-
آلة الدعاية الصهيونية تضخم من القوة الإيرانية بشكل متعمد
-
الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط نجح في خلق هاجس صراع مخيف في المنطقة
الكويت، 20 ديسمبر 2021 (csrgulf): شبح حرب في الأفق هذا ما يخيف شعوب الخليج والمنطقة. لكنه سيناريو تسعى كل من دول الخليج وإيران الى تجنبه. رغم ذلك نجحت آلة الدعاية الصهيونية في تضخيم التهديد الإيراني والمبالغة في تقييم قدرات ايران العسكرية[1]. التحريض الإسرائيلي ضد إيران خاصة مع الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط نجح في خلق هاجس صراع مخيف في المنطقة. وتراهن إسرائيل على زيادة شيطنة إيران من اجل التمدد أكثر في العالم العربي تحت مظلة صفقة القرن وتوسيع دائرة التطبيع من بوابة تحالفات المصالح الدفاعية ضد الخطر الإيراني. ولذلك فهي حريصة على عدم حدوث سلام إيراني خليجي. ولعل هذا المسار ما حاول تثبيته مستشار الأمن القومي الاسرائيلي إيال هولتا خلال محادثاته بنظيره الأمريكي جيك سوليفان في البيت الأبيض في سبتمبر الماضي قبل إجراء المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني[2]. وتسعى إسرائيل لتفعيل ضغوط ديبلوماسية أكثر لإقناع حلفائها بجدوى عمل عسكري ضد إيران من أجل ردعها عن طموحاتها التي تقلق الدولة العبرية.
ولأجل تجنب سيناريو عمل عسكري قد يكون غير متكافئ اندرجت كل من إيران ودول الخليج في سباق تسلح محموم منذ سنوات وبلغ ذروته عام 2019 من خلال رصد ارتفاع الانفاق العسكري للطرفين. هذا السباق وان بات يدق طبول الحرب حسب وسائل الاعلام الإسرائيلية[3]، الا أن رغبة إيران في إنجاح مسار المفاوضات المتعثرة حول الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب يعكس تغيرا تدريجياً في أساليب النظام الإيراني واعتماده المهادنة البراغماتية للتعامل مع دول الإقليم والعالم في المرحلة المقبلة.
ويوضح استنتاج من تقرير رصد مخاطر احتمالات الحرب السلام بين دول الخليج وإيران في 2022 منشور على منصة مركز CSRGULF تغير استراتيجية التفاوض بالنسبة لطهران رغم استمرار تمسكها بعدم الثقة نهائيا بالطرف الدولي وخاصة الولايات المتحدة أثناء المفاوضات حول الاتفاق النووي وحول مستقبل المنطقة في ظل استمرار خطاب التوتر بين إيران وجيرانها الخليجيين. ولعل رسالة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي لدول الجوار وخاصة بلدان الخليج حملت نبرة تفاؤل حول رغبة إيرانية في الاتفاق على مبادئ حسن جوار[4]. لكن دول الخليج المتخوفة من محدودية مصداقية الرسالة الإيرانية والحريصة على تأمين حماية نفسها بعد تسارع الانسحاب العسكري من المنطقة، طلبت بإلحاح اثبات حسن نوايا النظام الإيراني[5]. لكن طهران سرعان ما رفضت طريقة الاملاءات والانتقادات. لتدخل من جديد طور المباحثات حول اتفاق نووي أقصى أي رأي لدول الخليج فيه، وهو ما انتقده مسؤولون خليجيون. رغم ذلك هناك آفاق محدودة لطرح القضايا الخلافية التي لم تطرح في مفاوضات الاتفاق النووي في طاولة مفاوضات أخرى لتوافق منشود حول خارطة طريق لسلام واستقرار في المنطقة تشارك فيه إيران ودول الخليج وبلدان الشرق الأوسط. وهو ما سعت العراق الى التوسط من أجله، واستهلت المباحثات بين الإيرانيين والسعوديين ولاحقا مع الإماراتيين لمن ما من نتيجة معلنة بعد.
