– 100 مليون عربي قد لا يجدون طعاماً في 2030
– الجوع محرك ثورات العرب في المستقبل
– نقص حوكمة إدارة واستغلال المياه
– نقص الغذاء قد يسبب عدم استقرار سياسي واجتماعي ويهدد السلم المجتمعي
– المجاعة السبب الأول لوفاة العرب في 2030
الكويت، 21 نوفمبر 2021 (csrgulf): تنذر احتمالات انسحاب الدولة أكثر من عدد من القطاعات بهدف تحريرها ومراجعة بعض الحكومات العربية لخيارات دعم الأسعار الاستهلاكية مقابل زيادة نفوذ القطاع الخاص في التحكم في دورة الإنتاج الفلاحي ومسالك التوزيع بزيادة توقع موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم استبعاد تحركات اجتماعية مناهضة تحمّل الدول المسؤولية وقد تتحول الى احتجاجات شعبية في المدى القريب إذا استمر ارتفاع مؤشر الجوع والفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي تزامنا مع تضرر قطاع الإنتاج الزراعي والحيواني من تأثيرات التغيرات المناخية، وهو ما يجعل أغلب الدول العربية اليوم في تبعية للدول والأسواق الأجنبية.
وحسب تقديرات مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) ضمن دراسة حول التطور المقلق لمؤشر الجوع والفقر في العالم العربي وارتباطه بالأمن والاستقرار، يواجه نحو 100 مليون عربي نقصاً حادا في الغذاء في السنوات المقبلة. وقد تتهدد نسبة كبيرة منهم المجاعة، وقد يصبح الجوع سبباً رئيسياً في مشاكل صحية لملايين العرب قد تؤدي ببعضهم الى الوفاة جوعاً. وهي ليست تكهنات بل هي حقيقة يعكسها رصد الأرقام المخيفة لتطور مؤشر الجوع في العالم العربي مقابل تدهور الإنتاج الغذائي والزراعي والحيواني واضطراب مسالك التوزيع وارتفاع الأسعار واستمرار الصراعات في عدد من الدول. كما تؤثر مظاهر الفساد وسياسات احتكار وسائل الإنتاج ومسالك التوزيع ومحدودية كفاءة إدارة التحديات الزراعية والمائية في تدهور الأمن الغذائي. الى ذلك يؤثر رصد زيادة انحراف السلوك الغذائي للفرد في العالم العربي في خفض مؤشرات الأمن الغذائي، حيث يستمر هدر الغذاء بشكل مرتفع خاصة في الدول الخليجية[1].
نقص الغذاء يهدد مستقبل استقرار بعض الدول وينذر بتحركات شعبية غاضبة
بات مؤشر السلام العالمي[2] يرتبط باتجاهات الأمن الغذائي، حيث بات نقص الغذاء ومحدودية الوصول اليه في بعض الدول يؤجج تحركات شعبية تحت شعار مقاومة الفقر وتحسين أوضاع المعيشة. وبسبب أزمة نقص غذاء خانقة في عدد من الدول والتي تتطور بشكل سريع بسبب تراجع الإنتاج وتضخم الأسعار، قد تصبح عدد من الحكومات العربية عاجزة عن توفير الغذاء الكافي لمواطنيها في السنوات المقبلة. وهو ما قد يدفع لتوقع ردة فعل مجتمعية غاضبة من السياسات الحكومية خاصة إذا تراجع مستوى دعم أسعار السلع وضمان توفرها وتحسن القدرة الشرائية. في أسوء السيناريوهات المحتملة، قد تتمثل ردة الفعل المجتمعية المتوقعة خاصة في الدول محدودة الدخل في انتفاضات شعبية ضد الأنظمة تحت شعار رفض الجوع والفقر، الأمر الذي قد يهدد السلم الاجتماعي وعلاقات الشعوب بالأنظمة وعلاقات الدول ببعضها بالنظر لاضطراب متوقع في الواردات الغذائية على مستوى العالم.
وزادت النظرة المقلقة للأمن الغذائي مع ارتفاع معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية في عدد من الدول العربية محدودة الدخل. حيث يفاقم الفقر أزمة الغذاء في عدد من البلدان، كما قد ينذر بزيادة الاحتجاجات الشعبية بسبب تردي أوضاع العيش ونقص الغذاء[3]. الى ذلك فان سياسات الدول خاصة على مستوى مراجعة رفع الدعم عن السلع الأساسية خاصة الغذائية بهدف التقشف وتحرير الاقتصاد قد ينذر باختلالات كبيرة على مستوى زيادة عدم المساواة بين المواطنين في المقدرة الشرائية وعدم تكافؤ الفرص في تأمين الغذاء في ظل توقعات باستمرار ارتفاع أسعار الغذاء في السنوات القليلة المقبلة[4].
