحديداً، يخالف وجود المستوطنات الإسرائيلية المواد 49 و53 و147:
المادة 49: لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.
المادة 53: يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة أو ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير.
المادة 147: تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية (اتفاقية جنيف الرابعة ،1949).
لم تنشأ المستوطنات الإسرائيلية بهدف حل مشكلة سكنية، ولكن بهدف تطبيق فكر ونظم انتقائية، ليس فقط في حدود المستوطنات الإسرائيلية التي يسعى المستوطنون إلى إنشائها، ولكن في جميع المناطق الفلسطينية المحتلة والتي يعتبرونها جزء لا يتجزأ من ” أرض اسرائيل الكبرى” وذلك عن طريق تطبيق الفكرة باليد دون الرجوع إلى قانون أو عرف أو قضاء، حيث أن المستوطنين الإسرائيليين لا يؤمنون بقانون الدولة في حال تعارض مع اهدافهم التوسعية. ولعل هذا تطبيق للفكر الذي طالما نادى به الحاخام زفي يهودا كوك منذ العام 1921 والذي دعا إلى إنشاء مملكة اسرائيل النقية من النيل الى الفرات حيث طالما قال” إذا تعارض القانون مع التوراة، يجب تطبيق التوراة” (دوعر 2012 ص 11).
اتسمت الوتيرة التي نشأت فيها المستوطنات الإسرائيلية بنهج غير متسق زمنيا وجغرافيا. حيث أن الموجات الاولى من المستوطنات اهتمت بالكيف وليس بالكم. في حين أن الموجات المتتالية اهتمت بتركيز أعداد أكبر في فترات زمنية محدودة. ومن الممكن القول أن الموجات الأولى من الاستيطان في الضفة الغربية عملت على التمركز في أماكن استراتيجية في منطقة القدس ومنطقة الأغوار وبشكل انتقائي، إلا أن الموجات اللاحقة استمرت بتكثيف المستوطنين في مناطق استراتيجية عسكريا على قمم الجبال والتلال لفرض واقع جديد على الأرض بهدف الضم والسيطرة (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2012 ص 18 -19).
جاءت المستوطنات الإسرائيلية بمهمة أمنية ومتطلبات أمنية شكلت سببا لادعاء الشرعية في استمرار التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربية. يقول موشي ديان ” ان المستوطنات تعتبر جوهر المشروع الصهيوني. وبدونها لن تستطيع تحقيق اهدافه. ويضيف ديان ” نحن لا نريد المستوطنات في يهودا والسامرة لأنها قادرة على ضمان أفضل من الجيش بل لأننا لا نستطيع من دونها أن نبقي الجيش في تلك الأراضي).Aronson,1996 p,115)
ان أثر المستوطنات على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية التي ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي يعد أثراً بالغ السلبية . فالقيود المفروضة على حرية التنقل والحركة بالإضافة الى العنف الذي يمارسه المستوطنون، يجعل في كثير من الاحيان من الصعب كسب لقمة العيش أو الحصول على الخدمات الاساسية (ماورير2012)، ما شكل تحدياً آنياً للفلسطينيين، وعلى المستوى القريب كذلك أما أثر المستوطنات على جغرافيا الضفة الغربية فله أبعاد ديمغرافية وفيزيائية وبيئية واقتصادية على المستويين المتوسط والبعيد المدى من شانه تغيير واقع الصراع وجعله أكثر صعوبة، وبالأخص على الفلسطينيين الذين يسعون الى اقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران للعام 1967.
المبحث الأول: الجغرافيا البشرية (الديمغرافيا تحدد الجغرافيا)
نشطت الحركة الاستيطانية منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وبتسهيل من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية باستخدام مجموعة من الإجراءات المتمثلة في قرارات حكومية وأوامر عسكرية عدة. وقد كانت باكورة الأوامر العسكرية الأمر العسكري رقم (2) لعام 1967، الذي عزل منطقة الضفة الغربية فيزيائياً وقانونياً عن طريق نقل مجمل الصلاحيات التي كانت تابعة للنظام الأردني إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي، هذا إلى جانب نشاط ممنهج شمل مجموعة من الإجراءات– كوقف تسجيل الأراضي ومصادرتها بواسطة مخططات هيكلية ولأغراض ما يعرف بالمنفعة العامة ولصالح قانون أملاك الغائبين_ التي من شانها بالمجمل وضع القيود على حقوق الانتفاع بالأرض واستعمالها وتقنين الحصول على تراخيص للبناء والسكن ، مما يجعل بيوت الفلسطينيين مهددة بالهدم، وخصوصا في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية في ما يعرف بالمنطقة “ج” ( بديل 2013).
