الكويت، 15 أغسطس 2021 (csrgulf): تنتج الكويت تقريباً ثلاثة أضعاف ما تنتجه سويسرا من انبعاثات غازات دفيئة مسببة للاحتباس الحراري، ويصنّف الكويتيون ثالث أكثر شعوب العالم تضررا من زيادة انبعاثات الغازات الملوثة وفق تحديث ترتيب دول العالم حسب مؤشر (نصيب الفرد من انبعاثات غازات الدفيئة البشرية)[1].
وقد يصبح الكويتيون مضطرون للتكيف مستقبلاً مع طقس متقلب جداً وحرارة تفوق سقف 50 درجة خلال الصيف ومتوسط 40 درجة خلال الخريف. وان كانت ذروة هذه الحرارة تبقى غير مألوفة وتتخطى المتوسط العالمي، الا أنها قد تتحول الى واقع مناخي صادم خلال العقود المقبلة، وعلى الأرجح أن يكون تحققه بوتيرة أسرع من التوقعات السابقة، مع إمكانية تمدد فترات الحرارة لتلتهم أكثر من ثلثي السنة في المدى المتوسط.
ونظرا للموقع الجغرافي للكويت وتأثرها بتسارع تأثيرات الاحتباس الحراري المنبعث من الدول الكبرى المحيطة بها والتي تمثل مجتمعة أكبر منصة نفطية في العالم وأكبر مصدر تلوث للغلاف الجوي لمنطقة الشرق الأوسط، لا تستطيع الكويت في ظل هذه الظروف أن تتجنب الآثار الضخمة للانبعاثات المتسببة في تغيرات مناخية تميل الى الاضطراب والتقلب بل قد يجد السكان أنفسهم مدعون لإعادة تكييف حياتهم على مناخ مستجد في المستقبل القريب.
وضمن الجزء الثاني لدراسة أعدها فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) في سبعة أجزاء حول “زيادة انكشاف الكويت على مخاطر الاحتباس الحراري: المخاطر والتحديات” توصلت النتائج الى أنه بسبب تأخر وبطء سياسات الحكومة للتكيف مع التغيرات المناخية يحتل الكويتيون اليوم المرتبة الثالثة عالمياً في تصنيف أكثر شعوب الأرض تعرضاً لمخاطر آثار الاحتباس الحراري والانبعاثات العالية للغازات الدفيئة خاصة CO2.
رغم تراجعه الطفيف الا أن معدل انتاج الفرد في الكويت لغاز ثاني أكسيد الكربون CO2 يعتبر مرتفعاً جدا وخطير على صحة الانسان على المدى المتوسط والبعيد بسبب ارتباطه المباشر بالتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري. ويعتبر المعدل التقديري الحالي لإنتاج غازCO2 (21.6 طن متري)[2] أكثر بنحو 5 أضعاف من المعدل العالمي 4.48 طن متري[3]. وهو ما يدل على زيادة تركز الغازات السامة في أجواء الكويت. وبذلك ارتفع نصيب الفرد في انتاج الغازات الى 25.56 طن في 2019 مقارنة بنحو 25.19 طن في 2018[4].
مخاطر تداعيات الاحتباس الحراري قد تصبح أكثر وضوحاً على المدى المتوسط، خاصة في ظل التطور الدراماتيكي لتقلبات الطقس وتراجع وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض جودة مؤشرات المناخ والبيئة وتسارع اثارها السلبية المحتملة على التنوع البيولوجي وصحة الانسان. على سبيل المثال إذا استمرت تداعيات الاحتباس الحراري على مناخ الكويت في تصاعدها يمكن أن تصل الرطوبة في شهري أغسطس وسبتمبر إلى مستويات أعلى من 95٪ ويمكن أن تكون العواصف الترابية شائعة في أشهر الصيف مما يؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية[5].
