الكويت، 13 نوفمبر 2021 (csrgulf): تصنف إسرائيل كل من الكويت وتونس والجزائر كأكثر الدول العربية افصاحاً للعداء لها في الوقت الحالي. هذه نتيجة قراءة في التصريحات والتقارير الإسرائيلية المعلنة والمنشورة خلال العامين الماضيين. لكن رغم ذلك تنوي إسرائيل بمساعدة الديبلوماسية الأمريكية التسويق مجددا للتطبيع عبر مقترحات وعروض جديدة لعدد من الدول.
ويظهر رصد مواقف وتقارير الديبلوماسية الإسرائيلية أنها تخشى من سياسات حكومات كل من الكويت والجزائر وتونس في ظل زيادة تبني الخطاب السياسي المعادي لإسرائيل في هذه الدول واعتماد لغة انتقاد حادة فسّرت على أنها عداء للكيان الصهيوني.
وحسب دراسة تحديث السياسات الاسرائيلية من خلال المواقف وأبحاث مراكز الفكر الصهيونية المتابعة لتغيرات السياسات العربية، فان حكومة نفتالي بينيت أول رئيس وزراء إسرائيلي متدين على الأرجح أن تتجنب التفاوض مع أي من هذه الدول العربية الثلاث بسبب يقين قاطع في تل ابيب بعدم وجود نوايا لهذه البلدان إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل في المدى القريب رغم توقع جولة جديدة من التسويق للتطبيع تقودها الديبلوماسية الأمريكية.
ويشير تقرير متصل للمركز حول مستقبل التطبيع أنه بعد اعلان وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن عزم البيت الأبيض تشجيع المزيد من الدول العربية على أن تحذو حذو الإمارات والبحرين والمغرب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل[1]، من المتوقع تسجيل ضغوط جديدة قريباً على بعض البلدان العربية بهدف التطبيع مع إسرائيل من خلال زيارات مرجحة لمسؤولين أمريكيين الى العالم العربي تقود جهود توسيع دائرة الدبلوماسية السلمية وإقامة علاقات مع الدولة العبرية، وذلك بعرض محفزات كثيرة على بعض الدول العربية أهمها دعم الاستقرار، ومزيد من التعاون، وتحقيق الازدهار خاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة يمر بها عدد من بلدان العالم العربي بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا.
الحملة الديبلوماسية لتحفيز مطبعين جدد من العالم العربي تستهدف البلدان المعتمدة لسياسات براغماتية (بمنأى عن موقف الرأي العام)، ولا تستهدف تلك المعتمدة على سياسات متأثرة بالرأي العام). وعلى الأرجح حسب دراسة جملة من التصريحات والمواقف أن يتم استثناء ثلاث دول وهي الكويت وتونس والجزائر من قائمة الدول المستهدفة لإقامة علاقات مع اسرائيل. حيث تعتقد الدوائر السياسية الإسرائيلية أن الكويت على سبيل المثال منزعجة من اتفاقات إبراهيم للسلام والتطبيع بين إسرائيل ودول عربية[2]، وتصفها في تقاريرها الاستخباراتية على أنها تكن العداء لإسرائيل من خلال تفسير مواقفها الرسمية الأخيرة تجاه التطبيع والقيام بتجريمه قانونياً.
وتتحفظ إسرائيل على مواقف مجلس الأمة ونوابه المنتقدة والرافضة بشدة للتطبيع مع الدولة العبرية خاصة بعد موافقة المجلس على تغليظ عقوبات التطبيع[3] مع الكيان الصهيوني على حد تصنيف السياسيين في الكويت وفي أغلب العالم العربي. ويستمد مجلس الأمة قوة الرفض الكبيرة للتطبيع من واقع عدم قبول المجتمع الكويتي لإقامة علاقات مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، حيث يسهم الاعلام في ترويج ثقافة المقاطعة والتضامن الإنساني مع الشعوب العربية وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.
