الكويت، 18 أكتوبر 2021 (csrgulf): تراجعت شعبية التيار السياسي المحافظ في أغلب دول العالم. وتكبد هذا التيار أكبر خسائره في العالم العربي، ثم أوروبا. ويعاني التيار المحافظ المتأثر بالهوية الدينية عبر العالم وفي الوطن العربي أزمة تموقع سياسي مع ظهور حاجة ملحة لإعادة انتاج أفكار تلهم الشباب أكثر، حيث لم يعد جزء كبير من هذا التيار في دول العالم يلهم جمهوره الانتخابي كما في السابق، وبالتالي أصبح يعاني هذا التيار أزمة هوية في ظل المتغيرات الفكرية العالمية، وقد يواجه خلال المرحلة المقبلة زيادة ضغوط إعادة تصدير هوية جديدة من أجل البقاء في السياسة.
ويكشف مسح في جزئه الأول قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لتعبيرات فئة من الشباب العربي حول موضوع السياسة والدين بالاعتماد أيضاً على مجموعة واسعة من الأبحاث حول الشباب والدين، أن المجموعات أو الأحزاب الذات الطابع أو التمويل أو التأثر أو الرمزية أو الخلفية الدينية والمحافظة خسرت نسبة كبيرة من شعبيتها بين الشباب[1]. وحسب بعض الأبحاث الأخرى، لم تعد تستهوي جزء كبيراً من الناخبين خاصة فئة الشباب في الوطن العربي وحول العالم[2]. وبدأت تتكون شبكات تضامن افتراضي تبني جسور تواصل بين الشباب العربي على الانترنت[3] لمكافحة مظاهر الاستبداد والفساد وتعزيز الحريات الفردية ورفض الوصاية على الأفكار والتدخل الأجنبي فضلا عن رفض احتكار رجال الدين أو السياسيين ذات الخلفية الدينية لتقرير مصير شباب الغد.
ورغم أن مسألة الأخلاق والقيم والانتماءات الدينية ما تزال تحفز وتلهم جمهور الشباب الإلكتروني (مستخدمي الانترنت) ونسبة كبيرة من الناخبين عموماً، الا أن نسبة من الشباب من خلال تعبيراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي[4] لم تعد تؤيد حصر المواطنة بمسألة الولاء والانتماء الديني. حيث لم تعد نسبة كبيرة من الشباب العربي تثق في قدرة النخب المحافظة (الأحزاب أو الشخصيات ذات المرجعية الدينية) على الدفاع عن ترسيخ الأخلاق والقيم، وذلك بمبرر رصد زيادة مؤشرات الانحراف عن القيم والأخلاق في عدد من المجتمعات التي تنشط داخلها الأحزاب المحافظة (ذات المرجعية الدينية) وخاصة تلك التي تعتبر جزء فاعلاً من نخبها الحاكمة.
وحسب نتائج المسح، يتم انتقاد هذه الأحزاب لعدم قدرتها على تعزيز السلم الاجتماعي وعجزها عن وقف نمو ظاهرة العنف والفساد في المجتمع. وبالتالي فان فشل بعض الأحزاب المحافظة في الإيفاء بوعودها القيمية والاجتماعية والاقتصادية قلّص من شعبيتها وتأييدها خاصة بين جمهور الشباب.
وقد منحت قيود جائحة فيروس كورونا فرصة أكبر لزيادة اعتماد الشباب على الانترنت ومنصات التواصل من أجل التعبير عن افكارهم بينها تلك الرافضة للنخب السياسية الحالية خاصة المعتمدة على الفكر المحافظ في الدول التي تشارك فيها أحزاب محافظة في الحكم وذلك بتعلّة فشل هذه النخب في تحقيق الازدهار والاكتفاء بتصدير الوهم. وسمحت زيادة ولوج الشباب عبر العالم الى الأنترنت بنمو الوعي السياسي خاصة في أوروبا والعالم العربي.
في العالم العربي على سبيل المثال، زاد عدد المستخدمين العرب للأنترنت، خاصة الشباب (15-24 عام)، حيث بات نحو 70 في المئة يستخدمون الانترنت خاصة منصات التواصل الاجتماعي[5] بشكل أكبر خلال العامين الأخيرة مدة الجائحة، كما زاد تدفق المعلومات والبيانات المتشاركة بين المستخدمين. الى ذلك ارتفعت وتيرة تداول الأخبار السياسية والتفاعل معها. كما زاد نشر أفكار تحررية شعبوية باتت تلهم نسبة كبيرة من الشباب العربي خاصة في دول المغرب العربي كتونس وليبيا وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة لبنان والعراق[6].
