الكويت، 19 يونيو 2022 (csrgulf): ضعف استقرار الحكومات الكويتية بسبب تكرر الاستقالات المتتالية لعدة سنوات بات عاملاً رئيسياً يرسخ لقناعة رائجة لدى بعض الكويتيين بفكرة القيادة المؤقتة في إدارات القطاع العام. حيث تتأثر بذلك على الأرجح محفزات التغيير والتطوير ومكافحة الفساد على المدى المتوسط والبعيد بسبب تحدي التغييرات المتسارعة في الادارات العليا والمعايير المعتمدة لذلك.
فكرة المنصب المؤقت قد تزيد من حالة عدم اليقين والقلق بالنسبة للقياديين، وقد لا تشجع الإدارات الدنيا والوسطى في تنفيذ برامج اصلاح طويلة المدى خاصة على مستوى مكافحة الفساد التي بقيت متذبذبة ومرتبطة أكثر بمبادرات شخصية وليس بمنظومات راسخة مهما تغيرت القيادات. اذ يسود توافق محدود وغير ثابت حول آليات وقف محفزات الفساد خاصة الصغير الذي يكون حجمه محدود ولا تكون تداعياته واضحة على البلاد كالرشوة من أجل الحصول على خدمات مميزة أو في وقت سريع. ولعل تراجع ترتيب الكويت في مدركات الرشوة، دلالة واضحة على مقاومة مستترة لجهود محاربة الفساد ومحدودية القناعة لدى البعض بجدوى مكافحته خاصة في فترات انتعاش الموارد المالية المتأتية من صادرات النفط.
يكشف الجزء الثاني من اصدار مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) حول الفساد المستتر في الكويت وجود صعوبات في تقصي جل أنواع الفساد المستتر (المخفي) صغيره وكبيره بسبب ضعف المحفزات وجدواها. اذ برز استمرار عائق البيروقراطية وتعطل الإصلاح وضعف الأداء الحكومي بسبب عدم استقرار القيادات الإدارية، كأكثر القيود المعطلة لتحفيز عوامل النزاهة والشفافية.
وقد تبين أن الفساد المستتر يسعى للالتفاف على القوانين والتربح بشكل قانوني ظاهرياً، وفي حقيقته تربح غير شرعي تحميه اللوائح شكلاً، وتشجّعه نزعة التحيل ورغبة الكسب السريع غير القانوني في غايته الحقيقية. وما قد يمثل عوائق كبيرة لمسألة الرقابة هو إمكانية تخفي بعض جرائم الفساد الكبير خاصة إذا ارتبطت ممارستها بشبكة مصالح مترابطة داخل الجسم الحكومي وخارجه وخاصة في ظل تحقيق المصالح بالاستفادة من المناصب وما قد تنشأ عنها من حالة تضامن بين المتورطين، وهو ما قد يصعّب تقصي مثل هذا الفساد مع إمكانية تخفيه العالية جداً.
ورغم الملاحقات القضائية التي طالت مسؤولين كبار في الدولة، يسود شعور بالافلات من العقاب لدى البعض خاصة في ظل استمرار ثقافة الواسطة والولاءات. ونتيجة لذلك، اتضح أنه لا يمكن محاربة الفساد بالقوانين والردع والعقاب فقط، ولكن يجب خلق ارادة ذاتية للفرد للامتناع عن بعض السلوكيات التي تهيئ لوجود الفساد الصغير والتي مع تراكمها وغض النظر عنها تولد بيئة لنشأة الفساد الكبير وانتقاله الى الإدارة العليا ومراكز القرار.
كما لا يجدر وضع الأفراد فقط في دائرة الاتهام بشبهات الفساد، حيث تفضي دراسة التجارب المقارنة الى أهمية تحلي الإدارة بالنجاعة والكفاءة خاصة على مستوى تقليص الإجراءات البيروقراطية في تقصي الفساد. علاوة على ذلك برزت أهمية الاستفادة من توسع الإدارة الرقمية من أجل تحفيز المواطن على الاستفادة بالخدمات بشكل أسرع وأسلس بدون الاستعانة بالواسطة والالتفاف على القوانين. حيث عادة ما تتقلص مدركات الفساد الصغير خاصة كالرشوة بفضل سرعة الاستجابة للمواطن ونجاعة الإدارة الحكومية المنشودة المرسخة لقواعد الشفافية والحوكمة.
