إعداد : رامز الشيشي
باحث سياسي بكلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس، مصر
الملخص: بعد عودة توجه وفد إيراني إلى فيينا لإحياء مباحثات الاتفاق النووي مع الغرب، ونتيجةً لا توجد مؤشرات محفزة على امكانية حدوث اتفاق حاسم مالم يكن لروسيا دور ايجابي في هذه المفاوضات. حيث من المستبعد أن تمارس روسيا ضغطا على ايران لاتمام الاتفاق مالم ترفع العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا. وبذلك فإن عودة المحادثات الأمريكية مع إيران حول برنامجها النووي في ظل العدواة مع ستجعل موسكو أقل ميلًا للضغط على إيران للتوصل لحل وسط الأمر الذي سيكون له تداعياته بعيدة المدى على أمن اسرائيل بشكلٍ خاص، والأمن القومي العربي بشكلٍ عام.
الموقف الروسي من الملف النووي الإيراني هو حالة فريدة من نوعها في تسليط الضوء على طبيعة السياسة الخارجية الروسية تجاه إيران. فالتقارب الروسي الإيراني يعتمد على مؤشرين اثنين: أولا مدى انفتاح إيران على الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، وثانيا طبيعة العلاقات الروسية الغربية.
تعود أهمية الملف النووي الإيراني للبروز على السطح مجدداً، رغم أن وتيرة آخر مفاوضات حول الاتفاق النووي اتسمت بالهدوء نسبياً مع انشغال الغرب باندلاع الصراع مع روسيا. عودة الاهتمام بمسارات التفاوض الإيراني مجددا مع الغرب حول برنامجها النووي، قد تعكس موقف روسيا المرن من استخدام الملف النووي الإيراني كأداة لإدارة الصراع مع الغرب.
تُمثِل العلاقة الارتباطية بين التغيرات الهيكلية الجذرية التي تحدث داخل النُظم السياسية والسلوكيات الخارجية للدول مؤشر على التغيير والتحولات الممكنة. التحولات الداخلية وردود الأفعال المتباينة من الدول الأخرى في النظام الدولي بشكلٍ عامٍ تعتبر واحدة من النقاط التي تشغل بال العديد من الدارسين للعلوم السياسية وهو ما اتضح في العلاقة بين النُظم السياسية والعلاقات الدُولية، فيما يُدعى “بالعلوم البينيَّة” Interdisciplinary.
وقد اتضح ذلك بشكلٍ مرنٍ مع تصاعُد مواقف الفاعلين الدوليين تجاه الملف النووي الإيراني. هذا الملف يعود بدء التفاوض حوله الى منتصف القرن الماضي في عهد الشاه الذي ميز التقارب الإيراني-الأمريكي. فخلال عهد الشاه في عام 1960، بدأ بناء مفاعل أبحاث زودته الولايات المتحدة، يُسمى مفاعل طهران للأبحاث (TRR)، ويقع في العاصمة الايرانية. واتخذت إيران خطوات حثيثة آنذاك لإثبات أنها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية بل لطاقة ذات أغراض سلمية، وأن مثل ذلك الخيار يُعَدُّ خيارًا استراتيجياً. كما أكدت على ذلك من خلال توقيعها على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1968 والتي صدقت عليها في عام 1970[1]. كما قدمت إيران مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 يدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، في منتصف السبعينات أعربت تقارير الاستخبارات الأمريكية عن قلقها من أن إيران قد تسعى إلى برنامج أسلحة نووية تُهدد به أمن دول منطقة الشرق الأوسط، وهنا يكمن بيت القصيد، ففي تلك الفترة كانت العلاقات الأمريكية مع دول الخليج في أوج قوتها بعد حرب أكتوبر 1973 وإدراك الولايات المتحدة الأمريكية لمدى قوة النفط الخليجي في التغيير من معادلة التوازنات الڇيواستراتيڇية في المنطقة.
وبالنسبة لروسيا، فإن الملف النووي الإيراني تطغى عليه تقليديًا قضايا أخرى في العلاقات بين الدولتين التي تحكمها المصالح الوطنية المُشتركة. فعلى مدى العِقدين الماضيين، أثبتت إيران أنها صديق وحليف موثوق به لروسيا في أوقات الحاجة، من خلال المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار في ساحل بحر قزوين وفي آسيا الوسطى، والحد من تدخل دول غربية ثالثة في الشؤون الإقليمية، ومكافحة نشاط الاتجار بالبشر والمخدرات، وردع انتشار الثورات الداخلية، ومكافحة الإرهاب؛ الأمر الذي عزز من قوة العلاقات بينهما لاسيما أن روسيا تعتبر بحر قزوين منفذًا للوصول للمياه الدافئة. كما أن لروسيا أيضًا مصالح اقتصادية في إيران من جانب آخر.
على صعيد متصل، لابد من طرح تساؤل مهم: كيف يمكن تقييم وفهم الموقف الروسي من الملف النووي الإيراني في ضوء اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022؟
دوافع الموقف الروسي
تعتبر روسيا أن القضية النووية الايرانية تندرج ضمن تشابكات العلاقات الأمريكية الروسية. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، لعبت روسيا ورقة إيران للتأثير في تعامُلاتها مع واشنطن. ففي أوقات التقارب والتوتر الشديد مع الأمريكيين، جمدت روسيا أو عززت التعاون مع طهران. أو بالأحرى القول إنه كان تعاونًا يحمل في طياته اختزالًا لنمط الصراع القائم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. فالموقف الروسي من الملف النووي الإيراني محكوم بمدى قوة العلاقة مع طهران، ومدى هشاشة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما بعد العقوبات الاقتصادية المتتالية عليها في الوقت الراهن نتيجةً لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية “Russian-Ukrainian Warfare”[2]. فمع المفاوضات التي تُعقد لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، جعل الغزو الروسي لأوكرانيا الاتفاق أكثر إلحاحا وأكثر صعوبة في الحصول عليه.