بالنظر إلى توزيع المستوطنات في محافظة الضفة الغربية، من السهل ملاحظة أن مجمل تركيز المستوطنين الإسرائيليين والبالغ عددهم 536932 يتمحور في محافظة القدس بما يعادل 50%من مجمل المستوطنين الإسرائيليين، وهذا يعكس تركيز المشروع الاستيطاني على الاستيلاء على القدس ومحيطها (اسحاق وسلمان 2004).
ويتركز النشاط الاستيطاني في المرتبة الثانية في محافظة رام الله والبيرة بما معدله19% من مجمل مستوطني الضفة الغربية.
من الملاحظ أن أعداد المستوطنات الإسرائيلية المصنفة كمستوطنات ريفية (94 مستوطنة) على الرغم من أن عدد المستوطنين في المستوطنات الحضرية يبلغ 476720 مستوطنا) ما يقارب 8 أضعاف عدد المستوطنين في المستوطنات الريفية 60312 مستوطناً، وهذا يدل على ان العبرة ليست في الكم وإنما في النوع والسمة الوظيفية، حيث أن المستوطنات الزراعية والسياحية والصناعية وغيرها تعتبر حجر الاساس لوجود المستوطنات الحضرية والتي تضم ما يعادل 89% من مجمل المستوطنين الإسرائيليين.
وفي سياق اخر، وبالمقارنة مع تعداد المستوطنين الذين يسكنون المستوطنات المصنفة على أنها حضرية بأعداد الفلسطينيين وتوزيعهم على المناطق الحضرية تصل حوالي 69% وهذا يشكل تحولا في النمط الوظيفي للتجمعات الفلسطينية ، حيث نزوح عدد كبير من الفلسطينيين وبشكل متسارع من الريف الى الحضر خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي بفعل الممارسات الإسرائيلية وما وضعته من القيود على الحق بحرية الحركة والسكن والتعليم وغيرها من الحقوق ذات العلاقة . فعلى سبيل المثال لا الحصر، ازدادت الكثافة السكانية الاجمالية للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية في الفترة الواقعة بين 2002 (إبان البدء بالجدار العازل) و2007 بما معدله 50% بفعل الازدياد المضطرد لأعداد السكان والقيود المفروضة على الانتفاع بالأماكن المفتوحة لأغراض السكن والتطوير وخصوصا في مناطق “ج” والمعروفة بطابعها الريفي. ( El-Atrash,2009 p.26(
المبحث الثاني: الجغرافيا الاقتصادية
اتضح منذ دخول تفاهمات اوسلو حيز التنفيذ، أن هناك تكاملا بين الجغرافيا الفيزيائية المادية والجغرافيا الاقتصادية. وتشير الباحثة الفلسطينية ليلى فرسخ إلى الجغرافيا الاقتصادية في منطقة الضفة الغربية والناجمة عن المشروع الاستيطاني Batustanisation ، وهي عملية تحويل المناطق الفلسطينية الى محميات من الايدي العاملة حيث لا يستطيع الفلسطينيون مغادرة تلك المناطق بدون الحصول على موافقة القوات الإسرائيلية.
إن المناطق الفلسطينية لا تعد جزءا من إسرائيل، ولا تتمتع بالوقت نفسه بسيادة فلسطينية مطلقة.
إن أبعاد الجغرافيا الاقتصادية للمشروع الاستيطاني قد أسفرت عن توزيع الفارق بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني على أوجه عدة، منها أن معدل مستوى الدخل الفردي السنوي في إسرائيل وصل الى 3200 دولار اميركي مقابل 1000 دولار اميركي في الارض الفلسطينية المحتلة ( Farraj& Abdulkarim tamari) ما يعكس الفارق الاقتصادي الكبير، علما أن السلطة الفلسطينية ما تزال تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، حيث يقدر مجموع ما تلقته السلطة الفلسطينية منذ انشائها الى الآن اكثر من 23 مليار دولار أميركي، مع العلم أن مجمل الديون الداخلية والخارجية للسلطة الفلسطينية 4،3 مليار دولار أميركي، ما يجعل من الصعب بمكان على السلطة الفلسطينية تحمل أعباء ومصاريف القطاع العام ما يقارب 170 ألف موظف (Nakhleh, 2014 ).