بدورها أبدت إسرائيل انزعاجها من سياسات الجزائر العدائية للكيان الصهيوني والتي بلغت درجة لوم الدول الافريقية أو العربية التي تبدي عدم اعتراضها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل[4]، ولعل التصعيد الأخير بين الجزائر والمملكة المغربية يخفي شدة التوتر بين البلدين والذي يعتبر الموقف الجزائري الرافض لإقامة المغرب لعلاقات مع الدولة العبرية أحد مسبباته[5]. وبالرغم من سياسات الجزائر المتحفظة والتي لا تتدخل في شؤون البلدان الأخرى، الا أن الحراك الشعبي المنادي للتغيير والذي يقوده الشباب الجزائري أضاف زخماً في مسار السياسات الجزائرية في الفترة الأخيرة، حيث انسجمت الديبلوماسية الجزائرية الى حد ما مع سياق الرأي العام الجزائري الرافض للتطبيع والداعم للقضية الفلسطينية.
على صعيد آخر، يبدو أن سياسات الجزائر التي يقودها الرئيس عبد المجيد تبون تعتمد على احياء مبدأ “مصالح الجزائر أولاً” في التعامل مع محيطها الإقليمي والدولي، مع زيادة التدخل الملحوظ في دعم القضايا العربية، فضلاً عن عدم الممانعة في التصادم مع سياسات الدول الكبرى إذا تعارضت مع مصالح الجزائر، وهو ما انعكس بشكل جلي في توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا[6] على خلفية قضايا مرتبطة بالسيادة واصرار النظام الجزائري على التعامل مع الدول الصديقة على أساس الندية. وهو مسار على ما يبدو أنه يقلق بعض القوى الدولية وإسرائيل ولا يشجعها على التسويق للتطبيع مع الساسة الجزائريين في ظل المتغيرات الحالية.
وليس ببعيد عن الجزائر باتت تونس في قلب التكهنات حول إمكانية ممارسة ضغوط عليها من واشنطن لأجل قبول التطبيع مقابل مساعدة تونس عل الحصول على قروض ميسّرة خاصة في ظل أزمة اقتصادية ضخمة فاقمتها الأوضاع السياسية غير المستقرة بالإضافة الى التصنيف السلبي لاقتصاد التونسي ووصف الاستثمار أو الإقراض الدولي لصالح تونس بالمخاطرة الكبيرة[7]، وهو ما قد يعرض تونس لممارسات ابتزاز دولي من أجل مقايضتها على الدعم المالي مقابل القبول بالتطبيع على سبيل المثال. الا أن هذه الفرضية التي روجتها بعض التقارير تعتبر في النهاية غير دقيقة في ظل سياسات الرئيس التونسي قيس سعيد الحالية والمتبنية لمسارات متجانسة الى حد ما مع مطالب السواد الأعظم من الشعب التونسي بما فيها مطلب تجريم التطبيع، وهو مطلب كان قد تبناه الرئيس قيس سعيد فور وصوله الى السلطة في 2019[8]. ولا تعتبر موافقة تونس على التطبيع في المدى القريبة احتمالا واقعياً، حيث وان قبلت بالضغوط الأمريكية وأقامت علاقات مباشرة مع إسرائيل فقد يراهن الرئيس سعيد بخسارة جزء كبير من شعبيته ومؤيديه.
وباستمرار الرئيس التونسي في اعتماد سياسات يزعم البعض أنها شعبوية وتتبنى إرادة الشعب التونسي، لا تجد إسرائيل فرصاً كبيرة في تحقيق اختراق للمقاطعة التونسية للتطبيع[9]، حيث يبقى تحديد السياسات بيد الرئيس وحده في ظل استمرار تجميد نشاط البرلمان منذ نحو 4 أشهر واستمرار الحالة الاستثنائية التي عطلت جزء من مواد الدستور والمؤسسات الدستورية وذلك من اجل إعادة اصلاح سياسي شامل من خلال الحوار مع التونسيين واعتماد استفتاء حول تعديل الدستور والنظام السياسي والانتخابي في البلاد.
