– دول الخليج تحرص على تعزيز مناخ الاستقرار والسلام من اجل تعزيز رؤيتها التنموية المستقبلية
– إيران تسعى لفك العزلة الاقتصادية والديبلوماسية عنها من اجل دفع مصالحها الاقتصادية
– إعادة تموقع اقتصاديات دول الخليج في الاقتصاد العالمي يحثها على تعزيز بيئة الأمن في المنطقة
– رغبة مشتركة إيرانية خليجية في القفز على الخلافات وتحسين تبادل المصالح
– التبادل التجاري الإيراني الخليجي حاسم في انقاذ مصير الصادرات الإيرانية
– الانسحاب الأمريكي من المنطقة يحفز دول الخليج على تغليب مصلحة الأمن على الخلافات التاريخية مع خصومها
– ضعف فادح في القوة الجوية الإيرانية يجعلها تراهن على قوة الردع الصاروخية
الكويت، 20 ديسمبر 2021 (csrgulf): تسعى دول الخليج الى تجنب مواجهة مسلحة مع إيران ترغب بها إسرائيل. فأي صراع خليجي إيراني قد يكون مدمرا لجهود تنمية ضمان ازدهار أجيال المستقبل في المنطقة والدول الخليجية تحديداً. حيث بات مستقبل اقتصاديات دول الخليج مرتبط بشكل وثيق بمؤشر الأمن والسلام وليس بتجارة النفط.
وحسب ملخص ورقة بحثية أعدها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث لا تستفيد دول الخليج من ارتفاع مؤشر التوتر والتسلح[1]، حيث قد يؤثر سلباً على ميزة مناخ الاستقرار والسلم الداخلي التي تعرفه أغلب البلدان الخليجية[2]. وتحت ضغط زيادة وتيرة الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، أيقنت دول الخليج، المطوقة بدائرة من الصراعات المتدخلة فيها إيران، حاجتها الماسة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، للمساهمة في إنهاء النزاعات في المنطقة ودعم الاستقرار والسلام من أجل دعم مقومات التنمية الاقتصادية غير النفطية واستقطاب الاستثمارات الخارجية وتحريك عجلة مشاريع الاقتصاد بعيدا عن التعويل على النفط، مع توفير الضمانات الكافية لإنعاش افاق ازدهار حياة الخليجيين والحفاظ على حياة الرفاه في مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا وعصر ما بعد النفط الذي بات استشرافه أقرب من التوقعات السابقة[3].
ولا يبدو أن دول الخليج قد تخاطر ببيئة الاستقرار والسلام التي تميزها عن دول كثيرة في المنطقة. بيئة السلام الداخلي لطالما ساعدتها في تعزيز حركة التجارة والسياحة الاستثمار مع الخارج، وتعزيز نمو هذه القطاعات يمثل ركيزة النهضة المستقبلية لدول الخليج التي تتجه بوتيرة متفاوتة السرعة نحو التخلص من الارتباط التاريخي بالثروة النفطية كمصدر رئيس للدخل.
تحقيق عامل الاستقرار يدعم رغبة دول الخليج في حدوث اتفاق مع إيران وترسيخ حسن الجوار، وهو ما حاول زعماء الخليج التلويح به كمبادرة حسن نوايا تجاه طهران من خلال تحليل البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة بالرياض[4]. وأكد البيان الختامي “ضرورة التزام إيران بالأسس والمبادئ الأساسية المبنية على ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي ومبادئ حُسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ونبذ الطائفية. وأعرب البيان أيضاً عن تطلع الدول الخليجية إلى أن يكون للإدارة الإيرانية الجديدة دور إيجابي في القيام بمبادرة من شأنها تخفيف حدة التوتر وبناء الثقة بين مجلس التعاون وإيران[5]. الا أن البيان أكد أيضاً “ضرورة مشاركة دول المجلس في أي مفاوضات دولية مع إيران وجميع المباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة في هذا الشأن، نظراً لما لهذا الملف من أهمية قصوى تتعلق بأمن وسلامة واستقرار دول المنطقة”. من جهتها دعت إيران الدول الخليجية لإعادة النظر في رؤيتها للقضايا الإقليمية واستبدال الاتهامات بالتعاون، وذلك في تعليقها على البيان الختامي لقمة دول الخليج العربي الأخيرة في الرياض.