ومن جانب آخر ، أدى المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية في العقود القليلة الماضية الى توسيع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث أن سكان المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يحصلون على ميزات ودعم حكومي لا يحصل عليه سكان المدن والقرى الإسرائيلية ، كما أن أسعار الأرض والشقق السكنية تعد زهيدة في المستوطنات، بالإضافة إلى شبكة البنية التحتية والمرافق العامة الصحية والتعليمية المتوفرة والمساعدات الحكومية في مجال الرفاه الاجتماعي التي تشجع الإسرائيليين على الاستيطان في الضفة الغربية (جريس وشحادة 2013).
المستوطنات الصناعية والمناطق الصناعية المشتركة:
تعد المستوطنات الصناعية العلامة الفارقة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث شكلت عامل الجذب الأول للمستوطنين_ وخصوصا غير المتدينين- للاستيطان حيث تتوفر مجمل الخدمات العامة والاستهلاكية وبسعر منافس للأسواق الإسرائيلية داخل المدن الإسرائيلية . ومن الجدير ذكره أن هذه المستوطنات الصناعية تحظى بدعم حكومي يتمثل بتوفير البنية التحتية، وتوفير خصومات للمستثمرين الإسرائيليين والأجانب على الضرائب وهو ما يدل على تشجيعهم على الاستثمار في هذه المستوطنات الصناعية. هذا وقد أنشأت المستوطنات الصناعية في منطقة الضفة الغربية بمعايير عالمية لإنتاج سلع استهلاكية للتصدير للأسواق العالمية، مع العلم أن هذه المعايير تتلاشى عند التعامل مع الأيدي الفلسطينية العاملة أو مع البيئة الصحية والأيكولوجية للمناطق الفلسطينية المحيطة، بالإضافة إلى أنها تشكل عقبة في وجه النمو الطبيعي للتجمعات الفلسطينية لتلبية حاجات التمدد السكاني والمكاني. هذا وقد عمل الجدار العازل على ضم معظم المستوطنات الصناعية.
أما المناطق الصناعية المشتركة، والتي تم تشييد العديد منها في الأغلب داخل الخط الأخضر، فإن لها العديد من الآثار السلبية. ففي حين أنها وجدت لتقوية العمل المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا أنها فشلت من تحقيق ذلك في ظل استئثار الجانب الإسرائيلي بإدارة تلك المناطق واستخدامه الأرض الفلسطينية ومواردها بالإضافة إلى الأيدي الفلسطينية العاملة والرخيصة نسبيا بالمقارنة مع الأيدي الإسرائيلية العاملة.
الفصل الرابع: قضيّة عتير أم الحيران نموذج للاستيطان
منذ سنة 2003 تواجه القرية شبح التهجير بحيث تخطط دولة إسرائيل لهدم القرية. مركز عدالة يمثّل أهالي عتير- أم الحيران منذ بمختلف المسارات القضائيّة والتخطيطية.
لمحة تاريخية
تقع قرية عتير- أم الحيران غير المعترف بها بمنطقة وادي عتير شمال شرقي بلدة حورة (على شارع 316) ويقطنها قرابة 1000 نسمة جميعهم من أبناء عشيرة أبو القيعان وذلك ضمن مجمعين منفصلين – عتير وأم الحيران.
حتى النكبة عام 1948 سكن أهالي القرية لسنوات طويلة في أراضيهم الواقعة في منطقة “وادي زبالة” (وهي اليوم جزء من الأراضي الزراعيّة التابعة لـِ “كيبوتس شوفال”).
في أعقاب النكبة، أمر القائد العسكري أبناء العشيرة بإخلاء أراضيهم والانتقال أولا إلى منطقة “اللقية” ومن ثم، سنة 1956، هُجروا، للمرة الثانية، إلى موقعهم الحالي في منطقة “وادي عتير”. منذ ذلك الحين أستقر أبناء العشيرة في المنطقة وقاموا بتقسيم الأراضي فيما بينهم والقيام بأعمال البناء المطلوبة للسكن بالمنطقة. بالرغم من هذا، لم تقم الدولة بالاعتراف بالقرية وعليه لم يتم وصلها لشبكات، الكهرباء والصرف الصحي أو توفير أي خدمات أساسية أخرى لسكانها.
