- زيادة انخراط الأطفال والشباب الافغان في ممارسة أنشطة اجرامية كالتهريب وزراعة وتجارة المخدرات
- أفغانستان البلد المنهوب: عشرون عاماً من الوجود الأميركي وحصيلة صفر تنمية
- زيادة الأمية والفقر والفساد في أفغانستان تكشف حقيقة التواجد الأميركي وفشل مشروع الدمقرطة
الكويت، 30 أغسطس 2021(csrgulf): أفغانستان اليوم ليس بحال أفضل من أفغانستان 2001 حين دخلتها الولايات المتحدة الأميركية بنية خلق نظام جديد بعيدا عن التطرف وترسيخ مشروع ديمقراطية جديدة في منطقة آسيا الوسطى، حيث لم يمنح مشروع الدمقرطة الأميركية الكثير على مستوى تنمية البلاد وخلق جيل أفغاني جديد مثقف وواعي كما لم يحسن المشروع الأميركي موارد البلاد خاصة على مستوى التنمية البشرية وتعزيز حقوق الانسان وإرساء دولة القانون والمؤسسات جامعة لكل المواطنين والأعراق والطوائف.
الجانب المظلم من ارث عقدين من التواجد الأميركي في أفغانستان شمل تدهور مؤشرات الموراد البشرية وخاصة الأطفال والشباب. وضمن سلسلة تقارير بحثية للمركز حول تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة حكم طالبان يكشف هذا البحث استنادا على الاحصائيات الدولية عن زيادة انخراط الأطفال والشباب خلال العقد الأخير في ظل التواجد الأميركي في زراعة وتجارة المخدرات والتهريب[1]. في 2020، زادت بنسبة 37٪ زراعة خشخاش الأفيون[2] بفضل زيادة استخدام الشباب والأطفال. وقد زاد استغلال الشباب خاصة من الأقليات و الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة في الأنشطة الإجرامية وغير القانونية، وهو ما مثل ارثاً سيئاً في سجل التواجد الأميركي في أفغانستان.
تشكك دراسات في مصداقية وعود طالبان بشأن التفاهمات الداخلية واحترام حقوق الشعب الأفغاني بمختلف عرقياته. فبالإضافة لغياب برنامج سياسي واصلاحي تعتمده طالبان لحكم البلاد لحد اليوم. تزيد نسبة المخاوف من تدهور كبير لمؤشرات التنمية البشرية للأفغان.
ورغم نحو عشرين عاما من التواجد الأميركي وإعلان واشنطن والمجتمع الدولي مساعدات لتعزيز ترسيخ الحداثة والديمقراطية والشفافية ودولة القانون والمؤسسات، الا أن نتائج عقدين من الوجود الأميركي لم تضف كثيرا من الإنجازات على مستوى التنمية البشرية والدمج المجتمعي والحياة الاقتصادية ومكافحة الفساد والفقر والبطالة والأمية بشكل خاص.
توجد أفغانستان اليوم في قائمة أقل دول العالم ازدهاراً حيث تحل في المرتبة 162 عالميا في مؤشر الازدهار[3] والذي يقيّم مجالات الحريات والأمن والسلامة وجودة الحياة والصحة والتعليم والحكومة وبيئة الاستثمار. ورغم جهود أميركية ودولية لتحسين مكاسب الحقوق الفردية، الا أن مؤشر الحريات الدولي بقي يصنف أفغانستان كبلد غير ديمقراطي أو حر[4]. في الأثناء تبقى أفغانستان بين أكثر الدول تسجيلا لارتفاع مدركات الفساد في العالم وهي آخر المراتب العالمية وتحديدا في المرتبة 165 عالميا في 2020[5].
وقد أثر استشراء الفساد في أفغانستان على تراجع فرص الاستثمار والتوظيف وقفز معدلات الهجرة بنية العمل حيث يصل معدل طلب الهجرة العمالية سنويا الى نحو أكثر من مليون[6] راغب في الهجرة. وقد أثرت محدودية فرص العمل على ارتفاع معدل البطالة التي تختلف تقديرات حولها بين 12 في المئة[7]، فيما ترجح تقديرات أخرى ان يرتفع معدل البطالة الى نحو 50 في المئة[8] رغم اسهام زراعة وتجارة الافيون في استقطاب عدد كبير من العمالة. ففي عام 2018، ما يقرب من نصف الأفغان (49٪) ليسوا من القوى العاملة ونحو (80٪) من النساء خارج القوة العاملة[9].
وبسبب محدودية الازدهار وتراجع دخل الأفراد فان أكثر من نصف الأفغان يعيشون تحت خط الفقر[10]. وفي حين بقي دخل الفرد في أفغانستان السنوي بين الأقل في العالم يعاني أكثر من ربع الأفغان أي نحو 11 مليون نسمة أزمة غذاء ونحو نصف السكان بحاجة الى مساعدة[11].
