الكويت، 16 أكتوبر 2021 (csrgulf): في حال نفّذت الكويت مشاريع رفع القدرة الإنتاجية النفطية خلال العقدين المقبلين، قد تعاني نسبة كبيرة من الكويتيين في المستقبل خاصة الأطفال مشاكل صحية خطيرة ودقيقة بسبب زيادة رصد ملوثات منبعثة من مناطق صناعات تحويلية ونفطية. وهذه الانبعاثات قد تزيد من تداعيات الاحتباس الحراراي الضارة بصحة السكان.
ونظرا لصغر مساحة الكويت المعتمدة بشكل كبير على صناعة النفط، ترتفع مستويات خطورة التحديات البيئية والصحية جراء احتمالات اقتراب المناطق السكنية مستقبلاً من المواقع الصناعية ذات الملوثات والانبعاثات العالية. وهناك مخاوف من أن تسهم مخططات توسيع الصناعة النفطية على حساب محدودية الأراضي المخصصة للاسكان والتي لا يمكنها استيعاب تفاقم الطلب على السكن مستقبلاً، في تعريض أجيال المستقبل لزيادة انبعاثات الغازات الملوثة.
ويعاني المواطن الكويتي من أزمة السكن منذ سنوات طويلة وقد تتفاقم بسبب ندرة الأراضي السكنية التي قد تستطيع استيعاب النمو الديمغرافي الكويتي. اذ قد تقترب مخططات العمران والمشاريع الاسكانية مستقبلاً أكثر من المناطق الصناعية النفطية التي تمتد على مساحة كبيرة من البلاد. ويمثل اقتراب المناطق السكنية من مواقع الصناعات التحويلية والنفطية والكيمائية تحدياً بيئياً وصحياً خطير على السكان وذلك على المدى المتوسط والبعيد، ويمكن ملاحظة المخاطر مع حلول 2030. لكن في حال أولت الحكومة الكويتية أهمية قصوى لإنقاذ أجيال المستقبل من خطر بيئي وصحي داهم وملموس، فقد تكون مضطرة للتخلي عن جزء من أنشطتها البترولية أو الغاء بعض مشاريع توسعة القدرة الإنتاجية في المستقبل. و لايمكن تحقق ذلك الا من خلال توفر ارادة سياسية ودعم تشريعي وحلول بديلة أبرزها زيادة تنويع ايرادات البلاد غير النفطية.
وتخطط الكويت لاستثمار نحو 500 مليار دولار في استثمارات طاقية بحلول 2040[1]، هذه الاستثمارات قد تضاعف مخاطر ضخمة جدا تهدد حياة أجيال الكويت في المستقبل وتجعل البلاد طاردة للعيش، حيث قد تحد من عناصر البيئة الصحية. هذه الاستثمارات ان نفذت قد تتصادم مع مشاريع التوسعة العمرانية. حيث بات الزحف الديمغرافي يقترب تدريجياً من المناطق الصناعية النفطية، ما يعني أن ألاف المواطنين الكويتيين قد يكونوا عرضة مستقبلاً لخطر انبعاثات الغازات الملوثة من الصناعات التحويلية الضخمة كمنشئات المصافي النفطية وعمليات تكرير النفط والمشروعات البتروكيماوية.
وعلى الأرجح أن مؤسسة البترول الكويتية قد تراجع خيار زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط الخام إلى 4.75 مليون برميل يوميًا في عام 2040 آخذة في عين الاعتبار التحديات البيئية السريعة الطارئة والخطيرة. والأجدر أن يتم توجيه زيادة الانفاق على استثمارات موجهة للتكيف الاقتصادي مع المتغيرات المناخية المقلقة.
ومن أجل انقاذ بيئة الكويت وتخفيف حدة تداعيات الاحتباس الحراري المتنامية سنويا، بات تخلي الكويت عن الصناعة النفطية وتنويع الاقتصاد ضرورة حيوية وحتمية ومصيرية. فالاعتماد المفرط للكويت على صناعة النفط يجعلها تواجه خطرا داهما وبسرعة أكبر من التوقعات الحكومية. وأصبح خيار تكييف عمليات شركات النفط مع الظروف المناخية والوصول الى الحياد الكربوني لأنشطتها و0 انبعاثات للغازات الدفيئة، أمر حيوي جدا.
وقد شكّلت الأنشطة المتعلقة بالطاقة الجزء المهيمن من انبعاثات الغازات الدفيئة في الكويت منذ عام 1994. اذ يرتبط نحو 95.3 في المئة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة باحتراق الوقود الأحفوري وإطلاق الانبعاثات المتدفقة من عمليات النفط والغاز. كما شكلت إدارة النفايات نحو 2.4 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة، تليها انبعاثات العمليات الصناعية بنسبة 2.1 في المئة. في حين تمثل الزراعة 0.2 في المئة.[2]
وتعتبر محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء بين المصادر المباشرة للتلوث بغاز ثاني أكسيد الكربون في الكويت بالإضافة لمصادر أخرى مثل النقل البري وصناعة النفط. بالنسبة لمحطات توليد الكهرباء فان غاز ثاني أكسيد الكربون المتدفق للغلاف الجوي ينطلق من احتراق الوقود بالهواء لتحويل الماء إلى بخار. وقد ثبت أن استخدام الأكسجين المخصب يمكن أن يقلل من استهلاك الوقود ويقلل من الانبعاثات[3].
