الكويت، 26 مارس 2022 (csrgulf): من أجل دحض الإمبريالية واحلال العدالة وانهاء هيمنة الغرب والولايات المتحدة على العالم وكف تدخلاته في الشؤون العربية والإسلامية، بهذه العبارات تروج آلة الدعاية الروسية الرسمية فكرة انتدابها لمقاتلين من الشرق الأوسط والعالم وخاصة من دول شهدت صراعات وحروب شوارع ومدن. وتمثل سوريا والعراق وليبيا والسودان ولبنان واليمن وفلسطين وأفغانستان وإيران أهم الدول التي تستهدفها آلة الدعاية الروسية من أجل استقطاب ألاف المقاتلين الى أوكرانيا كما يأمل الروس.
وحسب تحليل للمركز تم رصد زيادة استخدام فيديوهات مترجمة باللغة العربية يستعرض فيها المقاتلون الشيشانيون المسلمون بقيادة رئيسهم رمضان قديروف قوتهم القتالية في أوكرانيا مع ترديد شعارات دينية حماسية تستهدف استقطاب الجهاديين المسلمين المرتزقة. وتعمل الدعاية الروسية على السعي لتكثيف نشر مواد إعلامية تهدف لكسب تعاطف المسلمين معها من خلال زيادة نشر استخدام مقاطع فيديوهات لجنود مسلمين مفتولي العضلات خاصة من الشيشان، وذلك بهدف التأثير على عواطف الجهاديين في الشرق الأوسط وحثهم على الانضمام مع المقاتلين المسلمين في أوكرانيا لقتال الفيلق الدولي المسيحي[1] والكتائب القومية المسيحية المتطرفة ككتيبة آزوف الأوكرانية، كما يروج لذلك الشيشانيون أنفسهم معتبرين أن حربهم الحقيقية ضد القوميين الأوكرانيين والغرب الحاقدين على المسلمين والإسلام مدفوعين بتصعيد خطاب الاسلاموفوبيا في دول الغرب الذي أثبتته معاملة اللاجئين من الحرب في أوكرانيا[2].
اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين خاصة العرب والمسلمين في أوروبا الشرقية قد يكونون أول المستهدفين بحملات تجنيد المرتزقة للقتال في أوكرانيا من أجل المال كدافع أساسي. أما بقية العرب في العالم فقد يكونون مستهدفين عبر قنوات التواصل الاجتماعي ومجموعات الرسائل الخاصة التي ترسلها روسيا لتجنيد لواء جديد من المرتزقة للقتال في أوكرانيا.
وقدرت بعض المصادر أن السوريون يتصدرون المقاتلون المرتزقة المهاجرين العرب الى أوكرانيا، حيث ان النظام السوري يسعى لمساعدة حليفه القوي روسيا من خلال تسهيل وتحفيز سفر الراغبين السوريين في القتال في أوكرانيا. وتقدر بعض المصادر ان عدد المسجلين فاق الأربعين الفاُ[3].
على صعيد آخر، يشارك الشيشانيون والبيلاروسيون علنياً مع الجيش الروسي بدوافع مختلفة. لكن قد يشارك أيضاً فنزويليون وكوبيون من أجل تجنب انتصار ما يعتبرونه بالغطرسة الأمريكية، حيث يكنون عداوة تاريخية للولايات المتحدة. فخسارة روسيا تعني لهم زيادة هيمنة الغرب على العالم، وهو ما يرفضونه بشدة. ولا يستبعد الروس البحث في أفغانستان وإيران وأغلب الدول الحليفة لروسيا أو الغاضبة من سياسات الولايات المتحدة.
وتروّج روسيا لحربها التي تخوضها في أوكرانيا على أنها ليست معركة تقليدية من أجل الاحتلال، بقدر ما هي مواجهة بين روسيا الاشتراكية وحلفائها ضد محور تمثله دول الغرب الامبريالية الرأسمالية والمنتج للعولمة المعادية للثقافات والهويات المختلفة بينها الهوية المسلمة، حيث يشهد الغرب حملات كراهية ضد المسلمين وتصاعد خطاب الاسلاموفوبيا منذ سنوات.
ويستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حملات الكراهية ضد المسلمين لزيادة استقطاب عرب في جيشه العالمي ضد الفيلق الدولي المناصر لأوكرانيا. اذ يقاتل ألاف من جنسيات غربية كثيرة أبرزها من بريطانيا وأميركا وكندا ودول أوروبية أخرى مسيحية ضمن المتطوعين في الفيلق الدولي الذي يقاتل مع الجيش الأوكراني بهدف حماية قيم الديمقراطية ومنع زحف القيم الاشتراكية المعادية للغرب والقيم المسيحية. وبدت مبررات الحرب في أوكرانيا على أنها مواجهة مقدسة بين الأديان[4]. اذ تصور آلة الدعاية الروسية على أن الغرب الذي تقوده أميركا يرمز للمسيحية الصهيونية[5] التي صعدت بامتياز خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والمشاركة في التآمر على دول كثيرة أبرزها في الشرق الأوسط. وهي رمزية تستفز خاصة العرب المسلمين وتزيد من كراهيتهم لأميركا.