وفي مقابل سعي إيران لتخيير الحلول الديبلوماسية في إدارة أزماتها الخارجية ورغم الانكماش في إيرادات الدولة وأزمة اقتصادية خانقة، يعمل الحرس الثوري على تعزيز قدراته الهجومية من خلال رفع مدى وكفاءة ودقة صواريخه العابرة للقارات و تطوير طائرات بدون طيار لكنها لا توزاي التكنولوجيا الذكية المتقدمة. وكانت طهران قد أعربت عن اهتمامها بدعم منظومتها الدفاعية تحسباً لأي هجمات خارجية خاصة بعد تكرر تهديدات إسرائيل بضرب إيران ومصالحها في الداخل. فخلال زيارة أخيرة لموسكو منتصف أكتوبر، التقى رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وأكد أن طهران قد تكون مهتمة بشراء بعض الأسلحة الروسية الجديدة. ولجأت إيران مرارًا إلى روسيا للحصول على أسلحة لا تستطيع إنتاجها في الداخل، بما في ذلك شراء نظام صواريخ أرض-جو بعيد المدى من طراز S-300. بالإضافة إلى ذلك، اشترت إيران غواصات من فئة (877EKM) ودبابات T-72 ومركبات مشاة مدرعة BMP-2 وطائرات هليكوبتر من طراز Mi-17 وأنظمة مختلفة مضادة للدبابات[6].
ويمكن تبرير اهتمام إيران بتعزيز مستوى تسلحها بضعف كبير تعاني منه القوات الإيرانية خاصة على مستوى القوات الجوية لجمهورية إيران الإسلامية (IRIAF) التي تشكو من أسطول متهاكل يضم مقاتلات قديمة جدًا، لا سيما بالمقارنة مع منافسيها الإقليميين كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللذان يمتلكان مقاتلات متقدمة للغاية. ولا يزال أسطول القوات الجوية الإيرانية أغلبه تم الحصول عليه عندما كانت إيران حليفًا للولايات المتحدة قبل عام 1979 في ظل نظام الشاه. ومنذ ذلك الحين، انتقل أسطول المقاتلات الايرانية من مرتبة الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل، إلى واحد من أقدم أسطول في المنطقة[7].
لكن على صعيد آخر، لاتزال ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية تنمو من حيث الحجم والمدى والدقة. حيث ضاعفت طهران من الأهمية الاستراتيجية لأنظمة الصواريخ التي يمكن أن تهدد القوات الأمريكية وحلفائها[8]. في المقابل تضاعف حجم أسطول مقاتلات دول الخليج خلال العقد الماضي[9].
ويترجم سباق التسلح إقامة توزان في القوة بين إيران ودول الخليج وإسرائيل، حيث لا تسعى إيران للخوض في حرب خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية المتردية والتي تضعف النظام من الداخل.
ويسعى النظام الايراني بشكل جدي لقطع الطريق أمام إسرائيل التي تحفز دول المنطقة والقوى الغربية الحليفة لها لردع عسكري للنظام الإيراني من أجل وقف تمدد طموحات توسع نفوذه في دول الخليج والشرق الأوسط. الا أن دول الخليج يبدو أنها تعارض عملاً عسكرياً ضد إيران في الوقت الراهن دون اتاحة فرصة لعملية مفاوضات جديدة لاتفاق حول ترسيخ مبادئ حسن جوار طويل الأمد بين الإيرانيين والخليجيين ودول الشرق الأوسط بشكل عام. وهذا ما أكده بيان القمة الخليجية بالرياض مؤخرا.
وتحرّض إسرائيل الولايات المتحدة والقوى الغربية من أجل اتخاذ تدابير عسكرية ان لم تنجح مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا. ورغم ذلك لا تريد طهران الإذعان للاستفزازات أو أن تظهر في موقف الضعف رغم الضغوطات الداخلية والرغبة في إقرار سلام عادل يضمن مصالحها. لذلك تبرز تصريحات من مسؤولين إيرانيين منتقدة بشدة للقوى المعادية لإيران ومتوعدة أي تهديد برد قاسٍ. لكن سرعان تبرز تصريحات أخرى في الوقت نفسه مؤيدة للسلام وغير مرحبة بحرب في المنطقة.
ولا يبدو أن إيران مستعدة لسيناريوهات الحرب. فمن ناحية تقييم القدرة العسكرية الإيرانية، لا يبدو أن طهران في أحسن أحوالها لإدارة صراع مسلح قد يكلف النظام شرعيته الشعبية إذا تعرضت إيران لأزمة أخرى بعد انتكاسة الجائحة التي عمقت الاختلالات الإيرانية الداخلية.