وبسبب الصناعة النفطية تقدمت دول الخليج في قائمة أكثر دول العالم انتاجاً لانبعاثات غاز CO2، حيث صنفت الأولى عربياً والسادسة عالميا، فالإمارات الثانية عربياً والرابعة عشر عالمياً، والكويت الثالثة عربياً والسابعة عشر عالمياً[4]. وبالنظر لمحدودية مساحة الكويت وقلة التنوع البيولوجي والجغرافي فان تأثيرات الاحتباس الحراري قد تكون أكثر خطورة على الكويت أكثر من غيرها من دول الخليج. وتعتبر منطقة الخليج بين أكثر مناطق العالم التي يرتفع فيها سنويا معدل انبعاثات أكسيد الكربون حسب الفرد.
وتهدف دول الخليج بشكل متفاوت الى تقليص استهلاك الطاقة الكربونية أو المسؤولة عن تدفقات ثاني أكسيد الكربون خاصة على مستوى توليد الكهرباء وتحلية المياه.
وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي من بين أكبر الدول المنتجة للكربون، إلا أنها لا تعتمد على الفحم في جميع أنشطتها الصناعية وتوليد الطاقة، كما هو الحال في بقية العالم المتقدم. حيث ينتج الفحم انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى[5].
زيادة خطر الانبعاثات العالية من الملوثات من المناطق الصناعية التحويلية والنفطية
يوضّح التوزيع الجغرافي لانبعاثات المصادر الثابتة لثاني أكسيد الكربون أن منطقة الشعيبة الصناعية، على بعد حوالي 50 كيلومترًا جنوب مدينة الكويت، لديها أعلى بصمة كربونية مع 15 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا في عام 2013 تليها منطقة الزور مع 12 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة ذاتها[6]. يمكن أن تُعزى الانبعاثات العالية من منطقة الشعيبة الصناعية إلى وجود صناعات واسعة النطاق (مثل مصانع الكيماويات والبتروكيماويات)، ومصنع الاسمنت والمواد الأولية، ومحطات كهرباء شمال وجنوب الشعيبة، ومصفاة النفط والعديد من الصناعات الصغيرة الأخرى خاصة المرتبطة بالمعادن والصناعات الكيميائية، بما في ذلك التوسعات في الصناعات البتروكيماوية[7].
وترجح استنتاجات دراسة المركز لتوقعات المخاطر تسارع تداعيات الاحتباس الحراري على الكويت، وهو ما يدعو لضرورة مراجعة الحكومة لخططها التنموية ومراعاة الظروف المناخية والصحية المستجدة. حيث قد تكون الكويت محتاجة للتخلص من 70 في المئة من أنشطتها النفطية بحلول 2040 وتكييف المساحات المخصصة للصناعة النفطية مع استثمارات صديقة أكثر للبيئة. هذا المسار قد يساعد على تحوّل الكويت في غضون 15 عاماً من دولة نفطية الى بلد صديق للبيئة يعتمد اقتصادها على أنشطة تنموية مستدامة قليلة الانبعاثات الدفيئة السّامة.
وتم تقدير صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 97.2 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في الكويت عام 2016. ويساهم قطاع الطاقة بنحو 70 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في دولة الكويت، وقد شرعت الكويت في سياسات جديدة وهامة لتعزيز كفاءة الطاقة والسعي وراء الطاقة المتجددة. الا أن هذا التحوّل الطاقي لا يزال بطيئاً، حيث توجد بعض المشاريع مطروحة للنقاش بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول استخدام الطاقة النظيفة للحد من الانبعاثات. وتبرز حاجة ملحة لتطوير قاعدة بيانات وطنية للرصد والإبلاغ عن معلومات حول انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمشاريع الممكنة والمبتكرة للتخفيف من هذه الظاهرة[8].
