الكويت، 29 يونيو 2022 (csrgulf): لطالما تتشكل سياسة الأعمال في الكويت من خلال المصالح الريعية. تشابك هذه المصالح يظهر بشكل جلي في التنافس الملحوظ بين ممثلي النخب داخل المؤسسة البرلمانية في الكويت.
وتعتبر دراسات أن مجلس الأمة أداة لتكريس الفكرة الريعية والنفوذ السياسي لكل من التجار والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. ويعتبر المجلس اذاً فضاء يتم فيها تمكين العناصر المسيسة حديثًا، حيث يمكن إما مكافأتهم شعبياً أو استقطابهم من قبل الدولة[1].
يمثل تداخل أدوار النخب الاقتصادية بالأدوار السياسية سواء في الحكومة أو المجلس، عامل تأثير في التوازنات السياسية وأداة ضغط مؤثرة بشكل مباشر في مسار أي عملية تغيير أو اصلاح أو مكافحة للفساد. فالمجموعات الاجتماعية الاقتصادية ذات المصالح المتنافسة الساعية إلى الريع، تتنافس بشكل ضمني وعلني على الوصول الى الدوائر المقربة لصنع القرار علاوة على ضمان المشاركة السياسية لتأمين المصالح الريعية للفرد، حيث ينظر الى هذا الهدف كضرورة أكثر من اختيار. ورغم تسهيل منظومة الريع لمدركات الفساد، اذ كانت هذه المنظومة تهمش الاهتمام بأولوية انفاذ القانون والحرص على إنتاجية الفرد، الا أن هناك بارقة أمل في تحسن مفهوم مكافحة الفساد لدى النخب الشابة المتعلمة والمسيسة حديثاً.
يكشف الجزء الرابع من اصدار خاص حول النخب والفساد في الكويت أن مجلس الأمة (نخب مؤيدة ومعارضة للحكومة) يساهم في تكريس نظرية الدولة الريعية. يُظهر البحث الحالي أنه في الكويت، لا تكون المؤسسة البرلمانية منبرًا فقط للطبقة المتوسطة العاملة في القطاع العام، بل يتم استغلالها بالمثل من قبل مجتمع الأعمال (أي الطبقة الرأسمالية)، لتكرس تنافساً بين ممثلي الفئتين حول سياسات التنمية الشعبية وكيفية الحفاظ على استمرار عمل منظومة الريع التي يستفيد منها الجميع.
وتتأثر استراتيجية مكافحة الفساد بالتنافس بين الطبقات والنخب السياسية والاقتصادية خاصة داخل مجلس الأمة. فمن خلال التمثيل داخل المجلس، يتمتع بعض ممثلي الطبقة الرأسمالية أو التجارية بقدرة التأثير في مسار الاقتصاد السياسي للدولة. فالتنافس الاقتصادي بين النخب، ينتقل أحيانا إلى المجال السياسي، مما يجعله أكثر إثارة للجدل. حيث يتم رصد قوى اجتماعية مسيسة جديدة تهدف لتغيير داخل مجتمع الأعمال نفسه. وهو ما يعني أن أي قرار بشأن أي سياسة أو إصلاح أو مبادرة معرض لنقاش ساخن بين القوى ذات المصالح الاقتصادية المتنافسة[2].
وعلى الأرجح أن نسبة من النخب الإدارية والسياسية في البلاد تتبنى خطاباً غير مؤيد للتحول السريع نحو اقتصاد غير نفطي بمبررات أنه غير ضروري ولا جدوى منه في المدى القريب والمتوسط. حيث يفضل نواب المعارضة على سبيل المثال استمرار ريع النفط على حساب الاقتصاد القائم على الضريبة[3]، وظلّت هناك نوع من مقاومة أهداف التغيير والإصلاح الاقتصادي كما توصي بضرورتها المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، والذي يحث الحكومة الكويتية بشكل خاص، على اتخاذ إجراءات تسرّع وتيرة التحوّل الجذري الى اقتصاد انتاجي متنوع وصديق للبيئة مع ادخال إصلاحات عاجلة على مستوى بند الرواتب والتوظيف الذي يستنزف الحجم الأكبر من الميزانية، فضلاً عن التوصية بتطبيق برامج خصخصة لقطاعات حكومية وتحسين قدرة نجاعة الإدارة وتقليص الدعم والامتيازات والمنح[4]. في مقابل ذلك، ما يزال هناك حراك نيابي واجتماعي يعارض التقشف والإصلاحات الداعية لتقليص منظومة الرفاه[5].