في ظل سيناريو انبعاثات عالية، فان متوسط ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يبلغ نحو 6.2 درجة مئوية من 1990 إلى 2100. أما إذا انخفضت الانبعاثات العالمية بسرعة، فقد يقتصر ارتفاع درجة الحرارة على نحو 1.7 درجة مئوية. وفي ظل استمرار زيادة درجات الحرارة يصبح كبار السن في الكويت عرضة لمخاطر الوفاة[6]. وقد كشفت تقارير أنه كلما وصلت فيها درجات الحرارة في الكويت إلى أقصى درجات (متوسط يفوق 43 الى 50 درجة)، زاد عدد الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل كبير. ومع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، قد يكون الأشخاص الذين يعيشون في مناطق حارة في العالم مثل الكويت معرضين بشكل خاص لخطر الوفاة بمثل هذه الأمراض[7].
وتوازياً مع مخاطر ارتفاع الحرارة، تزيد المخاوف من احتمالات اختناق بعض مناطق الكويت بالغازات الملوثة للغلاف الجوي وخاصة تلك التي تقع في محيط المناطق الصناعية ذات الأنشطة النفطية أو التحويلية أو الكيميائية وما قد يترتب عنها من زيادة التسبب في انبعاث غازات وملوثات قد تسبب أمراض مختلفة، وقد تفاقم زيادة مستويات درجات الحرارة القياسية الأضرار المتوقعة على صحة المواطن مع توقع زيادة معدلات الوفيات المصاحبة لارتفاع الحرارة القياسية المصاحبة لتلوث مرتفع.
ولم يعد هواء الكويت وحرارتها فقط مهددان بالخروج عن المستويات الطبيعية، بل زادت ندرة المياه العذبة في الكويت وقلت جودتها كإحدى نتائج التغيرات المناخية التي ضاعفت معدلات الجفاف. ففي ظل منطقة تواجه اضطراب استقرار الموارد الطبيعية تعتبر الكويت الثانية عالمياً عرضة لمخاطر نفاذ مصادر المياه العذبة. حيث تعاني الكويت وأغلب دول الخليج من شدة الإجهاد المائي المحتمل في عام 2040، بما في ذلك البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وعمان. فالمنطقة تم تصنيفها أنها الأقل وفرة مائية في العالم، حيث تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية ومياه البحر المحلاة، وتواجه تحديات استثنائية متعلقة بالمياه في المستقبل المنظور[8]. وعلى ضوء ذلك، من المرجح أن يكون الأمن الغذائي الكويتي في خطر أكبر مستقبلاً بسبب أزمة ندرة المياه في الكويت مع زيادة تضرر التربة وتأثر النشاط الزراعي المحلي بتحديات زحف ظاهرة التصحر التي تعتبر من أبرز تداعيات الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر للحرارة. وبذلك يعتبر الكويتيون بين أكثر شعوب العالم مواجهة لانعكاسات الظروف المناخية على مواردهم الطبيعية والبيئة (الهواء والماء والتربة فضلا عن محدودية التنوع البيولوجي). ومالم تسارع الحكومة الكويتية لمضاعفة جهود التكيف مع جملة الظواهر المناخية وإيجاد بدائل سريعة للموارد الاخذة في النضوب فقد تجعل صحة الكويتيين وحياتهم على المدى المتوسط عرضة لمخاطر مزدوجة.
عموما يعتبر تغير المناخ من أكثر القضايا صعوبة التي تواجهها الكويت بسبب الخصائص المناخية للبلاد، ومعدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة، والاعتماد الشديد على مصادر الطاقة غير المستدامة والوضع الاجتماعي والسياسي المعقد الحالي. الآثار المتوقعة لتغير المناخ في هذه المرحلة لا رجعة فيها ولا يمكن تجنبها، ومع ذلك، يمكن استيعاب صدمة هذه الآثار من خلال التكيف مع المناخ. اذ يقلل التكيف مع المناخ من التعرض لآثار للتغير المناخي[9]. تتجلى التغيرات المناخية المحتملة في زيادة المتوسط السنوي لدرجات الحرارة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات في الظواهر الجوية العنيفة على الحياة البشرية، كما يؤثر الإجهاد الحراري ومحدودية التنوع البيولوجي على الأنشطة الاقتصادية والأمن المائي والبنية الأساسية.