منذ سنة 2003 تواجه القرية شبح التهجير بحيث تخطط دولة إسرائيل لهدم القرية بهدف اقامة بلدة يهودية باسم “حيران” على أنقاض أم الحيران وتوسيع “غابة يتير” – غابة قام بزرعها الصندوق القومي اليهودي – ومناطق المراعي على أراضي عتير. مركز عدالة يمثّل أهالي عتير- أم الحيران منذ أكثر من عشر سنوات بمختلف المسارات القضائيّة والتخطيطية التي تهدف إلى تهجيرهم، بما فيها 25 أمر إخلاء، 32 أمر هدم و- 3 خرائط هيكليّة تهدف كلها لهدم القرية وتهجير سكانها.
المبحث الأول: مخطط لإقامة بلدة “حيران” اليهودية
قدّم كل من أهالي قرية عتير- أم الحيران غير المعترف بها، بالتعاون مع جمعية “بمكوم- مخططون من أجل حقوق الإنسان” ومركز عدالة اعتراضات للجنة التخطيط والبناء في لواء الجنوب ضد مخطط هيكلي رقم 15/02/107 الذي يهدف إلى إقامة بلدة يهودية جديدة باسم “حيران”. المخطط يشمل بيوت مجمع “ام الحيران” ضمن مسطح البلدة الجديدة وبالمناطق المعدة للبناء، ولكن بالرغم من هذا فأن المخطط لا يشمل الاعتراف ببيوت القرية القائمة منذ سنة 1956 أنما يُعدها للهدم.
بعد أن رفضت اللجنة اللوائية الاعتراض قام عدالة و”بمكوم” بالاستئناف على القرار للمجلس القطري للتخطيط والبناء. يوم 24.09.2012 رفض المجلس القطري الاستئناف، الأمر الذي يعني المصادقة النهائية على اقامة بلدة يهودية على أنقاض أم الحيران.
المبحث الثاني: مخطط “غابة عتير”
في 21.12.2011 قدّم مركز عدالة وجمعيّة “بمكوم” اعتراضًا للجنة التخطيط في لواء الجنوب، باسم العشرات من سكّان قرية عتير- أم الحيران غير المعترف بها، ضد المصادقة على المخطط لإقامة غابة على أراضي مجمع عتير (المخطط المفصّل رقم 11/03/264 “غابة عتير”) مما سيؤدي إلى هدم كل بيوت القرية وتهجير500 شخص من سكّانها ، والذين لا يملكون أيّ بديل إسكاني آخر وذلك لأهداف رفاهيّة.
بعد أن رفضت لجنة التخطيط اللوائية الاعتراض، قدّم مركز عدالة وجمعيّة “بمكوم” استئنافًا للمجلس القطري للتخطيط والبناء، مطالبين بإخراج أراضي القرية من المساحة الشاسعة المخصصة للتحريش بحسب المخطط والتي تزيد مساحتها عن 124,5000 دونم. وقد رفض المجلس القطري للتخطيط والبناء الاستئناف مبدئيًا ولكنه أبطل البند في المخطط الذي يخول لجنة التخطيط المحلية إصدار أوامر هدم للمباني وفق ما تراه ضروريًا لتنفيذ المخطط.
المبحث الثالث: النزاع القضائي
دعاوى الطرد والإخلاء:
في العام 2004، استصدرت الدولة أوامر إخلاء لجميع بيوت القرية، بادعاء أن أهلها “ينتهكون حدود أراضي الدولة”.
محكمة الصلح:
يتولى مركز عدالة الدفاع عن أهالي القرية في ملفات الإخلاء، منذ تقديم الدعاوي لمحكمة الصلح في بئر السبع. وقد نجح بالإثبات وبإقناع المحكمة أن أهل عتير- أم الحيران نُقلوا إلى هذه الأرض بأمر من الحاكم العسكري للنقب سنة 1956 ولم يقوموا باقتحام الأرض والاستيلاء عليها بطريقة غير قانونية، كما تدعي الدولة، وبالتالي فأنهم يقيمون بالقرية بناءً على طلب الدولة ، بمعرفتها وبموافقتها. في 30.07.2009 أقر قاضي محكمة الصلح جد جدعون بأن أهل أم الحيران ليسوا بمثابة متسللين حيث أنهم انتقلوا للمنطقة بتفويض من الدولة ولكن هذا التفويض لم يقابل بعائد مادي فبالتالي يمكن للدولة إلغاءه ومطالبة السكان بالمغادرة!
