بقلم الباحث د. عايد المناع
أستاذ بجامعة الكويت
25 أغسطس 2022
ما يزال الغموض يلف إمكانية تحقيق اختراق لحالة المراوحة في مفاوضات إيران مع مجموعة الدول الأوروبية بشكل مباشر ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. هذا الغموض يبدو أن سببه الرئيسي هو معارضة إسرائيل لعودة الولايات المتحدة الأمريكية الى اتفاق 5+1 مع إيران الذي تم ابرامه عام 2015 بعد مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي اعتبر الاتفاق انتصارا للحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2016. لكن لسوء حظ إيران أن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب تغلب على مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وفاز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي كان قد انتقد خلال حملته الانتخابية الرئاسية الإدارة الديمقراطية على مواقفها وتوقيعها على الاتفاق النووي لأن الاتفاق آنذاك لا يضمن عدم حصول إيران على طاقة نووية تؤهلها لإنتاج قنبلة نووية.
وبدعم من اليمين الأمريكي وإسرائيل وربما السعودية أقدم الرئيس السابق ترامب على اتخاذ قراره بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق 5+1 مع إيران وفرض عقوبات تجارية على طهران وعلى الدول التي تتعاون معها أو تخرق الحظر على إيران.
لا شك أن قرار ترامب آنذاك قد ألحق أضرار جسيمة بالاقتصاد الإيراني. وكان ولايزال الريال الإيراني هو الضحية الأكبر لسياسة الضغط القصوى التي انتهجها ترامب، فقد خسر الريال نحو 80 في المئة قيمته مقابل الدولار (400,000 ريال للدولار الواحد) مما أدى الى زيادة التضخم وتدمير القوة الشرائية ودفع العائلات نحو الفقر (بلومبيرغ 26 يناير 2021).
هذا الضغط الاقتصادي القاسي وما ترتب عليه من نتائج اجتماعية وسياسية أدى الى ضعف قدرة النظام الإيراني على دعم قوته العسكرية الرئيسية والمتمثلة في الحرس الثوري والذي هو نفسه مصنف أميركيا أنه منظمة إرهابية. وهذا بدوره (أي ضعف الدعم المالي للحرس الثوري) أدى الى تأثر الأذرع الإيرانية الخارجية في لبنان وسوريا والعراق واليمن بالضائقة المالية التي عانى منها ممولها وموجهها الحرس الثوري. اذ تقول بعض المصادر (صحيفة البيان الإماراتية 16/11/2015) أن إيران صرفت ما يقارب من 3 تريليونات دولار منذ اسقاط الثورة الخمينية لنظام الشيخ محمد رضا بهلوي وخاصة بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية في 8/8/1988.
ما سبق هو مجرد إشارات على الاضرار التي أصيب بها الاقتصاد الإيراني وانعكاس ذلك على الوضعين الاجتماعي والسياسي. فاذ كان مؤشر تدهور الوضع الاجتماعي تمثل في تدهور المستوى المعيشي للمواطنين الإيرانيين الذين أصبح نحو 6% منهم تحت خط الفقر، فان تردي الوضع الاقتصادي أثر كذلك على قدرة النظام السياسي في تمويل نشاطات الحرس الثوري وأذرعه الخارجية. لكن بالرغم من ذلك فان دعم إيران لعدد من المليشيات تواصل لكنه تقلص نسبياً بسبب العقوبات الأمريكية وتأثيرها السلبي على إيرادات ميزانية الحكومة الإيرانية.
لذلك فانه منذ فوز الرئيس جوزيف بايدن بمنصب الرئيس الأمريكي فان آمال إيران انتعشت بعودة الولايات المتحدة الى اتفاق 5+1 معها (إيران)، وهذا تفاؤل مبرر. اذ انتقد بايدن قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي ووعدد خلال حملته الانتخابية بالعودة الى الاتفاق الذي أبرمته الإدارة الأمريكية في عهد الديمقراطيين في عام 2015.
غير أنه ومنذ تولي الرئيس بايدن في 20 يناير 2020، لم تتم عودة الولايات المتحدة الى اتفاق 5+1 ودخلت الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات غير مباشرة، بينما تفاوضت إيران ومازالت مع المجموعة الأوروبية بشكل مباشر. وبالرغم من مؤشرات التوصل الى اتفاق تعود بموجبه الولايات المتحدة الى اتفاق 5+1 مع إيران، غير أنه وحتى كتابة هذه الورقة مازال الوضع على ما هو عليه. لكن من المرجح أن تنتهي المفاوضات الأوروبية الإيرانية المباشرة والمفاوضات الإيرانية الأمريكية غير المباشرة الى عودة واشنطن الى الاتفاق النووي الذي كانت الإدارة الديمقراطية هي عرابته في عهد الرئيس الأسبق أوباما والذي كان الرئيس الحالي بايدن نائبا له ومشرف على الاتفاق آنذاك.
ومما يشجع على هذا التفاؤل هو تخلي إيران عن أحد شروطها وهو رفع العقوبات المالية عن الحرس الثوري والإبقاء عليه في قائمة المنظمات المصنفة أمريكيا بأنها إرهابية.
هذا التنازل سيمكن الطرفين الأمريكي والإيراني من الاقتراب الى اتفاق يعيد الولايات المتحدة الى اتفاق 2015، مما يتيح لإيران استعادة ما يقدر بنحو 56 مليار دولار من أصل 120 مليار دولار مجمدة في عدة دول من أهمها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها. كما أن تطبيع العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة سيؤدي الى رفع العقوبات الامريكية على الصادرات والواردات الإيرانية.
ولاشك أن إصرار ايران على ضرورة تعهد الإدارة الأمريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق معها ومع المجموعة الأوروبية هو اصدار مبرر إيرانيا لتجنب تكرار فرض عقوبات اقتصادية مشددة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كما حدث في عهد ترامب منذ عام 2018 بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015 في مقابل المتطلبات أو الشروط الإيرانية، فان الولايات المتحدة لم تطالب بما هو أكثر من تمكين وكالة الطاقة الذرية الدولية من الاطلاع والمراقبة على النشاط النووي الإيراني وضمان عدم تجاوزه الاستفادة السلمية. اذ أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصر على كبح جماح انتاج إيران للصواريخ الباليستية الطويلة المدى والطائرات المسيرة (طائرة بدون طيار)، لكن ما ترغب في تحققه دول مجلس التعاون الخليجي عبر ضغطها على حليفها الأمريكي يتثمل في دفع النظام الايراني التخلي عن انتاجه الصاروخي بعيد المدى أو التعهد بعدم تزويد الميليشيات المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي بهذه الأسلحة التدميرية.
لا تزال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة تتوقف ثم تتواصل بهدف الوصول الى صياغة يقبل بها الأمريكيون والايرانيون تضمن عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى اتفاق 2015. ويبدو أن انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر 2022 سيكون لها تأثير على انجاز اتفاق العودة الى اتفاق 2015 أو تأجيله. وهذا التأجيل ان تم فسيكون بفعل ضغط اللوبي الصهيوني الذي يرى في تطور الطاقة النووية الإيرانية مقدمة لإنتاج قنابل نووية تهدد وجود إسرائيل. لكن اجمالا فان تأجيل اتفاق الطرفين على العودة الى اتفاق 2015 ليس أكثر من مساومة أمريكية لتخلي إيران عن بعض شروطها مثلما تخلت عن رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية.