-
العفو الانتقائي يؤثر على الوحدة الوطنية
-
استمرار ضبابية التعاون والرؤية
-
ديمقراطية الكويت التمثيلية العريقة أمام مفترق طرق بين تحديات الإصلاح الحقيقي والوهمي
-
هل يجب مراجعة التشريعات الأخلاقية المقيدة لحرية التعبير في الكويت؟
-
مراجعة العقوبات المجرمة لحريات الراي والتعبير
-
توسع صلاحيات السلطة التقديرية لفرض الرقابة على حريات الرأي والتعبير
-
تناقض ظروف اصدار الدستور الكويتي مع الواقع الحالي والتحديات الراهنة
-
تطلعات الشباب لتعديل الدستور بين الخيار والضرورة
الكويت، 6 ديسمبر 2021 (csrgulf): لا يبدو أن المصالحة السياسية بدون تعديل قوانين واجراءات تحد من حريات الرأي والتعبير قد تمهد أو تؤسس لمصالحة واستقرار سياسي بعيد المدى في الكويت.
المصالحة السياسية في الكويت وان طوت صفحة من التوتر بين السلطة التنفيذية والمعارضة، الا أنها لا تلبي سقف تطلعات فئة واسعة من الشباب حسب ملخص بحثي لمركز (csrgulf) تناول دراسة تحليل المحتوى الرقمي لتعليقات شريحة من الكويتيين على منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة.
المصالحة وان كان توقيتها يبعث على التفاؤل الا أنها انتقائيتها في العفو عن معارضين دون آخرين فضلا عن عدم شمولها اصلاحا شاملا للمنظومة القانونية والسياسية، قد تؤثر في النهاية على الوحدة الوطنية لتمييزها بين فئات معارضة وأخرى، وقد لا تؤسس في حال لم تكن شاملة ومقننة لعهد جديد من التعاون والاستقرار السياسي المنشود بعد سنوات من التصادم بين الفاعلين السياسيين حول قضايا خلافية ومزمنة لم تحسم بعد.
المصالحة السياسية حسب دراسات مقارنة مختلفة ان لم تكن أساساتها صلبة فقد تكون مضلّلة ولا تقود حتماً الى نتائج مرجوة أو تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المطلوب والذي يعتر شرطاً ملحاً لتجاوز تداعيات جائحة فيروس كورونا. كما تبرز دعوة من مكونات سياسية مختلفة لكي تؤسس المصالحة لبداية إرساء تعديل جوهري في المنظومة السياسية الكويتية ودستور البلاد حتى تتحقق مصالحة حقيقية وليس انتقائية، تهدف الى تشريك الجميع في اتخاذ القرار وانفاذ القانون على الجميع وزيادة دعم المشاركة الوطنية في تقرير المصير.
الصفحة الجديدة التي تريد الكويت فتحها مع مختلف التيارات السياسية لتقليص بواعث التوتر والتصادم بين البرلمان والحكومة المقبلة قد لا تجني ثمارها في المدى القريب بدون حوار وطني لإصلاح شامل يؤسس للكويت الجديدة وينسجم مع تحديات مرحلة ما بعد جائحة كورونا واستشراف عصر ما بعد النفط.
وقد يضفي زخم عودة رموز المعارضة الشعبية في الكويت نظرة مقلقة حول آفاق التعاون بين السلطتين والليونة المطلوبة لتجاوز الخلافات المزمنة خاصة إذا كانت الحكومة المقبلة قد لا تلبي طموحات المعارضين ولا تتفق مع اولياتهم التي تتمثل خاصة في الإصلاح السياسي وتعديل النظام الانتخابي ومعارضة كل توجهات التقشف وتقليص الدعم ومشاريع الخصخصة وإصلاح التوظيف وإعادة النظر في المنح والامتيازات وإمكانية تقليص دور الدولة في الاقتصاد والخدمات.
من جهة أخرى، بعض الفرضيات ترجح أن الحكومة المستقيلة كانت تحت ضغط لتمرير قانون الديون مع اقتراب أزمة السيولة ولذلك هي في أمس الحاجة لتقليص فرص التصادم مع المعارضة عبر الدفع بالمصالحة السياسية. وتواجه الحكومة المقبلة مجموعة هائلة من التحديات الاقتصادية. حيث تضررت الكويت بشدة من جراء التراجع المرتبط بالوباء في الطلب العالمي على النفط وتكرار الإغلاق الكامل والجزئي، بما في ذلك المخاوف من فرض قيود أخرى جراء تجدد القلق حول احتمال مواجهة موجة رابعة من فيروس كورونا. وتمثل صادرات النفط ما يقرب من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي الكويتي و90٪ من الإيرادات الحكومية. وبسبب الانهيار في أسعار النفط وإنتاجه منذ بداية الجائحة الى الصيف الماضي، حيث عاودت أسعار النفط منذ بداية الخريف التعافي بقوة مدفوعة بتجدد الطلب، انكمش الاقتصاد الكويتي بأكثر من 8٪ العام الماضي وسجل أعمق ركود بين دول مجلس التعاون الخليجي، وانخفضت الإيرادات الحكومية بنحو الثلث، مما تسبب في ارتفاع العجز إلى أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي[1].
ومن الصعب رؤية نواب المعارضة مخافة خسارة مكاسبهم الانتخابية في ديسمبر الماضي، يتبنون إجراءات تقشف مؤلمة ولكنها ضرورية، خاصة إذا استمرت أسعار النفط في التعافي.[2] ورغم التناقضات المتوفرة في المشهد السياسي الكويتي والقلق حول مدى انسجام المعارضة مع أولويات القيادة السياسية في المرحلة المقبلة التي تعرف إصلاحات كبرى تحتمها الأوضاع المستجدة، الا أن النظام الديمقراطي الكويتي ما يزال فعّال وماتزال هناك فرص للتيارات المعارضة بمنأى عن المصالحة الأخيرة ابداء رأيها.
ولطالما استشهد الخبراء بالنظام السياسي في الكويت كنموذج إقليمي محتمل لدمجه الناجح للتيارات السياسية العلمانية والإسلامية، الشيعية والسنية على حد سواء. ومع ذلك، منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011، اتبعت الكويت بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في تشديد العقوبات ضد المعارضين عبر الحبس وإلغاء جنسية نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والمنتقدين الآخرين. لكن منذ سبتمبر 2020 دخلت الكويت مرحلة انتقالية جديدة بعد اعتلاء الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم وتعيين مشعل الأحمد الجابر الصباح ولياً للعهد. ويبدو أن القيادة السياسية تسعى لتعزيز الاستقرار السياسي عبر مصالحة سياسية مع المعارضة وذلك من أجل تجاوز سنوات من الشلل السياسي ساهمت في الركود الاقتصادي مقارنة بجيران الكويت الخليجيين الأكثر حيوية اقتصاديًا مثل قطر والإمارات العربية المتحدة[3].
كلفة المصالحة الانتقائية
المصالحة التي تضمنت عفواً خاصاً عن عدد من السياسيين المعارضين وليس كلهم وان تم الإعلان عنها والترحيب الشعبي بها الا أن التلكؤ في اجراءات تحقيق المصالحة الشاملة مع جل المعارضين يعكس عدم وضوح الرؤية الحكومية لأبعاد هذه المصالحة الانتقائية وكلفتها السياسية والاقتصادية وكيفية الاستفادة القصوى منها بعد التصادم المزمن مع نواب المعارضة في مجلس الأمة.
ولا يمكن لهذه المصالحة أن تخفي احباط محاولة دمج اقتراح العفو عن المدانين في قضية اقتحام المجلس مع مطالب العفو الأخرى التي تشمل عشرات المغردين منهم القابع في السجون وآخرون لاجئون في دول أجنبية. فشل الدمج في العفو يأتي لاختلاف التفسيرات والتأويلات وقواعد المصالح السياسية. حيث تبرز فرضية عودة اعتماد نهج احتواء المعارضة مؤقتا من أجل تقليص دوافع التصادم في ظل ظروف ومتغيرات دقيقة.
وقد مرت محاولات السلطة التنفيذية لاحتواء المعارضة في المجلس التشريعي بعدة مراحل، بدءًا من محاولات غير دستورية بشكل صارخ من 1963 إلى 1991. منذ عودة البرلمان بتشجيع من الولايات المتحدة بعد تحرير الكويت في عام 1991، تخلت السلطات عن نهج احتواء المعارضة، وبدلاً من ذلك تم استخدام طريقة حلّ مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة. منذ عام 2009، كانت الحكومة تستغل بشكل متزايد المواد الخلافية وغير المفسرة في الدستور، والنظام الداخلي للمجلس لعرقلة أو تأخير التشريع والرقابة من قبل البرلمان، مما تسبب في خلافات كبيرة حول تفسير المواد مع المعارضة. وغالبًا ما تحسم المحكمة الدستورية هذه الخلافات لصالح الحكومة[4].
