- هل توفرت كل الذرائع لانتفاضة الشباب العربي ضد واقع متدهور؟
- بوادر انتفاضة شبابية عالمية وعربية لمحاولة تغيير العالم
- اتساع تاريخي للفجوة بين الأغنياء والفقراء ينذر بردة فعل شعبية انتقامية
- نصف الشباب العربي معرض لمخاطر البطالة والفقر وسوء التوظيف أو الاستغلال في نشاطات أو تجارة غير شرعية
- زيادة الكراهية والعنف والذاتية والياس بين الشعوب في العالم بسبب تداعيات الوباء وسياسات الحكومات واحتكار النخب
- حالة عداء طبقي غير مسبوق في المجتمعات عبر العالم
- مخاوف من انتفاضة شبابية ضد النخب قد تكتسح العالم
الكويت، 25 سبتمبر 2022 (csrgulf): يبدو أن كل الذرائع والأسباب التي أدت الى انتفاضة الشباب حول العالم في عام 1968 عادت لتتوفر من جديد وتنذر بانتفاضة عالمية ثانية يقودها الشباب المتحمس والغاضب ضد النخب والسياسات وتنديدا بارتفاع قياسي خاصة لنسب الفقر والتهميش والبطالة. ولعل الواقع المتدهور للشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينذر بتحركات غاضبة ضد النخب السياسية بذرائع مختلفة على غرار ما قام به الشباب الايرانيون.
ويبدو أن الادارة الأمريكية الديمقراطية الحالية على غرار ما قامت به خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما قد تدعم تحركات احتجاجية يقودها شباب مهمش ويائس بدعوى دعم الديمقراطية والتحرر.
لعل ما حدث في إيران على الأرجح ألا يكون بمعزل عما يمكن أن تواجهه دول عربية وأجنبية في المدى القريب. حيث تصنف الاحتجاجات الشعبية الإيرانية العنيفة التي يقودها الشباب كردة فعل قوية متوقعة كانت تنتظر حدثا استفزازياً يبرر انفجار غضب الشارع المتذمر ليس من تراجع الديمقراطية وحقوق الانسان بقدر الاستياء العارم من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على خلفية تداعيات أزمات مزدوجة متتالية خاصة عقب وباء فيروس كورونا وآثار الصراعات والركود الاقتصادي وسياسات الحكومة.
ليس الشباب الإيراني وحده من يعاني من تحديات خطيرة، فمستقبل الشباب في العالم بشكل عام يواجه تهديدات وجودية غير مسبوقة لعل أهمها مخاطر حرب نووية وأزمة نضوب موارد طبيعية حيوية كالمياه والغذاء بسبب حدة آثار التغيرات المناخية وصراعات على الطاقة. وبذلك، يبدو أن معالم المستقبل الذي يواجهه الشباب يتسم بعدم اليقين بسبب نتائج سياسات بعض الحكومات التي عمقت من اختلالات التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. ولعل كل هذه التحديات قد تغذي حراكاً شبابيا غاضباً يدعو لتصور جديد للسلام والتنمية وتكاثف الجهود العالمية لمواجهة التحديات الوجودية وزيادة تمكين الشباب من حق تقرير المصير.
ويتجه العالم نحو واقع أكثر تطرفاً من حيث عدم المساواة واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء[1]. ويعتبر الشباب الأكثر تضررا من ذلك. وهو ما يولد ظروفاً استثنائية بدأت تولد ذرائع لانفجار اجتماعي قد يقوده الشباب المهمش والعاطل والفقير في أكثر من بلد في العالم بما في ذلك الوطن العربي، ما يعيد للأذهان حراك 1968 للطلبة الذي اكتسح أغلب دول العالم في ذاك الوقت والمطالب بتغيير العالم ليصبح أكثر عدلا وانصافا للشباب والطبقات الضعيفة وأقل قيودا.
ويرجح تحليل المخاطر لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث أن ما يجري في إيران هو بمثابة اخطار جماعي للحكومات عربياً ودولياً بجدية مخاطر غضب الشباب الآخذ في الاتساع وان بصمت في عدد من المناطق. ويمكن أن تكون أحداث إيران ملهمة لانتفاضة شبابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حيث يقدر المركز اعتمادا على رصد استطلاعات لمحتويات الكترونية لمستخدمين عرب لمنصات التواصل الاجتماعي وحسب دراسة تقارير مختلفة اتضح أن حالة اليأس من تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصة بصدد الارتفاع بشكل ملحوظ وقد تشمل أكثر من نصف الشباب العربي الذي يعاني من البطالة والفقر والتهميش وتراجع جودة خدمات التعليم والصحة والسكن وتقهقر القدرة الشرائية.