وكما تحذر طهران من سوء نية القوى الدولية في محادثات الاتفاق النووي المتعثرة[6]، تحذر دول الخليج في المقابل من سوء نوايا إيران إزاء رغبتها في السلام وحسن الجوار مع البلدان الخليجية والتي أعلنها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنفسه وتطالب بإثبات حسن النوايا[7]، فضلاً عن استفهام خليجي مستمر عن مدى حقيقة أهداف التقارب الايراني مع دول الخليج. في هذا الصدد، تعرب طهران بدورها قلقها وشكوكها أيضاً من حقيقة تقارب دول الخليج مع إسرائيل[8] ومغبة التحالف الخليجي الإسرائيلي الأمريكي ضدها. وبذلك تشترك دول المنطقة في أزمة ثقة متبادلة.
لذلك من ترجح التوقعات أن تسبق أي مفاوضات جدية لسلام عادل بين إيران ودول الخليج اثبات جميع الأطراف لخطوات وتصريحات ايجابية تؤكد جدية أهداف المصالحة المنشودة من الطرفين والتي تخدم مصالح شعوب الخليج وإيران وتقطع الطريق أمام تغلغل إسرائيلي هدفه تفكيكك القوة الخليجية المناشدة للوحدة وتعزيز النفوذ الاقتصادي والعسكري في الشرق الأوسط.
وتتنافس السعودية وإيران بشكل خاص على النفوذ في المنطقة. هذا التنافس تجسد في الحرب الدائرة في اليمن وفي لبنان والصراع في العراق وسوريا. في لبنان على سبيل المثال يثير توسع نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران توتر العلاقات بين بيروت ودول الخليج. وسعيا لعدم تصعيد هذا التوتر الى صراع مباشر، تسعى الرياض و أبوظبي، القلقتان إزاء طموحات إيران النووية وتطوير برنامجها الصاروخي وعلاقتها المستمرة بحلفائها في المنطقة، الى بناء أساس تفاوض صلب مع طهران لاحتواء التوتر وتحسين العلاقات وفق تقارب المصالح والقفز على الخلاف الأيديولوجي.
ومنذ قدومه رئيسا جديدا لإيران صرح الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إن أولويات سياسته الخارجية ستعمل على تحسين العلاقات مع الجيران الخليجيين[9]. في المقابل، طالب قادة دول الخليج في قمتهم الأخيرة بالرياض طهران بتقديم مؤشرات حقيقية على حسن النية[10] إزاء هدف تطبيع العلاقات الديبلوماسية وتحسين مستوى المصالح التجارية.
وتسعى طهران الى اختراق التحالف الخليجي الأمريكي الإسرائيلي بصدد التبلور[11] ضد النظام الإيراني، وتستبق أي تحركات عسكرية ضدها بزيادة القيام بمناورات ومبادرات ديبلوماسية عبر الضغط تارة واللين تارة أخرى وعرض مبادرات السلام مع شرط عدم فقدان مصالحها في مناطق نفوذها في المنطقة وتجميد توسيع أنشطتها وكلائها في الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط.
وتقود الامارات جهود ديبلوماسية وتنسيقا استخباراتيا من اجل التفاوض مع السلطات في إيران حول الوصول الى توافق حول القضايا الخلافية وخاصة قضية السيادة على الجزر الإماراتية الثلاث. ورغم التوتر المبطن بين أبو ظبي وطهران، نمى حجم وقيمة التبادل التجاري بين البلدين حيث تعتبر المبادلات التجارية الايرانية مع الامارات الأكثر قيمة مقارنة مع بقية دول المنطقة. وقد زار كل من المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، طهران خلال الأشهر الأخيرة. حيث وان تشارك الامارات المخاوف الإقليمية حول السياسات والأنشطة الإيرانية في المنطقة لكنها ترى أن “المواجهة العسكرية ليست السبيل الأمثل”.