وان اختلف الحرس الثوري ورئاسة الجمهورية الإيرانية في إدارة السياسة الخارجية وأزمة إيران مع جيرانها ومع القوى الدولية، يصرّ كبار المسؤولين الإيرانيين على الحلول الديبلوماسية من أجل الخروج من عزلة البلاد الإقليمية والدولية وتحفيز الاستثمارات والمصالح وتعزيز إيرادات الدولة بالاستفادة من فك الحصار ورفع العقوبات عليها والنهوض بمستوى الصادرات وذلك من أجل مواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة خلفتها تداعيات جائحة فيروس كورونا التي دمرت أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني.
ورغم ضعف استعداد إيران لخوض حرب مدمرة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل أو دول الخليج، تقوم أغلب مراكز الفكر والدراسات الإسرائيلية والأمريكية الصهيونية[10] بزيادة تضخيم خطر الترسانة الصاروخية لإيران والتهديد النووي الإيراني من اجل الحث على ضربها حتى تتخلص من أكبر قوة تكن لها العداء في المنطقة، وهو التمشي نفسه الذي اعتمدته بالنسبة للتحريض ضد النظام العراقي السابق أيام صدام حسين حين قامت إسرائيل بحملة ترويج عالمية للتحسيس بخطورة التهديد التي تمثله أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة.
وحسب رصد الأرقام المعلنة من بعض مراكز الفكر الصهيونية تم ملاحظة بعض الأخطاء في التقدير التي تسهم في تزييف الحقائق من خلال التضخيم المبالغ فيه لإحصائيات قوة إيران التي تصفها تقارير مختلفة بان أغلب ترسانتها العسكرية متهالكة وقديمة وخاصة قوتها الجوية والتي تعتبر نقطة ضعفها مقارنة بدول الخليج التي تتركز قوتها على أسطولها الحربي الجوي الذي يضم أكثر المقالات تطورا خاصة مع الصفقات التي ابرمتها الإمارات والسعودية العام الماضي. وكان توسع القوة الجوية لدول مجلس التعاون الخليجي سريعًا ومدفوعًا إلى حد كبير بالتنافس الإقليمي مع إيران[11].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] CSIS report, Nuclear Weapons: The Growing Risk, December 9, 2021, https://www.csis.org/analysis/nuclear-weapons-growing-risk
[2] JACOB MAGID, Biden national security adviser to host Israeli counterpart for talks on Iran, timesofisrael, 2021, https://www.timesofisrael.com/biden-national-security-adviser-to-host-israeli-counterpart-for-talks-on-iran/
[3] Top Iran official: If Israel attacks, response will cause trillions in damage, Times of israel, oct 2021, https://www.timesofisrael.com/top-iran-official-if-israel-attacks-response-will-cause-trillions-in-damage/
[4] Garrett Nada, Raisi’s First Moves on Foreign Policy, United States Institute of Peace, September 23, 2021, https://iranprimer.usip.org/blog/2021/sep/22/raisi%E2%80%99s-first-steps-foreign-policy
[5] البيان الختامي للدورة الثانية والأربعين لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الرياض ديسمبر 2021، https://www.gcc-sg.org/ar-sa/Statements/SupremeCouncil/Pages/Announcement42.aspx
[6] Robert Czulda, Is Iran going on an arms shopping spree in Moscow?, atlanticcouncil, November 10, 2021, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/is-iran-going-on-an-arms-shopping-spree-in-moscow/
[7] Paul Iddon, Iran’s Air Force Still Not Likely To Acquire New Fighters Anytime Soon, forbes, april 2021, https://www.forbes.com/sites/pauliddon/2021/04/30/irans-air-force-still-not-likely-to-acquire-new-fighters-anytime-soon/?sh=56cf38a7456a
[8] Farzin Nadimi; Iran’s Ballistic Missile Arsenal Is Still Growing in Size, Reach, and Accuracy, Policy Analysis, PolicyWatch 3557, december 2021, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/irans-ballistic-missile-arsenal-still-growing-size-reach-and-accuracy
[9] Jon Lake, The Expansion of GCC Air Power, February 16, 2021, https://www.armadainternational.com/2021/02/the-expansion-of-gcc-air-power/
[10] Dennis Ross, The Threat of War Is the Only Way to Achieve Peace with Iran, Washington institute, Oct 27, 2021,https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/threat-war-only-way-achieve-peace-iran
[11] Jon Lake, The Expansion of GCC Air Power,
February 16, 2021,https://www.armadainternational.com/2021/02/the-expansion-of-gcc-air-power/