ولا يتم استبعاد فرضية انتظار لذرائع كافية وقوية من أجل رصد انفجار اجتماعي قد يتطور الى حراك غاضب في بعض الدول تدفع لتبريره مؤشرات اجتماعية مقلقة. وهي مخاطر قد تأخذها بعض الحكومات على محمل الجد. اذ هناك قلق من خريف ساخن على ضوء زيادة مشاركة أراء منتقدة للواقع الاقتصادي والاجتماعي في عدد من الدول توازيا مع ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش.
ويلتهم الفقر أكثر من 70 في المئة من العرب مع تراجع ملحوظ لنسبة الطبقات المتوسطة وزيادة ملحوظة لمحدودي الدخل والفقراء. واتضح أن فئة الشباب هي الفئة العمرية الأكثر تضررا من تدهور معيشي ووظيفي وتعليمي وأمني مقلق.
وتعاني المجتمعات العربية وعبر العالم من أكبر فجوة بين الأغنياء والفقراء[2] منذ أكثر من 100 عام، وهو مثل مؤشر مخاطر عالية من غضب شعبي بدأ تتشكل ملامحه في أكثر من بلد. وهذا الغضب المرصود قد يستهدف النخب ويعتمد للتنديد بذلك على العنف والانتقام بهدف إعادة فرض تصورات عدالة اجتماعية بتطبيقات جديدة. لكن بعض الحكومات تستبق مثل هذه المخاطر وأخرى لا تجد حلولا لمعالجتها.
تشير التقديرات الى أن ثلثي العرب باتوا يلامسون الفقر[3]، وثلث تقريبا بدأ ينحدر نحو الفقر المدقع[4]. وما يتراوح بين أكثر من ثلث الى نصف الشباب العربي مع التفاوت بين الدول وخاصة فئة المتعلمين بشكل خاص يعاني أزمة بطالة خانقة[5] ونسبة كبيرة منهم باتت تعلن خيار الهجرة[6] من أوطانها بسبب فقدان الأمل في تحسن الأوضاع في دولها ومدفوعة برغبة البحث عن وجهة بديلة لتحقيق طموحاتها، ويشير استطلاع الى أن أغلب الشباب المهاجر لا يعتقد في أولوية الديمقراطية بقدر الاهتمام بأولوية التنمية[7]. كما اتسعت الفوارق الاجتماعية والطبقية أكثر من أي وقت مضى بسبب اختلالات اقتصادية[8].
ولم تتدهور الأوضاع الاقتصادية فقط بل تعاني مجتمعات عربية كثيرة أزمة قيم وانفلات في تطبيق التعايش المشترك مع تحديات ارتفاع خطاب الكراهية خاصة على منصات التواصل الاجتماعي[9]، فضلا عن تذمر شعبي واسع من مؤشرات الفساد[10] والافلات من العقاب وزيادة العنف والجريمة[11] وتردي خدمات التعليم والصحة، وهو ما يدفع لزيادة رصد نسبة الاقبال في بعض الدول العربية على الهجرة بدافع البحث عن بيئة أكثر أمانا.
ويعتبر ارتفاع معدلات الهجرة غير المسبوقة بين الشباب العربي سواء (هجرة نظامية أو غير نظامية) مؤشرا على مدى الاحتقان والتذمر بين الشباب في جزء كبير من العالم العربي، وهو ما يدعو لتوقع ردود فعل على تردي الأوضاع المعيشية وقد تصل الى حد الانفجار الاجتماعي او الاحتجاج الذي يتخذ أشكالا عنيفة.
اقبال غير مسبوق للشباب العربي على الهجرة بسبب اليأس من تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي وعدم الاستقرار
استنتجت بعض الاستطلاعات المنشورة أن 64 في المئة من الشباب العربي[12] يائس من أن الديمقراطية قد تنجح في الشرق الأوسط أوقد تنتج واقعاً أكثر عدالة وتوفيرا لفرص استثمار وعمل وأمن ولذلك يفكر أكثر من نصف الشباب العربي في الهجرة إلى بلد آخر.
