مقال رأي: بقلم د. بدر العيسى وزير التربية والتعليم العالي الكويتي السابق
الكويت 19 نوفمبر 2022
لقد بدأ استخدام التعليم عن بعد (وليس الإلكتروني) في سبعينات القرن الماضي. بدأت الفكرة في بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية ثم انتقلت الى الجامعات الآسيوية (وخصوصاً في اليابان وكوريا الجنوبية). تكمن أهمية هذا النوع من التعليم في أنه يعفي الطلاب من التواجد في مؤسساتهم التعليمية لأسباب عديدة أهمها البعد المكاني، ووضع برنامج تعليمي بين أيدي الطلاب على الرغم من بعد المساحة الجغرافية، وهذا النوع من التعليم له فوائده ومضاره، وممكن جني فوائده من خلال سن تشريعات تحفظ حقوق ومصالح المعلم والطالب.
بزغ التعليم عن بعد في دولة الكويت في اوائل الثمانينات في جامعة الكويت (بدون سن قوانين وتشريعات خاصة). لذلك لم يكن هناك اقبال عليه لا من الأساتذة ولا من الطلاب، ثم تم اعتماده في وزارة التربية من خلال منصة تعليمية يتزود منها الطالب العلوم التي يحتاجها للتقوية وكانت اختيارية. لكن لم تلقى اقبالا كبيرا من الطلبة وأصبحت بعدها شيئاً منسياً الى أن ألغيت في ٢٠١٦ .
ومع دخول جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) توقف العمل في معظم المؤسسات ومن ضمنها التعليمية، عندها أصبح التعليم عن بعد واجب وضرورة مع كل سلبياته.
في الأثناء، هناك أساتذة وطلبة من استغل بعضهم التعليم عن بعد بطريقة غير مهنية وغير مسؤولة، هذا بالإضافة الى معاناة العديد من الأسر من تداعيات سلبية لملازمة أبنائهم لساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر، أضف الى ذلك هناك مواد تتطلب تعليماً عملياً ولا يمكن ادراجها ضمن منظومة التعليم عن بعد. كما اضطرت العديد من المدارس بأن تدمج بعض المواد وتلغي بعض المناهج حتى لا تتعمق ظاهرة ادمان الطلاب للحاسوب والانترنت. حيث تفضي ظاهرة ادمان الحاسوب عادة لاختلالات وعي وسلوك الأطفال والمراهقين فضلاً عن تأثيرات يتم دراستها الى اليوم خاصة على مستوى تقييم قدرة تركيزهم وفهمهم للمواد فضلاً عن استفهام لم يتم حسمه بعد حول مدى إمكانية تأثير التعليم عن بعد في تنمية مواهب الطلبة وتطور ذكائهم خلال التعرض بوتيرة مكثفة وبطريقة مباشرة للدروس عن بعد. وهذا كله من شأنه أن يؤثر على جودة التعليم والغاية منه وقدرة مواكبته للتطور السريع.
ورغم الصعوبات التي فرضتها تجربة التعليم عن بعد خاصة على مستوى محدودية الفهم والتفاعل الناجع بين الطالب والمدرس، الا أن معدلات نجاح الطلاب بعد انطلاق هذه التجربة كانت بنسب عالية جداً (غير واقعية) وبدرجة تزيد عن معدلات التعليم التقليدي (ما قبل كورونا). وهذا بالطبع استدعى تقييم تجربة هذا النوع من التعليم. حيث اتضح أنه فاقم من محدودية نجاعة وكفاءة مخرجات التعليم، وهذا الاستنتاج ليس في الكويت فقط، وانما في كافة دول الوطن العربي محدودة التجربة والممارسة في مجال التعليم عن بعد. كما تفرض تجربة التعليم عن بعد الحاجة لمزيد البحث عن كيفية حسن استثماره لتنمية المواهب والمهارات والابداع والابتكار.
اذاً ماذا علينا أن نعمل كمتخصصين في المجال التعليمي؟
هذا التساؤل دائما يطرح على كافة الأصعدة. بكل تأكيد اصلاح التعليم ليست بالعملية السهلة كما أنها ليست بالمستحيلة ولكن تحتاج الى تضافر كافة الجهود المجتمعية بالتعاون مع وزارة التربية، (نحن هنا نركز على التعليم غير التقليدي وهو التعليم الإلكتروني واصلاح التعليم عن بعد). يمكن أن نحدد ثلاث جوانب كخطوه أولى:
– سن تشريع ينظم التعليم عن بعد ويضمن حقوق المعلم والمتعلم والمؤسسة التعليمية
– تصميم برامج متطورة ومحكمة للتعليم عن بعد تسد معظم الثغرات التي واجهتنا في النظام السابق.
– الابتعاد تدريجياً عن التعليم التقليدي والتركيز على التعليم الإلكتروني في كافة مراحل التعليم العام مع الاهتمام المكثف لفئة الاحتياجات الخاصة.
بكل تأكيد هناك اسهاب وتفاصيل عديدة لهذه الجوانب الثلاث وتحتاج الى بحث ودراسة علمية مكثفة حتى نصل الى المسار السليم لتطوير التعليم في الكويت وتسنده في ذلك سياسة تعليمية واضحة المعالم مسنودة بإرادة سياسية من أعلى سلطة في الدولة حتى نخلق جيل يعتمد عليه في تنمية مجتمعهم.