لذلك فان الخطر الداهم على الدول العربية يتمثل في تأمين الغذاء لمواطنيها، حيث أن إشكالية تفاقم أزمة محدودية الحصول على الغذاء قد يدفع الى توقع اضطرابات اجتماعية تؤثر على الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية. وعلى الأرجح أن الدول الأكثر تسجيلاً لعدم الاستقرار السياس والأمني والأكثر اجهادا في مصادر مياهها والأكثر فقراً والأكثر تعرضاً للتغيرات المناخية قد تواجه شبح مجاعة جزئية ومتفاوتة مع حلول العقد المقبل.
وفي ظل تراجع التعاون والشراكة بين الدول العربية وفي ظل استمرار الانقسامات والحروب على النفوذ مقابل انخفاض معدلات التنمية وزيادة التفاوت الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في المجتمعات العربية، قد تنشأ اختلالات كبيرة في الدول العربية إذا لم تعالج مسبباتها من اليوم، وخروجها عن السيطرة قد يسبب تصدعات في السلم الاجتماعي وشبح صراعات طبقية في دول كثيرة.
4 دول عربية تواجه مجاعة حتمية
تعاني كل من الصومال واليمن وسوريا وجنوب السودان أزمة حادة على مستوى الغذاء قد تتحول الى شبح مجاعة، في حين يواجه كل من السودان والعراق نقص غذاء حاد مع نظرة مقلقة[5]. فيما تواجه بقية الدول العربية دون استثناء وخاصة دول الخليج المعتمدة بشكل كبير على الواردات الغذائية مشاكل جدية في المستقبل القريب على مستوى استدامة الأمن الغذائي في ظل المتغيرات المناخية المتسارعة واستمرار بطء سياسات رفع كفاءة الإنتاج الزراعي والغذائي وتكييف الاستثمار الفلاحي مع التحديات البيئية والجيوسياسية الجديدة خاصة على مستوى تقلص المصادر المائية وتدهور جودة التربة فضلاً عن تحديات الزحف العمراني على حساب الأراضي الصالحة للزراعة بالإضافة لمحدودية تشجيع الشباب على الاستثمار الفلاحي كقطاع واعد ومربح مستقبلا في ظل زيادة متنامية للطلب العالمي على الغذاء أكثر من الطلب على الطاقة، وهو ما سبب موجة ارتفاع أسعار عالمية للغذاء، حيث وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد بعد ارتفاعها بأكثر من 30 في المئة العام الماضي حسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)[6].
ورغم توفر الأراضي الزراعية بهذه الدول والمصادر المائية، الا أن الحروب والصراعات أثرت بشكل كبير على تدهور الإنتاج الزراعي والغذائي ما انعكس سلباً وبشكل خطير على تراجع الأمن الغذائي بهذه الدول التي يواجه جزء من شعوبها مجاعة حقيقية ومخيفة قد تتفاقم باستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.
وقد قفز مؤشر الجوع بشكل لافت في كل من اليمن والصومال وسوريا وجنوب السودان[7] بسبب انخفاض حجم المساعدات الدولية والعربية خاصة من الدول الخليجية بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا[8]، حيث اشتكت أكثر من منظمة دولية النقص الحاد للغذاء في هذه الدول وخاصة لمن يعيشون في ظروف غير مستقرة في الملاجئ بسبب الصراعات.
ومنذ سنوات، أصبحت اليمن أفقر دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعاني اليمن الآن من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. في خضم الصراع منذ أوائل عام 2015، دمر القتال اقتصادها مما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي الخطير. قدرت الأمم المتحدة أن 24.3 مليون شخص في عام 2021 كانوا “معرضين لخطر” الجوع والمرض، منهم ما يقرب من 14.4 مليون في حاجة ماسة إلى المساعدة[9].
