د.عايد المناع
عضو هيئة التدريس، كلية الدراسات التجارية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، دولة الكويت
منذ ثمانينات القرن الماضي تسارعت وتيرة عمليات الخصخصة، وكانت بريطانيا في عهد رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر نموذجاً للاتجاه نحو الخصخصة، مسار شهد رواجا في الولايات المتحدة والهند وباكستان آنذاك.
اصطلاحاً يفيد مفهوم الخصخصة تخلي الإدارة الحكومية عن بعض نشاطاتها لفائدة القطاع الخاص وخاصة الأنشطة التي تمثل عبئاً مالياً، وذلك من خلال عدة أساليب أبرزها البيع أو التأجير لمؤسسات أو مشروعات حكومية لفائدة مستثمر أو عدة مستثمرين وذلك بهدف زيادة تعزيز الإيرادات وتقليص النفقات وتحسين كفاءة الادارة. وهذا التحول التاريخي الذي عرف أوجه في الدول الغربية في الثمانينات بات يسهم في النمو الاقتصادي لهذه الدول وذلك من خلال تعزيز الإنتاجية وكفاية وترشيد استخدام الموارد وحوكمة جيدة وتنويع في المخرجات وزيادة توظيف للأفراد على أساس الكفاءة والأداء والإنتاجية ودعما للإمكانيات.
ولزيادة فهم الخصخصة وأهدافها، يمكن اختزالها كالتالي:
الخصخصة: هي عملية تحويل كلي أو جزئي لملكية رأسمال مؤسسات أو شركات أو وزارات عمومية الى القطاع الخاص، وبهذا فان الدولة ممثلة في القطاع العام تتنازل عن سيطرتها على بعض القطاعات أو الخدمات أو المنشآت بشكل كلي أو جزئي الى القطاع الخاص، ولا شك أن لهذا التحول أهداف وسلبيات (مزايا وعيوب).
من أهم أهداف الخصخصة:
1- تخفيض الأعباء المالية على كاهل الدولة بسبب صرفها على مؤسسات غير ربحية
2- توسيع حجم القطاع الخاص والرفع من مساهمته في الاقتصاد الوطني
3- تطوير الأسواق المالية المحلية من خلال ادراج الوحدات المتخصصة في سوق الأوراق المالية (البورصة) المحلية.
4- توسيع قاعدة الملكية داخل الدولة عبر اتاحة فرص الاستثمار في الشركات المخصصة لجمهور المواطنين وتحويل جزء من الأسهم الى أرباح للعاملين في هذه الوحدات
5- تحرير المؤسسات الإنتاجية من التدخلات الاجتماعية والسياسية
6- تنويع مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد على مصدر وحيد للدخل
7- تفعيل دور القطاع الخاص وزيادة مشاركته بعملية التنمية
التحول نحو الخصخصة لديه مزايا أخرى:
1- تنمية الصادرات من خلال الاستفادة من المميزات التي يتمتع بها المصدرون مثل الاعفاء من الضرائب أو الجمارك
2- توسيع أوعية جذب المدخرات النقدية وتوسيع قاعدة الملكية ورفع الكفاءة الإنتاجية
3- توفير خدمة العميل من خلال توفير احتياجاته بجودة عالية وأسعار مناسبة
4- تحسين دخول العاملين اذ أن الدخل يرتبط بكم ونوعية الإنتاج وليس بدرجة الوظيفة
5- الاستفادة من أحدث التطورات التكنولوجية مما يمكن الوحدات المخصخصة من انتاج سلع وخدمات جديدة وملبية لرغبات الزبائن
لكن الى جانب هذه المزايا، هناك مزايا أخرى تتعلق بترشيد التوظيف، حيث يعاني القطاع العام من العمالة الزائدة وغير المنتجة. فعلى عكس القطاعات الحكومية، يوظف القطاع الخاص حسب حاجاته وليس وفقا لمعايير واعتبارات اجتماعية وسياسية حيث يهدف للربح، وبالتالي فهو لا يستوعب الا عدد محدودا من العمالة المتميزة القادرة على الإنتاج واحداث الاضافة. وهذه المعايير ليست سائدة بالشكل الكافي في معايير العمل في القطاع العام. لكن هذه المزايا في تحسين أداء الموارد البشرية قد تنتهي بالاستغناء عن خدمات جزء كبير من الموظفين الذين لا يستجيبون لمعايير القطاع الخاص، وهو ما يعارض طيف نيابي وشعبي كبير. حيث ان الاستغناء عن الموظفين في مؤسسة يتم تخصيصها أمر غير مرحب به. وهو ما يمثل احدى عيوب الخصخصة التي تأخذ بالحسبان الاعتبارات الاجتماعية.