واتضح لدى النخب السياسية الاسرائيلية أن الدول التي تسمح نظمها السياسية في تأثير الرأي العام في سياساتها هي غير معنية بخطط التطبيع في الوقت الحالي خاصة بعد رصد تعاطف الغالبية الساحقة من الراي العام العربي مع القضية الفلسطينية. وتدرك إسرائيل أن تونس والكويت، حيث الديمقراطية متقدمة نسبيًا، أظهرتا اهتمامًا ضئيلًا أو معدومًا بالتطبيع[10].
وتستعد الإدارة الأمريكية لمواصلة البناء على جهود الإدارة السابقة لمواصلة مسيرة التطبيع إلى الأمام. وستساعد في تعزيز علاقات إسرائيل المتنامية مع البحرين، والمغرب، والإمارات العربية المتحدة -وكذلك مع السودان، وكوسوفو، التي أقامت علاقات مع إسرائيل في بداية العام. كما ستعمل على تعميق علاقات إسرائيل الطويلة الأمد مع مصر والأردن خاصة أنهما شركاء مهمين للولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين على حدٍ سواء.
وتروج الإدارة الأمريكية الى أن المستفيدين الأساسيين من التطبيع هم اللاجئون والقابعون عبر الحدود والذين ستتحسن حياتهم بفضل هذه الاحتمالات الجديدة[11] للعلاقات مع اسرائيل.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] ANTONY J. BLINKEN, SECRETARY OF STATE, At the One Year Anniversary of the Abraham Accords: Normalization Agreements in Action REMARKS, THE WHITE HOUSE, WASHINGTON, DC, SEPTEMBER 17, 2021, https://www.state.gov/at-the-one-year-anniversary-of-the-abraham-accords-normalization-agreements-in-action/
[2] SETH J. FRANTZMAN, Kuwait-Saudi visit cements ties, is there a message to Israel?, According to reports at The New Arab Kuwait has drafted a bill that aims to solidify Kuwait’s “anti-normalization” stance against Israel.JUNE 2, 2021, https://www.jpost.com/middle-east/kuwait-saudi-visit-cements-ties-is-there-a-message-to-israel-669864
[3] PUIC, Kuwaiti National Assembly Approves tougher Penalties For Normalization with Israel, May 2021, http://en.puic.org/news/10776
[4] Rina Bassist, For Israel’s Acceptance to the AU as Observer Reveals Continental Divides, Dayan, October 28, 2021, https://dayan.org/content/israels-acceptance-au-observer-reveals-continental-divides
[5] Mohamed Chtatou, Understanding Morocco “Normalization” with Israel, washington institute,Jan 2021, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/understanding-moroccan-normalization-israel
[6] Tensions.Derrière la querelle entre l’Algérie et la France, de multiples blocages, courrier international, oct 2021, https://www.courrierinternational.com/article/tensions-derriere-la-querelle-entre-lalgerie-et-la-france-de-multiples-blocages
[7] Rating Action: Moody’s downgrades four Tunisian banks’ ratings and maintains a negative outlook 20 Oct 2021, https://www.moodys.com/research/Moodys-downgrades-four-Tunisian-banks-ratings-and-maintains-a-negative–PR_456439
[8] JERUSALEM POST STAFF, Tunisia’s president elect: Normalization with ‘Zionist entity’ is treachery, OCTOBER 15, 2019, https://www.jpost.com/middle-east/tunisias-president-elect-normalization-with-zionist-entity-is-treachery-604679
[9] AFP, Tunisian PM: Normalization with Israel ‘not on the agenda’, december 2020, https://www.timesofisrael.com/tunisian-pm-normalization-with-israel-not-on-the-agenda/
[10] James Moran, Can ‘normalisation’ help bring peace to the Middle East?, CEPS, Jan 2021, https://www.ceps.eu/can-normalisation-help-bring-peace-to-the-middle-east/
[11] ANTONY J. BLINKEN, SECRETARY OF STATE, At the One Year Anniversary of the Abraham Accords: Normalization Agreements in Action REMARKS, THE WHITE HOUSE, WASHINGTON, DC, SEPTEMBER 17, 2021, https://www.state.gov/at-the-one-year-anniversary-of-the-abraham-accords-normalization-agreements-in-action/