على صعيد آخر، مثل هذه المصالحة وان كانت مهمة لدفع استقرار الحياة السياسية في البلاد وزيادة الثقة في العمل السياسي والتعددية وترسيخ قواعد الديمقراطية، الا أنها قد تعطي فرصة كبرى لبقية أطياف المعارضة في الضغط على الحكومة والقيادة السياسية للعفو عن بقية المعارضين خاصة من تعلقت بهم قضايا مرتبطة بحريات الرأي والتعبير وان اختلفوا مع السلطة. كما أن المصالحة وان ميزت بين معارضين واخرين فإنها قد تزيد من تقسيم الجسم السياسي والشعور بالتفرقة.
كما ان إقرار المصالحة من دون إعادة النظر في قوانين تحد من حريات الراي والتعبير قد تزيد من غموض مستقبل ممارسة المعارضة لعملها السياسي. لذلك قد يشعر معارضون آخرون لم تشمل المصالحة بالضيم والتمييز ضدهم وقد تنشأ حالة من اللبس بين حقيقة السماح للمعارضة بنشاطها في انتقاد سياسات السلطة التنفيذية او محاولة استيعابها وربطها بسقف من الحريات والمطالب.
المصالحة ما لم تكن مقدمة لتعزيز قوانين الحريات والتعبير دون قيود ومالا يتعارض مع الدستور وقوانين الوحدة الوطنية فإنها قد تكون فقط عبارة عن صلح تجميلي لا يعكس واقع وجود معارضين اخرين في السجون او في حالة فرار خارج البلاد بسبب قضايا راي.
ولم تتبنى المصالحة السياسية في الكويت لا اصلاحاً أو عفوا شاملاً؛ حيث شملت المصالحة فقط العفو الجزائي عن السياسيين المعارضين اللاجئين الى تركيا، في حين أغفلت العشرات من أصحاب ونشطاء الرأي المخالف للحكومة والذي يقبع بعضهم في السجون أو من هم من ضمن الملاحقين في الخارج بقضايا تتعلق أغلبها بحريات الراي والتعبير.
وتتمثل كلفة المصالحة في أنها قد تعزز شرعية استمرار الحكومة في حين قد تكون تداعياتها كبيرة بالنظر لتأخير الإصلاح الحقيقي الذي يبقى جوهر الخلاف بين السلطتين.
المصالحة الشاملة التي تعفي كل نشطاء الرأي من عقوبة السجن أو الملاحقة الأمنية والقضائية وتفتح مبادرة حوار وطني لترسيخ ثقافة التعبير المسؤول من اجل إصلاح ينقذ مستقبل أجيال البلاد الذي لا يزال غامضا في ظل تردد الحكومة في بتمي خارطة طريق واضحة تستجيب للتحديات الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا والتغيرات المناخية الطارئة والمقلقة والتي تعتبر الكويت بين أكثر دول العالم تضررا بها بسبب الإنتاج العالي لمصدر التلوث الكربوني والذي تمثل الصناعة النفطية بين مسبباتها الرئيسية.
الإصلاح الموجع الذي قد تفرض المتغيرات والذي قد يبدا بتسريع الية التخلي عن الصناعة النفطية حتى وان كانت مربحة مادية الى صناعات أخرى صديقة للبيئة من اجل الحفاظ على المناخ الصحي لأجيال المستقبل، مثل هذا الإصلاح المتطلب لتوافق وطني وثقافة واعية وإصلاح مؤسسي وظيفي وتعليمي ضخم لم يتم اعتماده بعض او يتم التوافق على أولوياته بين السلطتين،
فالحكومة تتبنى الإصلاح دون تنفيذ مراحله الحاسمة في حين تصطدم مع المعارضة التي تتبنى الإصلاح السياسي وترفض جزءا بير من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي خاصة المرتبط بثقافة الريع والإبقاء على الدولة المناحة. وفي حين لا تتم مواجهة حقيقية حول إصلاحات جوهرية تغير عقلية وسلو المواطن تجاه الدولة ومصادر الثروة، تبقى كل الإصلاحات محدودة وهمية، فيح تبقى العارضة على أجنداتها الشعبوية والمتبنية لعدم تحميل المواطن أي كلفة للإصلاح الشامل.
وفي حين لم تبدأ الحكومة بإصلاح مؤسساتها ومنظومتها أولا وتختار التأجيل حسب المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، وحسب تغيرات أسعار النفط، تكبر المخاوف من مواجهة الكويت لتراكم مطالب الإصلاح وتنفيذه مرة وواحدة ودفعة واحدة بشكل قد يكون العبء الأكبر منه يتحمل المواطن في المستقبل القريب. فان لم تبادر الحكومة الان بإصلاح مؤسسي فان تأخيره يرفع كلفته على المواطن مباشرة، ولعل تجربة انخفاض موارد الدولة الكبير بسبب تداعيات الجائحة كان أكبر اختبار لقدرة الدولة على الإيفاء بتعهداتها للمواطنين، في حين كان مصير التقشف غير المنظم هو مصير الكويتيين ان استمر انخفاض النفط واستمر الاغلاق العالمي وانخفاض الطلب على النفط. لكن هذا المصير محتوم خلال السنوات المقبلة وقد يكون أسرع من التوقعات الحكومية.
حتمية الإصلاح وفاتورته الباهظة المرتبطة خاصة بالتقليص التدريجي للإنتاج النفطي شريان حياة الاقتصاد الكويتي والذي قد يتحول في المستقل الى هاجس مقلق لأجيال المستقبل ومصدر لوث كبير كبروني كبير ان استمر على حاله.
التباطؤ في اصلاح هيكلية الاقتصاد وسياساته وأولوياته والنظام الوظيفي والإداري وترسيخ انفاذ القانون ومحاربة الفساد عبر ترسيخ قافة الشفافية والنفاذ للمعلومات وتحسين أساليب المسائلة وربط الامتيازات بالنجاعة وفاعلية الأداء.
هل يجب مراجعة التشريعات الأخلاقية المقيدة لحرية التعبير في الكويت؟
ظلت الرقابة في الصحافة التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي مشكلة مزمنة. حيث تم القبض على المدونين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أو سجنهم بسبب قضايا منها إهانة دول جارة وازدراء الدين وانتهاك الوحدة الوطنية. ورغم أن الحكومة خففت قوانين الرقابة على الكتب، لكن الرقابة اللاحقة لا تزال سارية[5]. وتواصل السلطات الكويتية استخدام بعض التشريعات كقانون الأمن القومي وقانون الجرائم الإلكترونية في البلاد لتقييد حرية التعبير ومحاكمة المعارضين، مع التركيز بشكل خاص على التعليقات التي تُدلى على وسائل التواصل الاجتماعي[6].
وأثارت طبيعة بعض قضايا الرأي والتي لآجلها سجن البعض أو تم عقابهم بأشكال مختلفة كحرمانهم من الحق في المشاركة السياسية مجالا واسعا للنقاش حول تعريف السلطة المختصة سواء الهيئة التشريعية أو القضاء التي تقدر وتقرر الجوانب الأخلاقية للتشريعات التي تقيد بشكل قانوني حرية الرأي والتعبير، حيث بات النظر في سلطة تقدير العقوبة في مثل هذه القضايا أمر ضروري بشكل متزايد.
ويكتسب الاهتمام بقضايا السمعة والسلوك المتعلقة بالجرائم التي قد تحرم السياسيين من أداء نشاطهم أهمية خاصة بعد الأحكام الصادرة عن المحاكم الكويتية (استئناف ثم التمييز) التي حددت أهلية المرشح بدر الداهوم لخوض انتخابات مجلس الأمة 2020. رغم ذلك ألغت المحكمة الدستورية الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف والتمييز، ما استدعى اسقاط عضوية الداهوم لاحقا من مجلس الأمة. الحكم أتى انسجاماً مع عدة قرارات حكومية منعت الداهوم وآخرين من الترشح لأي منصب. الأسباب الضمنية للقرارات هي وجود شرط مفترض للسمعة الطيبة، والفقرة 2 من المادة 2 من قانون الانتخابات البرلمانية الكويتي رقم 35 لسنة 1962 المعدل بقانون ملحق خاص رقم 27 لسنة 2016 يمنع كل من أدينوا بحكم نهائي بتهمة إهانة الله أو الأنبياء أو رئيس الدولة من الترشح لمنصب أو التصويت في الانتخابات. وأدين الداهوم بحكم نهائي في عام 2014 بجنحة إهانة أمير دولة الكويت[7].