ويتركز خطاب المعارضة السياسية على انتقاد الفساد الحكومي في الإدارة العليا بين القيادات، في حين يتقلص انتقاد منظومة الفساد في الإدارات الوسطى أو الدنيا أو خارج المؤسسات الحكومية. وهو ما يستوجب زيادة انفتاح خطاب المعارضة على انتقاد منظومة الفساد في مختلف القطاعات وعلى مستوى الهيكلة. حيث أوصت دراسات تعزيز التوجه لتعزيز دور القطاع الخاص لمزيد من النجاعة والشفافية خاصة في القطاع النفطي وهو توجه ترفضه المعارضة[6] من أجل حماية مصلحة الموظفين. اذ ان هناك تخوف شعبي من محدودية الأمان الوظيفي في القطاع الحكومي[7]، وهو ما يزيد من الضغط على هذا القطاع ويعطل وتيرة إصلاحه بشكل فاعل. علاوة على ذلك، فإن دولة الرفاهية في الكويت سلبية وليست نشطة. وهو مصمم بشكل أساسي لتوزيع الثروة وتعزيز الصلة بين الحكومة والمقيمين في الكويت، بدلاً من إعداد المواطنين لاقتصاد قائم على المعرفة يقوده القطاع الخاص[8].
عدم توافق حول أولوية اصلاح الوظيفة والاحلال
يعتبر اصلاح قطاع العمالة الوافدة وتنظيمه من أبرز أولويات الإصلاح الحكومي بدافع تعزيز توظيف الكويتيين في القطاع الحكومي والخاص بدلا عن غير الكويتيين وبهدف ترشيد تضخم الانفاق الحكومي على الرواتب ومنح أولوية للموظف الكويتي بدلا عن الأجنبي في قطاعات الدولة. لكن وتيرة تنفيذ هذا الإصلاح قد تشهد تعثرات بسبب تحسن إيرادات الدولة النفطية. اذ سجّلت وتيرة اعلان البيانات الحكومية عن خطط التخلي عن الوافدين (اليد العاملة الأجنبية) بطئاً منذ نهاية العام الماضي بسبب عودة تحسن أسعار النفط على ما يبدو.
واعتمادا على ذلك، من المرجح أن تشهد بعض سياسات التخلي عن العمالة الأجنبية تراجعاً بسبب تقلص محتمل للضغوط التقشفية الحكومية خاصة على مستوى الضرورة الفورية للاستغناء عن اليد العاملة الوافدة، اذ تم رصد تراجع لحجم التصريحات والبيانات المنشورة في الاعلام الكويتي والمتعلقة بقضية الاستغناء الفوري عن نسبة كبيرة من اليد العاملة الوافدة في القطاع الحكومي مقارنة بالحملة الإعلامية الضخمة الداعمة للتخلي عن الوافدين منذ بداية أزمة جائحة فيروس كورونا، وكان ذلك مدفوعاً بالعجز المتفاقم للميزانية تحت تأثير انخفاض أسعار النفط آنذاك. وتدعم ظرفية انتعاش إيرادات النفط اليوم فرضية تأجيل سياسات التخلي عن أكبر نسبة من الوافدين في القطاع الحكومي، لكن ذلك قد يكون مؤقتاً الى نهاية العام في انتظار ترقب أداء أسعار النفط ووتيرة تنفيذ المشاريع الحكومية المبرمج انجازها.
ولطالما بقيت ورقة تخفيض القوى العاملة غير الماهرة تحركها الحكومة ومجلس الأمة في أوقات انخفاض أسعار النفط بمبرر التقشف واعتماد خيار الاحلال ومعالجة خلل التركيبة السكانية، وهو ما يدعم فرضية تسييس ملف العمالة الوافدة. ففي حين تقلصت أصوات النواب الداعين منذ بداية أزمة جائحة فيروس كورونا الى تعجيل الاستغناء عن الوافدين ووقف استقدام قوى عاملة أجنبية جديدة ومحاربة تجارة التأشيرات الوهمية بهدف ترشيد المال العام، تبدو اليوم الضغوط منخفضة لأجل تطبيق سياسة الاحلال أو الاستبدال الفوري للقوى العاملة الأجنبية بالوطنية في عدد من الوظائف في القطاع الحكومي. ويعتبر فرض قانون ضد الشركات التي توظف موظفين وهميين حاجة ملحة لتقليص السلوك الاحتيالي وتقليل عدد الموظفين الوهميين، مع وجود ضرورة لفرض “قانون الحد الأدنى للأجور”[9].
