الكويت، 12 أغسطس 2022 (csrgulf): يبدو أن قطر تكثف من عمل ديبلوماسيتها ومبادرات الوساطة بهدف خفض مؤشر التوتر والصراع على المدى القريب في المنطقة قبيل فعّاليات كاس العالم في نوفمبر 2022. فقبيل نحو 3 أشهر تفصل الدوحة عن تنظيم كأس العالم لكرة القدم والذي يقام لأول مرة في دولة عربية، تم رصد زيادة وتيرة المبادرات والمساعي القطرية من أجل الوساطة في حل الأزمات وخفض مؤشر اندلاع الصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
وتدفع رغبة الدوحة في انجاح أكبر فعّالية رياضية جماهيرية في المعمورة والتي تقام طيلة شهر تقريبا على أرضها في زيادة مبادرات الوساطة لدعم الاستقرار والسلام وخفض التهديدات الوشيكة وان مؤقتاً. هذه التهديدادت بزعزعة الأمن والسلم في المنطقة أثارتها مخاوف من صراع اسرائيلي ايراني لبناني وتجدد مواجهة عسكرية بين الفلسطييني والاسرائيليين وتداعيات عدم الاستقرار في العراق فضلا عن انعكاسات الصراع في اليمن.
وتعي قطر أن هشاشة الاستقرار في المنطقة واندلاع اي صراع حقيقي قد يؤثر سلباً على فعاليات المونديال ولا يساعد في تعزيز الترويج لقيم التعايش والأمان والتي برهنت الدوحة على أنها بين أكثر دول العالم حرصاً على تلك المعايير على أرضها خاصة مع قرار انفتاحها على استقبال ملايين الجماهير من العالم دون تمييز.
وتعي قطر جيدا حساسية الظروف الجيوسياسية ومنحى الصراعات المحتملة التي تحفز مشاعر الكراهية والعداوة خاصة بين الاسرائيليين والعرب والايرانيين. وبالنظر لمشاركتهم في فعاليات كاس العالم، من المرجح أن تزيد الحساسيات الأمنية. لذلك كانت الدوحة في مقدمة الدول العربية التي سعت لوقف العملية العسكرية الاسرائيلية الأخيرة في غزة لمنع تطور الصراع وزيادة مشاعر العداوة. الى ذلك لم تدخرا قطر جهدا في التوسط لخفض الصراعات في المنطقة سواء في ايران أو لبنان أو العراق وحتى اليمن وليبيا.
ومع اقتراب موعد المونديال يتزايد الجهد القطري لخفض نسب التوتر وتعزيز مؤشر السلام والاستقرار وان كان مؤقتا حتى تضمن نسبة نجاح كبير للمونديال على المستوى الأمني والمشاركة الشعبية. ومن أجل ذلك من المرجح أن تضاعف الحكومة القطرية من مبادرات اقتراح حلول لخفض المخاطر الأمنية ونزاعات الكراهية في الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة.
ومن المتوقع أن يثير تواجد جماهير اسرائيلية في الدوحة لحضور فعاليات كأس العالم بقطر في نوفمبر 2022 حساسية أمنية كبيرة خاصة في ظل التوتر المتصاعد بين اسرائيل وفلسطين وايران ولبنان في الآونة الأخيرة. حيث ترجح ادارة توقعات المخاطر بمركز (csrgulf) زيادة الاستنفار حول تأمين وجود اسرائيليين في قطر بالنظر لتوقع حضور عربي وايراني كبير وخاصة بالنظر لعدد الجالية الفلسطينية المقيمة بالدوحة. وهو ما سيحتم خطة طوارئ أمنية لمنع التهديدات المحتملة.
فبعد أن اتفقت إسرائيل مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على السماح لجماهيرها بحضور فعّاليات كأس العالم لكرة القدم بعد موافقة السلطات القطرية على ذلك رغم إجراءات مقاطعة دخول الإسرائيليين عادة، يثير منح استثناء دخول جماهير اسرائيلية لمشاركة مباريات المونديال تحديات ضخمة أكدت قطر مرار أنها مستعدة لتأمين أكبر فعالية جماهيرية تحظى بمتابعة مليارات الأشخاص في أرجاء المعمورة مع مراعاة جل التهديدات المحتملة. حيث أعدت الدوحة خطة أمنية محكمة.