على صعيد آخر، تزيد حدة المخاطر الصحية المرتبطة بـ(الهيدروكربونات العطرية) وهي غازات تنبعث من عملية الاحتراق المترتبة عن عملية معالجة الوقود الأحفوري وعادة ما تترسب في غبار يتسرب الى المنازل ويستنشقه الكبار والصغار. هذه الانبعاثات تعتبر ملوثات شائعة في البلدان المنتجة للنفط لأن معالجة الوقود الأحفوري تولد (هيدروكربونات عطرية) ترتبط بالغبار. تنتقل جزيئات من هذه الملوثات جواً إلى المنازل أثناء العواصف الترابية، وهي شائعة في البلدان الصحراوية المنتجة للنفط، وبالتالي فإن الأطفال والبالغين في المنزل يتعرضون (للهيدروكربونات العطرية) على شاكلة غبار يتسرب الى داخل المنازل. ويتجاوز انبعاث هذه الملوثات في الكويت الحد الآمن الذي حددته وكالة حماية البيئة الأمريكية. لذلك، فإن التعرض للهيدروكربونات العطرية يزيد من خطر الإصابة بالسرطان لدى الأطفال والبالغين في الكويت[9].
وتحرص بعض شركات نفط الكويت على تغيير ثقافة وسلوك المواطنين فيما يتعلق بالتعامل مع البيئة الصحراوية خاصة القريبة من منشآت بترولية وذلك بحثّهم على زارعة الأشجار وعدم التعرض للملوثات التي تحفزها العواصف الترابية. كما أسهمت شركة نفط الكويت في زيادة مبادرات خفض الانبعاثات وضمان ألا تؤثر عملياتها على الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من منشآتها.[10]
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
الهوامش:
[1] Reuters Staff, Kuwait Petroleum to spend over $500 bln by 2040 as it lifts oil capacity, 2018, https://www.reuters.com/article/kuwait-oil-idUSL8N1PQ3PX
[2] STATE OF KUWAIT Environment Public Authority, Kuwait’s Initial, National Communications under the United Nations Framework, Convention on Climate Change, November 2012, https://unfccc.int/sites/default/files/resource/Kuwait%20INC%20final%20to%20COP.pdf
[3] Yousef Alqaheem, Fajer Alswaileh, Oxygen Enrichment Membranes for Kuwait Power Plants: A Case Study,
Petroleum Research Center, Kuwait Institute for Scientific Research, 2021, 11(3), 211; https://doi.org/10.3390/membranes11030211
Received: 13 December 2020 / Revised: 5 January 2021 / Accepted: 11 January 2021 / Published: 17 March 2021
[4] world Bank, Kuwait Greenhouse Gas (GHG) Emissions 1970-2021,https://www.macrotrends.net/countries/KWT/kuwait/ghg-greenhouse-gas-emissions
[5] Fahad Radhi Alharbi, Denes Csala, Gulf Cooperation Council Countries’ Climate Change Mitigation Challenges and Exploration of Solar and Wind Energy Resource Potential, Challenges and Exploration of Solar and Wind Energy Resource Potential, Appllied Sciences. 2021, 11, 2648. https://doi.org/10.3390/app11062648, Academic Editor: Luisa F. Cabeza, file:///C:/Users/IMED/Downloads/applsci-11-02648-v3.pdf
[6] Asma Al-Mutairi, Andrew Smallbone, S.M.Al-Salemb Anthony, Paul Roskillya, The first carbon atlas of the state of Kuwait, Volume 133, 15 August 2017, Pages 317-326, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0360544217308538
[7] Asma Al-Mutairi, Andrew Smallbone, S.M.Al-Salemb Anthony, Paul Roskillya, The first carbon atlas of the state of Kuwait, Volume 133, 15 August 2017, Pages 317-326, https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0360544217308538
[8] FACILITATIVE SHARING OF VIEWS, TENTH WORKSHOP, STATE OF KUWAIT, June-2021
حفـل اعـلان النتـائج النهائية للبـلاغ الوطـني الثـاني لـدولة الكـويت الخـاص في اتفـاقيـة الأمـم المتحـدة الإطـارية لتغـير المنـاخ
https://unfccc.int/sites/default/files/resource/FSV-Kuwait-30-5-2021.pdf
[9] YOUSEF E. AL-QALLAF, MOHAMMAD Y. HAIDER & HASAN W. RIZVI, TACKLING KUWAIT’S AIR POLLUTION THROUGH A REGULATORY-BASED,APPROACH – A CASE STUDY Health & Environment Team, Kuwait Oil Company, Kuwait. Int. J. Environ. Impacts, Vol. 1, No. 2 (2018) 152–161, ISSN: 2398-2640 (paper format), ISSN: 2398-2659 (online), http://www.witpress.com/journals
DOI: 10.2495/EI-V1-N2-152-161
[10] YOUSEF E. AL-QALLAF, MOHAMMAD Y. HAIDER & HASAN W. RIZVI, TACKLING KUWAIT’S AIR POLLUTION THROUGH A REGULATORY-BASED,APPROACH – A CASE STUDY Health & Environment Team, Kuwait Oil Company, Kuwait. Int. J. Environ. Impacts, Vol. 1, No. 2 (2018) 152–161, ISSN: 2398-2640 (paper format), ISSN: 2398-2659 (online), http://www.witpress.com/journals
DOI: 10.2495/EI-V1-N2-152-161