قضية الداهوم وغيره أثارت البحث في سلطة تفسير القوانين. حيث يستند القانون المدني على التشريع كمصدر أساسي للقوانين. السلطة التشريعية هي المسؤولة عن إنشاء وتحديث القوانين. تفصل المحاكم في كل قضية على أساس القوانين. وليس للمحاكم سلطة تقديرية في إضافة أو تعديل أو إلغاء أي بند من القوانين. وبالتالي لا يتمتع القضاة بحرية واسعة في تفسير القوانين. في حالات نادرة، قد يعتمد القضاة على العرف لحلّ الخلاف القانوني الذي لم يتم التعرض له بعد أو لم يتم تغطيته بشكل كافٍ من قبل القانون. وبالتالي، سيكون من المقبول للمحاكم تفسير القوانين غير الواضحة مرة أو مرتين، لكن هذا الوضع لا ينبغي أن يستمر لفترة طويلة. وبخلاف ذلك، قد يفقد نظام القانون المدني إحدى سماته الرئيسية التي تميزه عن النظام القانوني العام. ونتيجة لذلك، يجدر على الهيئة التشريعية، وليس القضاة، تقرير أخلاقيات التشريع[8]. ويتعين على السلطة التشريعية في هذا الصدد إعادة النظر في الأحكام غير الواضحة والفراغ التشريعي في بعض الأحيان. قد تأخذ إعادة النظر في بعض الأحكام شكلين: أولاً، إلغاء الأحكام التي تحدد القيود على الحقوق والحريات، وثانيًا، تعديل الأحكام من خلال تحديد معانيها وتطبيقاتها، على سبيل المثال، تحديد السلوك الذي يساهم في “السمعة السيئة”. بدلاً من ذلك، إنشاء هيئات مستقلة أو تمكين منظمات المجتمع المدني من تفسير الأحكام ذات الاهتمامات الأخلاقية[9].
توسع صلاحيات السلطة التقديرية لفرض الرقابة على حريات الرأي والتعبير
عشرات المغردين يقبعون داخل السجون الكويتية فيما خير آخرون اللجوء لدول أجنبية وتجنب أحكام سجنية بعشرات السنوات بسبب قضايا تتعلق بأراء سياسية أو أيديولوجية سواء تخص الشأن الداخلي أو تلك التي تتعلق بانتقاد دول مجاورة للكويت.
وفي حين يبقى مصير هؤلاء المغردين مرتبط بمراجعة العقوبات المجرمة لمخالفي قوانين الرقابة على حريات الرأي والتعبير، لم تشمل المصالحة السياسية الأخيرة العفو عن أصحاب الرأي خشية فتح الباب أمام زيادة انتقاد السلطة وأعمالها. فيما يتوافق الكويتيون على تجريم التعرض لرموز البلاد أو ديانتها أو مكوناتها لتجنب الاضرار بوحدة المجتمع وتماسكه. لكن هناك تطلعات يقودها شباب متحمس لمراجعة عقوبات تجريم المغردين خاصة من كانت أراءهم للإصلاح ولا تستهدف الاضرار بالسلم الاجتماعي او بالأمن القومي.
أثبتت الدراسات المقارنة أن فرض القوانين المنظمة للمشاركة السياسية والحريات والابداع والفنون ما لم تسبقها حملة توعية وتثقيف وتحسيس فقد لا تحقق نتائجها المرجوة في إرساء الحريات المسؤولة والمحترمة لمبدأ الاختلاف والتعددية والوحدة الوطنية.
وتكشف التجارب في الدول النامية أن زيادة فرض القيود على التعبير خاصة على منصات التواصل الاجتماعي تزيد من مساحة التعبير السلبي والمنتقد على حساب تراجع مساحة التعبير الإبداعي والايجابي والمبتكر للحلول.
