الكويت، 25 سبتمبر 2022 (csrgulf): تسجل بعض الدول العربية التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة معدلات اقبال غير مسبوق للشباب على الهجرة (نظامية أو غير نظامية). خيار مغادرة البلاد يبرره ألاف الشباب العربي على منصات التواصل الاجتماعي بمدى الاحتقان الاجتماعي في دولهم والتذمر من انعدام اليقين حول مستقبل التنمية والاستقرار ومحدودية وضوح خارطة طريق للانقاذ.
هذه الرغبة غير المسبوقة في الهجرة والمرصودة في أكثر من بلد عربي يشهد هشاشة اقتصادية ضخمة شملت الى جانب الشباب شرائح عمرية أخرى بما في ذلك كبار السن وحتى العائلات ولم تفرق بين الأثرياء والفقراء بدافع محدودية النظرة الإيجابية حول مستقبل التنمية في ظل تضخم غير مسبوق ومديونية متفاقمة ونمو سلبي للاستثمار وارتفاع قياسي لنسب البطالة والفقر والعنف والتهميش بالإضافة لعدم الاستقرار الاقتصادي.
وتعتبر سوريا ولبنان والعراق وتونس واليمن وليبيا والسودان ومصر والمغرب أكثر الدول المتضررة من حركة هجرة غير مسبوقة والتي شملت خاصة الكفاءات الشابة التب تبحث عن فرص حياة أفضل. لكن الظروف العالمية قد تحد من هذه الفرص.
ويبدو أنه لم يتبقى لدى بعض الشباب سوى خيار الهجرة أو التذمر من واقع متدهور. وفي حال زيادة فرض القيود على الهجرة، قدد يرتد غضب الشباب داخليا تنديدا بتردي الأوضاع المعيشية وقد تصل توقعات ردود الفعل الغاضبة الى حد الانفجار الاجتماعي او الاحتجاج الذي قد يتخذ أشكالا أعنف من أحداث الربيع العربي في 2011.
تقديرات مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث المنشورة ضمن تقرير بعنوان “أكثر من نصف الشباب العربي يائس: هل توفرت ذرائع الانفجار الاجتماعي“، تشير الى رصد تضاعف نسبة الشباب الراغب في الهجرة من الدول العربية خلال 2022 والتي قد تصل الى نسبة غير مسبوقة قد تشمل أكثر من 60 في المئة من اجمالي الشباب في جل الدول العربية باستثناء منطقة الخليج.
وقد استنتجت بعض الاستطلاعات المنشورة أن 64 في المئة من الشباب العربي[1] يائس من أن الديمقراطية قد تنجح في الشرق الأوسط أوقد تنتج واقعاً أكثر عدالة وتوفيرا لفرص استثمار وعمل وأمن ولذلك يفكر أكثر من نصف الشباب العربي في الهجرة إلى بلد آخر.
وفيما كانوا يفرون من ويلات الحروب والصراعات، تضاعف أعداد الفارين من الشباب العرب ضمن رحلات هجرة غير نظامية لكن بدافع تدهور كارثي للأحوال الاقتصادية والاجتماعية. ورغم اصرارهم على الهجرة من أوطانهم، زادت القيود الصارمة على وصولهم خاصة الى بعض الوجهات الأوروبية بسبب تردي الوضع الأمني والاقتصادي على خلفية تداعيات كلفة الصراع الروسي الأوكراني.
اذ تقلصت خيارات الوجهات الأكثر أماناً في العالم بسبب تداعيات تطورات الصراع الغربي الروسي الصيني[2]. وباتت بعض وجهات المهاجرين تواجه تحديات الأمن والاستقرار كما لم تعرفها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة الواقعة في قارة أوروبا. رغم ذلك تستمر القارة الأوروبية ضمن أكثر الوجهات جاذبية لحركة الهجرة العالمية جنباً الى جنب مع الولايات المتحدة وكندا.
ويسبب الاقبال الكثيف على الهجرة النظامية وغير النظامية الى أوروبا ارباكا كبيرا للسلطات دفع بعدد من الحكومات الأوروبية لزيادة فرض قيود على الهجرة واللجوء، ما تسبب بتفاقم أزمة مهاجرين غير نظاميين منتمين لجنسيات أغلبها عربية ويتدفقون في وقت واحد. فضلاً عن زيادة رصد خطاب الكراهية ضدهم في ظل صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا واعتماده سياسات عنصرية ضد المهاجرين، حيث من المرجح أن تتراجع تدفقات المهاجرين الى إيطاليا مثلا بسبب فوز حزب اخوة إيطاليا المتطرف المعادي للمهاجرين.