في المقابل، شكّلت زيارة نائب وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية علي باقري إلى كل من الإمارات والكويت خطوة انفتاح جديدة على الدول الخليجية قبل أيام من استئناف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فيينا.
مصالحة تاريخية محتملة تدفع لها مصالح حيوية مشتركة
تسير دول الخليج وإيران نحو مفاوضات محتملة غير مسبوقة من أجل مصالحة تاريخية مرتبطة بتبادل المصالح والالتزام بعدم الاعتداء أو التدخل في شؤون الدول الأخرى وقد ترى النور في 2022.
الترجيحات تفترض تحمّس الإيرانيين في حال ابرام اتفاق نووي مع الغرب لدعوة دول الخليج الى قمة مشتركة والنظر في إمكانية عقد حوار مباشر قد يخرج بخارطة طريق لسلام ترغبه دول الخليج وإيران. وقد يكون عام 2022 حاسما لتبلور احتمالات اللجوء لطاولة المفاوضات.
وتراهن إيران على خفض التوتر مع دول الخليج وتطوير علاقات مصالح أكبر ورفع نسبة التبادل التجاري. حيث انخفض حجم التبادل التجاري بين إيران دول الخليج مقارنة مع 2018[12] وتسعى الحكومة الايرانية لإنعاش الصادرات الإيرانية نحو السوق الخليجية مستقبلاً. وكان المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي صرح هذا العام أن حجم التبادل التجاري بين طهران و15 دولة مجاورة بلغ قيمة 22 مليارًا و588 مليون دولار خلال 6 أشهر الأخيرة من العام الجاري حسب وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية. ويمثل حجم التبادل التجاري لإيران مع الدول الجارة خاصة الدول الخليجية يشكل 60% من حيث الكم الإجمالي للتبادل التجاري الخارجي لإيران، و50% من حيث القيمة.
وتنتهج السعودية مسارا براغماتياً أكثر من أي وقت مضي في تحديد تحالفاتها الإقليمية والدولية بما يخدم مصالح شعبها وشعوب المنطقة ويجنبها الدخلة في صراعات قد تؤثر على مواردها المالية وخططها التنموية المستقبلية واستقرارها الداخلي. في المقابل، تدفع المتغيرات الجيو-استراتيجية التي طرحتها تداعيات الجائحة وتذبذب أسعار النفط، الإيرانيين قبل الخليجيين الى الاهتمام بتحقيق انجاز ديبلوماسي العام المقبل يخرج إيران من عزلتها. ولا يمكن ان يتحقق ذلك كما تؤكد توصيات لمنظمات الدولية الا من خلال عقد اتفاق نووي مع المجتمع الدولي وخفض مؤشر التوتر مع دول الخليج.
وكانت إيران والمملكة العربية السعودية (الخصمان اللدودان الإقليميان) استهلتا محادثات رسمية في بغداد في أبريل 2021. ولعب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دورًا رئيسيًا في اقناع البلدين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وعقدت المحادثات بين خالد الحميدان، رئيس المخابرات العامة بالمملكة العربية السعودية، وسعيد إرافاني، نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. في 5 مايو 2021، أكد الرئيس العراقي برهم صالح أن إيران والسعودية أجريا محادثات “أكثر من مرة” وأضاف أن المحادثات لا تزال “جارية”. على الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل المحادثات، أشارت التقارير إلى أن قضية اليمن احتلت مكانة بارزة في المناقشات[13].
