الكويت، 22 يونيو 2022 (csrgulf): شملت أهم قضايا الفساد في البلاد على أنواع مختلفة من الجرائم أبرزها سوء استخدام النفوذ والتكسب غير الشرعي من المناصب، غسيل الأموال، التزوير، الاختلاس، الرشوة.
يكشف الجزء الثالث من اصدار مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) حول الفساد المستتر في الكويت وعلاقته بالنخب عن هيمنة شبهات فضائح غسيل الأموال على احصائيات قضايا الفساد التي تحقق فيها النيابة العامة الكويتية والتي تعود لسنوات. كما كان نصيب قضايا الاختلاس متضخماً في احصائيات قضايا الفساد المتعلقة بالصفقات الحكومية أيضاً. وشملت أبرز قضايا الاختلاسات موانئ الكويت والتأمينات والداخلية والدفاع والنفط.
تحقيقات الفساد طالت 20 مجالاً حكومياً على الأقل: تشمل التأمينات الاجتماعية، وصندوق الجيش والمشتريات الدفاعية، و”ضيافة الداخلية “، والخطوط الجوية الكويتية، والرياضة، ومؤسسة الموانئ، والبلديات، والصناعات البتروكيميائية، والنفط، ومجلس الأمة، وبيت الزكاة، وغيرها أبرزها وزارة الأشغال، والصحة، والكهرباء والماء، وزارة الاعلام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الهيئة العامة للطرق، ووزارة العدل[1].
ولا يزال الفساد مشكلة مستعصية في الكويت، مع وجود عدد من القضايا البارزة، حيث تم الحكم غيابياً على النائب السابق لرئيس الجهاز المركزي للمناقصات العامة الذي تديره الدولة بالسجن لمدة عشر سنوات لتلقيه رشوة من شركة خاصة ومخالفات أخرى مختلفة. كما تم الحكم على وزير صحة سابق بالسجن سبع سنوات بتهمة الفساد. علاوة على قيام هيئة مكافحة الفساد بإحالة عدد من المسؤولين في شركة نفط الكويت إلى النيابة العامة بتهمة الفساد المتعلق بعقود ومشاريع نفطية بقيمة 15 مليون دولار[2]. علاوة على ذلك، اجتاح الفساد وزارة الداخلية أيضاً من خلال التحقيق في قضايا فساد واختلاس للمال العام أبرزها قضية ضيافة الداخلية وأخرى ارتبطت بصفقات الرادارات الحرارية على الحدود البرية مع العراق والبحرية مع إيران.
واخترق الفساد مجالات الدفاع وخاصة المشتريات الدفاعية. حيث تواجه مؤسسات كبرى على غرار مجموعة «كي جي إل، وهي من المشغلين الكويتيين لخدمات الجيش الأميركي في الشرق الأوسط. حيث تواجه تهماً بالتورط في جرائم متعددة كعمليات غش كبرى، وغسيل أموال وفساد.
أغلب القطاعات التي شهدت فسادا كبيرا كان قطاع الدفاع وخاصة المشتريات الدفاعية، وصندوق الجيش. فقضيتان فقط في هذا القطاع شملت على شبهات استيلاء على المال العام بقيمة مليارات الدولارات في أكبر قضية فساد في تاريخ البلاد من حيث قيمة الاختلاسات. وتمثل المناقصات الحكومية مع شركات أجنبية أبرز مصادر شبهات الفساد المالي والاختلاس.