إن التصاعُد في الحرب الأوكرانية سيشجع روسيا على السعي لتحقيق أحد أهدافها الاستراتيجية من خلال حليفتها إيران والمتمثل في طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتحول حلف روسيا وإيران إلى قوة إقليمية مُهيمنة في المنطقة، وهي الأهداف التي تتقاسمها مع إيران لاسيما في ظل فشل مفاوضات فيينا، وفشل الغرب عامةً في الوصول إلى تسوية مع الجانب الإيراني[3]. ولهذا، من المرجح ألا تستعد الحكومة الإيرانية لتقديم أية تنازلات، بل ستعمل على تعزيز تصميمها على طرد الولايات المتحدة من العراق وسوريا والمنطقة[4].
وبالإضافة إلى ذلك، يُدرك صانع القرار الروسي أن تحجيم إيران وثنيها عن امتلاك برنامجها النووي، لن يكون في صالح موسكو خصوصًا في ظل التدهور القائم أيضًا في العلاقات الروسية مع الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة. وبذلك فان وتيرة العلاقات الروسية الأمريكية من تحدد واقع وأفق البرنامج العسكري والنووي الإيراني.
فبالعودة الى التاريخ، في عام 1995، في أعقاب المصالحة الروسية مع واشنطن، وتحسن العلاقات نسبيًا مع وجود “بوريس يلتسين” في السُلطة وقعت موسكو اتفاقية غور-تشيرنوميردين Gore-Chernomyrdin Agreement والتي ألزمت الحكومة الروسية بالتوقف عن تنفيذ العقود المتعلقة بصادرات الإمدادات العسكرية إلى الجمهورية الإسلامية[5]. وعلى النقيض من ذلك، عندما تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا في منتصف عام 2000، وتحديدًا مع وصول فلاديمير بوتين للسُلطة 7 مايو 2000 تحسنت وتيرة التقارب الروسي الإيراني في المقابل. وفي الفترة 2006-2008، لم تكثف موسكو من اتصالاتها مع الجمهورية الإسلامية في المجال العسكري فحسب، بل حاولت أيضًا التعويض عن الخسائر السابقة التي فرضها اتفاق غور تشيرنوميردين[6]. أكثر من ذلك، عملت روسيا على تزويد إيران بقدرات تكنولوجية، بجانب مساعدتها في بناء مفاعل بوشهر النووي[7].
وختامًا، يُمكن التأكيد على أن الملف النووي الإيراني بالنسبة لبوتين مع استمرار الحرب الأوكرانية الراهنة أصبح مجرد سلاح ابتزاز آخر لمواجهة الغرب. فتوقيت الحرب الأوكرانية بالنسبة لطهران قد يكون أكثر ملاءمةً لاستكمال برنامجها النووي. وعلى الأقل، تُشتت الحرب الأوكرانية الانتباه عن إيران والقضية النووية، وقد ساعدت على تهميشها عن المشهد العالمي، وهذا من شأنه أن يضعف قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ مواقف قوية ويمنح إيران في المقابل المزيد من الوقت لفرض شروطها في المفاوضات ومواصلة تطوير البرنامج النووي. ونتيجةً للعقوبات الاقتصادية الأميركية الأخيرة المفروضة على روسيا، فإن عودة المحادثات الأمريكية مع إيران حول برنامجها النووي، فإن روسيا ستكون في موقف عِدائي مع الغرب وأقل ميلًا للضغط على إيران للتوصل لحل وسط الأمر الذي سيكون له تداعياته بعيدة المدى على أمن اسرائيل بشكلٍ خاص، والأمن القومي العربي بشكلٍ عام.
المراجع:
[1] Kerr, P. K. (2009). Iran’s Nuclear Program: Status. Congressional research rept. p1.
[2] Erlanger, S. (2022). Iran Nuclear Deal Nears Completion, but Russia Poses Complication. The New York Times. Available at:- https://www.nytimes.com/2022/03/08/world/europe/iran-nuclear-deal-russia-ukraine.html Accessed on: 22/4/2022.
[3] Ahramonline. (2022). “Iran says Vienna talks ‘far from balance in commitments”. Available at:- https://english.ahram.org.eg/News/460586.aspx Accessed on: 15/2/2022.
[4] Abdul-zahra, Q. (2022). “Bases housing US troops in Iraq, Syria come under attack”. abcNEWS. Available at:- https://abcnews.go.com/International/wireStory/katyusha-rocket-hits-military-base-baghdad-airport-82083999 Accessed on: 18/2/2022.
[5] Kozhanov, N. (2012). Russia’s Position on Iran’s Nuclear Program. THE WASHINGTON INSTITUTE for Near East Policy. Available at:- https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/russias-position-irans-nuclear-program Accessed on: 22/4/2022.
[6] Ibid.
[7] BBC NEWS. (2014). Russia to build Iran atomic reactors at Bushehr. Available at: – https://www.bbc.com/news/world-middle-east-30015464 Accessed on: 22/4/2022.