التغيرات المناخية تؤثر على المحاصيل الزراعية
أثرت أيضاً التغيرات المناخية في تراجع حجم المحاصيل الزراعية والمساحات الصالحة للزراعة في أغلب الدول العربية[10]. ومثّل ارتفاع حجم الواردات العربية من الغذاء[11] مؤشر خطيراً ومقلقاً للأزمة وأيضاً مقدمة لزيادة تضخم أسعار المواد الغذائية في المستقبل في ظل تفاقم تأثير الظاهرة المناخية أيضاً على المحصول العالمي لموارد الغذاء الأساسية كالقمح والأرز والخضار والماشية وذلك بسبب توقع تقلص الموارد المائية[12]. اذ أثّر الارتفاع المستمر لمعدلات الحرارة وتقلبات الطقس العنيفة بين فصلي الخريف والشتاء (المراوحة بين طول فترات الجفاف وزيادة حالات الأمطار الغزيرة المنتجة للسيول) على المحاصيل الزراعية بالإضافة الى رصد تقلص مقلق في الموارد المائية الجوفية وانخفاض منسوب السدود[13]. بالإضافة الى ذلك بقي نمو الاستثمارات في المجال الزراعي محدودا في العالم العربي ويعتمد على التقنيات والبنية التحتية التقليدية والتي لا تنسجم مع متغيرات المناخ والاقتصاد العالمي. كما ان التوعية بتعزيز الاستثمار في الزراعة والإنتاج الزراعي والحيواني تبقى محدودة في ظل تغير ثقافة التوظيف والاتجاه أكثر للعمل أو الاستثمار في المجالات غير التشغيلية والمعتمدة على الربح السريع أو المتركزة في التكنولوجيا الرقمية والخدمات.
ويمثل تراجع الإنتاج الزراعي في العالم، نتيجة التغيرات المناخية، وزيادة الطلب على الغذاء في ظل النمو السكاني، مشكلة كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، ما قد يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار الغذاء في ظل الندرة، مما يهدد بحدوث اضطرابات مستقبلية حادة، والتي ظهرت بوادرها في بعض الاحتجاجات، والتي واكبت ما يعرف اصطلاحا بثورات الربيع العربي، والتي حدثت لعدة أسباب، منها تردي الوضع الاقتصادي.
100 مليون جائع عربي و200 مليون من محدودي الدخل يدخلون تصنيف الفقر
يقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) أن نحو مليار شخص في العالم لا يملكون ما يكفي من الغذاء ليكونوا أصحاء. حوالي 64 مليون منهم منتشرون في 12 دولة عربية. وهو ما يعني أن نحو واحد من كل ستة عرب يعانون مشاكل مرتبطة بنقص الغذاء. وقد فاقمت الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية والحروب والأزمات الاقتصادية مسار تحول الجوع الى حقيقة مزمنة في الحياة بالنسبة للبعض. وتنظر بعض الحكومات الى أزمة الأمن الغذائي بقلق خاصة من ناحية تأثيرات ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على حياة المواطن العربي مستقبلاً.
تشير دراسة للأمم المتحدة إلى أن الجوع في المنطقة العربية مستمر في الارتفاع، مما يهدد جهود المنطقة لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بما في ذلك هدف القضاء على الجوع. وتكشف تقديرات الإصدار الأخير من “النظرة العامة الإقليمية للأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا”، أن أكثر من 51 مليون شخص في المنطقة العربية يعانون من الجوع[14].
وبسبب إشكاليات في الحصول على المواد الأساسية والغذاء، ارتفع عدد العرب الفقراء من محدودي الدخل الى نحو 30 مليوناً (اقل من دولارين) ونحو 80 مليوناً (اقل من 3 دولارات يوميا) ونحو 180 مليونا (من يجنون أقل من 5.5 دولار يوميا) في 2018[15] أي ما يعادل نصف اجمالي سكان الدول العربية، ومن المرجح أن هذا العدد قد تخطى عتبة 200 مليون في 2021 بعد تأثيرات جائحة كورونا التي فاقمت مؤشرات الفقر والبطالة والتي لديها علاقة مباشرة مع تغير القدرة الشرائية للفرد والأسرة والتي بدورها تؤثر مباشرة على الأمن الغذائي للفرد خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
قبل جائحة Covid-19 كانت المنطقة العربية بالفعل خارج المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالجوع والتغذية بحلول عام 2030. ورغم إحراز تقدم خلال العقود الماضية، الا انه منذ 2015 تزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في المنطقة بشكل مضطرد. في عام 2019، بلغ عدد الجياع 51.4 مليون، أو 12.2٪ من سكان المنطقة. إذا استمرت هذه الاتجاهات، حتى مع تجاهل التأثير المحتمل لـ Covid-19، فإن عدد من يشكون نقص الغذاء في المنطقة قد يتجاوز سقف 75 مليون شخص بحلول عام 2030[16].