أما المشكلة أو العيب الثاني في مسار الخصخصة فيمكن اختزاله في عقود الامتياز، اذ غالباً ما تثار موضوعات حول مدة الامتياز لصالح المستثمر الخاص، وطريقة السداد والإدارة خلال فترة الامتياز وما يرتبط باستخدام العلامات التجارية. والعيب الثالث يتمثل في أن الحرص على جذب المستثمر الأجنبي قد يؤدي الى هيمنة هذا المستثمر على قطاعات إنتاجية بعينها وتوظيف عمالة غير محلية أو وطنية مما يؤدي الى زيادة البطالة السافرة. وهذا ما يدخلنا الى أساليب نقل الملكية الى القطاع الخاص ويفرض بعض التحديات:
1- بيع القطاع كلياً أو جزئيا لمجموعة من المستثمرين سواء كانوا مواطنين أو غير ذلك، وفقا لأفضل عرض من حيث السعر
2- بيع القطاع لمجموعة من المستثمرين وفقا لأفضل عرض سعري لكن مع وضع شروط على هؤلاء المستثمرين
3- تأجير الأصول للقطاع الخاص أو طرح عقود إدارة لهذه الأصول (الموانئ/ الكهرباء والماء).
الحالة الكويتية في الخصخصة:
بناء على توصية وتوجيه البنك الدولي خلال الفترة من 1-27 مايو 1993 فان الكويت اتجهت نحو الخصخصة لكن محاولات الحكومة اصطدمت بمعارضة نيابية وشعبية نظرا لما يترتب عليها من إمكانية تقليص أعداد المواطنين الموظفين في القطاع الخاص بدعوى التخوف من عدم الأمان الوظيفي في حال الخصخصة. يذكر أن القطاع الخاص قبل اعتماد مسار الخصخصة، يكاد يخلو من العمالة المحلية، حيث لا تزيد مساهمتها فيه عن 5 في المئة. غير أن الحكومة لم تتخلى عن توجهها للخصخصة كواحد من أهم حلول تنويع مصادر الدخل. اذ يتوقع أن تساهم الخصخصة في اصلاح المالية العامة للدولة، وتستهدف الكويت انجاز نحو 8 مشاريع خصخصة بحلول عام 2025، ويصل عدد القطاعات التشغيلية المخصخصة 4 قطاعات، ويبلغ صافي الوفورات المالية مقارنة بالنفقات الحكومية (الأثر المالي) نحو 800 مليون دينار كويتي فضلا عن توفير 34 ألف فرصة عمل. ويتوقع أن يبلغ الأثر الاقتصادي للخصخصة عام 2030 أكثر من مليار دينار، وهذا فقط على مستوى أربعة نشاطات سيتم خصخصتها، ومن أهمها المناطق الصناعية والموانئ ومطار الكويت واحتمال خصخصة الخطوط الجوية الكويتية.
الحالة السعودية في الخصخصة:
كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن المملكة العربية السعودية تتطلع لجمع نحو 55 مليار دولار على مدى الخمس سنوات المقبلة من خلال توسيع برنامج الخصخصة الذي يأتي ضمن رؤية المملكة 2030. القطاعات المرشحة للخصخصة تتمثل في قطاع الصحة وقطاع التقنية والاتصالات واضافة الى قطاع التعليم والمياه والنقل والسياحة والزراعة والشؤون البلدية والحج والعمرة والاعلام والرياضة والطيران المدني والنقل والموانئ والخطوط الحديدية.
الحالة البريطانية في الخصخصة:
نجحت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في أوائل ثمانينات القرن الماضي بفرض رؤية حزب المحافظين للخصخصة، اذ خصخصت كل شيء تقريبا بداية من المناجم والكهرباء والمياه والميترو والخطوط الجوية والبريد رغم الاعتراضات الشعبية على هذا النهج الذي لم تكن نتائجه مضمونة آنذاك، وينسب الى هذا النهج ما عاشته بريطانيا من بحبوحة في التسعينات مقارنة بجيرانها الأوروبيين الذين سرعان ما انتقلت إليهم عدوى الخصخصة والى العالم كله. وإذا كانت الدول الغربية هي الرائدة في الخصخصة فان دولا شيوعية واشتراكية أخذت الاتجاه نفسه والصين مثال على ذلك.