فعلى سبيل المثال، انخفاض ترتيب الكويت بنحو 12 مرتبة في مؤشر مخاطر الرشوة لعام 2021 ليصعد لمرتبة 95 بعد 83 عالمياً خلال 2020[1]، ينظر له كمنعرج مقلق لجهود تعزيز محفزات النزاهة وخفض مدركات الفساد. حيث يعكس هذا التصنيف تذبذب أداء الحكومة في مكافحة دوافع الرشوة خاصة في القطاع العام.
تعتبر الرشوة في القطاع العام كأبرز مخاطر عدم فعالية الإدارة الورقية وقيود البيروقراطية. في دولة الكويت، الرشوة والفساد محكومان بعدة قوانين متميزة ومتداخلة. على وجه الخصوص، سنت الكويت قانونًا قائمًا بذاته لمكافحة الفساد (القانون رقم 2 لعام 2016) على غرار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. بموجب قانون مكافحة الفساد، تعتبر الرشوة، كما هي محددة بموجب القانون رقم 16 لسنة 1960 (قانون العقوبات الكويتي) المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1970 (المعدل)، جريمة فساد. لقانون مكافحة الفساد الأسبقية على القوانين الأخرى بحيث يصبح أي نص قانوني يتعارض معه باطلاً (قانون مكافحة الفساد، مادة 58). قانون العقوبات الكويتي هو القانون الأساسي الذي يحكم الرشوة في القطاع العام أو تورط السلطات العامة في مثل هذه الجرائم[2]. جرائم الرشوة تعتبر بين أكثر معضلات وتجليات الفساد الصغير.
معضلة الفساد الصغير في الكويت
تكشف تحليلات المركز محدودية قناعة بعض الإداريين بمحاربة الفساد خاصة الفساد الصغير أو استسهاله وتبرير بعضه، تمثل معضلة قد تعطّل جهود مكافحة الفساد بشكل عام. وقد تكون محدودية الالتزام بنشر تقارير الذمة المالية للمسؤولين أحد أهم المؤشرات المقلقة حول مدى الاعتقاد السائد بأهمية زيادة شفافية المعاملات.
هذه المعضلة يستمر رصدها في ظل وجود وعي جمعي بين بعض الأفراد يعتقد في ضرورة وجود تسهيلات بين المواطن والإدارة عبر فكرة الواسطة والتي تحفز الحصول على خدمات ومنافع شخصية وصولاً الى الطموح بالثراء السريع والسهل بالاعتماد على شبكة علاقات مؤسسة على المحاباة والترابط الأسري والانتماء القبلي والمحسوبية ورد الجميل. مثل هذا الفكر سائد يعيق ترسخ ثقافة مكافحة شتى أنواع الفساد وتجاوز القانون والعدالة.
على صعيد آخر، تسهم عوائق بيروقراطية الإدارة في زيادة قناعة البعض باللجوء الى أساليب مخالفة للقانون أو القفز على قواعده من أجل ضمان انجاز خدمات في أسرع وقت تفادياً للروتين الإداري المعطّل لسرعة انجاز المعاملات. هذا الأمر يقود لاستنتاج محدودية نجاعة العمل الإداري المتعثر بسبب اعتماد أغلبه الى اليوم على الإدارة الورقية التي تساعد على توفر مناخ محدود الشفافية.
ورغم رقمنة بعض الخدمات، لا تزال ظروف العمل الإداري في الكويت تستوجب تحسين جودتها من خلال الدفع بزيادة دعم وتعميم استخدامات الإدارة الرقمية للمعاملات في شتى المجالات وتدريب الموظفين على سلاسة العمل الإداري الرقمي.
وعبر زيادة الرهان على بناء مجتمع رقمي من الموظفين والمواطنين، يمكن توقع تحسن الحوكمة الذكية في الإدارة الحكومية وتقلص شبهات الفساد، وكل ذلك قد يزيد من تحسين جودة حياة المواطن مستقبلاً.
ورغم تحسن حوكمة القطاع العام ومؤشرات فعلية على خطوات جدية لاقتلاع مسببات الفساد، الا أن هناك ارتباك أو بطء في تحقيق مناعة عالية ضد الفساد في فترات انتعاش أسعار النفط.