المحكمة المركزية:
في أعقاب قرار محكمة الصلح استأنف عدالة إلى المحكمة المركزية في بئر السبع والتي قامت بتبني قرار محكمة الصلح بالكامل. مع هذا، وجه أحد القضاة انتقادات شديدة للدولة حيث أتضح أن سكان القرية نُقلوا إليها بأمر من سلطات الدولة، بمعرفتها وموافقتها، مما لا يتناسب مع الطريقة التي تعاملت بها سلطات الدولة مع القضية وصورتها للمحكمة كقضية “تسلل” عادية.
طلب استئناف ثانٍ للمحكمة العليا:
بتاريخ 17.04.2011 قدم مركز عدالة طلبًا للاستئناف للمحكمة العليا على قرار المحكمة المركزية المذكور أعلاه. حتى الآن عقدت المحكمة العليا، بهيئة مكونة من 3 قضاة، جلستين للبت في الملف. في الجلسة الأولى التي عًقدت بتاريخ 20.11.2013 أصدرت المحكمة أمرًا يمنع إخلاء السكان حتى صدور قرار المحكمة النهائي.
وفي الجلسة الثانية والتي عُقدت بتاريخ 10.06.2014 طالب قضاة المحكمة ممثل النيابة بالإجابة على سؤال جوهريّ لم تطرحه المحكمة من قبل: لماذا لا يتم شمل بيوت القرية ضمن مخطط إقامة البلدة الجديدة؟ خاصةً، أشار القضاة، وأن المحاكم السابقة أقرّت بأن أهالي القرية يعيشون على هذه الأرض بأمرٍ من سلطات الدولة وليسوا غزاة أو معتدين على الأراضي. من جهته ردّ ممثل الدولة بأنه “لم يجهّز نفسه للإجابة على هذا السؤال”! في نهاية الجلسة، أعطت المحكمة للدولة مهلة 60 يومًا للرد على اقتراحها بإبقاء البيوت القادمة ضمن المخطط المستقبلي وطالبت الأطراف بالتفاوض بينهم وأن يجدوا حلًا توافقيًا. جلسة التفاوض بين ممثلي الأهالي وممثلي النيابة لم تودي إلى أي أتفاق بين الأطراف حيث أن ممثلي الدولة كرروا، مرة أخرى، نفس الادعاءات وبأن الحل المقترح الوحيد من ناحيتهم لسكان عتير- أم الحيران هو الانتقال للسكن في بلدة “حورة” المجاورة. عدالة بعث للمحكمة العليا بردّ يلخّص مجريات جلسة التفاوض. الملف لا زال عالقًا أمام المحكمة العليا بانتظار قرارها.
أوامر الهدم:
في أيلول 2003، بادرت الدولة لإصدار أوامر هدم قضائية لجميع بيوت أم الحيران. أصدرت المحكمة قرارها بهدم البيوت بموجب البند 212 من قانون التخطيط والبناء وذلك بحضور طرف واحد، دون حضور أصحاب البيوت، اللذين لم يعلموا عن هذه الأوامر إلا بعد فترة طويلة مع توارد أنباء عن نيّة الشرطة شنّ حملة لتنفيذ الأوامر.
محكمة الصلح:
عام 2009 توجه عدالة باسم السكان لمحكمة الصلح بكريات جات مطالبًا بإلغاء أوامر الهدم وذلك على ضوء إقرار محكمتي الصلح والمركزية في بئر السبع، ضمن دعاوي الإخلاء، أن السكان ليسوا “غزاة” أو معتدين على أرض دولة وإنما يسكنونها بإذن من السلطات. وشدد عدالة في طلبه على الغبن الذي ينطوي عليه هدم بيوت أقيمت منذ عشرات السنين بمعرفة وموافقة الدولة بادعاء عدم الترخيص، وخصوصًا على ضوء انعدام “مصلحة عامة” توجب الهدم كون التخطيط يخصص المنطقة للسكن.