هناك جدل قانوني وأخلاقي عميق في تحديد صلاحيات الرقابة على حرية ابداء الرأي بين حرية بدون سقف وحرية مسؤولة مضبوطة بقواعد وقوانين. الا أن زيادة فرض القواعد والقيود قد لا تكون الخيار الأمثل للوصول الى حرية تعبير هادفة تحترم وحدة المجتمع وتهدف للبناء وليس للهدم، حيث أثبتت الدراسات أن زيادة فرض القوانين المقيدة تخلق نوعاً من الكبت تولد تمردا ذاتيا على القواعد والقوانين، وكلما زادت الحلول الأمنية في قمع المخالفين للقوانين المقيدة للحريات زاد في المقابل الإحساس بالضيم والاقصاء والبحث عن منصات تلتف على القوانين من أجل التعبير سواء تحت أسماء مستعارة أو من خلال اللجوء الى الخارج. كما أن تطبيق مثل هذه القوانين في عدد من التجارب في العالم أثر على تراجع مؤشر الانتماء الوطني. اذ تزيد حالة من النفور من (الدولة الانتقائية) التي لا تستوعب تعددية الأفكار والانتماءات، وهو ما يجعل بعض المصنفين بمخالفي قوانين الحريات والتعبير يشعرون بالإقصاء والتهميش. وعندئذ تكون ردود الفعل غير متوقعة لكنها مؤثرة بشكل سلبي على الشعور بالانتماء.
في المقابل فان زيادة تثقيف المجتمع ورفعه وعيه السياسي وتشريكه في تقرير المصير يخلق تعزز الانتماء وتنافسا للتعبير عن حلول للبناء والمشاركة في ازدهار الوطن.
مراجعة العقوبات المجرمة لحريات الراي والتعبير
لا يمكن تصور استقرار لمستقبل المصالحة السياسية بدون مراجعة أو تعديل أو إلغاء بعض القوانين المقيدة للحقوق والحريات السياسية. وأبرز هذه القوانين التي يجدر الغائها أو تعديلها هي قانون الجرائم الالكترونية والتعديلات على التي طرئت على قانون المرئي والمسموع وقانون الانتخاب بنص قانون حرمان المسيء من الترشح للانتخابات. واعتبرت مثل هذه الإجراءات التي زات من تقنين قيود حريات الراي والتعبير مع تغليظ العقوبات.
في مقابل تمسك الحكومة بنظام الانتخاب (الصوت الواحد) وقانون (حرمان المسيء) و(قانون الجرائم الالكترونية) وقانون المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع، تبدو النظرة مقلقة لمستقبل التعاون بين السلطتين حول أولويات الإصلاح السياسي المنشود.
ويتعارض النص القانوني لتعديل قانون الانتخاب[10] في 2016 مع باب الحريات في الدستور، حيث ان الفقرة التي أضيفت بنص قانون حرمان المسيء من الترشّح للانتخاب رقم 27 لسنة 2016[11] يفهم منها أنها تسري بأثر رجعي على الجرائم، التي ارتكبت قبل صدور القانون. وكان مجلس الأمة أضاف إلى المادة 2 من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 فقرة ثانية نصها الآتي: «كما يحرم من الانتخاب كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية، الأنبياء، الذات الأميرية[12].
ورغم التعديلات في على قانون الإعلام لتوسيع هامش الحريات في مارس 2021، الا أن البرلمان الكويتي لم يشر صراحة إلى حدود حرية التعبير المسموحة بالنظر إلى قائمة طويلة من المحظورات موجودة في نص القانون. وكان مجلس الأمة الكويتي وافق على اقتراح تعديل بعض أحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع[13] بما يشمل الحفاظ على حقوق الأفراد وصون حرياتهم. وتعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية فيما يتعلق بعدم سريان الحبس الاحتياطي على من يمارس حقه في التعبير عن رأيه عن طريق وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي.
على صعيد آخر، يستمر جدل قانوني حول توصيف وتكييف وتأويل الجريمة الالكترونية المتصلة بحرية الرأي والتعبير. كما أن العقوبات المطبقة لمخالفات قانون الجرائم الالكترونية[14] هي عقوبات مغلظة ولا تتناسب مع طبيعة الجرائم المذكورة حيث يطغى فيها جانب الردع الجزري أكثر من جانب التقويم والإصلاح والتهذيب.
وبذلك برزت مطالبات بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية المتعلق بحريات الرأي والتعبير وأيضاً الغاء عقوبة السجن المطبقة لمخالفي بنود القانون وخاصة المغردين، واستبدالها بغرامة مالية مع حفظ حق المتضرر في التتبع والتقاضي ضمن اختصاصات القانون الجزائي.