التوصيات:
1- من الضروري ترشيد الجهاز الحكومي بإسناد مهامه وخدماته للقطاع الخاص اما بيعاً أو تأجيرا أو مشاركة واكتفاء الإدارة الحكومية بالإشراف القانوني وسلامة الإجراءات وعدالتها وحظر احتكار الخدمات وعدم ارتفاع أسعار الخدمات دونما مبررات عملية واضطرارية.
2- في حالة بيع أي من وحدات القطاع العام لمستثمر أو عدد من المستثمرين، فينبغي أن يكون سعر البيع مجزياً، وأن تمنح الحكومة المشتري فترة سماح لعدة سنوات (خمس سنوات أو أكثر) للحصول على أرباح تتيح له تحسين أوضاع الخدمات وبعد انتهاء المدة المتبقية عليها أن تحصل على نسبة من الأرباح لتكون مصدراً من مصادر الدخل.
3- يجب أن يتم اصدار تشريعات قانونية تحدد القطاعات المباعة أو التي سيتم بيعها والشروط الواجب توافرها في الطرف المشتري: هل هو فقط مستثمر وطني أم استثمار مشترك، وهل هناك نسبة من الأسهم للحكومة.
4- يجب أن تتضمن التشريعات القانونية تشغيل القطاع الخاص لأكبر عدد من المواطنين الذين ينطبق عليهم المواصفات المهنية للعمل وعدم التضحية بمشاركتهم بسبب إمكانية تشغيل عمالة وافدة بالاستفادة من تدني اجورهم مقارنة بأجور المواطنين.
5- ينبغي ان تعمل الدولة بتظافر الجهود مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي على اعداد الشباب ذكورا واناثا علميا وتقنيا وفنيا لتلبية متطلبات احتياجات سوق العمل. كما ينبغي العمل على إعادة ثقافة العمل المهني والحرفي التي كانت سائدة قبل تدفق إيرادات النفط وتحفيز الطاقات الشابة للعمل في الاعمال المهنية كالميكانيكا والسباكة والحدادة والنجارة والبناء وغير ذلك.
6- ينبغي إعادة النظر في ميزات الأجور والرواتب التي يتمتع بها موظف القطاع العام من المواطنين والتي تستند على تسعير المؤهل الدراسي وليس على الكفاءة العلمية لطالب العمل، وهذا ما أدى الى تضخم الأجهزة الحكومية بأعداد من المواطنين تفوق كثيرا حاجة هذه الأجهزة، حيث أن هناك عدد كبير من الموظفين غير منتجين ويتم توظيفهم لاعتبارات اجتماعية وسياسية والتزامات قانونية.
7- ينبغي تغيير نظام التوظيف الحكومي الحالي المعمول به في جميع الدول العربية ومنها الخليجية والذي هو بالأساس نظام أوروبي وهو ما يعرف بـ”النظام الشخصي في ترتيب الوظائف العامة” الذي يركز على الموظف (شاغل الوظيفة) بما يحمله من مؤهلات وخبرات وأقدمية بصرف النظر عن العمل الذي يقوم به الموظف، وهذا ما يعرف بتسعير الشهادات واستبداله بـ”نظام الترتيب الموضوعي للوظائف العامة” الذي يركز على مردودية الوظيفة وقدرة الموظف على الإنتاجية والاضافة دون الاعتبار لشاغل الوظيفة ومؤهلاته مالم تكن اجادته للعمل تؤهله للحصول على الوظيفة التي تقدم للعمل بها.
8- الى جانب خصخصة القطاع العام، فان ما يعرف بنظام BOT أي البناء والتشغيل والاعادة يعتبر مصدرا مهماً من مصادر ميزانية الدولة، اذ تؤجر الدولة أرضاً لمستثمر أو عدد من المستثمرين لإقامة مشروع تجاري متعدد الأغراض لمدة زمنية طويلة غالباً أكثر من عشرين عاماً، فاذا لم يتم تجديد العقد ما بين الطرفين، فان الأرض وما عليها من مباني تعود للمالك الأصلي وهو الدولة والتي بإمكانها أن تستغلها أو تؤجرها لمستثمر أو مستثمرين جدد مثال ذلك مجمع الأفنيوز و360 وبرج الحمراء والكوت، وهي مشروعات معتمدة في دولة الكويت.