شفافية المناقصات الحكومية مع الشركات الأجنبية تثير الاستفهام
تبرز قضايا عالقة ومتراكمة منذ سنوات مرتبطة بمزاعم فساد مالي وشبهات رشوة، تورطت فيها أطراف مختلفة كوسطاء محليين ودوليين في مناقصات بين شركات أجنبية ومؤسسات كويتية حكومية أو خاصة. أغلب القضايا التي حققت فيها المحاكم الكويتية والأجنبية أثارتها تحقيقات خارجية وحرّكتها دعاوى دولية أكثر منها محلية. ولا يمكن حصر عدد قضايا الفساد من هذا النوع ولا يمكن تقديرها بالعشرات التي يستمر التحقيق في بعضها منذ سنوات الى اليوم. وتشير مثل هذه القضايا الى وجود شبهات الفساد في ابرام بعض الصفقات بين مؤسسات كويتية وأجنبية وذلك رغم زيادة الرقابة المالية وتشديد تتبع التحويلات الأجنبية وصرامة إجراءات نزاهة ابرام صفقات انجاز المشاريع الحكومية.
أغلب شبهات قضايا الفساد المالي الكبرى ارتبطت بوجود تلاعب في قيمة الصفقات أو تربح من خلال وسطاء. ورغم قرار حكومي سابق يحظر الوساطة في صفقات تسلح الدولة والتعامل مباشرة بين الحكومات دون وسيط لضمان مزيد من النزاهة، الا ان العديد من صفقات التسلح التي تمت مع حكومات ما عدى الولايات المتحدة الأمريكية كدول أوروبية وغيرها اثارت التحقيقات وجود شبهات فساد ارتبطت بالوساطة والتنفيع في عدد من الصفقات التي تشكل بعض التجاوزات فيها قضايا ينظر فيها القضاء اليوم. وهو ما يعني أن بعض الجهات خرقت الاتفاقيات بين الحكومات في عقود التسلح والتفاوض المباشر بين الحكومات وذلك من اجل تحقيق مكاسب غير مشروعة.
الصفقات التي تواجه بعضها مزاعم فساد مالي من خلال الوساطة غير القانونية تشمل التسلح بدرجة أولى، ثم مشاريع نفطية، وصفقات أخرى خاصة تلك المرتبطة بإرساء عقود على شركات أجنبية، ومثل هذه الصفقات تفترض وجود وسيط في بعض الأحيان، الأمر الذي يزيد من شبهات حول حجم الاستفادة والتربح من الصفقات وعدم مخالفة ذلك للقوانين، فضلاً عن مدى واقعية قيمة الصفقات الحقيقية وعدم تضخيمها من أجل جني أرباح غير شرعية والاستيلاء على المال العام من خلال الاستفادة من المناصب.
ولعلّ احالة الحكومة الكويتية لضابطين عسكريين كبيرين إلى المحاكمة في قضية فساد كبرى تتعلق بشراء البلاد لطائرات مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون، بعد تحقيق في سعر الطائرات المتضخم[3] يعد أبرز مثال على الكسب غير المشروع من المنصب والنفوذ.
كما شملت شبهة الفساد قضية أخرى في قطاع الدفاع، حيث أوقفت الكويت في فبراير صفقة تسليم طائرات الهليكوبتر العسكرية المثيرة للجدل من طراز كاراكال الفرنسية بعد تهديدات من المعارضة. وكانت وزارة الدفاع الكويتية قد قررت إيقاف استلام الطائرات مؤقتاً بعد اكتشاف وجود مشاكل فنية في أول طائرتين وصلتا إلى البلاد. هذا الايقاف يأتي بعد سنوات على الاتفاق الفرنسي الكويتي بشأن تزويد القوات الجوية الكويتية بطائرات مروحية ثقيلة فرنسية من نوع “كاراكال”، وذلك في إطار الشراكة الدفاعية بين البلدين.
وكانت الكويت تعاقدت على شراء 30 طائرة هليكوبتر عسكرية مقابل 1.2 مليار دولار في عام 2016 بموجب صفقة موقعة مع شركة تصنيع الطائرات الأوروبية، إيرباص. ومع ذلك، فإن الاتفاقية كانت محل جدل بعد مشاكل فنية لطائرتين مروحيتين وادعاءات وسيط لبناني يطالب شركة إيرباص بعمولة 70 مليون يورو (76 مليون دولار) للتوسط في الصفقة. الصفقة قيد التحقيق من قبل الهيئة العامة لمكافحة الفساد وديوان المحاسبة منذ عام 2018. وتحقق الهيئة أيضًا في المزيد من المخالفات المحتملة بعد أن ذكر المدعون الفرنسيون أسماء العديد من الكويتيين فيما يتعلق بقضية فساد تتعلق بشركة إيرباص، والتي فرضت محكمة بريطانية عليها غرامة قدرها 4 مليارات دولار بتهمة رشوة مسؤولين أجانب[4].