الدستور الكويتي هل أصبح لا يستجيب لتطلعات الشباب وهل بات تعديله ضرورة ملحة؟
رغم أن العفو الخاص عن عدد من السياسيين المتهمين في قضايا رأي وان مثّل مبادرة ثمنها الجميع وهتف لها، الا انها لا تلبي في الواقع سقف مطالب الشباب المرتفع المطلب بإصلاحات جوهرية للمنظومة السياسية بهدف تعزيز الحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن ذلك الا من خلال مراجعة الدستور وتعديله كما نصت على ذلك المادة 175 من الدستور”الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادىء الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة”[15]. وبذلك يقر الدستور الكويتي مبدأ التعديل بشرط عدم المساس من صلاحيات الأمير كما تقر ذلك المادة 176[16].
وفي ظل زيادة نسبة المتعلمين والمثقفين بين الشعب الكويتي خاصة بين جيل الشباب، بات بعضهم عبر منصات التواصل الاجتماعي يتبنى أفكار إصلاحية ويرفع سقف المطالب بحثاً عن تعديل منظومة سياسية تستوعب تطلعاتهم وتشركهم أكثر في تقرير مصير البلاد. وقد تم مجابهة هؤلاء بقوانين مختلفة تجرم حريتهم في التعبير. حيث يعتقد بعض المغردين ان تعديل دستور بلادهم بات ضرورة حتى يستجيب للمتغيرات المستجدة.
كما تثبت الدراسة أن مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية لبيئة الكويت في الستينات حين تم اعداد دستور البلاد[17] غير متماثلة مع مؤشرات اليوم. حيث أن ظروف اعلان دستور البلاد في الستينات مرّت عليها نحو 60 عاماً خلالها لم يتم تحيين أو تعديل جوهري لفصول الدستور لتواكب تغير ظروف حياة الكويتيين وتستشرف مستقبلا واعدا لأجيال المستقبل مع اقتراب نهاية عصر النفط.
وتثبت الأبحاث أن البيئة الكويتية التي صدر فيها دستور الكويت في عام 1962 مختلفة تماماً عن اليوم على مستوى مؤشرات التعليم والأمية والتركيبة السكانية والتحديات الاقتصادية والبيئية وعوامل التهديد الخارجي والدور الكبير لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في حياة المواطن اليوم. فعلى سبيل المثال كانت نسبة الأمية في الستينات متضخمة مقارنة مع اليوم حيث ارتفع مستوى التعليم بشكل كبير ما أثر ايجاباً على تحسن مستوى الوعي بمفهوم المواطنة ضمن الدولة الحديثة المنشودة.
وتشير النتائج الحكومية التي لم تحقق تطلعات الكويتيين في تنمية مستدامة الى أزمة حقيقية في التخلص من مفهوم الدولة “الريعية” والمرور للدولة “الحديثة” المعتمدة على تثمين دور المواطن والتعاطي مع التحديات والتغيرات الجديدة عبر زيادة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية وخاصة على مستوى خلق وادارة الثروات واشراك المواطن عموماً في تحقيق المصير. وهو ما يحتم مراجعة حتمية للدستور بما يستجيب مع المرحلة الحالية. كما أن الدستور نفسه نصّ على مراجعة مستمرة لفصوله[18] بما يتناسب مع المتغيرات وهذا ما لم يتحقق.