وأسهم فشل تجارب المشاركات السياسية لعدد من الأحزاب المحافظة خاصة في كل من المغرب وتونس وليبيا والعراق في استقطاب عدد أكبر من المنتقدين لأجندات وشعارات التيارات السياسية الدينية الديمقراطية[7]. حيث أضعف تشتت هويتها قدرة استجابتها لتطلعات الناخبين الشباب، خاصة على مستوى خلق الثروات ومواكبة التغيير.
التيار المحافظ يخسر شعبيته عبر العالم ويكافح من أجل تجديد هويته
مثّل عجز بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية خاصة عن توظيف القيم الدينية في صنع ثروة للمجتمع فضلاً عن ارتباط بعض التيارات المحافظة في العالم بمزاعم فساد في زيادة عزوف الناخبين خاصة الشباب عن خطاب المحافظين عبر العالم وخاصة في دول العالم النامي.
ولم يقتصر تراجع شعبية التيار المحافظ على الدول النامية، بل تكبدت أغلب التيارات المحافظة انخفاضاً في شعبيتها أو تأييدها للوصول للحكم في الدول الغربية بداية من الولايات المتحدة وأوروبا آخرها ألمانيا وكندا.
وتم رصد تراجع شعبية الأحزاب المحافظة في أغلب الدول الأوروبية[8]، حيث تراجعت شعبية التيار المحافظ في كل من المانيا وقبلها في بلجيكا، وفي الدول الإسكندنافية، وصولاً الى بريطانيا.
بالنسبة لألمانيا، تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي في استطلاعات الرأي الشعبية وهو يكافح من اأجل تجديد هويته، وهو الأمر نفسه بالنسبة لأغلب الأحزاب المسيحية المحافظة في الدول الأوروبية.
وبالرغم من خسارة وسط اليمن لشعبية كبيرة في أوروبيا، فانه مستمر في الحكم في بريطانيا التي يحكمها المحافظون في إشارة للرئيس الحكومة بوريس جونسون، لكن شعبيته أيضا تواجه تدحرجاً بسبب ملف تداعيات جائحة كورونا وتعثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي[9].
وبشكل عام باتت عبارة “محافظ” في الديمقراطيات الغربية أبرزها في الولايات المتحدة وفرنسا باتت ترمز الى الإساءة أو الفساد. وتراجع تموقع أغلب الأحزاب ذات الخلفية أو المرجعية أو الانتماء الديني أو الشرعية أو التسمية الدينية.
أما في العالم العربي، فقد تكبدت أغلب الأحزاب ذات التوجه أو المرجعية الإسلامية خسارة سواء في خزان المتعاطفين المتراجع أو في حلفائها السياسيين. ولم تعد الأحزاب السياسية الإسلامية الديمقراطية التي خاضت تجارب سياسية في الحكم على سبيل المثال في كل من تونس والمغرب والعراق تحافظ على تموقعها سواء في المشهد السياسي أو بين الجمهور الانتخابي.
وتدحرجت شعبية التيارات الاسلامية السياسية بشكل صادم خاصة في تونس، التي كانت حركة النهضة الإسلامية تحافظ طيلة عشر سنوات على مشاركتها في الائتلاف الحاكم، لكنها خسرت بشكل كبير دعمها الشعبي بسبب فشلها في تحقيق تطلعات الناخبين خاصة الشباب منهم بالنظر لزيادة مستويات الفقر والبطالة في تونس. ونتيجة فشل اندماج الأحزاب الإسلامية مع بقية الأحزاب الأخرى وبسبب عدم إمكانية تجديد هويتها طيلة العشر سنوات الماضية من وصولها الى الحكم، خسرت أكبر نسبة من خزائن المتعاطفين معها شعبيا.
في المغرب مني حزب العدالة والتنمية الاسلامي بهزيمة في الانتخابات الأخيرة وخرج من الحكم، وتراجع عدد ممثليه من 125 مقعدًا إلى 13 مقعدًا في البرلمان، حيث لم يعد الحزب يحقق وعوده وعجز عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية حسب منتقديه.
في العراق، كشفت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة السابقة لأوانها خلال شهر أكتوبر 2021، أنه على صعيد الأحزاب الكردستانية الإسلامية سجل تراجع ملحوظ للجماعة الإسلامية التي حصلت على مقعد واحد، بعد أن كانت تملك مقعدين. بدوره قال الحزب الإسلامي إن نتائج الانتخابات البرلمانية غير صحيحة، وإن مرشحيه تم استبعادهم بجهود مشتركة من قبل أطراف داخلية وخارجية.
ولا يعني تراجع تأييد الاحزاب المحافظة بالضرورة تراجع نسبة المحافظين عربياً أو عبر العالم، بل على الرغم من وجود موجة تحرر فكري خاصة بين الشباب تدعمها منصات التواصل الاجتماعي والعولمة الا أن نسبة المحافظين في استقرار لكنها قد تبحث عن هوية جديدة وخطاب جديد وقيادات جديدة ليست بالضرورة من المحافظين. اذ بات مبدأ تحقيق المصالح من يحدد نية تصويت جزء كبير من الناخبين نتيجة تشارك أفكار البراغماتية التي تحدد نوايا التصويت في الانتخابات.