وفيما كانوا يفرون من ويلات الحروب والصراعات، تضاعف أعداد الفارين من الشباب العرب ضمن رحلات هجرة غير نظامية لكن بدافع تدهور كارثي للأحوال الاقتصادية والاجتماعية. ورغم اصرارهم على الهجرة من أوطانهم، زادت القيود الصارمة على وصولهم خاصة الى بعض الوجهات الأوروبية بسبب تردي الوضع الأمني والاقتصادي على خلفية تداعيات كلفة الصراع الروسي الأوكراني.
اذ تقلصت خيارات الوجهات الأكثر أماناً في العالم بسبب تداعيات تطورات الصراع الغربي الروسي الصيني[13]. وباتت بعض وجهات المهاجرين تواجه تحديات الأمن والاستقرار كما لم تعرفها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة الواقعة في قارة أوروبا. رغم ذلك تستمر القارة الأوروبية ضمن أكثر الوجهات جاذبية لحركة الهجرة العالمية جنباً الى جنب مع الولايات المتحدة وكندا. ويسبب الاقبال الكثيف على الهجرة النظامية وغير النظامية الى أوروبا ارباكا كبيرا للسلطات دفع بعدد من الحكومات الأوروبية لزيادة فرض قيود على الهجرة واللجوء، ما تسبب بتفاقم أزمة مهاجرين غير نظاميين منتمين لجنسيات أغلبها عربية ويتدفقون في وقت واحد. فضلا عن زيادة رصد خطاب الكراهية ضدهم. لكن رغم هذه المخاطر يصر المهاجرون العرب على التدفق في إشارة واضحة لمدى اليأس المهيمن على نسبة كبيرة من الشباب من احتمالات تحسن الظروف في دولهم.
هذا الواقع الرافض للمهاجرين دفع بعض الشباب العربي الى الإصرار رغم العوائق والقيود على الهجرة بأي تكلفة ومهما كانت المخاطر هربا من واقع متدهور في بلدانهم. هذا الإصرار يدفع بالمئات لفقدان حياتهم في معابر الهجرة السرية الخطرة سواء بحرا أو برا. ورغم الضحايا التي تسقط بين الشباب العربي خلال رحلات الهجرة السرية، يصر آخرون على الترويج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما دفع لرصد ارتفاع كبير في نسبة الاقبال على الهجرة من أغلب الدول العربية محدودة الدخل خاصة من تونس والمغرب ومصر ولبنان وسورية والعراق وليبيا واليمن وفلسطين[14].
ويبرر بعض المهاجرين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي[15] قرار مغادرة بلدانهم بالوضع الاستثنائي الذي تمر به حكوماتهم سياسا واقتصاديا وأمنيا، وهو ما يسبب موجة من التذمر واليأس خاصة بين فئة الشباب المتحمس والذي يعتبر أكثر فئات المجتمعات تعرضا لآثار الازمات السياسية والاقتصادية.
الفقر والتفاوت الاجتماعي ومحدودية عدالة الفرص قد تؤجج احتجاجات شعبية عالمية يقودها الشباب اليائس
تم رصد قفزة تاريخية لنسب البطالة والفقر والهجرة بين الشباب في أرجاء كثيرة في العالم. وفقًا لآخر تحديث حول أسواق العمل في العالم، حذف وباء فيروس كورونا نحو 112 مليون وظيفة بدوام كامل[16]. ويواجه العالم طفرة في عدم المساواة الاقتصادية تسارعت مع وتيرة انتشار فيروس كوفيد -19 وتفاقمت بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا. لذلك، تحتاج الحكومات إلى الشروع في تغيير عاجل لمعالجة الفقر المدقع وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإرساء الأسس لمستقبل أكثر مساواة واستدامة. تكشف الأرقام عن حجم المشكلة. يمثل الأغنياء 10٪ فقط من سكان العالم ويمتلكون أكثر من 76٪ من الثروة الاجمالية على الأرض. وهو ما يعني أن التفاوتات الاقتصادية العالمية أصبحت الآن متطرفة كما كانت في ذروة الإمبريالية الغربية في أوائل القرن العشرين[17].
تكشف أحدث التقديرات عن واقع صادم بصدد التشكل موفرا جلّ الظروف لاندلاع حركة احتجاجية شعبية دولية قد يقودها جزء كبير من الشباب حول العالم ضد الأنظمة والنخب السياسية والاقتصادية. كما تنذر مرحلة ما بعد وباء فيروس كورونا وتدهور الوضع الأمني العالمي بنزعة عودة خيارات السياسات والأفكار المتطرفة. وهو ما عكسه نجاح بعض التيارات السياسية اليمينية المتطرفة في اكتساح الانتخابات في بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإيطاليا. وفي دول عربية تشهد الأفكار الشعبوية رواجاً بين الناخبين في السنوات الأخيرة الماضية تنديدا بفشل الحكومات منذ اندلاع الربيع العربي في تحقيق التطلعات الشعبية.