وقد قوّض وباء كوفيد -19 النظم الغذائية الهشّة بالفعل في المنطقة العربية، في حين أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية تجاوز بالفعل 50 مليونًا. وقد اعتبرت الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) رولا دشتي، أنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحويل السياسات الاجتماعية والاقتصادية العربية، واستراتيجيات النظام الغذائي وأنماط الحوكمة الاقتصادية والتكنولوجية، لتحقيق استدامتها وشمولها، وضمان الوصول إلى الغذاء والنظم الغذائية الصحية للجميع.
التوسع الحضري المتزايد ساهم بدوره الى جانب تحرير الأسواق والتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في حدوث تحول تدريجي في طريقة تناول الطعام في المنطقة العربية وصولاً لتسجيل تفاقم ظاهرة هدر الطعام والغذاء، وهو ما يدعو لزيادة بذل الجهود لتوعية المواطن بأهمية الترشيد في استهلاك الغذاء.
تشير التقديرات التقريبية حول النفايات في البلدان العربية إلى أن 44٪ من الأغذية التي يتم تداولها على طول سلسلة التوريد قبل الاستهلاك إما تُفقد أو تُهدر بينما يُهدر حوالي 34٪ من الطعام المقدم عند الاستهلاك أو أثناءه (HLPE 2014)[17].
الدول العربية الأكثر استيرادا للغذاء في العالم
تعتبر فاتورة الواردات الغذائية للدول العربية هي الأكبر في العالم، حيث تمثل 13.6 في المائة من إجمالي واردات السلع في المنطقة. تعتمد معظم البلدان العربية على توريد أكثر من متوسط 40 في المائة من احتياجاتها من واردات الحبوب. مصر، على وجه الخصوص، هي أكبر مستورد للقمح في العالم، في حين أن السودان هو الأقل اعتمادًا على واردات الحبوب، حيث يستورد 26 بالمائة فقط من احتياجاته. تمثل واردات المنطقة العربية نحو 20 في المائة من اجمالي واردات القمح في جميع أنحاء العالم، اذ تمثل مصر والجزائر وحدهما 10 في المائة[18].
بحلول عام 2030، سيكون صافي واردات القمح في المنطقة ضعف كمية التوريد الإقليمي، وواردات اللحوم والتي تبلغ حاليًا حوالي 4.1 مليون طن سترتفع إلى حوالي 6 مليون طن نتيجة لسوء إدارة المياه، واستنزاف المياه الجوفية، حيث يتجاوز ما لا يقل عن 30 في المائة من استهلاك المياه الحالي حدود الاستدامة[19].
وحسب ملخص دراسة للدكتور صلاح شعير حول أزمة الغذاء بالوطن العربي وسبل النهوض بالاقتصاد الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي[20]، فقد زادت التحذيرات الدولية من أزمة غذاء بالوطن العربي مبررة ذلك بارتفاع الطلب على الغذاء مستقبلاً وخاصة في ظل تراجع الإنتاج الزراعي بسبب التغيرات المناخية، والنمو السكاني المتوقع وخاصة أن عدد السكان بالوطن العربي على الأرجح أن يرتفع من 436 مليون نسمة عام 2020 إلى 792 مليون نسمة عام 2050.
ورغم أن الوطن العربي يحقق الاكتفاء الذاتي في بعض السلع الزراعية مثل الخضر والفواكه، والأسماك، إلا أنه يعاني من عجز نسبي في بعض السلع الأخرى خاصة القمح. ورغم أن مجالات الاكتفاء الذاتي محدودة وخاصة في إنتاج الخضروات والفواكه والتمور، والأسماك، إلا أن العرب في مجال الحبوب لم ينتجوا سوى 51.88 مليون طن منها، مقابل استهلاك نحو 118.45 مليون طن عام 2018، وهذا يعني أن العرب يستوردون نحو 66.57 مليون طن وبنسبة 56.2 % من حجم استهلاكهم من الحبوب، مع نظرة مقلقة للمستقبل وخاصة في ظل تدهور الإنتاج الزراعي.