محكمة الصلح رفضت طلب عدالة وأبقت أوامر الهدم على حالها، ومنحت السكان مدة سنة لتحضير أنفسهم لأوامر الهدم، تنتهي يوم 11.12.2012.
المحكمة المركزية:
على هذا القرار قدم عدالة استئنافًا للمحكمة المركزية في بئر السبع. وتطرق الاستئناف إلى ما تتسبب به أوامر الهدم من انتهاك للحقوق الدستورية للسكان، وإلى أن الدولة قامت، عند استصدار أوامر الهدم، بتضليل المحكمة كونها لم تفصح عن وجود مخطط يخصص المنطقة للسكن ويُعد لإقامة مستوطنة يهودية جديدة باسم “حيران”. في 17.03.2014 رفضت المحكمة المركزية الاستئناف، وأقرت بأن أوامر الهدم تخدم “مصلحة عامة” وهي بناء المستوطنة الجديدة. لم تتطرق المحكمة إلى الانتهاكات للحقوق الدستورية لأهالي القرية الناجمة عن قرارات الهدم، بادعاء انها ليست المحكمة المخولة للبت في هذه الطعون. علاوة على ذلك، أشار القاضي إلى انه يرى باقتراح الدولة بنقل السكان إلى بلدة “حورة” حلاً يحافظ على الحقوق الدستورية للسكان. بالتالي، أقرت المحكمة أن أوامر الهدم صالحة للتنفيذ ابتداء من تاريخ 17.12.2014.
المحكمة العليا:
في 14.09.2014، رفضت المحكمة العليا طلب حق الاستئناف الذي قدمه عدالة باسم أهالي القرية بادعاء انعدام “مصلحة للجمهور” في هذه القضية لكونها تتعلق بالشأن الخاص للمستأنفين. كذلك، قام القاضي برفض طلب عدالة إعادة النظر في قراره، وتجاهلت المحكمة ادعاء عدالة أن هذا القرار يخلق واقعًا عبثيًا على ضوء قبول طلب الاستئناف للمحكمة العليا بدعاوي الطرد والإخلاء.
تأجيل موعد تنفيذ أوامر الهدم:
مع اقتراب الموعد النهائي لانتهاء فترة تجميد أوامر الهدم والذي حُدد ليوم 17.12.2014، قدم عدالة طلبًا لمحكمة الصلح في كريات جات لتمديد مدة التجميد حتى تقرر المحكمة العليا بدعاوي الطرد والإخلاء. الطلب قًبل بشكل جزئي حيث علق القاضي تنفيذ اوامر الهدم لفترة إضافية مدتها 3 أشهر.
في 22.02.2015 قدم عدالة طلب أضافي لتمديد فترة تعليق الأوامر، والذي لا زال قيد البحث.
الهوامش:
1. دوف شفارتس، الصهيونية الدينية على مفترق طرق: من توسيع الآفاق إلى إخلاء المستوطنات”، في: دفورا هكوهن وموشيه ليسك (محرران). مفترقات حاسمة وقضايا مفتاحية في إسرائيل. (بئر السبع: جامعة بن غوريون، 2010)، ص: 199 (177-212).
2. شفارتس، مصدر سابق ص:202.
3. داني غوطيفاين، “ملاحظات حول الأسس الطبقية للإحتلال”، مجلة نظرية ونقد، 2004، ص: 203-211.
4. شاؤول آرييلي، حدود بيننا وبينكم: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وطرق حله، (يديعوت أحرنوت، 2013)، ص: 260-261.
5. عديت زار طال، أسياد البلاد: المستوطنون ودولة إسرائيل 1967-2004، (منشورات ديبر، 2005).
6. Gershon Gorenberg, The “Acc” idental Empire: Israel and the
Birth of Settlements, 1967- 1977 (New York: Times Books, 2006), P: 46.
7. زار طال، مصدر سبق ذكره.
8. توم سيغف، 1967: والأرض غيرت وجهها، (منشورات كيتر، 2005)، ص: 570- 573.
9. المصدر السابق، ص: 573.
10. المصدر السابق، ص: 576.
11. المصدر السابق، ص: 612-613.
12. عنان روت، سر القوة: مجلس المستوطنات ونضالها ضد الجدار الفاصل وخطة الإنفصال، (القدس: المعهد الإسرائيلي: للديمقراطية، 2005)، ص: 35.