وتشير عدد من المؤلفات الكويتية[19] لوجود حاجة ماسة لتعديل الدستور لمزيد ضمان مساحة أكبر لممارسة الحريات وأيضاً لزيادة المشاركة الشعبية في ممارسة السلطة. وضمن هذا التوجه، برز مسار إصلاحي أعلن عن نفسه منذ 2011[20] من خلال تحركات تيارات المعارضة السياسية عقب اندلاع الربيع العربي تطالب بدعم تحقق صلاحيات أكبر لمجلس الأمة في تقرير المصير وتحديد سياسات الحكومة، وذلك عبر مقترحين اثنين: أولاً حكومة شعبية تؤول رئاستها للأصلح والأكثر كفاءة دون التقيد بشرط انتماء الرئيس للأسرة الحاكمة، وثانياً دعم صلاحيات المجلس في التصويت على منح الثقة من عدمه لرئيس الحكومة ووزارته المعينة حسب تقييم برنامجها السياسي المعلن مع الحفاظ على الدور الرقابي على أعمالها وذلك بخلاف المادة 102 في الدستور الكويتي التي تعفي رئيس الوزراء من مسألة نيل الثقة في مجلس الأمة[21].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] ASG Analysis: Kuwait Faces Liquidity Crunch amid Political Gridlock, March 17, 2021, https://www.albrightstonebridge.com/news/asg-analysis-kuwait-faces-liquidity-crunch-amid-political-gridlock
[2] ASG Analysis: Kuwait Faces Liquidity Crunch amid Political Gridlock, March 17, 2021, https://www.albrightstonebridge.com/news/asg-analysis-kuwait-faces-liquidity-crunch-amid-political-gridlock
[3] CRS report, Kuwait: Governance, Security, and U.S. Policy, Updated May 12, 2021, https://sgp.fas.org/crs/mideast/RS21513.pdf
[4] Luai Allarakia and Hamad H. Albloshi, The Politics of Permanent Deadlock in Kuwait, Mar 11, 2021, https://agsiw.org/the-politics-of-permanent-deadlock-in-kuwait/
[5] EU ANNUAL REPORT ON HUMAN RIGHTS AND DEMOCRACY IN THE WORLD, 2020 COUNTRY UPDATES, https://eeas.europa.eu/sites/default/files/2020_eu_human_rights_and_democracy_country_reports.pdf
[6] kuwait report 2021, Human rights watch, https://www.hrw.org/world-report/2021/country-chapters/kuwait
[7] Sharefah Almuhana, Reviewing Moral-Related Legislation Restricting Freedom of Speech and Expression in Kuwait, LSE, September 14th, 2021, https://blogs.lse.ac.uk/mec/2021/09/14/reviewing-moral-related-legislation-restricting-freedom-of-speech-and-expression-in-kuwait/
[8] Sharefah Almuhana, Reviewing Moral-Related Legislation Restricting Freedom of Speech and Expression in Kuwait, LSE, September 14th, 2021, https://blogs.lse.ac.uk/mec/2021/09/14/reviewing-moral-related-legislation-restricting-freedom-of-speech-and-expression-in-kuwait/
[9] Sharefah Almuhana, Reviewing Moral-Related Legislation Restricting Freedom of Speech and Expression in Kuwait, LSE, September 14th, 2021, https://blogs.lse.ac.uk/mec/2021/09/14/reviewing-moral-related-legislation-restricting-freedom-of-speech-and-expression-in-kuwait/
[10] أنظر قانون الانتخاب الكويتي، https://www.kt.com.kw/ba/entikhab1.htm
[11] أنظر قانون حرمان المسيء، https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2595160&language=ar
[12] عبد الله شلاش العازمي، الحرمان الأبدي من حق الانتخاب والترشح دراسة في القانون الکويتي رقم 27 لسنة 2016 بشأن تعديل بعض أحکام القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة (قانون منع المسيء)، سبتمبر 2021، جامعة طنطا، مصر، https://las.journals.ekb.eg/article_192335.html
[13] أنظر قانون المرئي والمسموع، 2007، https://www.moj.gov.kw/AR/Documents/MojDocs/026.pdf
[14] أنظر قانون الجرائم الالكترونية، 2015، https://www.moi.gov.kw/main/content/docs/cybercrime/ar/law-establishing-cyber-crime-dept.pdf
[15] أنظر الدستور الكويتي، المادة 175، https://www.constituteproject.org/constitution/Kuwait_1992.pdf?lang=ar
[16] أنظر الدستور الكويتي، المادة 176، https://www.constituteproject.org/constitution/Kuwait_1992.pdf?lang=ar
[17] أنظر دستور الكويت، http://hrlibrary.umn.edu/arabic/Kuwait_Con.html
[18] أنظر دستور الكويت، https://www.constituteproject.org/constitution/Kuwait_1992.pdf?lang=ar
[19] Shafeeq Ghabra, At the Crossroads of Change or Political Stagnation, May 20, 2014, https://www.mei.edu/publications/kuwait-crossroads-change-or-political-stagnation
[20] Fatiha Dazi‑Heni, The Arab Spring Impact on Kuwaiti “Exceptionalism”, Impacts du « Printemps arabe » sur l’« exceptionnalisme » koweïtien, Arabian Humanities, 2015, https://doi.org/10.4000/cy.2868, https://journals.openedition.org/cy/2868
[21] أنظر دستور الكويت، المادة 102، https://www.constituteproject.org/constitution/Kuwait_1992.pdf?lang=ar