ورغم جهود دولية لدعم حقوق المرأة الأفغانية على مستوى الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية كالعمل فضلا عن أبسط الحقوق الأساسية كالحق في التعليم، ماتزال أفغانستان متأخرة جدا عن تحقيق تقدم ملموس حيث تعتبر أقل دولة في المنطقة من حيث تعليم النساء[12]. كما أن نسبة الأمية ماتزال مرتفعة جداً حيث تشمل نحو أكثر من 10 ملايين أفغاني من مختلف الشرائح خاصة الأطفال والشباب حيث تصل نسبة الأمية بينهم أكثر من 60 في المئة[13] وهذا يعد أعلى معدل عالمياً بينما تتراوح نسبة التعليم 38 و43 في المئة[14] على أقصى تقدير.
على صعيد آخر، زادت معدلات العنف والجريمة بشكل لافت ومقلق جدا خلال السنوات الثلاث الأخيرة حيث بلغت نسبة الخطر الى مرتفع جدا عند 80 في المئة في حين تراجع معدلات السلامة والأمن[15]. وقد خلقت الجغرافيا والتكوين العرقي المعقد لأفغانستان وتاريخ الصراع وعدم الاستقرار مساحة لتواجد العديد من الجماعات الإسلامية المسلحة، والتي شارك بعضها في نشاط إرهابي عابر للحدود مثل القاعدة وداعش. بالإضافة الى زيادة ارتكاب الجرائم على أساس عنصري أو بدافع طائفي أو بسبب الكراهية.
أولوية التواجد الأميركي في أفغانستان لم تكن تحسين مؤشرات التنمية أو خلق نظام ديمقراطي
لم تمكث الولايات المتحدة عشرين عاماً في أفغانستان لإنجاح مشروع تطوير ونهضة أفغانستان بل كان احتلالا عسكرياً من أجل تحقيق أهداف استراتيجية أغلبها أمنية. كما لم تنجح واشنطن في اختراق قيم جزء كبير من الشعب الأفغاني المحافظ والذي ظل ينبذ بعض قيم الحداثة والدمقرطة الأميركية.
وفي ظل هذه المتناقضات وضعف الأطراف المستجدة في الحكم خاصة المدعومين أميركياً وأغلبهم من الأفغان المعارضين لطلبان والعائدين من الخارج ومن النخبة المثقفة غير المنسجمة تماماً مع تطلعات السواد الأعظم من الشعب الأفغاني، عملت الإدارات الأميركية منذ عهد باراك أوباما على التفاوض مع طرف قوي أفغاني وكانت طالبان المقصودة من أجل تامين انقال للسلطة لكن بشروط الالتزام بعدم تصدير الإرهاب وتهديد أميركا وحلفائها.
فالنظام الأفغاني الذي استمر عقدين من الزمان في ظل توفر الحماية والدعم الأمريكي لم يوجد ليستمر بسبب تناقضاته والتدخل الأجنبي في ارادته وغياب رؤية توافقية لحكم البلاد واقصاء جزء كبير من الشعب الأفغاني ممن ممارسة حقه في تقرير مصير بلاده التي بقيت مساراته مشتتة بين الحداثة والأصولية، وبقيت مسببات عدم الاستقرار نفسها وظلت التنمية مرتبطة بأنشطة غير مشروعة حيث نمت مؤشرات الفساد وتجارة المخدرات فيما بقي تطور ملف الحقوق الحريات محتشماً بسبب مقاومة الأعراف التقليدية لدعوات الحداثة خاصة على مستوى حقوق المرأة والأقليات.
ورغم عدم حسم قضايا تعزيز حقوق الأفغان أو تنمية مؤشرات الممارسة الديمقراطية، بدأت الولايات المتحدة انسحابًا كاملًا وسريعًا لقواتها بعيدًا عن التأكد من حسن مسار عملية التنمية والسلام (سواء تم إحراز تقدم فيها أم لا). في الأثناء توقفت معظم المساعدات باستثناء الجهود الإنسانية عبر القنوات متعددة الأطراف[16] مع وصول طالبان للحكم. وبينما يتم دعم عملية السلام من قبل الغالبية العظمى من الأفغان رغم استيلاء طالبان على الحكم، لا يزال يتعين حلّ العديد من القضايا خلال المفاوضات بين الأفغان، بما في ذلك تقاسم السلطة ونزع سلاح المقاتلين وإعادة دمجهم في المجتمع، فضلاً عن تحديد مستقبل المؤسسات الديمقراطية في البلاد والبت في مصير الدستور.
المفاوضات كانت في البداية كانت محفوفة بالمخاطر في أعقاب الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير 2020. حيث ظهرت بعض بوادر عدم التزام طالبان ببعض الإجراءات المتفق عليها كإطلاق سراح الأسرى والمسجونين من القوات الأفغانية[17].