حساسية الفساد زمن وفرة عوائد النفط
إن حساسية الكويت تجاه تقلب أسعار النفط هي أكثر وضوحًا من أي دولة أخرى تعتمد على النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي. على مدى العقد الماضي، بلغ متوسط الدخل النفطي 90 في المائة من إجمالي الإيرادات، وهو ما يمثل 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 90 في المائة من صادرات الكويت[3].
ساهمت وفرة النفط في تمويل تطوير دولة الرفاه، والتي توفر مجموعة واسعة من الخدمات. لكن الكويت استغلت مواردها الطبيعية بكفاءة محدودة، حيث أن الاعتماد على مورد واحد أضعف التقدم في تنويع مصادر دخل جديدة. وقد خلق التدفق المالي قطاعًا عامًا متضخمًا يعيق التنظيم الإداري الفعّال لأصول الدولة. وبينما توجد محاولات لتحديث الإدارة العامة والحد من الفساد والبيروقراطية غير الفعّالة، فإن الإنجازات الجوهرية غير متوفرة حتى الآن كما هو الحال في دول الخليج الأخرى ذات القطاع العام الواسع، حيث لا يزال الموظفون والتنظيم الإداري غير فعّالين في الغالب[4].
تتطلب التقلبات المستمرة في أسعار النفط تسهيل الإنفاق الحكومي لدعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز قدرته على مواجهة مخاطر الانكشاف على الأزمات المالية. وقد كانت تداعيات جائحة فيروس كورونا على أسعار النفط اختبارا مهما للحكومة الكويتية من أجل إعادة ترشيد الانفاق وضبط السياسات المالية لتقليص وطأة عجز الموازنة المعتمدة بشكل كبير على إيرادات النفط المتقلبة. وهو ما جعل الحكومة تسعى للاقتراض من احتياطيات أجيال المستقبل لتجنب تضخم العجز. وقد اضطرت تقلبات أسعار النفط منذ 2020 بسبب الجائحة الى زيادة الاهتمام بتفادي النضوب النهائي لمدخرات الأجيال القادمة[5].
ظلّ الفساد الشكوى الأبرز للمواطن والذي تصدر مشاكل الحياة اليومية في الكويت. أدى الكشف عن العديد من قضايا الفساد الكبرى إلى زعزعة المجتمع لدرجة أن مناقشات الفساد طغت على كل القضايا الملحة. اعتبرت بعض تقييمات بعثة صندوق النقد الدولي للكويت أن هناك مجالًا لمزيد تحسين شفافية المعاملات والإدارة خاصة إدارة الثروة النفطية، من خلال الكشف عن المعلومات حول كيفية ادارة الإيرادات ووصولها الى الشؤون المالية للحكومة والهيئة العامة للاستثمار[6].
مشكلة في انفاذ القوانين والاستمرارية في تطبيق اللوائح
مقاومة الفساد بفرض القوانين فقط لا يمكن أن تحد هذه الظاهرة التي تنتشر في أغلب مناطق العالم العربي بشكل علني أو مستتر. فرغم حزمة القوانين والتشريعات حول مكافحة الفساد بشتّى أنواعه في الكويت، تبقى هناك عوائق إجرائية وثقافية وسلوكية وسياسية تعيق هذه الجهود تتمثل خاصة في محدودية انفاذ القوانين وتطبيقه[7]، حيث تبقى هناك جهود أكبر لتعزيز هذه المسألة التي تقيدها أيضا إجراءات بيروقراطية. وتبقى الكويت متأخرة مقارنة بجيرانها في مسالة انفاذ القوانين[8].
تشير بعض الدراسات الى “الفساد الكبير” في الكويت وهو الفساد المتغلغل في طبقة المسؤولين رفيعي المستوى. يكشف تحليل خصائص الفساد في للكويت أن ضعف المساءلة، والاقتصاد القائم على النفط الذي تهيمن عليه الحكومة مؤشرات تدعم الديناميكيات التي تؤدي إلى “الفساد الكبير”. ولقد وضع صانعو السياسات قوانين وأنظمة مختلفة لمعالجة الفساد. القانون الجنائي يهيمن على كل من تدابير مكافحة الفساد الحالية والخطاب العام لمكافحة الفساد في الكويت. وعلى الرغم من وجود تدابير جنائية كافية، إلا أن هناك ضعف على مستوى التنفيذ. علاوة على ذلك، فإن القانون الجنائي وحده ليس كافيا في حد ذاته. اذ لا تزال الكويت تفتقر إلى تدابير مبتكرة لمكافحة الفساد الكبير[9].