وعلى صعيد آخر، يسوّق المسؤولون الروس للعملية العسكرية في أوكرانيا على أنها ضرورة استراتيجية لديها أهداف بعيدة المدى أبرزها وقف التدخل الأمريكي والغربي في شؤون الدول الأخرى، وبذلك رفض مبدأ الهيمنة الأحادية وتمدد قيم الامبريالية الغربية الرأسمالية التي تنكر خصوصية الثقافات المختلفة عنها، والقطع مع التبعية للغرب أو الخضوع لإملاءاتهم وسياساتهم، وفرض توازن جديد في العالم.
ويبدو أن شعارات حماية الهوية ووقف التدخل الأمريكي في شؤون العالم ورفع الظلم المفروض على عدة دول تعاديها واشنطن بسبب مقاومتها للغزو الأمريكي أو لإسرائيل، تجتذب شريحة واسعة من الشباب المتحمس للانتصار على رمزية غطرسة أمريكا وقيادتها للعالم الأحادي القطب والتي ينظر اليها شباب كثيرون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة المتدين أو المتطرف على أنها رمز الشر وحامية الكيان الصهيوني والمحرضة على تهجير الفلسطينيين وعدم إقامة دولتهم.
وتستثمر منصات الكترونية مختلفة في غضب الشباب العربي المسلم وتنشر دعوات انتدابات للقتال مع الروس في أوكرانيا[6] لدحر الغرب التي تحمله موسكو كل مسؤولية بؤس الشباب المسلم. فعبر دعوات يعلن عنها في تصريحات رسمية أو من خلال منشورات الكترونية في الفضاء الرقمي وعبر منصات التواصل الاجتماعي[7]، تزيد ظاهرة تجنيد المقاتلين الى أوكرانيا. حيث تتم دعوة شباب من كافة العالم وخاصة من لديه خبرة في القتال بهدف الانضمام الى الحرب مقابل حوافز مختلفة. علاوة على بعض المحفزات الأيديولوجية لاستقطاب المقاتلين المسلمين والتي يعي الروس أنها قد لا تكفي لاجتذاب المقاتلين المرتزقة المحترفين، تنقل بعض التقارير الدولية شهادات تؤكد عروضاً قدمت للمقاتلين للمشاركة مع الروس مقابل تقاضي مكافأة مالية حسب بعض المصادر الاستخباراتية الغربية التي نقلت بعض الروايات الى الاعلام الغربي.
ورغم تضارب المعلومات ومحدودية دقتها التي تنشرها مصادر إعلامية واستخباراتية من روسيا أو من دول أوروبية وأميركية، فان عدد من المقاتلين المرتزقة من الشرق الأوسط وصلوا بالفعل لأوكرانيا. وتبقى دوافع بعضهم مختلفة، فمنهم من أتى من أجل المال وآخرين من أجل شغف القتل والعنف وآخرين من أجل دوافع دينية أبرزها الجهاد المقدس ضد من يعتبرونهم بالصهيونية المسيحية أو المتحكمين في النظام العالمي الذي ينتقده جزء كبير من شعوب العالم خاصة في الدول الفقيرة أو تلك التي تدخلت فيها الآلة العسكرية الغربية والأمريكية بمبررات كثيرة.
انتداب مقاتلين مرتزقة ليس بالمهمة الجديدة بالنسبة لروسيا، فهي متمرسة بشكل جيد في تجنيد شركات خاصة تعمل على جذب مقاتلين مرتزقة من جل دول العالم مقابل المال. وتبرز هنا شركة فاغنر الروسية التي تقاتل بالوكالة عن روسيا[8] من خلال مرتزقة يعملون معها في دول عدة خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا كسوريا وليبيا والسودان. فبدلاً من نشر جنود روسيين تقليديين، لجأت موسكو إلى قوات العمليات الخاصة ووحدات المخابرات والشركات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاغنر لتنفيذ مهام قتالية. استراتيجية روسيا واضحة ومباشرة لتقويض قوة الولايات المتحدة وزيادة نفوذ موسكو باستخدام قوى غير بارزة مثل الشركات العسكرية الخاصة التي يمكنها فعل كل شيء كالتدريب وتقديم المشورة ومساعدة قوات الأمن الشريكة.
على صعيد آخر، تفترض بعض التحليلات أنه قد لا تكفي شعارات ومبررات دحر الامبريالية الغربية ودعم وجود قطب جديد في العالم أكثر دعماً للعدل والمساواة وأكثر انصافا للعرب المسلمين من أجل جذب المقاتلين العرب المحترفين في ميادين القتال غير النظامي بفضل خبرتهم في معارك ميدانية خلال السنوات الأخيرة، حيث يعرض الروس حسب روايات مختلفة أموالا لتحفيز الشباب للالتحاق من أجل القتال مقابل أجر[9]. اذ أصبحت مهنة القتل حرفة يتم الدفاع لقائها وبسخاء أحيانا.