مصلحة إيران من حسن الجوار مع دول الخليج
براغماتية إدارة التنافس والصراع التاريخي بين القوتين الاقليميتين الإيرانية والخليجية قد تدفع النظام الإيراني لاختيار سياسية خفض التوتر مع دول الخليج بعد ظهور مصدر قلق جديد ينمو بشكل متسارع في السنوات الأخيرة يتمثل في تمدد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة من خلال علاقات التطبيع[14] الجارية والتي تعزز المصالح الاسرائيلية مع بعض دول الخليج وصولاً الى مشروع تأسيس حلف دفاعي مشترك ضد ايران[15]، وهو متغير استراتيجي ومبعث قلق ومصدر تهديد تأخذه الإدارة الإيرانية على محمل الجد وتنظر في التكيف معه بتمعن، وقد يكبحها هذا المتغير عن القيام بتهور غير محسوب قد تتكبد على اثره خسائر كبرى قد تطيح نهائياً بطموحات ايران في التحول الى قوة إقليمية مترامية وصلبة المقومات خاصة بالنظر لرغبة ملحة في تحسين القوة الاقتصادية والعسكرية المستنزفة والمتهالكة خاصة في ظل تراجع الموارد الكافية لتطويرها بعد انتكاسة إيرادات ايران المالية تحت وقع تداعيات جائحة كورونا الكارثية[16].
هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي في إيران[17] يبعث بمخاوف وقلق جدي لضرورة استجابة النظام لهذه المتغيرات الكارثية التي عمقتها جائحة كورونا كما يشير الى حساسية الحكومة الإيرانية في التعامل مع التحديات الداخلية خشية فقدان السيطرة على التداعيات المتوسطة المدى خاصة مع تمعق الاختلالات بين الإنفاق والاستثمار والقدرة المعيشية.
لكن رغم تغير الرئيس الإيراني بقيت سطوة خيارات المرشد والحرس الثوري هي من تحدد ملامح السياسة الخارجية والاقتصادية الإيرانية. لكن بدأت تتبلور معالم ليونة وتكتيك في التعامل مع شروط الغرب مع تعهدات قد تكون مؤقتة ولكن تفرضها مقتضيات رغبة الانفتاح الاقتصادي من اجل إنعاش مستقبل الازدهار الإيراني غير الواضح في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية.
وبذلك فان إيران تسعى بدورها بكل جهد في رفع العقوبات وإقامة هدنة مؤقتة في مخططات توسع نفوذها في المنطقة وتسعى أيضا الى تطبيع مصلحي لعلاقاتها مع دول الحوار لتجنب مواجهة عسكرية أيضا قد تكون إسرائيل أكبر محرض لها وطرفا فيها وقهو ما قد يجر الولايات المتحدة ودول الخليج الى صراع تخشاه كل دول المنطقة لما له من اثار وخيمة قد تدخل شعوب المنطقة في أكبر كارثة في القرن يشهدها الشرق الأوسط.
وتستمر لهجة التصعيد والضغط على الطرف الدولي والاقليمين من اجل جني أكبر نسبة من المصالح اثناء التفاوض سواء على الاتفاق النووي او على السلام مع دول الخليج وتحييد تهديدات إسرائيل والقطع امام توغلها في دول الخليج، حيث ان قطعت إيران ذريعة تهديدها لدول الخليج، لم تعد هناك دوافع منطقية لتعزيز علاقات الخليجية الإسرائيلية، حيث ان ميزان المصالح بين دول الخليج وإسرائيل يصب لصالح الدولة العبرية. فإسرائيل بعد تعزيز اكتفائها الذاتي من الطاقة، ليست في حاجة الى منتجات دول الخليج البترولية بقدر حاجتها الى أسواقها من اجل تصدير بضائعها وإنعاش صادرات شركاتها.