مخاطر تغير المناخ قد تؤدي الى تدهور التنوع البيولوجي. فالحياة البشرية والبيولوجية مهددة بظاهرة الاحتباس الحراري. ومن المرجح أن تؤدي الظروف المناخية الأكثر قسوة إلى زيادة تكون الكثبان الرملية وزحف الرمال والعواصف الترابية الشديدة. كما سيؤدي الجفاف إلى زيادة الطلب على المياه للاستهلاك المحلي والري. وستؤثر زيادة درجة حرارة مياه البحر على فترة تفريخ الأسماك والروبيان وقد يتسبب في هجرة الأسماك إلى مناطق أخرى أكثر ملاءمة. كما قد تعود الخسائر على الغطاء النباتي بسبب زحف الرمال أو فترات هطول الأمطار غير المنتظمة التي تسبب الجريان السطحي والفيضانات. وهو ما يجعل الحاجة ملحة وحيوية لوضع خطة استراتيجية للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه في الكويت.[10]
وتشير أحدث تقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) الى أن هناك احتمال بنسبة 90 في المئة أن يسجل أحد الأعوام على الأقل في الفترة الممتدة بين 2021 و2025 ارتفاعاً تاريخياً وغير مسبوق لدرجات حرارة قد تكون الأكثر دفئًا على الإطلاق[11]. ومن المحتمل أن تكون الكويت بين أكثر الدول المرشحة لتسجيل ارتفاعات قياسية للحرارة، حيث حافظت منذ نحو عشر سنوات على تصدر تصنيف أسخن مدن العالم.
وتتوقع دراسات كويتية رسمية أن تصبح جميع مناطق اليابسة في الكويت أكثر دفئًا في المستقبل، مع توقع حدوث تغيير كبير لمناخ أشهر الشتاء. في جميع أنحاء البلاد، يُظهر متوسط درجات الحرارة السنوية ميلا أكبر لارتفاعات قياسية مستقبلا على المدى البعيد بين 4.3 درجة إلى 4.5 درجة مئوية بحلول الفترة 2071. كما ستصبح الكويت أكثر جفافاً في المستقبل، حيث يظهر متوسط هطول الأمطار السنوي في الجزء الغربي من البلاد أكبر انخفاض له أي أقل بنسبة تتراوح بين 15٪ و18٪ تقريبًا من المتوسط التاريخي. في الأثناء ستشهد مياه الخليج العربي تغيرًا. حيث ارتفعت درجات حرارة سطح البحر في الخليج العربي بشكل مضطرد بمعدل 0.6 درجة مئوية لكل عقد، وهو اتجاه أكبر بثلاث مرات من المتوسط العالمي[12].
وتتفاقم تحديات التكيف مع هذه المتغيرات في ظل احتمالات أن تكون بيئية الكويت معرضة لمخاطر غير متوقعة قد تسبب آثار اجتماعية خطيرة وهو ما يجعل الكويتيين تحت ضغط مستمر بسبب التهديد البيئي. وكشف بعض الدراسات الحديثة أن التعرض للهيدروكربونات العطرية (PAHs) التي تنتقل مع الغبار الى داخل المنازل يزيد من خطر الإصابة بالسرطان للأطفال والبالغين في الكويت[13]. الهيدروكربونات ملوثات شائعة في البلدان المنتجة للنفط لأن معالجة الوقود الأحفوري تولد الهيدروكربونات العطرية التي ترتبط بالغبار. حيث تنتقل الجزيئات المحمولة جواً المحتوية على الهيدروكربونات العطرية إلى المنازل أثناء العواصف الترابية، وهي شائعة في البلدان الصحراوية المنتجة للنفط[14].