ونشر موقع intelligenceonline.com المتخصص بنشر تقارير استقصائية حصرية، أن العقد الذي تم إبرامه بين الطرفين يتمحور حول قيام شركة “GPG” بتقديم الدعم والخدمات الاحترافية إلى “نزاهة” فيما يتعلق بسلسلة من تحقيقاتها حول شبهات فساد ورشوة، والتي من أبرزها تحقيقات استقصائية تتعلق بصفقات وتعاملات مشبوهة بين أطراف كويتية ومسؤولين في “مجموعة إيرباص” الأوروبية.
بشكل عام، ما يزيد الطين بلة أن القضايا القانونية لم تكشف عن المتورطين الفعليين بملفات الفساد حتى الآن، وهذا ما يدفع الكثير من الكويتيين بالشعور بعدم الرضا وإمكانية افلات بعض المتورطين الرئيسيين من العقاب. والسبب ليس غياب مؤسسات الإشراف والرقابة. فثمة اثنتا عشرة جهة “تكافح” الفساد، غير أن عدداً كبيراً منها يفتقر إلى الفاعلية أو يعاني من العجز[5]. كما لا تكمن المشكلة الحقيقية في عدد الهيئات المختصة في تقصي الفساد أو معاقبته، بل تتلخص في ضعف مسار انفاذ القانون وإمكانية الإفلات من العقاب بالإضافة الى محدودية ممارسة حق الاطلاع على المعلومة خاصة بالنسبة لقطاعات الدفاع والنفط.
محدودية ممارسة حق الاطلاع على المعلومة يرسخ نقص الشفافية
من أجل تحسين موقف الكويت دولياً فيما يتعلق بالمؤشرات ذات الصلة بالحريات ومكافحة الفساد والشفافية، اعتمدت البلاد قانون حق الاطلاع على المعلومات رقم 12 لسنة 2020، وهو أحد أهم متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. باعتماد هذا القانون، تنضم الكويت إلى أكثر من 120 دولة مع تشريعات مماثلة، وأصبحت سابع دولة عربية تعتمد إطارًا تنظيميًا متخصصًا في هذا الصدد. هذا مع الإشارة إلى أن معظم هذه القوانين لم تدخل حيز التنفيذ أو لا يتم تنفيذها بشكل صحيح على أرض الواقع. تأتي هذه الخطوة التشريعية في إطار جهود الدولة لتنفيذ استراتيجية الكويت للنزاهة ومكافحة الفساد في القطاع العام، والتي تم تطويرها بدعم من الأمم المتحدة وتم الإعلان عنها في 15 يناير 2019[6].
وفي حين أن حق الاطلاع على البيانات الحكومية يدعم الشفافية الا انها الشفافية في ح ذاتها ليست كافية لتقليل الفساد، ولكن الشفافية والمساءلة معًا قد يكونان قادرين على زيادة جودة الحوكمة في أي بلد مثل الكويت بشكل كبير[7].
وبهدف زيادة منح الفرص للنفاذ للبيانات والتفاعل المباشر مع الجمهور والتوعية بآليات الرقابة، أصدر ديوان المحاسبة في الكويت أول تقاريره الموجهة للمواطن في 2018 وبعنوان “تقرير المواطن” وهو الإصدار الأول الذي يخاطب المواطن بهدف التوعية بدور ديوان المحاسبة في حماية الأموال العامة وإشراك المواطن في الرقابة على المجتمع من خلال حث المواطنين ومنظمات المجتمع المدني على المشاركة في المساءلة العامة وإبراز أهم القضايا التي تؤثر على المجتمع بهدف المشاركة في حماية الكويت[8].