استنتاجات: شعارات الادعاء بالنزاهة ونظافة اليدين والالتزام الأخلاقي والمبادئ الفاضلة والتستر تحت مبادئ وقيم روحانية ودينية لم تعد جاذبة للناخبين في أغلب دول العالم، خاصة تلك التي شهدت الأحزاب المحافظة فيها تجارب سياسية سواء في البرلمانات أو في الحكم. حيث خسرت نسبة كبيرة منها خلال السنوات الأخيرة نسبة كبيرة من شعبيتها وتمثيلها في المؤسسات التشريعية والسياسية أو في تركيبة الحكومات، وذلك بسبب رصد حالة من زيادة اليقين حول مصداقية تحقيق الشعارات الفاضلة التي عادة ما تميز خطاب بعض المحافظين أو بعض رجال السياسة ذات الخلفية الدينية. اذ تتصاعد انتقادات لبعض هذه التيارات بإخفاء نوايا ومصالح مناقضة للوعود الانتخابية المقدمة للجمهور، حيث تنتقد أنها وعود حالمة جدا وأحياناً غير قابلة للتحقيق. ويستخدمها السياسيون فقط لكسب تعاطف الناخبين.
وفي حين تراجع تأييد الأحزاب المحافظة في العالم، زاد في المقابل دعم الأحزاب اليسارية والليبرالية الديمقراطية والأحزاب الوطنية القومية واليمين المتطرف[10]، وأغلب هذه الأحزاب تطرح حلولا واقعية وترفع شعارات واقعية تلامس السواد الأعظم من الطبقات الفقيرة أو محدودة الدخل، حيث بات مؤشر الازدهار والتنمية من يحرك ميول جزء كبير من الناخبين أكثر من الميول الديني.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] نتائج مسح قام به المركز لنموذج عشوائي من المستخدمين العرب الشباب لمنصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) عبر تقنية تحليل البيانات
[2] Peter J. Hemming, Nicola Madge, Young People, Non-religion and Citizenship: Insights from the Youth on Religion Study, First Published March 16, 2018 Research Article, https://doi.org/10.1177/1103308817711534
[3] Hussam Erhayel, Yalla, Building Bridges Between Arab Liberal Youth Movements, Aug 3, 2021, https://www.iflry.com/yalla-building-bridges-between-arab-liberal-youth-movements/
[4] Young Arabs are Changing their Beliefs and Perceptions: New Survey, December 31, 2019, published in The Economist, 5 December 2019, https://www.arabbarometer.org/media-news/arabs-are-losing-faith-in-religious-parties-and-leaders/
[5] Regional Preparatory Meeting for WTDC-21 for Arab States (RPM-ARB) Virtual, 7-8 April 2021, Document RPM-ARB21/2-E 22 March 2021, Director, Telecommunication Development Bureau Digital trends in the Arab States region in 2021
[6] Raymond Hinnebusch, Erratum to ‘‘The rise and decline of the populist social contract in theArab world” [World Dev. 129 (2019) 104661], World Development, Volume 129, May 2020, 104661, https://reader.elsevier.com/reader/sd/pii/S0305750X21001261?token=89F18959DD7B76CAA95E358D091024247ACF78223F78DED3A5C351AA638A0B7DBE86150C6F349B7970B382E61DD33D4B&originRegion=eu-west-1&originCreation=20211017135933
[7] Abdullah Al-Arian, Arab Spring: The End of Political Islam as We Know It, 15 feb 2021, https://www.jadaliyya.com/Details/42363
[8] Kirsti M. Jylhä , Jens Rydgren and Pontus Strimling, Radical right-wing voters from right and left: Comparing Sweden Democrat voters who previously voted for the Conservative Party or the Social Democratic Party, ISSN 0080-6757 Doi: 10.1111/1467-9477.12147 220 Scandinavian Political Studies, Vol. 42 – No. 3–4, 2019 The Authors Scandinavian Political Studies published by John Wiley & Sons Ltd on behalf of Nordic Political Science Association, https://onlinelibrary.wiley.com/doi/pdf/10.1111/1467-9477.12147
[9] Reuters, UK PM Johnson’s Conservatives see support slump to lowest since election – poll, September 10, 2021, https://www.reuters.com/world/uk/uk-pm-johnsons-conservatives-see-support-slump-lowest-since-election-poll-2021-09-10/
[10] Ishaan Tharoor, The West’s center-left is having a moment, September 24, 2021, washington post, https://www.washingtonpost.com/world/2021/09/24/center-left-revival/