مصلحة دول الخليج من حسن الجوار مع إيران
دول الخليج تواجه متغيرات استراتيجية كثيرة أبرزها الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة وتداعيات الجائحة الاقتصادية وعدم اليقين حول مستقبل النفط والرغبة في زيادة الاندماج مع الاقتصاد العالمي ومقاومة شبح التغيرات المناخية. هذه المتغيرات تدفع البلدان الخليجية الى اعتماد سياسات أكثر براغماتية وليونة في التعامل مع التحديات والتهديدات والخصوم التقليديين خاصة إيران وإسرائيل. حيث تبرز رغبة في تجاوز الخلافات الأيديولوجية وضمان استقرار المنطقة والنأي بها عن أي صراع مدمر، وذلك من اجل تعزيز مصالح الدول الخليجية المرتبطة بمدى توفر الأمن والاستقرار. هذا التوجه تشترك فيه إيران تماما مع دول الخليج، حيث يسعى النظام الإيراني بقيادة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الى تحسين أداء الديبلوماسية وتقليص العداء الخارجي لطهران وتوسيع شبكة الأصدقاء. لكن تبقى ملفات عالقة ويحوم حولها خلاف عميق خاصة في الشأن اليمني هو ما قد يعكر صفو نوايا إقامة علاقات حسن جوار خاصة بين إيران والسعودية.
في هذا الصدد، لعبت الكويت دورا محوريا في تعزيز ديبلوماسية الحوار وتغليب الحلول السلمية بين إيران ودول المنطقة[18]. حيث تحظى الكويت بثناء مميز من صناع السياسية الخارجية الإيرانية، فالحكومة الإيرانية تسعى باستمرار لتمتين العلاقات مع الحكومة الكويتية وتجاوز الخلافات وترسيخ الثقة وذلك من أجل الاعتماد على دور الكويت في الوساطة لإذابة ثليج الخلافات التاريخية بين إيران ودول المنطقة. لكن يبقى العائق نفسه من يحول دون تحسن العلاقات وهو المطلب الخليجي الملح لإيران من اجل خفض دعمها للمليشيات الموالية لها في كل من العراق واليمن وحتى في لبنان وسورية. الا أن هذا الموضوع يبدو انه مرفوض للنقاش بالنسبة لإيران حيث تعتبره مسألة سيادية يهيمن على ادارتها الحرس الثوري[19] والذي تعتبر تصوراته في السياسة الخارجية الإيرانية مزعجة ومصدر قلق بالنسبة لجل دول الخليج.
ومن أجل طرح قضايا تخص الخلافات الخليجية الإيرانية، هناك توقعات بمضي إيران في تهيئة الظروف المناسبة العام المقبل لعقد مفاوضات أخرى ومباشرة مع دول الخليج قد تصل الى مستوى عقد قمة مشتركة. وهذا الاحتمال لا يمكن أن يكون فرضية قابلة للتحقق دون توصل إيران لاتفاق نووي مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية.
الا أن التفاوض حول قضايا أبرزها الميليشيات التابعة لإيران والمتدخلة في شؤون منطقة الخليج والتدخل الإيراني في الشأن العراقي واليمني والسوري واللبناني ومحاولات التدخل في الشأن البحريني، والخلافات الحدودية خاصة مع الامارات، والتهديدات التي تمثلها أسلحة ميلشيات الحوثي على السعودية، وهي كلها ملفات تريد دول الخليج طرحها على طاولة تفاوض مباشر على أعلى مستوى.
في الأثناء، تخشى دول الخليج من تأثير حصول اتفاق بين إيران والغرب على زيادة عدوانية سياسات طهران إزاء دول الخليج، حيث ان تمكين إيران من فك عزلتها الاقتصادية والسياسية قد يمنحها قدرة أكبر على الالتفاف على المحاذير الدولية وتطوير برنامجها النووي أكثر مع يشعرها بالتفوق على بقية جيرانها ويدفعها الى زيادة استفزاز دول الخليج عبر دعم ميليشياتها في منطقة الخليج وزيادة التدخل في شؤون الخليج بدعوى حماية الشيعة.