وانتبه ديوان المحاسبة أنه من أجل تقليص الفساد هناك حاجة ملحة لمجموعة من السياسات والإجراءات لخلق بيئة عمل تدعم العدالة والشفافية والمساءلة من أجل أداء العمل على النحو الأمثل في المؤسسات الحكومية وخاصة الرقابية. اذ يحتاج موظفو ديوان المحاسبة إلى الإفصاح عن أي تضارب في المصالح من خلال الإبلاغ عن العلاقات أو المصالح التي قد تؤثر على أداء عملهم. كما يحظر على موظفي الديوان قبول أو طلب الهدايا أو الخدمات أو الضيافة أو أي شيء آخر من الفوائد[9].
علاوة على ذلك يعتقد الديوان في تقريره أن تطوير سلوك الموظف في القطاع العام والمؤسسات الرقابية بات ضرورة ملحة من اعتماد “دليل أخلاقيات المهنة” الذي يتضمن مجموعة من القيم والمبادئ التي توجه سلوك الموظف وأدائه من خلال تعزيز النزاهة والاستقلالية والكفاءة والسلوك المهني والسرية مع توفير التدريب على أفضل الممارسات المهنية[10].
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] نزاهة، إحصائية البلاغات، https://www.nazaha.gov.kw/ar/pages/Corruption_Statistic.aspx
[2] Kuwait investigates potential corruption in Airbus deals, feb 2020, http://country.eiu.com/(F(vgW5KAh5ixnQTsKD-6j2DmtwcvxJyj89Jq7Ig8GTk2F0QAVqpjm5x6UPaxsaQWVZh9N70GHmOUAW5YVWL17Ycp_sw9-7sbtf_U_Fax-78UM1))/article.aspx?articleid=2029078586&Country=Kuwait&topic=Politics&subtopic=Forecast&subsubtopic=Political+stability
[3] ISABEL DEBRE, Associated Press, Kuwait pursues corruption charges in Eurofighter plane deal, 24 January 2022, https://abcnews.go.com/International/wireStory/kuwait-pursues-corruption-charges-eurofighter-plane-deal-82445961
[4] Kuwait investigates potential corruption in Airbus deals, feb 2020, http://country.eiu.com/(F(vgW5KAh5ixnQTsKD-6j2DmtwcvxJyj89Jq7Ig8GTk2F0QAVqpjm5x6UPaxsaQWVZh9N70GHmOUAW5YVWL17Ycp_sw9-7sbtf_U_Fax-78UM1))/article.aspx?articleid=2029078586&Country=Kuwait&topic=Politics&subtopic=Forecast&subsubtopic=Political+stability
[5] بدر السيف، الفساد: غزو آخر للكويت، كارنيغي، ٢٠٢٠، https://carnegie-mec.org/diwan/82480
[6] UNDP, Kuwait continues efforts to promote the right to information, Kuwait – Wednesday, January 27, 2021, http://www.undp-aciac.org/resources/ac/newsDetails.aspx?nid=1231
[7] The Extractive Industries and Society, Corruption in the oil sector: A systematic review and critique of the literature, Volume 7, Issue 1, January 2020, Pages 217-236, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2214790X19302850
[8] State Audit Bureau, CITIZEN’S REPORT, 2018, http://intosaijournal.org/wp-content/uploads/2019/01/Latest-SAB_Citizens-Report_2018.pdf
[9] State Audit Bureau, CITIZEN’S REPORT, 2018, http://intosaijournal.org/wp-content/uploads/2019/01/Latest-SAB_Citizens-Report_2018.pdf
[10] State Audit Bureau, CITIZEN’S REPORT, 2018, http://intosaijournal.org/wp-content/uploads/2019/01/Latest-SAB_Citizens-Report_2018.pdf