الاعتراض على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عبر الاحتجاجات على الأرجح أن يبحث عن أي ذرائع ممكنة للتنفيس عن غضب متصاعد. لكن هناك مخاطر حقيقية من أن يتطور احتمال الغضب الشعبي في بعض الدول الى انتفاضة وفوضى في حال اكتفت الحكومات بالحلول الأمنية لردع ردود الفعل الغاضبة من تدهور متسارع في جل المجالات. وبناء على ذلك قد تتحول بعض الحركات الاحتجاجية الى فوضى عارمة إذا فرضت خيارات القمع وعدم الاستجابة لدوافع غضب الجماهير خاصة الشباب المتحمس.
هذه المخاطر تواجهها حكومات غربية وعربية. فلا دول العالم المتقدم أو النامي قد تبقى في عزلة عن احتمالات الحراك الشعبي الغاضب ضد التدهور الاقتصادي والاجتماعي غير المسبوق منذ مرحلة الحرب العالمية الثانية. وهو ما سجلته عواصم أوروبية وقد تسجله مرة أخرى مع حلول الشتاء فضلا عما شهدته إيران خلال الأسبوع الماضي من احتجاجات قادها الشباب استنكار لوفاة شابة إيرانية بدعوى تعرضها للتعذيب المزعوم على يد الشرطة وهو ما نفته لكن رغم ذلك اتسعت رقعة الغضب بشعارات أخرى أبرزها تذمر من تردي الوع المعيشي.
وفي حين يمكن لبعض الحكومات توفير حلول كتمويل خطط انقاذ لتفادي الغضب الشعبي في ظل ملامح كساد عالمي، قد تعجز حكومات أخرى عن ذلك وتبقى في مواجهة مباشرة مع الغاضبين وفي مقدمتهم الشباب.
وتزيد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من احتمالات تسجيل أسوء كساد اقتصادي عالمي قد يزيد من مضاعفة معدلات التضخم والفقر والبطالة، ويسرع وتيرة الهجرة خاصة بين الشباب حول العالم. اذ ارتفعت وتيرة الطلب على اللجوء والهجرة السرية والنظامية بدوافع مختلفة أهمها الهروب من الصراعات، وثانياً البحث عن فرص وظيفية باتت منعدمة في عدد من الدول محدودة الدخل والتي تضررت بشكل عميق ومزدوج من آثار جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة واضطراب سلاسل التوزيع والتوريد والمتسبب بأزمة ندرة سلع أساسية في بعض الأسواق في العالم بما في ذلك في عدد من الدول العربية.
وتهدد موجة تضخم غير مسبوقة بتآكل مدخرات الأسر والقدرة الشرائية للأفراد ما تجعل الملايين عاجزة حتى عن الوصول الى السلع الأساسية خاصة في ظل ندرة بعض المنتوجات. نتيجة ذلك، تسود حالة من الخوف خاصة بين الشباب ازاء انعدام اليقين حول افاق المستقبل وإمكانية الخروج من الازمات الأمنية والاقتصادية والمناخية في ظل زيادة تسجيل مؤشرات التشاؤم على المدى القريب إزاء مستقبل الاستقرار العالمي المهدد أكثر من أي وقت مضى بفرضية حرب نووية بين القوى العظمى على خلفية الصراع المفتوح بين روسيا وأوكرانيا ودول الغرب والصين مع توتر يلوح في الأفق في منطقة الشرق الأوسط تقودها العداوة المدمرة بين إسرائيل وإيران.
وتسود حالة عدم التفاؤل بين أكثر مكونات الشعوب حماسة وهي الشباب. حيث أن تفاعل الشباب إزاء الأوضاع الداخلية والعالمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي يتجلى في زيادة مشاركة مواقف الانتقاد والإحباط واليأس مما يحدث من تدني مستويات المعيشة وتقلص فرص العمل والازدهار والإنتاج بالإضافة الى تذمر معلن من زيادة القيود المفروضة على حرية التعبير والتغيير.