ولا تخفي بعض دول الخليج في مقدمتها السعودية خشيتها من خطر تحسين الاتفاق النووي الإيراني لموقف إيران الاقتصادي والحصول على موارد أكبر قد تذهب نحو تمويل التسلح والإرهاب والميليشيات الموالية لها في مناطق نزاع في الجوار الخليجي أبرزها اليمن والعراق وسوريا. المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سالم اليامي عبر عن عدم رضا دول الخليج العربي عن الموقفين الأميركي والأوروبي من مفاوضات القوى الدولية الجارية مع إيران في العاصمة فيينا بشأن حسم ملف طهران النووي. حيث تبقى هناك خشية سعودية من ارتدادات سلبية لاتفاق نووي على زيادة نشاط السياسات الإيرانية العدائية في منطقة الخليج والشرق الأوسط وخاصة في منطقة اليمن.
وأدركت بعض دول الخليج الحاجة الماسة لتجنب صراعات في المنطقة، حيث بادرت الامارات والسعودية لتمهيد أرضية للحوار المباشر والتباحث[20] حول أسس لإقامة حسن جوار مع إيران تنهي عقودا من التوتر وعدم الاستقرار والذي يحدد مصير منطقة الشرق الأوسط باسرها. رغم ذلك تبقى المخاوف الخليجية قائمة وان انتفت التهديدات العسكرية أو التدخل المباشر، من التفاف إيران على أي مصالحة قد تنعقد بينها وبين دول الخليج، من اجل التدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية لدول الخليج بتعلة مساعدة المكونات الشيعية في المجتمعات الخليجية. الا ان سياسات دول الخليج التي اعتمدت على احتواء جميع مكوناتها وعدم اقصاء مواطنيها على أساس الطائفة، قد تغلق الباب اما التدخل الإيراني لتبقى فقط بوابة المصالح التجارية والاقتصادية التي قد يكون ميزانها لصالح الطرفين.
تسلح محموم لا يعكس رغبة الحرب
اندرجت كل من إيران ودول الخليج في سباق تسلح محموم منذ سنوات وبلغ ذروته عام 2019 من خلال ارتفاع الانفاق العسكري. هذا السباق وان بات يدق طبول الحرب حسب وسائل الاعلام الإسرائيلية، الا أن رغبة إيران في إنجاح مسار المفاوضات المتعثر حول الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب يعكس تغيرا تدريجياً في أساليب النظام الإيراني واعتماده المهادنة للتعامل مع دول الإقليم والعالم في المرحلة المقبلة. ويسعى النظام الايراني بشكل جدي نحو الخروج من عزلته الإقليمية والدولية من اجل تحفيز الاستثمارات والمصالح وتعزيز إيراداته بالاستفادة من فك الحصار عليه ورفع مستوى الصادرات وذلك من أجل مواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة خلفتها تداعيات جائحة فيروس كورونا التي دمرت أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني.
ورغم الانكماش في الإيرادات الإيرانية وأزمة اقتصادية خانقة، أعربت طهران عن اهتمامها بدعم منظومتها الدفاعية تحسباً لأي هجمات خارجية خاصة بعد تكرر تهديدات إسرائيل بضرب إيران ومصالحها في الداخل. فخلال زيارة أخيرة لموسكو منتصف أكتوبر، التقى رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وأكد أن طهران قد تكون مهتمة بشراء بعض الأسلحة الروسية الجديدة. ولجأت إيران مرارًا إلى روسيا للحصول على أسلحة لا تستطيع إنتاجها في الداخل، بما في ذلك شراء نظام صواريخ أرض-جو بعيد المدى من طراز S-300. بالإضافة إلى ذلك، اشترت إيران غواصات من فئة (877EKM) ودبابات T-72 ومركبات مشاة مدرعة BMP-2 وطائرات هليكوبتر من طراز Mi-17 وأنظمة مختلفة مضادة للدبابات[21].