ويتسبب النقص في الغذاء في زيادة نسبة العجز بالميزان التجاري للسلع الزراعية، حيث يزيد متوسط نصيب الواردات الغذائية عن الصادرات الغذائية نحو 200%، وهذا يهدد فكرة الاكتفاء الذاتي بالوطن العربي.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة العربية، وخاصة في كل من مصر، والسودان ودول المغرب العربي، ودول مجلس التعاون الخليجي إلا أن آثار نقص الإنتاج الزراعي على صحة الأطفال والكبار، وتدهور التغذية، علاوة على خطر المجاعات الحالية ببعض البلدان، والمجاعات المستقبلية المتوقعة.
الإصلاحات المطلوبة لتعزيز الأمن الغذائي وتفادي شبح المجاعة
لم يشهد القطاع الفلاحي إصلاحات كبرى منذ ثمانينيات القرن الماضي في أغلب الدول العربية، حيث تم تأجيل هذه الإصلاحات السابقة مقابل تحرير القطاع في ظل تحالفات بيروقراطية احتكارية. في بلدان أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، تم الحفاظ على دعم الإنتاج على نطاق واسع. تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكبر مستورد للحبوب في العالم وتعتبر حكوماتها هذه التبعية مسؤولية استراتيجية. ومع ذلك، فقد ثبت أن السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي بعيد المنال في ضوء القيود الطبيعية والنمو السكاني. كما لا يكمن التحدي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأمن الغذائي الكلي أو نقص السعرات الحرارية، بل في نقص المغذيات الدقيقة مثل الفيتامينات والحديد ونقص الغذاء الذي يمكن للفقراء الحصول عليه. ومن ثم، فإن النمو الشامل، واستراتيجيات المعيشة الريفية، والمشاركة السياسية ستكون ضرورية للأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[21].
وتتطلب أزمة الغذاء تذليل الصعاب، ومعالجة المشاكل التي تؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ومنها: التصحر وتملح التربة، ومشكلة هدر الغذاء، وتدهور المراعي العربية وإنتاج اللحوم الحيوانية، والقصور في تعميم استخدام التكنولوجيا الزراعية، صعوبة تطبيق نمط الزراعة العضوية، وعدم الاستخدام الأمثل للبيئة الصحراوية في الزراعة، وضرورة ترشيد الدعم أو السلوك الغذائي، وغيرها من وسائل تقليدية يمكن من خلالها زيادة الإنتاج الزراعي.
ويتطلب الحل مراجعة الموارد المائية، فعلى الرغم من وفرة الأراضي القابلة للزراعة ، إلا فرص النمو في مجال إنتاج الغذاء محدودة لأن 80% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة تقع بالمناطق الجافة وشبه الجافة، وهذا يتطلب تعميم معايير الزراعات الحديثة وفقًا للكفاءة المائية والمالية لوحدة الماء المستخدمة في الإنتاج الزراعي، بالتزامن مع ضبط الإسراف المائي في تطبيق آليات الري الحديث، وترشيد الاستهلاك المنزلي والصناعي، وإعادة تدوير المياه، والتوسع في بحوث تحلية مياه البحار المالحة؛ بهدف التوصل إلى تكنولوجيا حديثة ذات جدوى اقتصادي.
ومن بين الفرص المتاحة في مجال الاقتصاد البحري فرصة تنمية الثروة السمكية، وعلى رأسها عمليات الاستزراع السمكي لتأمين حاجة الشعوب من البروتين الحيواني علاوة على التوسع في زراعة الطحالب والأعشاب البحرية بهدف توفير غذاء غير تقليدي للمستهلك العربي، لأن طرق هذا المجال يمكن أن يوفر الطعام، ويحمي البيئة العربية من التلوث وذلك في ظل عدة بدائل غذائية تتفق مع طبيعة الموارد المائية والقدرات الذاتية للعرب في مجال إنتاج الغذاء. وهذا قد يمكن الحكومات العربية من مواجهة المشكلة في ظل نقص عرض الغذاء بسبب التغيرات المناخية وزيادة الطلب، وذلك بهدف الوصول إلى درجة الاكتفاء الذاتي بالتدريج ثم تحقيق فائض خلال الفترة القادمة حتى 2050 لضمان سلامة مستقبل الأجيال القادمة.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] Amal Kandeel, Interconnected: Trade, food security, and stability in the GCC and MENA, July 9, 2019, https://www.mei.edu/publications/interconnected-trade-food-security-and-stability-gcc-and-mena
[2] 2021 Global Peace Index, Overall GPI Score, https://www.visionofhumanity.org/maps/#/
[3] Thomas Tree, Food Insecurity and Unrest in the Arab Spring, sep 2014, https://www.e-ir.info/2014/09/07/food-insecurity-and-unrest-in-the-arab-spring/
[4] Alastair Smith, Global food prices are at a level not seen for most of modern history – this is why, 01 Oct 2021, https://www.weforum.org/agenda/2021/10/global-food-prices-global-food-price-index/