13. رابط مجلس المستوطنات
http://efshari. “c”o.il/?q=node/16
14. المصدر السابق.
15. باراك ربيد، “وزير خارجية المستوطنين”، “هآرتس”، 27/8/2012، ص:15.
16. المصدر السابق.
17. داني ديان، “حاجز تل أبيب”، “هآرتس”، 27/8/2012، ص: 13.
18. باراك ربيد، “وزير خارجية المستوطنين”، مصدر سبق ذكره. ص: 15.
19. عكيفا نوبيك، “الوجه الجميل لمجلس المستوطنات”، ملحق يديعوت أحرونوت، 6/11/2011، ص: 14.
20. المصدر السابق.
21. توم سيغف، مصدر سبق ذكره، ص: 567-577.
22. موطي عنباري، “الأصولية اليهودية وهار هبايت”، (القدس: الجامعة العبرية، 2008) ص:24-29.
23. موطي عنباري، مصدر سبق ذكره، ص: 26- 27.
24. المصدر السابق، ص:27.
25. عزيز حيدر، “ظاهرة الييشيفوت (المدارس الدينية) القومية: نشوؤها، تطورها ونتائجها الاجتماعية والسياسية”، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد 8، خريف 2002، ص:83-84.
26. مناحيم كلاين، “الشيء الحقيقي”، هآرتس، 10/7/2013، ص: 13.
27. الوثيقة التي أعدها مجلس المستوطنات عشية توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة
http://www.news1.”c”o.il/Ar”ج” hive/003-D-5933200-.html
المراجع:
1. دوف شفارتس، الصهيونية الدينية على مفترق طرق: من توسيع الآفاق إلى إخلاء المستوطنات”، في: دفورا هكوهن وموشيه ليسك (محرران). مفترقات حاسمة وقضايا مفتاحية في إسرائيل. (بئر السبع: جامعة بن غوريون، 2010).
2. داني غوطيفاين، “ملاحظات حول الأسس الطبقية للإحتلال”، مجلة نظرية ونقد، 2004.
3. شاؤول آرييلي، حدود بيننا وبينكم: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وطرق حله، (يديعوت أحرنوت، 2013).
4. عديت زار طال، أسياد البلاد: المستوطنون ودولة إسرائيل 1967-2004، (منشورات ديبر، 2005).
5.
Gershon Gorenberg, The “Acc” idental Empire: Israel and the
Birth of Settlements, 1967- 1977 (New York: Times Books, 2006(.
6. توم سيغف، 1967: والأرض غيرت وجهها، (منشورات كيتر، 2005).
7. عنان روت، سر القوة: مجلس المستوطنات ونضالها ضد الجدار الفاصل وخطة الإنفصال، (القدس: المعهد الإسرائيلي: للديمقراطية، 2005).
8. رابط مجلس المستوطنات
http://efshari. “c”o.il/?q=node/16
9. باراك ربيد، “وزير خارجية المستوطنين”، “هآرتس”، 27/8/2012.
10. داني ديان، “حاجز تل أبيب”، “هآرتس”، 27/8/2012.
11. عكيفا نوبيك، “الوجه الجميل لمجلس المستوطنات”، ملحق يديعوت أحرونوت، 6/11/2011.
12. موطي عنباري، “الأصولية اليهودية وهار هبايت”، (القدس: الجامعة العبرية، 2008).
13. عزيز حيدر، “ظاهرة الييشيفوت (المدارس الدينية) القومية: نشوؤها، تطورها ونتائجها الاجتماعية والسياسية”، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد 8، خريف 2002.
14. مناحيم كلاين، “الشيء الحقيقي”، هآرتس، 10/7/2013.
15. الوثيقة التي أعدها مجلس المستوطنات عشية توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة
http://www.news1.”c”o.il/Ar
16. Ahmad El-Atrash. (2009). MSc Thesis: Promoting Sustainable Urban Growth strategies to Curb Sprawl in the Urban Area of Bethlehem Gevoernorate (Un- published). Birzeit: Birzeit University.
.17 Geoffrey Aronson. (1996). Settlements and the Israel- Palestinian Negotiations: An Overview.
Journal of Palestine Studies.