ويمكن تبرير اهتمام إيران بتعزيز مستوى تسلحها بضعف كبير تعاني منه القوات الإيرانية خاصة على مستوى القوات الجوية لجمهورية إيران الإسلامية (IRIAF) التي تشكو من أسطول متهاكل يضم مقاتلات قديمة جدًا، لا سيما بالمقارنة مع منافسيها الإقليميين كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللذان يمتلكان مقاتلات متقدمة للغاية. ولا يزال أسطول القوات الجوية الإيرانية أغلبه تم الحصول عليه عندما كانت إيران حليفًا للولايات المتحدة قبل عام 1979 في ظل نظام الشاه. ومنذ ذلك الحين، انتقل أسطول المقاتلات الايرانية من مرتبة الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل، إلى واحد من أقدم أسطول في المنطقة[22].
لكن على صعيد آخر، لاتزال ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية تنمو من حيث الحجم والمدى والدقة. حيث ضاعفت طهران من الأهمية الاستراتيجية لأنظمة الصواريخ التي يمكن أن تهدد القوات الأمريكية وحلفائها[23]. ويترجم سباق التسلح إقامة توزان في القوة بين إيران ودول الخليج وإسرائيل، حيث لا تسعى إيران للخوض في حرب خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية المتردية والتي تضعف النظام من الداخل.
ورغم ضعف استعداد إيران لخوض حرب مدمرة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل أو دول الخليج، تقوم أغلب مراكز الفكر والدراسات الإسرائيلية والأمريكية الصهيونية بزيادة تضخيم خطر الترسانة الصاروخية لإيران والتهديد النووي الإيراني من اجل الحث على ضربها حتى تتخلص من أكبر قوة تكن لها العداء في المنطقة، وهو التمشي نفسه الذي اعتمدته بالنسبة للتحريض ضد النظام العراقي السابق أيام صدام حسين حين قامت إسرائيل بحملة ترويج عالمية للتحسيس بخطورة التهديد التي تمثله أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة.
وحسب رصد الأرقام المعلنة من بعض مراكز الفكر الصهيونية تم ملاحظة بعض الأخطاء في التقدير التي تسهم في تزييف الحقائق من خلال التضخيم المبالغ فيه لإحصائيات قوة إيران التي تصفها تقارير مختلفة بان اغلب ترسانتها العسكرية متهالكة وقديمة وخاصة قوتها الجوية والتي تعتبر نقطة ضعفها مقارنة بدول الخليج التي تتركز قوتها على أسطولها الحربي الجوي الذي يضم أكثر المقالات تطورا خاصة مع الصفقات التي ابرمتها الإمارات والسعودية العام الماضي. وكان توسع القوة الجوية لدول مجلس التعاون الخليجي سريعًا ومدفوعًا إلى حد كبير بالتنافس الإقليمي مع إيران[24].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] Ross Harrison, The GCC versus Iran: Low Intensity War, High Intensity Conflict, Research Paper | 4 April 2021, https://www.dohainstitute.org/en/Lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/The-GCC-versus-Iran-Low-Intensity-War-High-Intensity-Conflict.pdf
[2] Rabah Arezki, Aitor Erce, A stability mechanism for the Gulf countries, DECEMBER 01, 2020, https://theforum.erf.org.eg/2020/12/01/stability-mechanism-gulf-countries/
[3] Criselda Diala-McBride, GCC economies adapt to life in a post-oil era, 11 Oct 2017, https://informaconnect.com/gcc-economies-adopt-to-life-in-a-post-oil-era/
[4] البيان الختامي للدورة الثانية والأربعين لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الرياض ديسمبر 2021، https://www.gcc-sg.org/ar-sa/Statements/SupremeCouncil/Pages/Announcement42.aspx[5] البيان الختامي للدورة الثانية والأربعين لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الرياض ديسمبر 2021، https://www.gcc-sg.org/ar-sa/Statements/SupremeCouncil/Pages/Announcement42.aspx
[6] STEPHANIE LIECHTENSTEIN,Iran nuclear talks go back to the future, December 18, 2021, https://www.politico.eu/article/iran-nuclear-deal-talks-go-back-to-the-future/
[7] Yousef Saba, Gulf Arab summit calls for action, not words from Iran, Reuters, december 2021, https://www.reuters.com/world/middle-east/gulf-summit-aims-signal-solidarity-amid-iran-tension-2021-12-14/