عدة تحقيقات أظهرت أن مزاعم فساد مرتبطة بقضايا سياسية أخرى. وقد أدى ذلك أيضًا إلى تصنيف البلد على أنه مكان غير آمن للمستثمرين في جميع أنحاء العالم وهو ليس جيدًا جدًا لاقتصاد البلاد وسمعتها[10].
بينما تميزت الكويت منذ فترة طويلة بالهياكل الاحتكارية التي تسيطر عليها بعض العائلات ذات النفوذ، كانت هناك بعض المبادرات المؤقتة لتغيير ممارسة الاحتكار. في نوفمبر 2020، وافق البرلمان على قانون المنافسة (قانون 72/2020) لمنح صلاحيات أوسع لهيئة حماية المنافسة (CPA). هذا التشريع هو جزء من برنامج إصلاح اقتصادي أوسع. في جوهره، يهدف إلى تحسين بيئة الأعمال التنافسية، وزيادة المساءلة في العلاقات التجارية وتقليل أنماط الفساد.
على صعيد آخر، ينصّ القانون الكويتي على عقوبات جنائية للفساد المرتكب من قبل المسؤولين الحكوميين، لكن الحكومة يبدو أنها لم تنفذ القانون بشكل فعّال. اذ يعتقد مراقبون أن المسؤولين تورطوا في ممارسات فاسدة مع الإفلات من العقاب، حيث وردت تقارير عديدة عن فساد حكومي[11]. وكانت هناك العديد من التقارير تفيد بأن الأفراد اضطروا إلى الدفع لوسطاء لتلقي خدمات حكومية روتينية[12].
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] TRACE bribery risk index for 2021, https://www.traceinternational.org/trace-matrix
[2] Adam Vause, What is the legal framework governing bribery in Kuwait?, 1 January 2022, https://www.dlapiper.com/en/us/insights/publications/2019/09/bribery-offenses-guide/kuwait/
[3] Ahmed Helal, Kuwait’s fiscal crisis requires bold reforms, November 18, 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/kuwaits-fiscal-crisis-requires-bold-reforms/
[4] Slow recovery but strong fundamentals, Euler Hermes, aug 2021, https://www.eulerhermes.com/en_global/economic-research/country-reports/Kuwait.html
[5] IMF Country Report No. 20/89, KUWAIT 2020 ARTICLE IV CONSULTATION—PRESS RELEASE; STAFF REPORT; AND STAFF SUPPLEMENT, March 2020, file:///C:/Users/IMED/Downloads/1KWTEA2020001.pdf
[6] BADER AL-SAIF, Another Invasion of Kuwait, carnegie , aug 2020, https://carnegie-mec.org/diwan/82453
[7] World Bank, Rule of law – Country rankings, 2020, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_ruleoflaw/, Kuwait Country Report 2022, BTI index, https://bti-project.org/en/reports/country-report/KWT
[8] World Bank, Rule of law – Country rankings, 2020, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_ruleoflaw/, Kuwait Country Report 2022, BTI index, https://bti-project.org/en/reports/country-report/KWT
[9] Alrashidi, Khaled S. (2020) Combating Corruption in Kuwait: A Socio-Legal Study. PhD thesis, University of Leeds, https://etheses.whiterose.ac.uk/26570/
[10] Business Case Studies, Investigations state kuwait under the shadow of corruption allegations, 25 November 2019, https://businesscasestudies.co.uk/investigations-state-kuwait-under-the-shadow-of-corruption-allegations/
[11] 2018 Country Reports on Human Rights Practices: Kuwait, US department of state, https://www.state.gov/reports/2018-country-reports-on-human-rights-practices/kuwait/
[12] 2018 Country Reports on Human Rights Practices: Kuwait, US department of state, https://www.state.gov/reports/2018-country-reports-on-human-rights-practices/kuwait/