وعلى الأرجح أن السلطات القطرية أخذت بعين الاعتبار خصوصية المشاركة الإسرائيلية في المونديال على أراضيها. لكن الجانب الإسرائيلي من المرجح أن يستغل هذه المشاركة في الترويج للتطبيع مع القطريين والخليجيين بصفة عامة، وقد يعمل على حملات للترويج للسلام وتحسين صورة التطبيع من خلال التظاهرة الرياضية الأضخم في العالم، اذ من المرجح انطلاق حملات إعلامية الكترونية وشعارات مختلفة تحفز على التعايش بين الإسرائيليين والعرب وذلك من خلال رصد لمنصات الكترونية اسرائيلية. لكن في المقابل هناك مخاوف من ردود أفعال عكسية من العرب المشاركين في المونديال أو المقيمين بقطر، خاصة في ظل تكرر العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وأيضا في ظل حساسية العلاقات بين إسرائيل وإيران ولبنان وسوريا.
يذكر أن إيران تشارك بمسابقات كاس العالم بقطر، ما يعني ترقب مشاركة جماهير ايرانية واسعة. وبمشاركة جماهير من إسرائيل، قد تكون هناك مخاطر أمنية عالية لتصادم بين الطرفين، يبدو أنها احتمالات تدركها قطر جيدا ومستعدة لها.
فكرة قبول العرب للتنافس الرياضي مع الاسرائيليين في بداية الطريق
على صعيد آخر، تقرّ بعض المؤسسات الفكرية الصهيونية أن الآراء المتعلقة بالعلاقات الرياضية مع الإسرائيليين أصبحت أكثر تنوعًا عبر العالم العربي. فحسب دراساتها، يبدو أن هناك تحولًا كبيرًا ومستدامًا في الرأي العام داخل بعض دول الخليج بعد عامين من تطبيع بعض الدول الخليجية مع اسرائيل.
حسب احدى مؤسسات الفكر والبحث الصهيونية، عند إجراء الاستطلاع لأول مرة في تموز (يوليو) 2020 قبل اعلان اتفاقات ابراهام للسلام، رفض ما لا يقل عن 80 بالمائة من جميع سكان مصر والأردن والامارات والبحرين والسعودية على سبيل المثال فكرة تطبيع العلاقات التجارية والرياضية. على وجه التحديد عارض 50٪ من السعوديين و47٪ من الإماراتيين بشدة السماح باقتراح تطبيع العلاقات الرياضية والتجارية، فيما طغى الرفض والتحفظ بدرجات متباينة على مواقف بقية السعوديين والاماراتيين. لكن لاحقاً، قفز التأييد لاقتراح تطبيع العلاقات في أعقاب اتفاقات إبراهيم حسب الاستطلاع الصهيوني وظل مستقرًا فعليًا منذ نوفمبر 2020 باستثناء الكويت. حيث تقترب معدلات الرفض للسماح بعلاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين الى أكثر من النصف أما البحرين 58٪، والسعودية 60٪، والإمارات 55٪. حسب المصدر نفسه، تشير استطلاعات الرأي السابقة في قطر في نوفمبر 2021 إلى أن سكانها منقسمون بشأن هذه المسألة. علاوة على ذلك، يتجه الدعم للانفتاح على علاقات طبيعية صعودًا بشكل تدريجي في بعض الحالات، حيث يرتفع تدريجياً في الإمارات العربية المتحدة بنحو 6 نقاط من يوليو 2021 إلى مارس 2022، اذ يدعم 43٪ من الإماراتيين فكرة السلام[1].
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Dylan Kassin, David Pollock, Arab Public Opinion on Arab-Israeli Normalization and Abraham Accords, washingtoninstitute, Jul 15, 2022, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/arab-public-opinion-arab-israeli-normalization-and-abraham-accords