[8] Sina Azodi, Why is Iran concerned about the peace agreement between the UAE and Israel?, August 20, 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/why-is-iran-concerned-about-the-peace-agreement-between-the-uae-and-israel/
[9] Garrett Nada, Raisi’s First Moves on Foreign Policy, United States Institute of Peace, September 23, 2021, https://iranprimer.usip.org/blog/2021/sep/22/raisi%E2%80%99s-first-steps-foreign-policy
[10] البيان الختامي للدورة الثانية والأربعين لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الرياض ديسمبر 2021، https://www.gcc-sg.org/ar-sa/Statements/SupremeCouncil/Pages/Announcement42.aspx
[11] Reza Vaisi, Iran, the GCC, and the failure of HOPE, September 24, 2020, https://www.mei.edu/publications/iran-gcc-and-failure-hope
[12] See World trade partners to iran, https://oec.world/en/profile/country/irn
[13] Prasanta Kumar Pradhan, Saudi-Iran Talks: Ray of Hope in the Gulf, Manohar Parrikar Institute for Defence Studies and Analyses (MP-IDSA), May 2021, https://idsa.in/idsacomments/saudi-iran-hope-in-gulf-pkpradhan-250521
[14] Omar Rahman, The emergence of GCC-Israel relations in a changing Middle East, Brookings, July 28, 2021, https://www.brookings.edu/research/the-emergence-of-gcc-israel-relations-in-a-changing-middle-east/
[15] Jonathan Hoffman, Why Gulf nations are normalizing ties with Israel, Washington post, September 24, 2020,https://www.washingtonpost.com/politics/2020/09/24/why-gulf-nations-are-normalizing-ties-with-israel/
[16] Tony Blair Institute Report, An Unstable Iran: How Covid-19 Could Impact the Domestic Situation, April 25 2020, https://institute.global/policy/unstable-iran-howcovid-19-could-impact-domestic-situation
[17] Tony Blair Institute Report, An Unstable Iran: How Covid-19 Could Impact the Domestic Situation, April 25 2020, https://institute.global/policy/unstable-iran-howcovid-19-could-impact-domestic-situation
[18] Abdullah Baabood, QATAR, KUWAIT, AND OMAN, European council on foreign relations, https://ecfr.eu/special/battle_lines/qatar_regional
[19] Tony Blair institute for Global Change, Mapping the IRGC’s Global Activity, 1979–present, https://institute.global/policy/irgc-global-tracker
[20] A Time for Talks: Toward Dialogue between the Gulf Arab States and Iran, REPORT 226 / MIDDLE EAST & NORTH AFRICA 24 AUGUST 2021, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/226-time-talks-toward-dialogue-between-gulf-arab-states-and-iran
[21] Robert Czulda, Is Iran going on an arms shopping spree in Moscow?, atlanticcouncil, November 10, 2021, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/is-iran-going-on-an-arms-shopping-spree-in-moscow/
[22] Paul Iddon, Iran’s Air Force Still Not Likely To Acquire New Fighters Anytime Soon, forbes, april 2021, https://www.forbes.com/sites/pauliddon/2021/04/30/irans-air-force-still-not-likely-to-acquire-new-fighters-anytime-soon/?sh=56cf38a7456a
[23] Farzin Nadimi; Iran’s Ballistic Missile Arsenal Is Still Growing in Size, Reach, and Accuracy, Policy Analysis, PolicyWatch 3557, december 2021, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/irans-ballistic-missile-arsenal-still-growing-size-reach-and-accuracy
[24] Jon Lake, The Expansion of GCC Air Power,
February 16, 2021,https://www.armadainternational.com/2021/02/the-expansion-of-gcc-air-power/