المعارضة وقدرتها المتذبذبة على مكافحة على الفساد
يستمر انتخاب معارضة قوية تسعى للهيمنة على المجلس في تحدي للسلطة. لكن لا يزال الافتقار إلى الشفافية ومساءلة المسؤولين مصدر قلق. منذ عدة سنوات، تتقدم المعارضة في مكافحة المحسوبية وأنماط الفساد المنتشرة. ومع ذلك تغض الطرف أحيانا على مشكلات تتعلق بإصلاح وظيفي جوهري يقصي الانتماءات الحزبية والقبلية والطائفية من شروط اختبار الكفاءة. لكن حدث تغيير في خطاب المعارضة الذي بات يركز بالإجماع على مقاومة مظاهر الفساد الحكومي، وبات يواجه المسؤولون المزيد من المساءلة السياسية (أسئلة في البرلمان ووسائل الإعلام) أكثر من المساءلة القانونية في قاعة المحكمة. في عام 2019، رفضت المحكمة الدستورية قانونًا أقره مجلس الأمة يهدف إلى تنظيم تضارب المصالح بين الموظفين العموميين. تم تبرير الرفض على أنه غير دستوري، لأنه فشل في تحديد تضارب المصالح بدقة.
وقد سلّطت استقالات الحكومات المتتالية منذ نوفمبر 2019 الضوء على التداعيات الخطيرة لمشكلة الفساد في الكويت. ويذكر أنه في احتجاجات العام 2011، أرغمت الضغوط البرلمانية رئيس الحكومة ناصر محمد الصباح الذي اتُهم بفضيحة فساد انطوت على رشوة أعضاء في مجلس الأمة، على الاستقالة. ومنذ 2012 الى 2022، تعرف البلاد عدم استقرار حكومي وتشريعي بسبب تكرار حل مجالس الأمة واستقالات الحكومات. ومكن التطور المتذبذب لأداء المعارضة البرلمانية في زيادة محاسبة مساءلة المسؤولين الحكوميين حول إدارة المال العام والفساد هو ما دفع مرارا لتصادم حكومي نيابي عادة ما ينتهي بحل البرلمان.
وفي حين لم يطور المجلس بالشكل الكافي أدوات لمراقبة إدارة الانفاق الحكومي والمال العام، تواترت في السنوات الأخيرة بلاغات عن قضايا فساد. مثل هذه البلاغات عكست محدودية آليات المسائلة والرقابة على مستوى المؤسسات المتخصصة وأيضاً على مستوى الأدوات التي يمتلكها المجلس في مراقبة الإنفاق العام. ولتدارك التقصير في محاربة الفساد الكبير والصغير والمستتر منه خاصة، تطوّر العمل النيابي رغم محدودية أدائه على مستوى دعم المسائلة والمحاسبة، وهو ما أدى الى استقالة حكومات 2021، و2022. مع العلم أن الدوافع الحقيقية للاستقالة أرجعت لانتقاد المعارضة أداء الحكومة على مستوى إدارة تداعيات الجائحة ومحاربة الفساد.
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Anastasia Nosova, The merchant elite and parliamentary politics in Kuwait: The dynamics of business political participation in a rentier state, A thesis submitted to the Department of Government of the London School of Economics for the degree of Doctor of Philosophy, London, September 2016, https://core.ac.uk/download/pdf/77059473.pdf
[2] Anastasia Nosova, The merchant elite and parliamentary politics in Kuwait: The dynamics of business political participation in a rentier state, المصدر نفسه
[3] Staff writer, Kuwait’s MPs ‘strongly refuse’ imposing taxes to address budget deficit, Thu 6 Jan 2022, https://www.arabianbusiness.com/gcc/kuwait/kuwaits-mps-strongly-refuse-imposing-taxes-to-address-budget-deficit
[4] IMF Country Report No. 20/89, KUWAIT, 2020 ARTICLE IV CONSULTATION—PRESS RELEASE; STAFF REPORT; AND STAFF SUPPLEMENT, file:///C:/Users/IMED/Downloads/1KWTEA2020001%20(1).pdf
[5] SCOTT WEINER, The Opposition’s Fight Against Austerity in Kuwait, carnegieendowment, 2017, https://carnegieendowment.org/sada/68232
[6] Oxford Analytica (2016), “Kuwait’s politics will stall economic reforms”, Expert Briefings, https://doi.org/10.1108/OXAN-DB212955, https://www.emerald.com/insight/content/doi/10.1108/OXAN-DB212955/full/html
[7] Osman Gulseven, Challenges to Employing Kuwaitis in the Private Sector, Labor Market Dynamics in the GCC States | Autumn 2015, https://www.oxgaps.org/files/analysis_gulseven.pdf
[8] Bruno Palier, Rivka Azoulay, Laurence Louër, Kuwait’s Welfare System, HAL Id: hal-03396220, https://hal-sciencespo.archives-ouvertes.fr/hal-03396220, Submitted on 22 Oct 2021, https://hal-sciencespo.archives-ouvertes.fr/hal-03396220/document
[9] Abrar Abdulsalam Al-Enzi,The Influence of Wasta on Employees and Organisations in Kuwait, A Doctoral Thesis Submitted in Partial Fulfilment of the Requirements for the Award of Doctor of Philosophy of Loughborough University, 2017, file:///C:/Users/IMED/Downloads/Thesis-2017-AlEnzi.pdf