وقد تطال رؤى التغيير دعوات بالإطاحة بالمنظومة الرأسمالية العالمية. حيث تحمل ملايين الشباب النخب الرأسمالية مسؤولية زيادة الفقر والبطالة. اذ يبرر اتساع الهوة بين الأغنياء والفقر غضب الشباب وينذر بحالة من التمرد الطبقي والشعبي على ما يعتبرونه اختلالات غير مقبولة. واقع يحاكي تقريبا فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وما أنتجته من مؤشرات دفعت لغضب شبابي عالمي وجد طريقه في احتجاجات اكتسحت أغلب دول العالم في 1968.
انتفاضة 1968: جرأة شبابية لفرض تصور جديد للعالم
شهدت البشرية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تحولات كبرى لعل أبرزها انتفاضة الطلاب الثائرين في العالم في 1968 والتي شهدت ثورات الشباب على مستوى العالم كله من اليابان إلى الولايات المتحدة مرورًا بألمانيا وفرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا[18] ثم لتتسع الى بقية العالم بأسره بما في ذلك دول عربية، حيث خرجت حركات الاحتجاج في العالم، تضم جماهير من الطلاب والعمال والفنانين والأدباء والمثقفين، وتضم خليطًا من دعاة السلام ومناهضي العنصري. وطالب الطلاب الثائرين على الأوضاع في بلادهم، بالتغيير وبالإصلاحات كالإصلاح الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، ورفض الاستبداد وفساد النخب السياسية، مع المطالبة بترسيخ الديمقراطية الحقيقية.
مخاطر الحراك الشبابي المتحمس والذي تصل مطالبه الى حد التغيير الجذري لمعادلات الإدارة وتوزيع الثروات
من المرجح أن يشهد خريف هذا العام وصولاً الى ربيع العام المقبل حراكا شعبياً محتملاً في دول كثيرة من العالم بما في ذلك دول صناعية كبرى كالولايات المتحدة وأوروبا ليشمل أيضا دول نامية تقع في المنطقة العربية. وحسب رصد للمركز، فقد زادت حالة التذمر بين الشباب في العالم تقودها تيارات شعبوية تهدف لرفض السياسات القائمة المتهمة بمسؤوليتها في التدهور الاقتصادي والقيمي وفشل التنمية الانتقائية التي تقصي المهمشين، مه رواج العنف وخطاب الكراهية.
وبذرائع مختلفة لا تستبعد توقعات المركز احتمال اندلاع احتجاجات شعبية ضد الغلاء والبطالة والفقر واغلاق منافذ الهجرة. حيث أن سياسات دول كثيرة في المناطق الغنية حول العالم بدأت تعتمد على خيارات الحد من الهجرة اليها والحمائية الاقتصادية وهو ما قد يضاعف معدلات الكراهية التي سجلت نموا أيضا في مرحلة ما بعد الجائحة بسبب دعوات رفض المهاجرين لأسباب اقتصادية وعرقية وأيديولوجية.
الخارطة العربية، قد تشملها مخاطر الحراك الشبابي المتحمس والذي تصل مطالبه الى حد التغيير الجذري لمعادلات الإدارة وتوزيع الثروات مع احتمالات التطلع لمزيد تمكينه من مراكز صنع القرار. حيث أن اليأس من عدم التغيير الإيجابي لواقع الشباب تتحمل مسؤوليته النخب السياسية والاقتصادية حسب استطلاع لبعض تعليقات الشباب العربي على منصات التواصل الاجتماعي.
هذا اليأس قد يحرك الالاف في عدد من الدول التي تعاني هشاشة اقتصادية وسياسية. ففي ظل غليان الشارع المحبط من عدم امكانية تحسن فوري للوضع الاقتصادي المتردي والمتأثر بتراكم المديونية وحدة التضخم وانخفاض الاستجابة الحكومية لتطلعات الشباب، قد يكون الشارع العربي على وقع انتظار أي ذريعة لحدوث انفجار غضب شعبي على المدى القريب. هذه الفرضية مرجحة ان لم تسارع بعض الحكومات والنخب بتغيير أولوياتها والتركيز على استيعاب طمأنة الشباب ودعم استقراره وإنقاذ الوظائف والاستثمارات وتفادي الانشغال بالصراعات السياسية لمنع تسلل اليأس.