وتزيد وتيرة القلق حول مخاوف جدية من انهيار التوافقات التي تعهدت طالبان بحفظها مما قد يؤدي إلى حرب أهلية مماثلة للوضع الحالي في سوريا. فالمؤسسات الحكومية الأفغانية تقع تحت سيطرة طالبان وقد تتصرف بشكل يعارض ارث المصالح الأمريكية. كما أن التهديد الإرهابي للولايات المتحدة وحلفائها لم يعد من الممكن احتوائه بالكامل. ورغم تحركات فعلية لعناصر الحركة من أجل طمأنة الداخل والخارج، الا أن ذلك لا يخفي احتمالات هروب رأس المال البشري والهجرة المحتملة وتفاقم أزمة اللاجئين التي قد تهدد استقرار المنطقة وتؤثر خاصة على منطقة الخليج والاتحاد الأوروبي[18].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] UNITED NATIONS OFFICE ON DRUGS AND CRIME, THE GLOBAL AFGHAN OPIUM TRADE, A Threat Assessment, https://www.unodc.org/documents/islamicrepublicofiran/Afghan_Opiate_Threat_Assessment.pdf[2] Afghanistan: 37 per cent increase in opium poppy cultivation in 2020, while researchers explore novel ways to collect data due to COVID-19, UNODC, 2020, https://www.unodc.org/unodc/en/frontpage/2021/May/afghanistan_-37-per-cent-increase-in-opium-poppy-cultivation-in-2020–while-researchers-explore-novel-ways-to-collect-data-due-to-covid-19.html
[3] THE LEGATUM PROSPERITY INDEX™ 2020, Creating the Pathways from Poverty to Prosperity, https://www.prosperity.com/rankings
[4] Freedom House rates people’s access to political rights and civil liberties in 210 countries and territories through its annual Freedom in the World report. Individual freedoms—ranging from the right to vote to freedom of expression and equality before the law—can be affected by state or nonstate actors, 2020, https://freedomhouse.org/countries/freedom-world/scores
[5] CORRUPTION PERCEPTIONS INDEX, transparency, 2020, https://www.transparency.org/en/cpi/2020/table/afg#
[6] Under-Secretary-General for Humanitarian Affairs and Emergency Relief Coordinator Martin Griffiths Statement on Afghanistan, 9 August 2021, Format News and Press Release Source OCHA , https://reliefweb.int/country/afg
[7] Afghanistan Unemployment Rate 11.73% for 2020, https://ycharts.com/indicators/afghanistan_unemployment_rate_annual
[8] KRISTJAN ARCHER, Inside Afghanistan: Job Market Outlook Bleakest on Record, SEPTEMBER 9, 2019, https://news.gallup.com/poll/266555/inside-afghanistan-job-market-outlook-bleakest-record.aspx
[9] KRISTJAN ARCHER, Inside Afghanistan: Job Market Outlook Bleakest on Record, SEPTEMBER 9, 2019, https://news.gallup.com/poll/266555/inside-afghanistan-job-market-outlook-bleakest-record.aspx
[10] Poverty headcount ratio at national poverty lines (% of population) – Country Ranking, world Bank, https://www.indexmundi.com/facts/indicators/SI.POV.NAHC/rankings
[11] Under-Secretary-General for Humanitarian Affairs and Emergency Relief Coordinator Martin Griffiths Statement on Afghanistan, 9 August 2021, Format News and Press Release Source OCHA , https://reliefweb.int/country/afg
[12] Human Development Report 2020,The Next Frontier: Human Development and the Anthropocene, Briefing note for countries on the 2020 Human Development Report, Afghanistan, http://hdr.undp.org/sites/default/files/Country-Profiles/AFG.pdf
[13] KIM THELWELL, AFGHANISTAN, DEVELOPING COUNTRIES, EDUCATION, GENDER EQUALITY, GIRLS’ EDUCATION, GLOBAL POVERTY, LITERACY, LITERACY RATE
BICYCLE LIBRARIES RAISE LITERACY RATES IN AFGHANISTAN, JULY 20, 2019, borgenproject, https://borgenproject.org/tag/literacy-rates-in-afghanistan/
[14] UNESCO, Interview: “Literacy rate in Afghanistan increased to 43 per cent”, 17 March 2020, https://uil.unesco.org/interview-literacy-rate-afghanistan-increased-43-cent
[15] Crime in Afghanistan, 2020, https://www.numbeo.com/crime/country_result.jsp?country=Afghanistan
[16] Afghanistan Study Group Final Report, United States Institute of Peace, F E B R U A R Y 2 0 2 1,https://www.usip.org/sites/default/files/2021-02/afghanistan_study_group_final_report_a_pathway_for_peace_in_afghanistan.pdf
[17] Lindsay Maizland, U.S.-Taliban Peace Deal: What to Know, March 2, 2020, https://www.cfr.org/backgrounder/us-taliban-peace-deal-agreement-afghanistan-war
[18] Afghanistan Study Group Final Report, United States Institute of Peace, F E B R U A R Y 2 0 2 1,https://www.usip.org/sites/default/files/2021-02/afghanistan_study_group_final_report_a_pathway_for_peace_in_afghanistan.pdf