[5] GLOBAL HUNGER INDEX SCORES BY 2021 GHI RANK, https://www.globalhungerindex.org/ranking.html
[6] Katie Silver, Global food prices hit fresh 10-year high, UN says, BBC, 5 November, https://www.bbc.com/news/business-59172665
[7] GLOBAL HUNGER INDEX SCORES BY 2021 GHI RANK, https://www.globalhungerindex.org/ranking.html
[8] Khaled AlMezaini, Gulf States Humanitarian Foreign Aid of Gulf States Background and Orientations, KONRAD, Regional Programme,Policy Report No. 20 – January 2021, https://www.kas.de/documents/286298/8668222/Policy+Report+No+20+Foreign+Aid+and+Gulf+Countries.pdf/b56652f2-7c29-1358-e58a-ab72f0f35ee8
[9] The World Bank In Yemen, november 2021, https://www.worldbank.org/en/country/yemen/overview#1
[10] Rafaelle Bertini,Abdallah Zouache, Agricultural Land Issues in the Middle East and North Africa, The American Journal of Economy and sociology, 23 June 2021 https://doi.org/10.1111/ajes.12391, https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/ajes.12391
[11] Edoardo Borgomeo, Towards a new generation of policies and investments in agricultural water in the Arab region: fertile ground for innovation, Technical Report · April 2019, file:///C:/Users/IMED/Downloads/ca4445en.pdf
[12] Congressional research service, Climate and Security in the Middle East and North Africa, july 2021, https://crsreports.congress.gov/product/pdf/IF/IF11878
[13]VALI GOLMOHAMMADI, Water scarcity in the Middle East: Beyond an environmental risk, Observer Research Foundation, MAY 06 2021, https://www.orfonline.org/expert-speak/water-scarcity-middle-east-beyond-environmental-risk/; Worldwater update, https://worldwater.io/?utm_source=google&utm_medium=search&utm_campaign=Waterscarcityclock&campaignid=6444167483&adgroupid=75248439485&adid=376898575385&gclid=Cj0KCQiA-eeMBhCpARIsAAZfxZDwLOf9ju38Qha8PykiwxsDDkPZ7tnR5H5IlHQ9TusgnAWnfR3MnY0aAjDqEALw_wcB
[14] Hunger and malnutrition in the Arab region stand in the way of achieving Zero Hunger by 2030, UN report warns, 24 June 2021, https://www.unicef.org/mena/press-releases/hunger-and-malnutrition-arab-region-stand-way-achieving-zero-hunger-2030-un-report
[15] World Bank, Regional aggregation using 2018 PPP and $1.9/day poverty line, http://iresearch.worldbank.org/PovcalNet/povDuplicateWB.aspx
[16] FAO; IFAD; UNICEF; WFP; WHO; ESCWA, Enhancing resilience of food systems in the Arab States, January 2021, ISBN 978-92-5-134495-8, https://www.unicef.org/mena/reports/enhancing-resilience-food-systems-arab-states
[17] Mohamad G. Abiad & Lokman I. Meho, Food loss and food waste research in the Arab world: a systematic review, Food Security, 26 March 2018, https://link.springer.com/article/10.1007/s12571-018-0782-7#:~:text=Rough%20estimates%20of%20FLW%20in,during%20consumption%20(HLPE%202014).
[18] Edoardo Borgomeo, Towards a new generation of policies and investments in agricultural water in the Arab region: fertile ground for innovation, Technical Report · April 2019, file:///C:/Users/IMED/Downloads/ca4445en.pdf
[19] Edoardo Borgomeo, Towards a new generation of policies and investments in agricultural water in the Arab region: fertile ground for innovation, Technical Report · April 2019, file:///C:/Users/IMED/Downloads/ca4445en.pdf
[20] صلاح شعير، أزمة الغذاء بالوطن العربي وسبل النهوض بالاقتصاد الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، 2021، ملخص بحثي مرسل لمركز csrgulf.
[21] Eckart Woertz, Agriculture and Development in the Wake of the Arab Spring, L’agriculture et le développement dans les États du MENA au lendemain des printemps arabes, Open edition journals, 2017, https://doi.org/10.4000/poldev.2274, https://journals.openedition.org/poldev/2274