.18 Khalil Nakhleh. (2014). Oslo: Replacing Liberation with Economic Neo-Colonialism. Al-Shabaka- The Palestinian Policy Network, Washington, DC.
19. Naser Abdul Karim. Salim Tamari., Khaled Faraj. (2010). The Palestinian Economy and Future Prospects: Interview with Mohammad Mustafa, Head of the Palestine Investment Fund. . Journal of Palestine Studies.
20. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. (2012). المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية – التقرير الإحصائي السنوي 2011. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
21. بديل – المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين. (2013). النهب الإسرائيلي للأرض والتهجير القسري للفلسطينيين: دليل إرشادي للأفراد والتجمعات السكانية المعرضة لخطر التهجير. بيت لحم: بديل.
22. حسام جريس، وأمطانس شحادة. (2013). دولة رفاه المستوطنين: الاقتصاد السياسي للمستوطنات. رام الله: مدار –المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.
23. غسان دوعر. (2012). المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية: الإعتداء على الأرض والإنسان. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
24. معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج). (10 آذار 2013). قاعدة بيانات أريج، وحدة نظم المعلومات الجغرافية. معلومات مكانية. بيت لحم، الضفة الغربية: أريج.
ملاحق:
الملف القانوني لقضية عتير أم الحيران
عتير أمّ الحيران: القصّة الحقيقيّة
يوم 5 أيّار 2015، أصدرت المحكمة الإسرائيليّة العليا قرارها النهائيّ في قضيّة عتير أم الحيران غير المعترف بها في النقب، وقد صادقت المحكمة على القرار العنصريّ الذي اتخذته الحكومة الإسرائيليّة في العام 2002: تُهدم عتير أم الحيران، يُهجّر أهلها البالغ عددهم أكثر من 1,000 نسمة، وتُبنى على أنقاض القرية العربيّة بلدة حيران اليهوديّة ومرعى للمواشي. في كانون ثاني من العام 2016، رفضت المحكمة العليا طلب عدالة لإعادة النظر بالقرار، وادّعت أن قضيّة هدم القرية ليست “قضية نادرة أو خاصّة”.
ادّعت الحكومة الإسرائيليّة بأن أهالي عتير أم الحيران يقيمون على أرض قريتهم بشكلٍ غير قانونيّ. مركز عدالة أثبت بالوثائق الرسميّة أن الدولة هي التي أمرت في العام 1956 بنقل أهالي القرية إلى هذه الأرض بعد تهجيرهم من قريتهم الأصليّة “خربة زبالة” في العام 1948. كذلك ادّعت الحكومات الإسرائيليّة أن المنطقة غير معدّة للسكن بحسب الخرائط الهيكليّة – لكننا أثبتنا أن المخطط بعد الأرض لإقامة بيوت ووحدات سكنيّة… إنما لليهود فقط.
لم تتسأل المحكمة عن سبب بناء البلدة اليهوديّة في هذا الموقع بالذات وعلى أنقاض القرية العربيّة القائمة، بالرغم من وجود مساحات شاسعة وفارغة إلى جانب عتير أم الحيران وكذلك تجاهلت كذب الدولة الممنهج في القضيّة. تستّرتا الحكومة والمحكمة بالقانون الجاف، متناسيتين علاقة الناس بأرضٍ يعيشون فيها عشرات السنوات، كبروا فيها هم وأبناءهم وأحلامهم وذكرياتهم.
مصادقة المحكمة على الأوامر رغم اعتمادها على ادعاءات كاذبة، يُثبت أن القرار لا يمت للدوافع القانونيّة بصلة، وأنه قرار سياسيّ عنصريّ تمييزيّ ضد الفلسطينيين في إسرائيل وأهالي النقب خاصةً. يشكّل مدخلًا خطيرًا لتنفيذ المخططات العنصريّة، وعلى رأسها برافر، لتهجير أهالي النقب وهدم القرى غير المعترف بها.
· القصة الحقيقية.
· مخطط لإقامة بلدة حيران اليهودية:
– الاستئناف
– الاعتراض
– قرار اللجنة القطرية بخصوص الاستئناف
– قرار اللجنة اللوائية بخصوص الاعتراض
· مخطط لإقامة غابة عتير:
– الاستئناف
– الاعتراض
– قرار اللجنة القطرية بخصوص الاستئناف
– قرار اللجنة اللوائية بخصوص الاعتراض