لكن رغم هذه المخاطر يصر المهاجرون العرب على المخاطرة والتدفق في إشارة واضحة لمدى اليأس المهيمن على نسبة كبيرة من الشباب من احتمالات تحسن الظروف في دولهم.
هذا الواقع الرافض للمهاجرين دفع بعض الشباب العربي الى الإصرار رغم العوائق والقيود المفروضة على الهجرة بأي تكلفة ومهما كانت المخاطر هرباً من واقع متدهور في بلدانهم. هذا الإصرار يدفع بالمئات لفقدان حياتهم في معابر الهجرة السرية الخطرة سواء بحرا أو برا. ورغم الضحايا التي تسقط بين الشباب العربي خلال رحلات الهجرة السرية، يصر آخرون على الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما دفع لرصد ارتفاع كبير في نسبة الاقبال على الهجرة من أغلب الدول العربية محدودة الدخل خاصة من تونس والمغرب ومصر ولبنان وسورية والعراق وليبيا واليمن وفلسطين[3].
ويبرر بعض المهاجرين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي[4] قرار مغادرة بلدانهم باليأس من احتمال تحسن أوضاعهم في ظل ما يصفونه بالوضع الاستثنائي المتردي اقتصاديا واجتماعيا وأمنياً، وهو ما يسبب موجة من التذمر واليأس خاصة بين فئة الشباب المتحمس والذي يعتبر أكثر فئات المجتمعات تعرضا لآثار الأزمات السياسية والاقتصادية.
الفقر والتفاوت الاجتماعي ومحدودية عدالة الفرص قد تؤجج احتجاجات شعبية عالمية يقودها الشباب اليائس
تم رصد قفزة تاريخية لنسب البطالة والفقر والهجرة بين الشباب في أرجاء كثيرة في العالم. وفقًا لآخر تحديث حول أسواق العمل في العالم، حذف وباء فيروس كورونا نحو 112 مليون وظيفة بدوام كامل[5]. ويواجه العالم طفرة في عدم المساواة الاقتصادية تسارعت مع وتيرة انتشار فيروس كوفيد -19 وتفاقمت بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا. لذلك، تحتاج الحكومات إلى الشروع في تغيير عاجل لمعالجة الفقر المدقع وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإرساء الأسس لمستقبل أكثر مساواة واستدامة. تكشف الأرقام عن حجم المشكلة. يمثل الأغنياء 10٪ فقط من سكان العالم ويمتلكون أكثر من 76٪ من الثروة الاجمالية على الأرض. وهو ما يعني أن التفاوتات الاقتصادية العالمية أصبحت الآن متطرفة كما كانت في ذروة الإمبريالية الغربية في أوائل القرن العشرين[6].
تكشف أحدث التقديرات عن واقع صادم بصدد التشكل موفرا جلّ الظروف لاندلاع حركة احتجاجية شعبية دولية قد يقودها جزء كبير من الشباب حول العالم ضد الأنظمة والنخب السياسية والاقتصادية. كما تنذر مرحلة ما بعد وباء فيروس كورونا وتدهور الوضع الأمني العالمي بنزعة عودة خيارات السياسات والأفكار المتطرفة. وهو ما عكسه نجاح بعض التيارات السياسية اليمينية المتطرفة في اكتساح الانتخابات في بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإيطاليا. وفي دول عربية تشهد الأفكار الشعبوية رواجاً بين الناخبين في السنوات الأخيرة الماضية تنديدا بفشل الحكومات منذ اندلاع الربيع العربي في تحقيق التطلعات الشعبية.
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] نتائج استطلاع وكالة “أصداء بي سي دبليو” لرأي الشباب العربي للعام 2022
[2] European Council Council of the European Union, Impact of Russia’s invasion of Ukraine on the markets: EU response, sep 2022, https://www.consilium.europa.eu/en/policies/eu-response-ukraine-invasion/impact-of-russia-s-invasion-of-ukraine-on-the-markets-eu-response/
[3] Laura Harjanto and Jeanne Batalova, Middle Eastern and North African Immigrants in the United States, JANUARY 13, 2022, migrationpolicy, https://www.migrationpolicy.org/article/middle-eastern-and-north-african-immigrants-united-states
[4]رصد عشوائي للمركز لحسابات مستخدمين عرب من الفئة العمرية من 18 الى 40 عاما حول مسألة الهجرة
[5] United Nations, Middle East and North Africa: addressing highest rates of youth unemployment in the world, https://news.un.org/en/story/2022/05/1118842
[6] Patrick Henry, Economic inequality has deepened during the pandemic, That doesn’t mean it can’t be fixed, weforum, Apr 7, 2022, https://www.weforum.org/agenda/2022/04/economic-inequality-wealth-gap-pandemic/