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] World – CO2 Emissions (metric Tons Per Capita), world Bank, 2021, https://tradingeconomics.com/world/co2-emissions-metric-tons-per-capita-wb-data.html
[2] CO2 emissions (metric tons per capita) – Kuwait, wolrd bank, 2018, https://data.worldbank.org/indicator/EN.ATM.CO2E.PC?locations=KW
[3] World – CO2 Emissions (metric Tons Per Capita), world Bank, 2021, https://tradingeconomics.com/world/co2-emissions-metric-tons-per-capita-wb-data.html[4] Our World in Data, CO2 emissions data is sourced from the Global Carbon Project, (2020), https://doi.org/10.18160/gcp-2020, https://ourworldindata.org/co2/country/kuwait
[5] WHO, CLIMATE AND HEALTH COUNTRY PROFILE – 2015
KUWAIT, http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/246149/WHO-FWC-PHE-EPE-15.24-eng.pdf;jsessionid=97B6AE947D33EE368B39CB2140F6148B?sequence=1
[6] WHO, CLIMATE AND HEALTH COUNTRY PROFILE – 2015
KUWAIT, http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/246149/WHO-FWC-PHE-EPE-15.24-eng.pdf;jsessionid=97B6AE947D33EE368B39CB2140F6148B?sequence=1
[7] Barrak Alahmad, Haitham Khraishah, Ahmed F. Shakarchi, Mazen Albaghdadi, Sanjay Rajagopalan, Petros Koutrakis, Farouc Jaffer. Cardiovascular Mortality and Exposure to Heat in an Inherently Hot Region: Implications for Climate Change. Circulation, 2020; DOI: 10.1161/CIRCULATIONAHA.119.044860, American Heart Association, Extreme, high temperatures may double or triple heart-related deaths, March 30, 2020, https://www.sciencedaily.com/releases/2020/03/200330093429.htm
[8] Andrew Maddocks, Robert Samuel Young and Paul Reig, Ranking the World’s Most Water-Stressed Countries in 2040, world ressources Institute, August 26, 2015, https://www.wri.org/insights/ranking-worlds-most-water-stressed-countries-2040
[9] Mariam Alsaad, Climate Adaptation and Kuwait’s Built Environment, March 31st, 2021, https://blogs.lse.ac.uk/mec/2021/03/31/climate-adaptation-and-kuwaits-built-environment/
[10] Samira Asem, Biodiversity and climate change in Kuwait,
March 2010, Kuwait Institute for Scientific Research, International Journal of Climate Change Strategies and Management 2(1):68-83, https://www.researchgate.net/publication/235314644_Biodiversity_and_climate_change_in_Kuwait
[11] WMO, New climate predictions increase likelihood of temporarily reaching 1.5 °C in next 5 years, report, may 2021, https://public.wmo.int/en/media/press-release/new-climate-predictions-increase-likelihood-of-temporarily-reaching-15-%C2%B0c-next-5
[12] FIRST BIENNIAL UPDATE REPORT OF THE STATE OF KUWAIT
SUBMITTED TO THE UNITES NATIONS FRAMEWORK CONVENTION ON CLIMATE CHANGE BY ENVIRONMENT PUBLIC AUTHORITY – SEPTEMBER 2019, https://epa.org.kw/Portals/0/PDF/FisrtBiennialUpdateEN.pdf
[13] Meshari Al-Harbi,Ibrahim Alhajri,Joann K Whalen, Health risks associated with the polycyclic aromatic hydrocarbons in indoor dust collected from houses in Kuwait. Environmental Pollution (IF8.071), Pub Date : 2020-06-29, DOI: 10.1016/j.envpol.2020.115054
[14] Meshari Al-Harbi,Ibrahim Alhajri,Joann K Whalen, Health risks associated with the polycyclic aromatic hydrocarbons in indoor dust collected from houses in Kuwait. Environmental Pollution (IF8.071), Pub Date : 2020-06-29, DOI: 10.1016/j.envpol.2020.115054