وتفرض مخاوف ردود فعل انتقامية نفسها على تقييم المخاطر، اذ أن نزعة العنف قد تهيمن على أي حراك احتجاجي في المستقبل في بعض الدول المثقلة خاصة بمشكلات سياسية واقتصادية وتركة ديون ضخمة وتراجع الاستثمار الوطني والأجنبي وتضخم مرتفع. فهناك نحو أكثر من عشرة دول عربية معرضة بشكل مباشر لمخاطر احتجاجات شبابية قد تتخذ منحى تصعيدياً غير مسبوق يصل لحد الفوضى من أجل التعبير عن حدة تردي الأوضاع الاجتماعية واليأس المتمكن من نفسية ملايين الشباب الطموح. حيث تسيطر على أولويات جزء كبير منه أمل الهجرة من بلاده بحثاً عن وجهة أكثر أمانا وازدهارا وأكثر تقديما لخدمات توفر جودة الحياة.
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] The World InequalityReport 2022 presents the most up-to-date & complete data on inequality worldwide: global wealth ecological inequality income, https://wir2022.wid.world/executive-summary/
[2] Patrick Henry, Economic inequality has deepened during the pandemic, That doesn’t mean it can’t be fixed, weforum, Apr 7, 2022, https://www.weforum.org/agenda/2022/04/economic-inequality-wealth-gap-pandemic/
[3] World bank, Table compares the poverty estimates published in June 2022 with the new estimates published in September 2022, sep 2022, https://blogs.worldbank.org/opendata/september-2022-global-poverty-update-world-bank-2017-ppps-and-new-data-india
[4] World Bank, Regional aggregation using 2018 PPP and $1.9/day poverty line, http://iresearch.worldbank.org/PovcalNet/povDuplicateWB.aspx
[5] Georges Naufal Young People In The Middle East Struggle To See A Promising Future, A Texas A&M researcher explains what a lack of opportunities for young people could mean for the fast-growing region, JULY 15, 2022, https://today.tamu.edu/2022/07/15/young-people-in-the-middle-east-struggle-to-see-a-promising-future/, Nader Kabbani, Youth employment in the Middle East and North Africa: Revisiting and reframing the challenge, February 26, 2019, brookings, https://www.brookings.edu/research/youth-employment-in-the-middle-east-and-north-africa-revisiting-and-reframing-the-challenge/
[6] 14th Annual ASDA’A BCW Arab Youth SurveySeptember 21, 2022, https://www.bcw-global.com/newsroom/global/14th-annual-asdaa-bcw-arab-youth-survey#
[7] 14th Annual ASDA’A BCW Arab Youth SurveySeptember 21, 2022, https://www.bcw-global.com/newsroom/global/14th-annual-asdaa-bcw-arab-youth-survey#
[8] World Bank, Regional aggregation using 2018 PPP and $1.9/day poverty line, http://iresearch.worldbank.org/PovcalNet/povDuplicateWB.aspx
[9] ohchr, Joint open letter on concerns about the global increase in hate speech, 23 September 2019, https://www.ohchr.org/en/statements-and-speeches/2019/09/joint-open-letter-concerns-about-global-increase-hate-speech
[10] chathamhouse, Tackling corruption is focus for MENA in 2022 To tackle corruption in the MENA region, the international community must prioritize accountability over stability, FEBRUARY 2022, https://www.chathamhouse.org/2022/02/tackling-corruption-focus-mena-2022
[11] crime index 2022, https://www.numbeo.com/crime/rankings_by_country.jsp
[12] نتائج استطلاع وكالة “أصداء بي سي دبليو” لرأي الشباب العربي للعام 2022
[13] European Council Council of the European Union, Impact of Russia’s invasion of Ukraine on the markets: EU response, sep 2022, https://www.consilium.europa.eu/en/policies/eu-response-ukraine-invasion/impact-of-russia-s-invasion-of-ukraine-on-the-markets-eu-response/
[14] Laura Harjanto and Jeanne Batalova, Middle Eastern and North African Immigrants in the United States, JANUARY 13, 2022, migrationpolicy, https://www.migrationpolicy.org/article/middle-eastern-and-north-african-immigrants-united-states
[15]رصد عشوائي للمركز لحسابات مستخدمين عرب من الفئة العمرية من 18 الى 40 عاما حول مسألة الهجرة
[16] United Nations, Middle East and North Africa: addressing highest rates of youth unemployment in the world, https://news.un.org/en/story/2022/05/1118842
[17] Patrick Henry, Economic inequality has deepened during the pandemic, That doesn’t mean it can’t be fixed, weforum, Apr 7, 2022, https://www.weforum.org/agenda/2022/04/economic-inequality-wealth-gap-pandemic/
[18] عماد أبو غازي، 1968 عصر جديد، مدونة أبو غازي، ابريل 2018، http://eaboghazi.blogspot.com/2018/04/1968.html