ولمعرفة الروس أن قتال جنودها في أوكرانيا يتحوّل تدريجياً الى قتال مدن وشوارع، وهو ما يستنزف جيشها النظامي مع فرضيات تعثر المفاوضات وطول أمد المعارك، تراهن موسكو على مشاركة مقاتلين أكثر خبرة بهذا النوع من الحروب والمواجهات غير النظامية. لكن المستجيبين المحتملين لدعوات روسيا للانضمام لجيشها العالمي في حرب أوكرانيا المدعومة من الغرب في مغلبهم مقاتلين سابقين مخضرمين، وعلى الأرجح أن أكثرهم اما مقاتلين من صفوف تنظيمات إسلامية متطرفة أو من المقاتلين المتعاونين مع الجيش السوري، أو من هواة القتال والراغبين في خوض تجربة جديدة. لكن هناك فئة قد تكون الأكثرية بين هذه الفئات وهي الشباب المهمش واليائس والبائس بسبب الأوضاع الاقتصادية الهشة والمتدنية والباحث عن أي مصدر لجني المال حتى بطرق غير شرعية. وهؤلاء قد يكونون من بين المتحمسين للهجرة من أجل ما يمكن تسميته بالجهاد المقدس في أوروبا بمبررات مختلفة، الأمر الذي يمهد لتوقع موجة تطرف وكراهية على الأرجح أن تشهدها القارة الأوروبية[10] عقب نهاية الحرب، وذلك بسبب ميل بعض القوميين الأوروبيين المتعصبين[11] لفرض تغيير جذري بقوة السلاح وليس بالإقناع مع طرح فرضيات عودة اليمين المتطرف للحكم[12] في عدة دول من القارة العجوز.
2022 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراحع:
[1] Kacper Rekawek, Ukraine’s Foreign Legion: 12 important points, Mar. 18, 2022, Faculty of Social Sciences, C-REX – Center for Research on Extremism, https://www.sv.uio.no/c-rex/english/news-and-events/right-now/2022/ukraine%E2%80%99s-foreign-legion-.html
[2] KHALID KOSER, How long will Europe’s generosity towards Ukraine’s refugees last?, March 2022, https://www.lowyinstitute.org/the-interpreter/how-long-will-europe-s-generosity-towards-ukraine-s-refugees-last
[3] HALEY OTT, Over 40,000 Syrians reportedly register to fight for Russia in Ukraine, MARCH 14, 2022, https://www.cbsnews.com/news/russia-ukraine-war-syrians-reportedly-register-foreign-fighters/
[4] JACK JENKIN, How One Priest Turned Putin’s Invasion Into a Holy War, https://www.rollingstone.com/politics/politics-features/holy-war-priest-putin-war-ukraine-1323914/, Stan Grant, Vladimir Putin’s invasion of Ukraine is not just a war of politics – it’s a holy war, 19 Mar 2022, https://www.abc.net.au/news/2022-03-20/vladimir-putin-invasion-ukraine-politics-holy-war/100921102
[5] Harvard university, Christian Zionism, the Religious Right, and Donald Trump: History’s Role in Contemporary Politics, https://ash.harvard.edu/christian-zionism-religious-right-and-donald-trump-history%E2%80%99s-role-contemporary-politics
[6] Hanan Razek and Ilya Barabanov, War in Ukraine: How Russia is recruiting mercenaries, https://www.bbc.com/news/world-europe-60711211
[7] NELSON OLIVEIRA, Ukraine official urges digital blockade of Russia, saying country uses money “to kill civilian people”cbs-mornings, MARCH 21, 2022, https://www.cbsnews.com/news/ukraine-alex-bornyakov-urges-russia-digital-blockade/
[8] Mark Townsend, Russian mercenaries in Ukraine linked to far-right extremists, https://www.theguardian.com/world/2022/mar/20/russian-mercenaries-in-ukraine-linked-to-far-right-extremists
[9] RYO NAKAMURA and MOMOKO KIDERA, Nikkei staff writers, UKRAINE WAR, Russia offers Middle East fighters ‘$400 a week’ to join Ukraine war, March 9, 2022 , https://asia.nikkei.com/Politics/Ukraine-war/Russia-offers-Middle-East-fighters-400-a-week-to-join-Ukraine-war
[10] The New York State Senate, Against Backdrop Of Ukraine Crisis, Rise In Antiemetic Hate Crimes, “Courage To Remember” Holocaust Exhibition Opens In NYS Capitol, March 2022, https://www.nysenate.gov/newsroom/in-the-news/anna-m-kaplan/against-backdrop-ukraine-crisis-rise-antiemetic-hate-crimes
[11] Dipankar Chatterji, Far-right Illiberalism on the Rise in the United States and Europe, march 2022, https://www.epw.in/journal/2022/13/perspectives/far-right-illiberalism-rise-united-states-and.html
[12] Kaia Hubbard, _Far-Right Extremism Echoes Across EuropeA survey of more than 11,000 Europeans in eight countries reveals, Feb. 18, 2021, https://www.usnews.com/news/best-countries/articles/2021-02-18/far-right-extremism-growing-across-europe-survey-finds